عقول مليئة بالعنف

برير السادة

تصيبك الدهشة, وينتابك الحزن وانت تتابع فصول العنف المترامي في اقطار العالم, ووتتجلى الاستفسارات والاسئلة من تفكيرك العميق عن الانسانية المفقودة, والوجدان الهارب تحت ارهاب المادة, وجفاف العقل, واضواء المدنية الخافتة والتي يقتل خلف ستارها جمال الوجود الانساني, ويغتال فيها ضميره ووجدانه.

فلماذ يتوسل الانسان بالعنف؟ ما دام نهر الرفق والتسامح والاحسان يتدفق بكل الخير والصفاء, وتنبع بين بريق مائة كنوز الامل والتفاؤل.

يعتقد البعض ان التوسل بالعنف هو الطريق الاسهل والاقرب للوصول لحلول سريعة وناجعة, ويمارسه اخرون يائسً وبوسا, بل ربما خلاصا من الالم والفقر, وغضبا على كل درات الارض والسماء التي لم ترمقه يوما بعينها الجميلة, ولم تبتسم له بشفتيها الناعمتين.  فهو خيار المتعجلين والمتهورين, والضعفاء والبائسين الذين مات الامل والحلم في صدورهم وقلوبهم, فنبتت على اعتابها شجرة العنف وتجدرت عروقها بالغضب والحسد والحقد والعصبية.

وهذا الاعتقاد وان بدا في بعض الاحيان ناجحا, الا انه في الحقيقية ليس كذلك, فطبقا للقوانين الفيزيائية فان لك فعل ردة فعل تساويه في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه, فكلما كان حجم العنف كبيرا فان حجم الدمار سوف يكون هائلا وحارقا للكل, لا يبقي ولا يدر.

 من هنا فان العنف المتولد سوف يكون موجها نحو الذات. فقتل الاخرين وايذائهم هو قتل للذات وانتقاما منها, وهو ما يقرره لنا القران الكريم حين يشير الى ان قتل انسان واحد هو قتل للحياة الانسانية برمتها, وتعدي على كامل وجودها وكيانها.

 ولم يكتف القران الكريم بهذا بل ضرب لنا الامثال المتلاحقة في قصص الانبياء والاقوام السابقين يقول تعالى " فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا ابناء الذين امنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين الا في ضلال" . ولعل نظره فاحصة لنهاية الاية ترسم لنا نتيجة عملهم انه الضلال والضياع والانهيار.

فالقران لا يتكفي بدعوة الناس الى السلم والسلام " يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين" , ولكن يقرر سنة كونية, وحتمية الهية بنجاعة التسامح, والتعامل الحسن في تليين القلوب القاسية, وتلطيف قسوته يقول تعالى " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم".

  ويقول المصطفى صلى الله علية وآله وسلم " ما وضع الرفق في شي الا زانه". فالقسوة هي سبب كل عناد وضلال وزيغ يقول تعالى " الم يان للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون"  ويقول " فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون" .

فالدعوة القرانية شملت كل الجونب الحياتية والفكرية والحوارية يقول تعالى" ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين".

 فهذا كتابنا ينطق بالحق, فاين نحن عن دعوة ربنا, ونور اياته في سيرنا ومسيرنا في هذه الحياة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12 آذار/2008 - 4/ربيع الاول/1429