كساد الاقتصاد الامريكي وتأثيره على الاقتصاد العالمي

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: شهد العالم منذ عام 1971 ما يقرب من 24 أزمة اقتصادية بمعدل أزمة كل سنة ونصف، وقد اختلفت تأثيراتها وحدتها على الاقتصاد العالمي. ولكن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة في الوقت الراهن تُشكل تهديداً لباقي الدول التي تدور في فلك الاقتصاد الأمريكي، أو بعبارة أخرى المرتبطة بواشنطن اقتصادياً. فالولايات المتحدة الأمريكية تُشكل قطباً اقتصادياً رئيسياً في العالم، فهي شريكاً تجارياً مهما لمعظم الدول المتقدمة وتلك الصاعدة اقتصادياً لاسيما النفطية منها. وتُشابه الأزمة الحالية إلى حد بعيد أزمة الكساد العالمي الكبير التي واجهة العالم عام 1929.

وتأتي الأزمة الاقتصادية الأمريكية في وقت يعانى الاقتصاد العالمي من أزمة اقتصادية طاحنة، سواء من ناحية الاقتصاد النقدي، حيث الأزمة المالية التي تواجه أسواق المال والبنوك والوسطاء الماليين، أو من ناحية الاقتصاد الحقيقي حيث أزمة ارتفاع أسعار السلع والخدمات وأسعار النفط على مستوى العالم، الأمر الذي جعل كثيراً من الاقتصاديين يفكرون في هوية العولمة وهل عادت بالمكاسب على العالم أجمع أم أن ضررها قد فاق مكاسبها.

وقد بدأت شرارة الأزمة الحالية في الولايات المتحدة بأزمة الرهن العقاري، التي أدت إلى حالة من الركود في القطاع العقاري، وتعثر البنوك وحدوث أزمات في البورصات الأمريكية والتي انتقلت إلى نظيرتها الأوروبية مروراً بالأسيوية وصولاً إلى العربية والناشئة. وتُعد الأزمة المالية الراهنة في العالم هي الأسوأ منذ أزمة الكساد الكبير التي اجتاحت العالم عام 1929 حسب أراء الاقتصاديين الأمريكيين. بحسب موقع تقرير واشنطن.

ويأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه معدلات النمو الأمريكي لأدنى مستوياتها على الإطلاق، فقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بتوقف نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الثاني من العام الحالي (2008) إلى مستوى صفر. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة حالياً يتبلور في: لماذا تأثرت الاقتصاديات العالمية بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟، ولماذا هبت كل الجهات لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟.

الاقتصاد الأمريكي واللحظة الحرجة

ارتبط النمو الاقتصادي المالي الأمريكي بالنمو الحقيقي حتى عام 2001. حيث كان الاقتصاد الحقيقي ينمو بخطى ثابتة، لكن لم يكن شيء من هذا القبيل في الاقتصاد المالي الذي كان ينمو بشكل أسرع إلى أن تعرض للانفجار. حيث أن التوسع المالي الكبير يعود في جزء منه إلى النشاط الاقتصادي (الاقتصاد الحقيقي )، إلا أن جزءاً لا يُستهان به يعود إلى تطوير الأدوات الائتمانية المدفوعة بالوكلاء والبنوك والسماسرة والتي يُقصد بها صناديق التحوط، وشركات الأسهم الخاصة، والديون الكبيرة والأدوات الاستثمارية والقروض غير المأمونة؛ حيث خرجت ضوابط الاقتراض عن المنطق سواء الاقتراض من الشركات أو الأفراد، وصار بإمكان أي شخص أو بنك توفير التأمينات بغض النظر عن جدوى الاقتراض أو إمكانية سداد القرض. مما أدى إلى تقليل واضح بشأن المخاطر، وتدفق نقدي كبير، وارتفاع كبير في حجم المديونيات، وعجز كبير في تسديد القروض غير المأمونة بداية من عام 2007 .

وكان من شأن هذا أن حدث انهيار كبير في الكثير من المؤسسات المالية، وخسائر كبيرة في البنوك الأمريكية ومنها إلى البنوك والمؤسسات المالية العالمية، فضلاً عن تعرض أسواق المال العالمية لانخفاضات حادة بعد الهبوط الكبير في أسواق المال الأميركية.

