آذار خان... سيد الشهور

مسعود عكو

 الدهر الرابع يعلن رحيله، الأنجم تقطر حنين آلم جديد، المزن تمطر دموع طفل آخر، العصافير تسبح في فراق آثم، الأزهار تنثر عبقها على كفنٍ لم يجف بعد، الأنامل ترسم لوحة ربيع جديد، البرق يلمع في أفق غائب، الحجل يقبقب تراتيل وآيات أنين متكرر، ويبقى آذار خان... سيد الشهور.

الملائكة تصطف لسرد حكاية موت قديم لورود تبكي

وعناقيد العنب تقدم نبيذ روحها للبلبل، الشوارع تنطفئ ، وسكون الليل يوقظه صرخة أم ثكلت منذ أربعة آذارات، وأرملة تتفجر بالعبرات لتزور لحداً، الحجارة تبكي أباً كظم غيظه يتوق لنجله في جنات تجري من تحتها الأنهار، ويبقى آذار خان... سيد الشهور.

الطفل يشعل ربيعه الرابع بشعلة ألم، يرنو إلى أمه بخجل، يتيماً ولد، ويتيماً تربى، ابتسامة خجولة ترسم زهرة على ثغره، ورصاص يخط علي يديه الباردتين أنيناً، الشمس تشرق على دموعه، وترحل عند النرجس المضرج بدماء والده، ويبقى آذار خان... سيد الشهور.

الجمهور يشاهد مباراة أخرى، الرابح فيها انتصر بكل قوة، قتل كل الإشارات الحمراء، وسجل في مرمى خصمه كل أنواع الأهداف، الحكم صفّر في النهاية، معلناً منتصراً آخر في دوري أبطال الألم، وحمل الفائز كأسه عالياً وقال "وأما بنعمة ربك فحدث" ويبقى آذار خان... سيد الشهور.

تلى البلبل سيمفونية حزنه، منادياً كل الأشجار والعصافير، وحتى الوطواط حضر بدون ريش، والأبابيل ألقت كل حجارتها، وتفقد النوروز كل الطيور فكان الهدهد غائباً، والحجحجيك غادر دون وداع.القصب ألقى خطبته قائلاً كلمة رقيقة وحرفاً طيباً، مخاطباً حبيبته:

جميل هو بريق عينيك عند الشروق

أنين صوتك يشعل الكلمات

أهاتك ناي

حين يهتز قلب الكوجري

لتعود بيريفانة من البرية..

ترانيم شفتيك قبقبة حجل كوزل عند الأصيل

أيتها القُمرية الوديعة كوني زهرتي عند الموت

وعند عودتي من الجبال ناديني بصوت الكمنجات

كوني قلمي

بندقيتي

تبغي، زبيبي، وحجري الذي التجأ إليه، ويبقى آذار خان... سيد الشهور.

غيوم الذنوب، استرسلت الدموع، ساعات الليل تنشد أنيناً ، تتوسل الأنجم أن تسكت قليلاً جراحات النهار، ولعل أنين الظلام يطفئ ألم الانتظار، تراتيل الفجر تصلي حباً ليوم جديد وألم ينتهي عند الصباح، لعل ساعة الليل بأسرار وأسرار تبوح، ولعل أنين الظلام يوقد شمعة تؤنس وحشة الشوق، فتزغرد النسوة لما تبقى من زهور، والقاميش يزف عروسه من جديد، ويبقى آذار خان... سيد الشهور.

آذار خان... يا سيد الشهور، صورتك انعكست على سماء القدر، مزقت كل آهات الصمت الأجوف، أحرقت كل أوراق الروزنامة، وهزمت أحصنة الكلام، صورتك ثملة، ترنحت على وقعها الآلام، وطاف من حولها الفراشات، صورتك التي أبرمت عقود الحب، وانفلتت الغنائم من ثدي قصيدة، وارتمت على صدرها الأنامل، وارتعشت على لحدها كل الآثام.

آذار خان... يا سيد الشهور، خلف أحلامك نسير تائهين، تنير الأنجم لنا ما تبقي من كلام، الأنامل تتلاطم في جسد عميق، ويبقى وحده القلب مليئاً بالألم. كن سعيداً هذه اللحظة، وأنسى كل ما تبقى في الكون من أحزان، فقط  انتظر ما يأتيك خلف نظرات الحجل، كن سعيداً هذا اليوم، واستهلك كل ساعات الفشل، فقط أرنو إلى عيني الحبيب، كن سعيداً هذا العام، واحذف تاريخ الكآبة، فقط اعشق من أعماق فؤادك، وكن عشيقاً هذا اليوم.

آذار خان... يا سيد الشهور، حياتنا لحظات صمت ترنو إلى الأفق عند المغيب، وأنين أحرفنا يتخلل كلماتنا الصدئة.

آهاتنا قطرات مطر جبلي، لكن!!! رغم ذلك، كل ذلك...بريق الفرح يلمع في عبراتنا، تلك المتساقطة كحبات ندى في ربيع ينتظر الزهور، وعبير يشدو بعبقه في أرجاء المعمورة، للعشق نغني ونبكي للمطر، وتغرد الطيور للموت القادم، تخضر الأرض بعد جرح عميق، ويلتئم الجرح بعد المطر.

نظرة منك تعيد لنا الحياة.

وابتسامة تنير القلوب، تتفتح زهرة الأمل، النوروز يستحق أن نعيش معه، اليوم وغداً وكل الأيام.

يا آذار خان... يا سيد الشهور، كن بلسماً وزهراً ومطراً، كن رسالة حب وسلام، كن سيداً هذا العام، وكل عام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13 آذار/2008 - 5/ربيع الاول/1429