وزارة الصحة العراقية وحقائق مريرة عن الفساد

إعداد:علي الطالقاني

 شبكة النبأ: لازال موضوع الفساد المالي والإداري في العراق موضع أهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين اضافة الى وسائل الإعلام، لما يمتلكه هذا القطاع من اهمية كبيرة تساهم في دفع عجلة الحياة في وقت اصبحت الرعاية الصحية لها عالم خاص بزمن كثرت فيه الحروب وتلوث البيئة.

 اليوم  وفي تقرير أعلن عنه في بغداد عن اكتشاف أخطر عمليات فساد مالي في وزارة الصحة العراقية بلغت قيمتها 445 مليون دولار، تتعلق بعقود للأدوية والأجهزة الطبية وعن حرق مخازن إستراتيجية للأدوية في احد أحياء بغداد، بلغت قيمة محتوياتها 100 مليون دولار.

جاء ذلك خلال اجتماع عقدته لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي برئاسة رئيسها صباح الساعدي مع رئيس هيئة النزاهة العامة والأمين العام لمجلس الوزراء وممثلين عن ديوان الرقابة المالية وهيئة الإدعاء العام وعدد من المفتشين العامين.

 وذلك ضمن سلسلة الاجتماعات التي تعقدها اللجنة لمناقشة القوانين المطروحة أمامها. وقد ناقش الاجتماع قانون المفتشين العامين والمواد الواردة فيه وموضوع عدم توفر الأدوية الحياتية المهمة في المذاخر الرئيسة والمستشفيات ووجودها في الأسواق السوداء مع مفتش وزارة الصحة الدكتور عادل محسن، كما قال بيان صحافي من الدائرة الاعلامية لمجلس النواب أرسلت نسخة منه إلى "إيلاف" .

وأكد المفتش العام لوزارة الصحة أن عملية استيراد الأدوية والأجهزة والمستلزمات الطبية هي إحدى المصاعب والمشاكل التي تعاني منها الوزارة، موضحًا أن الشركة العامة لاستيراد الأدوية هي المسؤولة عن توفير الأدوية، كاشفًا عن معوقات توزيع الأدوية في المستشفيات والمستوصفات الصحية والتي من أبرزها تقدير الحاجة إلى هذه الأدوية، حيث يكون في اغلب الأحيان غير صحيح، إضافة إلى فقدان عامل الثقة. وأشار إلى أن هذه إحدى نتائج هجرة المواطنين والأطباء إلى مناطق أخرى في داخل البلاد وخارجها، جراء الوضع الأمني وعملية تغيير الملاكات والموظفين الذين يقومون بتقدير هذه الاحتياجات من الأدوية، وجلب آخرين جدد لا يعترفون بتقدير الحاجات السابقة .

وشدد الدكتور محسن على أن نقص الأدوية سببه الفساد في مختلف عمليات الاستيراد والخزن حيث لا يتم اختيار الأدوية والمستلزمات الطبية على أساس الحاجة والأولويات بل على أساس العلاقات مع المكاتب العلمية التي تؤدي دورًا كبيرًا في الفساد، واصفًا إياها بـ "أم الفساد" حيث تقوم هذه المكاتب بدفع عمولات ورشاوٍ كبيرة للحصول على عقود توريد المواد الطبية، وهذه المكاتب هي التي تضع الأسعار والمواصفات دون أي منافسة، كما أن بعض هذه المكاتب تمثل شركات عديدة .

وكشف المفتش العام لوزارة الصحة عن عمليات الفساد في تحليل العروض، والتي قال إنها تبدأ من اللجنة الفنية والتي تضع المواصفات وبحسب الشركة التي تدفع عمولات أكثر، إضافة إلى حالات الفساد في موضوع الإحالة.

وفضح اكبر عملية فساد في تاريخ وزارة الصحة حيث تمت إحالة 12 عرضًا إلى شركة واحدة هي شركة "GE " بمبلغ 400 مليون دولار تضمن استيراد أجهزة طبية. وأوضح أن عملية الفساد في العرض الخاص بمعامل الأوكسجين البالغة 45 مليون دولار والمخصصة لـ "22" معملاً، قد أرسلت مواصفاتها المطلوبة إلى شركة واحدة وهي التي فازت بها بعد أن دفعت عمولات قيمتها 5 مليون دولار.

وأشار المفتش العام في وزارة الصحة إلى أن الفساد لا يقتصر على العقود فحسب، وإنما أيضًا بعد مجيء البضاعة إلى العراق وعند الإخراج الجمركي وفي ا لمخازن. مؤكدًا أن مخازن الأدوية في العراق تعيش وضعًا سيئًا من ناحية انعدام الخدمات فضلاً عن حرق المخازن الإستراتيجية في حي العدل بالعاصمة بغداد والتي كانت تحتوي على مواد طبية بقيمة 100 مليون دولار. وأكد انه لا توجد آلية واضحة لمقاضاة الشركات التي تورد الأدوية إلى العراق في حال عدم صلاحية الدواء أو عدم تطابقه مع المواصفات المطلوبة.