وفى الوقت الذي أعلن فيه هنري نيلسون Henry Nelson وزير الخزانة الأمريكي أن خسائر الاقتصاد الأمريكي من أزمة الرهن العقاري تتجاوز 400 مليار دولار، تضع تقديرات مصرفية أخرى خسائر الولايات المتحدة من أزمة الرهن العقاري عند تريليون دولار.

وتزامن مع أزمة الرهن العقاري انخفاض حاد لسعر صرف الدولار، حيث تعرض الدولار الأميركي منذ مطلع عام 2002 لانخفاضات عديدة وصلت إلى أدنى مستوياتها مقابل العملات الرئيسية، وذلك لتداعيات مشكلات أسواق الائتمان على الاقتصاد الأميركي. فقد سجل اليورو عدة مستويات قياسية مقابل الدولار ليصل إلى مستوى 1.59 دولاراً لأول مرة في تاريخه، الذي بدأ بإطلاق العملة الأوروبية الموحدة عام 1999. وفي الوقت ذاته انخفض الدولار في مقابل الين الياباني ليصل لأقل من 100 ين ياباني مقابل الدولار محققاً هبوطاً قياسياً. كما انخفض الدولار إلى أدنى مستوياته أمام الجنيه الاسترلينى والفرنك الفرنسي والفرنك السويسري، وسجل الدولار مستوى قياسياً وهو 72.7 أمام سلة من ست عملات رئيسية، وهو أضعف مستوى يسجله الدولار منذ أن أُنشأ هذا المؤشر عام 1973.

ودفع هبوط الدولار إلى مستويات قياسية أسعار النفط إلى الارتفاع ليتجاوز حدود 111 دولار للبرميل؛ مما أدى لارتفاع كبير في فاتورة واشنطن من الواردات النفطية، وارتفاع أسعار السلع الأخرى، وكذلك في ظل توقعات بتدهور الاقتصاد العالمي. وانخفاض كبير في قيمه الصادرات وليس في حجم الصادرات نتيجة مباشره لانخفاض قيمه الدولار الأمر الذي أدى لارتفاع حجم العجز التجاري الأمريكي، حيث قدّر مكتب الميزانية التابع للكونغرس العجز في الميزانية الأميركية بمبلغ 396 مليار دولار في السنة المالية التي تنتهي يوم 30 سبتمبر المقبل(2008)؛ نظراً لارتفاع النفقات دون موارد لتغطيتها في العام الماضي (2007)، وتباطؤ نمو الإيرادات. وأكد في تقرير شهري ارتفاع العجز في الميزانية الأميركية إلى 262 مليار دولار في الشهور الخمسة الأولى من السنة المالية الجارية بزيادة بلغت مائة مليار دولار مقارنة بالمدة المقابلة من السنة المالية الماضية (2007).

لماذا تأثر الاقتصاد العالمي بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟

كان للأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية كبير الأثر على الاقتصاد العالمي، وذلك لما يمثله الاقتصاد الأمريكي من ثقل وتأثير في الاقتصاد العالمي، إذا أنه الاقتصاد الأكبر في العالم بحجم يبلغ 14 تريليون دولار، وتُشكل تجارة الولايات المتحدة الأمريكية نسبه 10 % من إجمالي التجارة العالمية. فضلاً عن أن السوق المالية الأميركية سوقاً قيادية للأسواق المالية العالمية، فعندما تهتز السوق الأميركية تبدأ الأسواق العالمية بالاهتزاز في أوروبا وآسيا، وقد تكررت هذه الحالة أكثر من مرة.

ومن الناحية الاستثمارية فإن الولايات المتحدة هي الجاذب الأول للاستثمارات في العالم. ففي دراسة وُجد أن الولايات المتحدة تستأثر وحدها بنحو 70 % من الأموال العربية المستثمرة في الخارج، والبقية موزعة بين الأسواق الأخرى. وجرى العرف لدى البنوك المركزية في أغلب دول العالم بالاحتفاظ بجزء من احتياطاتها النقدية في صورة سندات الخزانة الأميركية؛ لأنها أكثر القنوات الاستثمارية أماناً في العالم. ومع الانخفاض المتوالي لسعر صرف الدولار فقدت هذه الاحتياطيات جزءاً من قيمتها، وهربت الاستثمارات إلى مجالات أخرى أكثر استقرارا وربحيه، مثل: الاستثمار في الذهب الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار الذهب لأسعار قياسيه تزيد عن 1000 دولار للأوقية .

