لنقف كل يوم دقيقة صمت

منشد مطلق المنشداوي

 في زمن الوحشية المطبق تنهش غيلان الحزن كيان العراق وتستقطر مصاصي الدماء - المتمثل بتنظيم الكفر ( القاعدة ) وبين بقايا البعث الفاشي - أرواح وآمال الشعب العراقي , وتتراقص عفاريت الانحطاط والابتذال في أفكار القتلة والتي تصوروها بمزيد من أرواح العراقيين ففيها جنتهم.

ويبحث الإنسان العراقي عن العيش بامان فتطبق عليه أفاعي المحن والفقر والأمراض وتنهشه كلاب التسلط والغطرسة وتعبث به عفاريت الفساد المستشري الآن في بلدي الحبيب، فحتى بعض السادة من مجلس النواب الذي يدعون بأنهم يمثلون الشعب العراقي غير متواجدين في الساحة العراقي... فهل هؤلاء يمثلون الشعب من يستقر في الأردن ليترك الشعب ترميه الاحزان بشباكها.. و تلتقطه كلاب الجوع بأصوات نهش لحم السعادة المنتهية يرمي نفسه بين قمامات مٌـعتصرة في فؤاد اليم فأين ياترى تذهب مواردنا النفطية والوضع على حاله.. فلا بد من اللجوء إلى الأمان والبحث عنه بين كومة الاعشاش المخيفة.. وبين اضراس ذئاب هذا الإرهاب الدامي فلا يجد في صف الدفاع الاول غير الأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة أو العبوات الناسفة.. فيبنى مملكة من الحزن تغلف هذه المملكة ماضي اليم حسبه جنة مشرقة يغلف هذه المملكة الوحدة و تطوقها الالام.. اسوارها إرهاب القاعدة المبنية على القتل وبين البعث الفاشي الذي يتفق مع القاعدة في إيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا كما كان يفعل دائماً.. وربيعها ناراً تحرق الصدر.. و شتائها برد يوجع الانين صيفها برد قارص وخريفها عذاب منقطع النظير احلام قومها من كربات عميقة.. ومشاكله في دائرة دقيقة وجد هذه المملكة لنفسه من سواد عتمة قاتلة رهيبة تعود له لتميته كل دقيقة يعيش بلدي رابضاً بين الساعات و يتنفس في ارباع الساعات تنمو في الحنايا..

 لتنبثق في الثواني ترنو للفضائل فتجدها جواني جنح اليها الزمن و وصل اليها العفن فتمسك القلم لتخط به معاناة اليم الغريق لتجد الحبر انتهى والورق انتفى والمحابر اغلقت.. و الكتب تبعثرت وحينما تبحث بقدم عاثرة ليضعك قدرك في مكتبة الحزن وحينما تجد القلم لتسطر ما بقي من حياتك لا تجد اليد الكاتبة فقد عادت ادراج الهواء وقررت الصمت فلا فائدة من ما أصبح عواء فيصبح صمتنا هو السعادة التي نرجوها.. ونومنا هو حياتنا في عيون مغلقة وشهيتنا هي أكل ينتهي بانفجار رقص فرحنا هو بكاء عزاء أنفسنا فلا نجد العزاء من الأصدقاء.

ولا نجد الصدر الكبير من الأحباب فنكبت هذه المشاعر في اللاشعور لتموت في حي الخلايا فلا تظهر لك ولا تحس بها.. لأنها في النهاية تصبح حياتك هل من حقي أن أبداء  بالصراخ، كشاهد على تجريد الضحية من كل أسلحتها تعريتها أمام هذا الجنون المسلح بالقذائف الفتاكة والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة.. صادروا كل أسلحتي المعنوية لعلهم يفوزون بتحويلها الى ركام.

مآسي شنيعة لا يحتويها تعريف مهما كان.. مآسي منحرفة وجامحة عن العدالة والإيمان.. معتدية وآثمة على الإنسان تفرش خيام الموت على أناس أبرياء فيهم الأب والأخ..  الزوج والصديق..  الجد والعم...  الزوجة والأم..  الولد والوليد...  فيهم الضابط والعامل..  المؤمن والمتعبد، وفي كل منهم روح الله ساكنة تخفق في صدور آمنة تهفو إلى لحظات الأمان..، إلى وجبة حُب يتناولها أفراد الأسرة معاً بعيداً عن هموم المفخخات والقتل... عن أشباح الفقر والجوع وعن كل ما أفرزه رجال الصنم والتكفير من آليات دنسة تساعد الحاقدين على المزيد من القتل..  على حرق الأسواق التي تحاول زرع الفرح في معروضاتها.. على استباحة فرحة الأطفال المضاءة بأنوار البراءة وذلك لخنق إشراقات الغد حتى فقد بهاءه... وماتت نفحاته الرحمانية وضاعت معانيه الإنسانية في المقابر..  في دوي الانفجارات.. وفي أنين مياه دجلة والفرات....