وأعلن المفتش العام عن عدة توصيات لمعالجة مشكلة نقص الدواء والقضاء على الفساد المالي والإداري المرافق لعملية الاستيراد. ودعا إلى إنشاء دليل طبي من 50 ألف نسخة يكون دليلاً للأطباء والممرضين عن الأدوية المستعملة واستيراد أدوية مباشرة من الشركات الرصينة، وان يكون الاستيراد من خلال مؤسسات عالمية معروفة فضلاً عن إنشاء شبكة منظومات تربط الوزارة والأقسام الاستيرادية مع مخازن العراق الرئيسة والفرعية والمستشفيات ودوائر وقطاعات الصحة بحيث يمكن مراقبة الوضع الاستيرادي والرصيد المخزني الرئيس والفرعي.

وتقرر خلال الاجتماع استضافة وزير الصحة مع عدد من المسؤولين في الوزارة في اجتماع لاحق ومتابعة المسائل التي طرحها المفتش العام لوزارة الصحة من قبل هيئة الادعاء العام ومفوضية النزاهة ومناقشة موضوع نقص الأدوية بشكل مستفيض في اجتماع مقبل.

وكان مؤتمر للحوار العراقي الأميركي بمشاركة مسؤولين اقتصاديين وماليين كبار من الجانبين قد انتهى بالاتفاق على إستراتيجية تعاون مشترك، مشددًا على أن الإرهاب والفساد المالي يشكلان اكبر التحديات لعمليات التطور الاقتصادي في العراق .

وخلال العام الماضي، أعلنت مفوضية النزاهة العراقية أنها أحالت إلى محكمة الجنايات العراقية ثلاثة وزراء سابقين عملوا في الحكومات العراقية التي أعقبت سقوط النظام السابق بتهم فساد إداري ومالي.

وقالت الهيئة إنها ستحيل قضايا 37 وزيرًا ومسؤولاً كبيرًا تعاقبوا على الحكومات العراقية الثلاث السابقة إلى المحاكم بتهم فساد مالي وإداري إلا أن معظم هؤلاء غادروا العراق تخلصًا من متابعتهم مما اضطر هيئة النزاهة إلى الاستعادة بالشرطة الدولية "الانتربول" لإعتقالهم وإعادتهم إلى العراق، لكنه لم يتم حتى الآن القبض على أي منهم .

الرعاية الصحية في العراق في حالة فوضى

من جهة اخرى أفاد تقرير أن قطاع الرعاية الصحية في العراق في حالة فوضى نظرا لفرار الاطباء والعاملين بالتمريض الى الخارج وارتفاع معدل وفيات الاطفال.

وقال التقرير الذي أعدته منظمة ميداكت Medact إن نحو 75 بالمئة من الاطباء والصيادلة والعاملين بالتمريض العراقيين تركوا وظائفهم منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على البلاد عام 2003. وهاجر أكثر من نصف الفارين. بحسب رويترز.

وأضاف التقرير الذي يحمل عنوان (اعادة التأهيل تحت النيران) " Rehabilitation under Fire"،القطاع الصحي في حالة فوضى ليس فقط بسبب الوضع الامني السائد ولكن أيضا بسبب الافتقار لاطار عمل مؤسسي ونقص كبير في العاملين وانقطاع الكهرباء ونقص امدادات المياه النقية والانتهاكات المتكررة للحياد الطبي.

وليس في العراق حاليا سوى تسعة الاف طبيب أي بمعدل ستة أطباء لكل عشرة الاف شخص بالمقارنة مع 23 طبيبا لكل عشرة الاف في بريطانيا.

وقالت ميداكت، الفشل المتكرر في ادراك الوضع الخاص للخدمات الصحية والعاملين في أوقات الصراع اوجد مناخا سادت فيه انتهاكات معاهدة جنيف.

وأضافت المنظمة ان ذلك اثار انتقادات خاصة بوزارة الدفاع الامريكية التي أدارت شؤون العراق بعد الغزو مباشرة. فقد انتهجت الوزارة برنامجها الخاص بها المتعلق باعادة بناء القطاع الصحي متجاهلة الممارسات الدولية.

ومن بين أكثر من 18 مليار دولار خصصت لاعادة اعمار العراق تم توجيه اربعة في المئة منها فقط للرعاية الصحية.

وفي حين ارتفع نصيب الفرد من الانفاق على الرعاية الصحية من 23 دولارا في 2003 الى 58 دولارا في 2004 قالت ميداكت ان البيروقراطية والافتقار للكفاءة أدى الى ان جزءا من ميزانية الرعاية الصحية لم ينفق بعد. وقال التقرير، منحت العقود الكبيرة لاعادة اعمار القطاع الصحي بتسرع شديد وبقليل من المشاورات.