أو الاستثمار في أسهم شركات البترول نتيجة لارتفاع أسعاره وربحيته؛ الأمر الذي أدى لزيادة المضاربات في أسواق المال وخصوصاً شركات البترول؛ والذي أدى لارتفاع أسعار البترول كنتيجة مباشره للمضاربات، وليس لزيادة الطلب العالمي عليه.

الأمر الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي هو سعر صرف الدولار الأمريكي حيث يُسيطر الدولار الأمريكي على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم، و80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي، كما يتم دفع أكثر من 50% من صادرات العالم بالدولار. وفي الجملة يصل حجم التداول بالدولار حول العالم حوالي ثلاثة تريليونات دولار. وأي تحرك لسعر صرف الدولار يُؤثر على أسعار السلع والخدمات في العالم كله، ومن ثم فاتورة الصادرات والواردات والاستثمار لكل دولة.

لماذا يهب العالم لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟

في واقع الأمر تعددت الأسباب لتزايد الجهود الدولية لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من أزماته الاقتصادية المتتالية، التي تعصف به من حين إلى أخر. ويمكن الإشارة إليها على النحو التالي:-

على المستوى العربي

كان من المفترض أن تستفيد الدول الخليجية من السيولة التي تُوفرها إيرادات النفط الكبيرة ولا تتأثر بانخفاضات السوق الأميركية؛ لأنه يفترض أن يكون اتجاه الأسواق العربية صعودياً؛ لأن البورصات تعكس الوضع الاقتصادي. وعلى الرغم من استفادة الدول العربية بصوره مباشره من زيادة الإيرادات النفطية بشكل متنامي، إلا أن هذه الزيادة في الإيرادات قابلها ارتفاع كبير في فاتورة الواردات؛ نتيجة الارتفاعات المتوالية في أسعار السلع والخدمات؛ كنتيجة مباشره لانخفاض قيمه الدولار عالمياً، الأمر الذي رفع من قيمه الواردات من الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وباقي دول جنوب شرق أسيا .

وأدى انخفاض قيمه الدولار إلي انخفاض قيمه الاستثمارات العربية في أسواق المال والبنوك الأمريكية، وخصوصاً إذا علمنا أن الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة هي الأكبر بنسبه 70% من إجمالي الاستثمارات العربية. ولذا كان من الطبيعي أن تتحرك الدول العربية لبذل الجهد لمحاوله إنقاذ الاقتصاد الأمريكي من عثرته؛ إنقاذاً لاستثماراتها من ناحية، وإنقاذاً لاحتياطاتها في البنوك المركزية، وتخفيضاً لارتفاعات الأسعار العالمية للسلع والخدمات.

ومن هذا المنطلق هبت المؤسسات الاقتصادية العربية لمد يد العون للبنوك الأمريكية المتعثرة مالياً، والمتأثرة بشدة بأزمة الرهن العقاري عن طريق الاستثمار بالمليارات في هذه البنوك. واتساقاً مع هذا أعلن المستثمر السعودي الأبرز ورجل الأعمال الوليد بن طلال رسمياً عن نيته شراء أوراق مالية قابلة للتحويل إلى أسهم يعتزم سيتي جروب بيعها في طرح خاص بقيمة 12.5 مليار دولاراً؛ وذلك سعياً منه لإنقاذ البنك المتعثر مالياً بصورة واضحة، والذي يمتلك منه 3.6%.هذا وتجدر الإشارة إلى أن سيتي جروب هو واحد من أكبر البنوك الأمريكية من حيث الأصول، وأنه مُني بخسائر في الربع الأخير من العام الماضي بلغت 9.83 مليار دولار. وكذلك هبت الكويت، عبر الهيئة العامة الكويتية التي تعود ملكيتها للدولة، بالتعاون مع سنغافورة لنجدة البنك الأمريكي سيتي بنك، حيث تعهدت الدولتان بإمداد البنك بمبلغ 12.5 مليار دولار، هذا وتُأكد مجموعة ميريل لينش صحة التقارير التي كانت قد تناقلتها وسائل الإعلام حول قرب استقبالها لسيولة على شكل استثمارات من صناديق عربية وعالمية، في مقدمتها الكويت بقيمه 6.6 مليار دولار على شكل استثمارات. وبالإضافة إلي ذلك أعلنت مجموعة "سيتي بنك" أن جهاز أبو ظبي للاستثمار استحوذ على حصة تبلغ 4.9 % من أسهم المجموعة بقيمة 7.5 مليارات دولار، في صفقة قد تُساعد المصرف المتعثر على جمع السيولة التي يحتاجها بشدة للخروج من الأزمة التي تعترضه بسبب خسائر الرهن العقاري.

