بقايا الجامعة العربية وسياسات الاحباط والقهر

بقلم: الدكتور وليد سعيد البياتي

 الخروج من شرنقة الصمت:

منذ الف والحكام احترفوا إلباس الشعوب كمامات الخرس،  وزرعوا الحسك في الحناجر، وحشوا الافواه اسلاكا شائكة، ولم يكتفوا  بامتهان الامم فاقاموا التجمعات للحفاظ على العروش والكيانات الهزيلة، فبدلا ان تصبح هذه التجمعات مراكزا لقرارات تعين الانسان على تعب الحياة وتزيل عن كاهلة اعباء ظلم الطواغيت صارت قراراتها تضع في المقام الاول حماية العروش ومن عليها، فتصبح قيمة الملك والحاكم اهم من قيمة الانسان العامل بكد يدية والذي لولاه لماصار هذا الملك ملكا.

 ولعل هذا الكيان البائس الذي ادعوه ظلما وعدوانا على اللغة العربية والشعوب والامم باسم الجامعة العربية، هو احد هذه التجمعات التي اطاحت بقيم الانسان بل وبالعروبة انسانا وفكرا وارضا، حتى صارت لاتمتلك من ملامح العروبة إلا هذا الزي (الدشداشة والغترة والعقال) وكلها تستورد من غير بلاد العرب فيالها من محنة!!

 اما اللغة العربية وما ادراك ما اللغة العربية! فان ما نسمعة اليوم لايمت الى لغة القرآن بشيء، فهي كيان غريب خليط من العامية والتعبيرات الغربية واللهجات المحلية لعدد من البلدان حتى صارت لغة فجة بعيدة عن عراقة اللفظ وبراعة التعبير وعبقرية الايماء. والجامعة العربية مشغولة بحماية كرسي فلان، ورعاية عرش علان، واذا كانت الحكومات العربية تسمح لنفسها استباحة انسانية الانسان واعتقال حريتة الفكرية، إذا كانت الحكومات تنتهك العقائد وترمي بالمفكرين خلف القضبان او تحتز الرؤوس بحجة الحكم الشرعي وهي ابعد ما تكون عن مفاهيم وقيم الحكم الشرعي، فكيف لنا ان نعجب عندما يستبيح الاخرون انسايتنا وتنتهك اعراضنا وافكارنا، لقد كانت الجامعة العربية حلما فغدت كابوسا، بل اصبحت مصدر البلاء.

جريح هذا الشعب العربي والاسلامي المبتلى باصحاب العروش مرة، وبفقهاء الشيطان من امثال ابن جبرين والقرضاوي مرة اخرى، مسكين هذا الشعب المسلم فالجامعة العربية بولائها للعروش وليست للشعوب سعت لتقويض الفكر العربي والاسلامي فلم تعد البلاد العربية عربية ولم تعد تلك الاسلامية اسلامية مادامت التكتلات العربية والاسلامية تعمل لصالح ارباب العروش، وما دامت السلطات تلقي بالانسانية في مزابل الملوك والحكام، او ترمي بهم في حروب لامصلحة للانسان الفرد فيها بل تحقيقا لشهوات الملك المسمر على عرشه كلوح خشبي عتيق تحرسة جيوش اجنبية، او لذلك الحاكم الذي يجعل من حرق الاجساد هواية لقتل وقت الفراغ. هذا الشعب المذبوح على قرابين الحكام وعند اعتباب العروش، هذا الشعب تهدر في صدور ابنائه ثورة ستعصف بالعروش وتطيح بهامات الحاكمين، فالخليج الذي جعلته القوى الاستعمارية ومنذ البداية مزرعتها الخلفية وهم يتصرفون فيها كاصحاب الاملاك الذين يأتون بين فترة واخرى لجمع الغلة، فاين هي الجامعة العربية من هذا الغزو الاستعماري الثقافي والاقتصادي والسياسي؟ فهل هي ليستمهمة الجامعة في الحفاظ على التاث الانساني في الارض العربية الاسلامية، امان مهمتها تنحصر في الحفاظ على الكراسي ومن يجلس عليها؟           

دعونا نشيع هذه الجثة الى مثواها الاخير:

لايزال البعض يدعي ان هذه العجوز (الجامعة العربية) لاتزال قادرة على الفعل! ففي مراجعتي التاريخية لتقويم عمل الجامعة وجدت هناك الكثير الكثير من التخبط وكم هائل من الاخطاء والتردي في العمل، وما ذاك الا نتاج سيطرة الاهداف السياسية لاعضائها، فالجامعة العربية لم تعد بل لم تكن اصلا تهدف الى احقاق الحق العربي بقدر ما هدفت الى تحقيق غايات بعض الشخصيات المسيطرة على مناهج التفكير وبالتالي فقد تم اخراج الجامعة العربية من مضامينها التي انشأت من اجلها، وقد كتبت في ذلك الكثير من الدراسات والرسائل، فخلال اكثر من ثلاثين عاما لم يصدر اي قرار يمكن ان يحرك الشارع او ان يصبح موضع اهتمام من قبل المجتمع الدولي، فما عدا قرار استعمال النفط كسلاح خلال حرب 1973 والذي ظهر لظروف خاصة جدا، فالجامعة العربية لم تتخذ قرارا آخر يخص الشأن العربي العام.

 لقد صارت الجامعة عبئا كبيرا على العرب بل انها اصبحت تشكل خطرا على الشارع العربي فالقيادات السياسية لا تستجيب لمطالب الشارع لانها تقدم مصلحتها الذاتية او الحزبية على مصلحة الامة، والجامعة ابعد ماتكون عن عن إدراك حركة التاريخ وبالتالي هي عبيء خطير واستمرارها في البقاء يعتبر عامل اخفاق وتردي بدلا من ان يكون عامل قوة وصمود.

 ومن هنا ارى انكم ايها اللاهثون (تسوطون جيادا ميتة) فهذا الكيان المترهل لا يملك احساس رجل الشارع وكم ساكون فرحا ان تمكنت من تقويضها والانتهاء منها فهي اصبحت كالخلايا السرطانية في الجسد العربي المتعب فمنذ اواسط السبعينات والجامعة العربية كيان يحتضر حتى مات وتعفن فتعالوا نشيعهذه الجثة الهامدة الى مثواها الاخير عسى ان تستريح ونستريح.

* المملكة المتحدة – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 24 شباط/2008 - 16/صفر/1429