وتابع التقرير أن معدل وفيات الاطفال دون سن الخامسة يقترب الان من مستواه في دول جنوب الصحراء في افريقيا على الرغم من ان العراق دولة غنية نسبيا وتتمتع بموارد ومستوى مرتفع من التعليم. وقال التقرير ان ثمانية ملايين عراقي يحتاجون الى مساعدات طبية عاجلة.

وتابعت المنظمة أن العراقيين -سواء الزعماء السياسيين او الخبراء في مجال الصحة والمجتمع- يجب ان يكون لهم صوت أكبر في تطوير القطاع الصحي.

وطالبت المنظمة كذلك بتجدد الاهتمام بالصحة العقلية وهو مجال طبي كان يحظى دائما باهتمام محدود في العراق.

وقالت، هناك مشكلات كبيرة تتعلق بالصحة العقلية... فكثيرون لا يجدون رعاية تذكر في مجال الصحة العقلية ويوصم بالعار المصابون ببعض الاختلالات العقلية.

مئات الأطفال يموتون في العراق

و في تقرير يظهر مدى تدهور الحالة الصحية العامة في العراق، والحالة الصحية للأطفال بصفة خاصة، رصدت صحيفة (الجارديان) البريطانية أهم الأسباب التي أدت إلى تلك الحالة الصحية الكارثية، وأبعاد تلك الأزمة التي بدأت منذ أكثر من عشر سنوات أثناء حرب الخليج الأولى وما تلاها من عقوبات اقتصادية خانقة على العراق، وبخاصة على المعدات الطبية التي منعتها الأمم المتحدة بضغط من الولايات المتحدة بحجة أنها يمكن أن تستخدم في الأغراض العسكرية، ثم وصلت إلى حالة مزرية بعد دخول الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة إلى أرض العراق وتدميره للبنية التحتية والمرافق الصحية ومرافق المياه والكهرباء، مما خلق ظروفاً صحية مأساوية يعيش فيها الشعب العراقي الآن، ويؤكد التقرير على أن ذلك التدمير للبنية التحتية والمرافق الصحية كان متعمداً من الإدارة الأمريكية، وكان أضعف الضحايا لهذا الدمار هم أطفال العراق، وبخاصة أولئك الذين دون سن الخامسة.

يستدل التقرير بدراسة مفصلة أجرتها مؤسسة (ميداكت) الخيرية البريطانية التي صدرت مؤخراً، والتي قامت بتفقد آثار الحرب على الصحة العراقية، كما كشفت عن انتشار واسع للعديد من الأمراض التي كان يمكن الوقاية منها باستخدام أبسط الأمصال التي لم تكن متوفرة، في الوقت الذي تشهد فيه عملية إعادة إعمار البلاد الكثير من المعوقات.

وقد صرح جيل ريف نائب مدير (ميداكت) التي نشرت التقرير أن (صحة الشعب العراقي قد تدهورت بصورة كبيرة منذ الغزو في عام 2003، إضافة إلى أن الغزو قد خلق الظروف التي سببت المزيد من التدهور الصحي والإضرار بقدرة المجتمع العراقي على تجاوز ذلك).

سوء التغذية

ومن المقرر أن يصدر تقرير آخر قريباً يكشف أن سوء التغذية الحاد الذي انتشر بين الأطفال العراقيين بين سن ستة أشهر و5 سنوات قد كان بنسبة 4% قبل الغزو وزاد ليصل إلى 7.7% منذ بدء الغزو الأمريكي على العراق، مما يعني أنه وبالرغم من العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي سبقت الغزو بثلاثة عشر عاماً فإن الأطفال العراقيين كانوا يعيشون في ظروف أفضل في ظل نظام صدام حسين مقارنة بفترة ما بعد الاحتلال.

وهذا التقرير الأخير الذي أجراه معهد الدراسات التطبيقية الدولية بالنرويج بالتعاون مع المكتب المركزي العراقي للإحصاء والمعلومات، وتحت رعاية وزارة الصحة العراقية وبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة قد أظهر أن ما يقرب من 400 ألف طفل عراقي يعانون من هزال وجفاف يؤديان إلى إسهال حاد ونقص في البروتين.

ويظهر تقرير اليونيسيف أن عدد وفيات الأطفال لم يشهد تناقصاً منذ بدء الصراع في عام 2003 وأن نسب الوفيات بين الأطفال في ازدياد مطرد.

وتقدر اليونيسيف أن هناك ما يقرب من 6880 حالة وفاة للأطفال تحت سن الخامسة كل عام في العراق، وهو ما يعادل وفاة 125 طفلاً بين كل ألف مولود.

................................................................................................

المصادر:

 موقع إيلاف، وكالات

المركز الوثائقي والمعلوماتي

مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام

www.annabaa.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 5 آذار/2008 - 26/صفر/1429