على الصعيد الأوربي

بالرغم من استفادة أوروبا من ارتفاع قيمه اليورو مقابل الدولار لمستويات قياسيه عن طريق الارتفاع في قيمه الصادرات وخصوصاً مع الدول المتعاملة بالدولار، والانخفاض في فاتورة الواردات نتيجة لانخفاض أسعارها، إلا أن الأثر السلبي لانخفاض قيمه الدولار كان أقوى؛ حيث ارتفاع سعر اليورو أدى لانخفاض كبير في حجم الصادرات الأوروبية؛ نتيجة لارتفاع سعرها مقوماً بالدولار، كما أن انخفاض أسعار الواردات أغرى السوق بزيادة الواردات؛ فزادت كميه الواردات زيادة قياسيه، وزاد العجز التجاري.

وفي هذا الصدد، أظهر تقرير لمكتب الإحصاء الأوروبي في بروكسل أن العجز وصل إلى 10.7 مليارات يورو (16.9 مليار دولار) في يناير الماضي (2008) لمنطقة اليورو التي تضم 15 دولة أوروبية، وأن انخفاض سعر الدولار بدأ يُؤثر بشكل كبير على صادرات الاتحاد الأوروبي. فالاقتصاديون الأوربيون يرون أن ارتفاع سعر الدولار بعشر سنتات مقابل اليورو يُقلص معدلات النمو بنصف نقطه كاملة، وهو ما دفع البنوك المركزية الأوربية إلى اتخاذ الإجراءات لمسانده الاقتصاد الأمريكي عن طريق ضخ السيولة في البنوك لمساعدتها على مواجهه الأزمة، فقامت بضخ ما يزيد عن 300 مليار يورو خلال فترة ستة شهور، وتبعها في هذه الإجراءات البنك المركزي الياباني والبريطاني.

ولذا ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز Financial Times أن البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة تُجري مباحثات حول إمكانية شراء الأوراق المالية المضمونة بالرهون العقارية، في محاولة لحـــل الأزمـــــة الائتمانيــــة العالميــة. وأن هناك خطة مشتركة بين البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الأمريكي وبنوك مركزية أخرى سيتم من خلالها ضخ المليارات من الدولارات في الأسواق المالية؛ لتوفير السيولة والتخفيف من آثار أزمة القروض العقارية الأمريكية.

على الصعيد الأمريكي

فمع بداية أزمة الرهن العقاري الأمريكي عام 2007 تدخل البنك المركزي الأمريكي أكثر من مرة؛ لتهدئه أسواق المال عن طريق ضخ أموال في القطاع المصرفي تجاوزت حدود 300 مليار دولار خلال فتره ستة أشهر؛ وذلك في محاوله للتنشيط الاقتصادي . كما اتجه البنك المركزي إلى استخدام الأدوات المالية الأخرى للتأثير على الأوضاع الاقتصادية المتردية، فقام البنك بتخفيض سعر الخصم بين البنوك أكثر من مره، ثم قام بتخفيض أسعار الفائدة ست مرات منذ سبتمبر 2007 ، وهي إجراءات رفعت كثيراً من نسبة التضخم، وجعلت الدولار يهوي إلى أدنى مستوياته أمام اليورو الأوروبي، وجعلت الاقتصاد الأمريكي ينحدر بشكل متسارع نحو الركود. كما أعلن البنك المركزي الأميركي وبنوك مركزية أخرى عن خطة لضخ 200 مليار دولار في أسواق المال؛ لمساعدتها في التغلب على تداعيات أزمة قروض الرهن العقاري خلال الأيام القادمة.

وبنظرة متفحصة إلى الأدوات التي اتبعها البنك المركزي الأمريكي لمواجهة العجز نجد أن هناك خللاً كبيراً في استعمال السياسة المالية لمواجهة الأزمة، فمشكلة الاقتصاد الأمريكي لا تُعالج بتخفيضات متتالية في أسعار الفائدة؛ لأن الخلل فيه هيكلي وليس دورياً.

