من هم الغوغاء

عباس النوري

عندما تشتد الأمور وتصعب إيجاد الحلول يلجئ البعض لحرب الكلام وشتم الأنام واتهام البعض للبعض ولصق التهم والاستعانة بكل ذي ذمم وأصحاب الضمير أو اللجوء للسفهاء وطرق أبواب الرعاع. وتهب رياح الغوغاء. وقد يصف كل طرف الآخر به بعلمٍ مسبق أو فقط لينال من صاحبه ليحولهُ لعدو لدود.

الزعامات المزيفة تستغل الغوغائيين لنيل مآربهم، أو لثبات أحقيتهم أو للنيل من خصمهم. وهذا حال السفهاء…حين يولدون في بيوت راقية بالعلم والأدب وكثرة المال…وهم لا يفقهون من العلم أكثر مما يجهلون به، ولا من الأخلاق إلا ما يبتعدون عنه، ولا من الأدب إلا ما يعاكسوه، ومن المال الكثير ليصرفوه من أجل كسب التأييد لشخصهم وإعلاء شأنهم والنيل ممن يقف في طريقهم. فيتجمهر حوله كل من ينعت بالغوغاء…ولعنا نتعرف على معناه ومغزاه.

الغوغاء في اللغة: هي الصوت والجَلَبَةُ – الكثير المختلط من سفلة الناس – الجراد حين يخفُ للطيران.

والغوغاء في الطبيعة: صغار الجراد – وأول ما يكون الجراد دباً ثم يكون غوغاء إذا هاج بعضه في بعض ومنه قيل لآخلاط الناس وعاشتهم غوغاء ثم يكون كتفاتا ثم يصير خيفانا إذا صارت فيه خيوط مختلفة الواحدة خيفانة ثم يكون جراداً ويقال للجراد أم عوف والعنطب ذكر الجراد والحنظب ذكر الخنافس والرجل الجماعة الكثيرة من الجراد والجندب شبيه بالجراد يكون في البرية وهو الذي يطير في شدة الحر ويصيح والصدى  شبيه به وهو الذي يسمى الصرار ويقال له الجدجد. (كفاية المتحفظ في اللغة)

في القرآن المجيد ( ربِ بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين) وفي سورة الأعراف (قال فيما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم).

وأغوي هي الكلمة القريبة من الغوغاء – والآية عن لسان حال الشيطان أي إذا كان الغوغاء نتاج الشيطان فهذا يعني أن المسمون بالغوغاء جند الشيطان…وله معاني كثيرة فإن أراد القارئ الكريم مراجعة التفاسير بخصوص الآية.

ذكر الغوغاء في نهج البلاغة عن الأمام علي (ع) قال: الناس ثلاثة فعالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق. ج2 ص178

وفي مكان آخر يقول الأمام (ع): هم الذين إذا حضروا ضروا، وإذا غابوا نفعوا – فسئل كيف ذلك؟ قال: إذا غابوا ذهب كل واحد إلى مهنته فاستفاد منه الناس.

وفي مكان آخر:إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا ج2 ص 189

وقد يكون مشتق من كلمة اللغو – وتعني كثرة الكلام مع ضجيج غير مفهوم، والمارد به التأثير على الكلام المفهوم والمقصود لكي لا يفهم ويتبع.

وقد جاءت كلمة الغوغاء في الكتاب المقدس – العهد القديم (سفر يئيل)

قول الرب الذي صار إلى نوئيل بن فثوئيل

 - أسمعوا هذا أيها الشيوخ وأصغوا يا جميع سكان الأرض هل حدث هذا في أيامكم أو في أيام آبائكم

 -  أخبروا بنيكم عنه وبنوكم بنيهم وبنوهم دوراً آخر

 - فضلة القمص أكلها الزحاف وفضلة الزحاف أكلها الغوغاء وفضلة الغوغاء أكلها الطيار.

وحقيقة وأصل كلمة الغوغاء لها جذورها التاريخية والطبيعية وهي كلمة قديمة استخدمت للإشارة لأمر واحد…وقد يتبادل أطراف متناحرة استخدام هذه الكلمة. فسميت الحملة الصليبية الذي بدأت عام 1095 وحتى عام 1291 مفردات اللغة المستخدمة آنذاك الدم والقتل والاغتصاب – حملوا الرمز الديني – لكن الغاية كانت السلطة والمال فلقب هؤلاء بالغوغاء لانتمائهم للجيش الصليبي الجرار دون أن يتفحصوا سبب الحملة حقيقةً فلعب الرمز الديني أثر كبير.