فلا خير فيمن يمجدون الإرهاب والموت.. لأن من يمجد الإرهاب ينحدرون إلى مستوى كلاب مسعورة... لا تجد في نفسها سوى وسيلة لتمجيد الذي يقذف لها بالعظام بين حين وآخر، عظامنا نحن، فتقضمها.. ما أكثر الرماد.. ما أكثر الدموع وما أكثر الموت البطئ حيث تدفن الجثث على قرع نواقيس افترسها الصدأ. ‏

إنّ التفجيرات الأخيرة.... في العراق، في ذكرى مولد الرسول الكريم الذين يدعون فيه حبهم له تحت عباءات القداسة ولوثتْ أفراحه بمكائد أهل البغي والعدوان، وهنا سأسأل من جديد.. لمَ لا يتوقفوا حيال انتهاكات شعائرنا وأدياننا..  مواسمنا وامتداداتنا.. لمَ لا يتوقفوا في المحطات الإنسانية قليلاً ويغترفوا من مناهل الوعي والإدراك ما ينعش انتماءاتنا كثيراً.. 

لم لا نطلق فعلياً من أجل كل (ضحايانا في العراق ) حملة - صادقة - (منّا) ساعات قليلة من صمت حزين تضامناً مع هؤلاء الذين دُفعتْ أجسا دهم إلى مستنقعات الدّماء فسقطوا ضحية من ضحايا البعث والتكفير.. وقرابين انشقاقات وخلافات لم يتورع تجّّار « الأنا » معها عن اختراق حُرمات المناسبات الدّينية والحقوق المدنية والإنسانية... ‏

لكني حزين غير يائس، على تلك الهمجية الرهيبة التي يُقتل بها أبناء العراق أمام عيون التاريخ لكانت الأيام أكثر شفافية و أروع بهجة وأطيب مودة ورحمانية...  أمّا أنْ نجلس ونرى بالعيون نفسها التي سيؤطرها الفرح والابتهاج.. نرى براكين الغدر تثور في عراقنا الحبيب وتسيل حممها مستعرة بدماء أحبتنا، لتغرق الدّروب والأرصفة وتهتك الآمال والقلوب فهذا أمر محزن وقاتم.. بشع وقاتل ينساح بسمومه الفتاكة على الوجدان غير هائب بما يدمّر ويبيد ولا بما يمزق ويسفك..، ذُبح يوم لم يشعر الأوغاد بأحقية الإنسان العراقي في الأمان فاغتالوه قهراً وقسراً..، ويوم لم نرصد إزاء هذه المواقف الشائنة من أعياد عراقنا ولا أية « كلمة حق » نطلقها في وجه التكفير وأزلام الصنم والتي تمزق بالعنف كل خلايا انتماءتنا المذهبية وتفتت مصائرنا الواحدة..  أسرة واحدة مهما تعددتْ مذاهبنا وطوائفنا الدينية.. أسرة جمعنا العراق فيها...  بل وتعديات استبدادية ومحاولات « تكفيرية – صدامية » من أجل هدم أسوار عزائمنا وحفر أنفاق الموت والتفريق في كياننا..

وختاماً... فبعد أن أنصب البعث الفاشي رصاصاً على صدر العراق... وكل الذين تملقوا هذه الدكتاتورية... أو صمتوا حيالها، ارتموا حجراً بارداً في قاع الجحيم، حجراً مرفوضاً من الجحيم نفسه، بينما الذين ناهضوها، كان لهم شرف الصعود مع انتصار الشعب إلى سدرة المنتهى... وسيبقون أحياء في ذاكرة التاريخ، بينما ذرت الريح النتن الملعون الصنم، وأشمأز الثرى من جثمانه الذي طمر بغير كرامة فصدام مضى، وسمضي الإرهاب التكفيري كما مضى الصنم... وسيبقى الشعب العراقي.

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 22 آذار/2008 - 14/ربيع الاول/1429