لذا أصبح الأمريكيون يعيشون بأكثر مما ينتجون ويكسبون، ويساعدهم على ذلك أمران : الأول، هو قيام بقية دول العالم بشراء سندات دين الحكومة الأمريكية بمليارات الدولارات. والثاني، هو احتفاظ البنوك المركزية حول العالم بمئات المليارات الدولارات ذات القيمة المتراجعة. ولا يمكن أن يستمر العالم في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي لمجرد أنه أكبر اقتصاد، أو لأن انهياره سيجر معه بقية دول العالم لركود كبير. فالتغيير المتوالي لأسعار الفائدة وسعر الخصم في فترات زمنيه بسيطة يُوحى للاستثمار بعدم الاستقرار، وهو ما يفسر عزوف معظم الدول عن الاستثمار في مجال السندات الأمريكية أو أسواق المال. فالاقتصاد الأمريكي يحتاج لقرارات قوية صعبة لا تقوى الإدارة الحالية على اتخاذها وخصوصاً في موسم الانتخابات، وليست مجرد مسكنات مؤقتة.

الإدارة الأمريكية: جهود مضنية لحل الأزمة

من جانبها تناولت وحدة الأعمال الاقتصادية فى شبكة ABC الخطة التى قدمها وزير الخزانة الأمريكى هنرى بولسن Henry Paulson والتى أطلق عليها مسمى "مخطط إعادة الهيكلة" restructuring blueprint” " لإعادة التوازن إلى القطاع التمويلى فى الولايات المتحدة وزيادة الدور الرقابى للحكومة والوكالات الفيدرالية على التعاملات المالية فى الولايات المتحدة. وفى هذا الصدد أعد سكوت مايروتز Scott Mayerowitz تقريرا أكد فيه أن هذه الخطة ليس من المتوقع لها أن تحدث تغيرا فى القريب العاجل يعود بالنفع على الاقتصاد الأمريكى ، وبالتالى فان اثر هذه الخطة لن يظهر قبل أن ترحل الإدارة الأمريكية الحالية خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. وعلى هذا الأساس يشير التقرير إلى ان هذه الخطة لا تهدف إلى معالجة الوضع الحالى للاقتصاد الأمريكى وإنما تستهدف منع المشكلات التى قد تحدث فى الأسواق الأمريكية فى المستقبل.

خطة بولسون: ماذا يمكن أن تقدم؟

وعن تفاصيل هذه الخطة أشار مايروتز Mayerowitz إلى أنها سوف تعطى مزيدا من الصلاحيات لوكالة الاحتياطى الفيدرالى Federal Reserve على حساب الوكالات الحكومية الفيدرالية الأخرى ، كما أن هناك العديد من الوكالات التى سوف يتم دمجها فى وكالات موجودة أو فى وكالات جديدة سوف يتم إنشائها.

ولفت مايروتز Mayerowitz الانتباه إلى أن القواعد التى تنظم النظام المالى داخل الولايات المتحدة تم وضعها عقب فترة الكساد العظيم Great Depression الذى ضرب الولايات المتحدة والاقتصادى العالمى فى الثلاثينيات من القرن الماضي، وبالتالي كان لابد من تعديل هذه القواعد حتى تكون قادرة على التعامل مع المشكلات والعقبات إلى تفرضها ظروف الواقع المعاش والتى هى بالضرورة تختلف عن تلك التى كانت موجودة فى فترة الثلاثينيات.

إعادة الهيكلة تثير ردود فعل متضاربة

أما صحفية الواشنطن بوست Washington post فقد اهتمت بردود الفعل إلى أثارتها الخطة التى قدمها وزير المالية، وأشار تقريرا أعده ديفيد تشو David Cho وآخرون للصحيفة إلى أن الكثير من جماعات حماية المستهلك والديمقراطيين انتقدوا الخطة بشدة ، على أساس أنها تحمى فقط احتياجات ومصالح الأسواق المالية وليس المستهلك الأمريكى. هذا وقد لفت التقرير الانتباه إلى انه ليس فقط المستهلكين الأمريكيين هم الذين لديهم هواجس وقلق من هذه الخطة ، بل إن هذه الخطة سوف تسحب العديد من الصلاحيات من بعض الوكالات الفيدرالية لصالح وكالات أخرى بينما سيتم إلغاء بعض الوكالات أو دمجها فى كيانات جديدة، الأمر الذي خلق تخوف وهواجس لدى العديد من المسئولين والموظفين داخل هذه الوكالات على مستقبلهم الوظيفى، حيث أن هذه الخطة بما تحتويه سوف تلغى العديد من المواقع الوظيفة داخل هذه الوكالات الفيدرالية.