الذين ينادون باستقلال تبيت يكنون بالغوغاء. (موقع الحزب الشيوعي الصيني)

وقد أستخدم الطاغية (صخام) العبارة على الجموع التي انتفضت من أجل الخلاص منه، في زمن العالم الخوئي رحمه الله حين جلبه للقصر وأمام شاشة التلفاز..وأكثر العراقيين المعاصرين للحدث يتذكرون الأمر.

وفي أيامنا هذه أزداد استخدام الغوغاء لكي ينعت به الجموع التي تجابه الحكومة من خلال حمل السلاح وقتل الأبرياء وحرق النفط وسرقته ثم تهريبه وتحطيم محطات توليد الكهرباء وهدم الجسور وخطف النساء واغتصابهن ثم قتلهن أمام أعين أهلهن…وقتل الأطباء والعلماء وتهريب المخدرات…وأفعال شنيعة لا تمت صلة بالإنسانية فضلاً أنها غريبة وبعيدة عن أي دينٍ ومذهب.

هل هؤلاء ينتمون للغوغائيين عن علمٍ وإدراك وتفحص ودراية للعواقب، أم أنهم مساكين فاقدين أبسط مميزات الإنسان عن الحيوان والحشرات كمثل (الجراد) الذي جاء ذكره كمعنى للغوغاء. فلتتضح الصورة أمام القارئ ماذا يفعل الجراد إن جاء زحفه على منطقة زراعية، فلا ترى بعد لحظات بقايا زرعٍ أبدا، فتلك الجراد تحول المزرعة لأرضٍ جرداء. ونفس الأمر يحدث لو أجتمع الغوغائيين لأمرٍ ما فخطرهم كبير خصوصاً إذا كانت عقولهم مغسولة ومبرمجة لهدفٍ يروه غاية قصوى…فلا يوقفهم إلا المبيدات كما تجابه بها الجراد قبل نشوئها…وأتمنى أن يحدث مثل هذا الأمر…وللعقلاء الوقوف بحزم أمام تفاقم الأمور…ورد الجهل والتصدي له قبل فوات الأوان.

الجراد لا يفيد معه المعرفة والوعي والعلم والأدب والأخلاق والدين…لكن البشر يمكن إصلاحه والاستفادة منه…إذا فرق الجمع وأزيل الخطر…فكل فرد يمكن أن يكون منتجاً ونافعاً.

فلعل المراجع بكل أنواعها وأشكالها وصفاتها الدينية والعلمية والسياسية والأدبية أن تعي خطورة الموقف وتبدأ عاجلاً بإنقاذ المجتمع العراقي من كارثة إنسانية كبيرة. الحاجة للعلم والمنطق ضرورية لتفادي المخاطر. أن للدولة واجبات مهمة ومن أهمها حماية المواطن، والمواطن ليس على مستوى واحد من الفهم والإدراك، ولا يمكن للسلطة أن تتخلى عن المواطنين المغرر بهم ولا حتى عن الغوغائيين لأن ما تبين بعد البحث أنهم أناس مساكين لا يفقهون من الحياة قدر أنملة مع أنهم يتصورن بأنهم أصحاب حق وفهم ودراية وإدراك وغيرهم العكس. وإذا كان للشيطان دورٌ في إغوائهم فعلى العلماء تصحيح المسار والشيطان لا يحارب بالقوة بل من خلال الإيمان الحقيقي والعلم السليم والمسالم والأخلاق العالية…وبمشاركة أصحاب الفطنة من مثقفين وعلماء وأدباء وفنانين للقضاء على أخطر الأوبئة وأشدها…وهو الجهل.

لعنا نتطلع لمجتمع عراقي يقل فيه الغوغاء ويكثر فيه العلماء والأدباء…ولكي نثمن جهود المخلصين للمعرفة على الدولة إفساح المجال لهم للحراك من خلال حمايتهم وتوفير المستلزمات الضرورية لكي يخوضوا معركة ضد الجهل…وخلاص المجتمع العراقي من عصر الظلام والحق والكراهية للنفس وللآخرين على حساب الدين والمذهب فهذه المعركة أفضل من جميع الصولات…ولا تزهق فيها الأرواح بل تشيد الإنسان وتبنيه لمستقبل أفضل.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 9 نيسان/2008 - 2/ربيع الثاني/1429