ومن هنا أكد تشو Cho أن هذا الخطة هى كبيرة أكثر من اللازم مما قد يؤثر كثيرا على فرص نجاحها فى التطبيق الواقعي، لأنها تقوم على عمل العديد من التغيرات الجذرية التى لا يمكن تطبيقها هكذا بين يوم وليلة فى مؤسسات نشأت منذ أكثر من نصف قرن، ويصعب عليها أن تتقبل وتتعاطى مع هذه التغيرات بسهولة. أيضا هناك العديد جماعات المصالح والضغط (اللوبى) رفضت الخطة لأنها سوف تقضى الامتيازات التى كان يتيحها لهم النظام المصرفى القديم التى تستهدف الخطة إحلاله بنظام آخر جديد. فى حين امتدح البعض هذه الخطة على أساس أنها توضح وتحدد الدور الرقابى للحكومة الأمريكية على الأسواق المالية فى الولايات المتحدة ، على اعتبار أن خطة الإصلاح هذه ستعمل على إعادة النظر فى الطريقة التى تراقب بها الحكومة الأمريكية العمل داخل بورصة ووال ستريت، من خلال اقترح إنشاء عدد من الأجهزة التنظيمية الجديدة، إحداها سوف يشرف على عمل البنوك، والأخرى بمثابة آلية تنظيمية سوف تشرف على حماية المستهلكين الأمريكيين الخ.

الأزمة تبقى دون حل

جريدة النيويورك تايمز اتخذت موقف هجومى من خطة الإصلاح المالى التى أعلنت عنها إدارة بوش واعتبرتها نوع من الاستعراض الإعلامي نتيجة لفشلها فى إدارة الأزمة الطاحنة التى يمر بها الاقتصاد الأمريكي دون القيام بشئ جوهرى يساعد على حل هذه الأزمة.

وأشار التقرير الذى أعده الكاتب بول كروجمان إلى أن المشاكل المالية التى عايشها النظام المالى فى الولايات المتحدة على مدار السبعة شهور الماضية تؤكد أن النظام المالى الأمريكى فى حاجة ماسة إلى إصلاحات جوهرية.

وأكد كروجمان أن إدارة بوش منذ توليها الحكم فى الولايات المتحدة وهى تراقب القطاع المالى حاولت قدر الإمكان أن تخلق قطاع مصرفى تنافسى يقود الاقتصاد العالمى ، لذلك أعطت هذا القطاع حرية كبيرة فى العمل ، مما أثّر كثيرا على القدرة الرقابية للحكومة الفيدرالية. وأدى ذلك إلى العديد من المشكلات إلى ظهرت مؤخرا. وبالتالى دفعت هذه التطورات الإدارة الأمريكية إلى تقديم خطة إعادة هيكلة القطاع المالى التى أعلن عنها وزير المالية مؤخرا. لمعالجة المشاكل التى تمخضت عن سياساتها على مدار الأعوام الماضية من حكمها والتى أفضت إلى تحرير القطاع المالى تماما وغياب العديد من الآليات الرقابية.

لذلك يشير كروجمان أنه كان لزاما على الإدارة أن توسع من السلطات الرقابية والتنظيمية للوكالات الفيدرالية ، والذى يمثل تراجعا عن أيديولوجية وأفكار السوق الحر الذى تؤمن بها الإدارة الجمهورية والحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة الأمريكية ، وبات واضحا أن الإدارة الأمريكية قد وقعت فى خطأ كبير ولكنها ترفض الاعتراف به ، الأمر الذى اعتبره الكاتب أن الإدارة الأمريكية لم ولن تعترف بمثل هذا الخطأ الفادح الذى ارتكبته.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية لم تتعلم شيئا من الأزمة الحالية وأنها فقط أعلنت عن الخطة من اجل أن تظهر أمام الرأى العام بمظهر الذى يسعى بشتى الطرق لمواجهة الآثار السلبية لهذه الأزمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8 نيسان/2008 - 1/ربيع الثاني/1429