صناعة الزهور مؤشر للنمو الاقتصادي!

شبكة النبأ: مأساة اثيوبيا التي ادمت القلوب في ثمانينات القرن الماضي بسبب موجة المجاعة التي اجتاحتها تتحول اليوم الى صورة خضراء تنقل الزهور وأريجها لمختلف انحاء العالم، حيث انك اذا توجهت بالسيارة مسيرة 30 دقيقة الى الجنوب من العاصمة اديس ابابا التي تعني (الزهرة الجديدة) باللغة الأمهرية لوجدت المروج الخضراء والوديان ذات الزروع اليانعة القابلة لاستزراع اسرع السلع التصديرية نموا.. الا وهي الزهور.

وستنسى مشاهد الاطفال وهم يحتضرون بين يدي امهاتهم خلال المجاعة التي شهدتها اثيوبيا عام 1985 والتي رسخت في مخيلة الناس صورة عن البلاد انها عبارة عن اراض قاحلة لا نبت بها او ماء.

ومنذ ثلاثة ايام افتتح تسيجاي ابيبي مزرعة أطلق عليها اسم (اي.تي هايلاند فلورا) والآن يعمل لديه 400 شخص ويقوم بتصدير ما بين 90 الفا الى 120 الف ساق من الزهور يوميا. وفي هذا الوقت من العام فانه في غاية الانشغال. بحسب رويترز.

وقال فيما انشغل العمال بقطف الورود في واحدة من بين 23 صوبة زراعية تحتوي الواحدة على نحو 35 الف ساق من الزهور "أضخم يوم للبيع هو يوم عيد الحب فالانتين." وقال انه خلال الاسابيع التي تسبق الاحتفال بعيد الحب تصدر اثيوبيا حمولة ست طائرات مشحونة بالزهور اي اكثر من مليون ساق للزهور يوميا.

وأضاف "الورود الحمراء هي التي يتبادلها المحبون لذا فاننا نوجه مزيدا من الاهتمام لها في هذا الوقت من العام."

وتمثل الزهور مجرد واحد في المئة من اجمالي الناتج المحلي لاثيوبيا وهي تشكل واحدة من المؤشرات الواضحة على ازدهار الاقتصاد الذي بات أقل اعتمادا على سلع تصديرية تقليدية مثل البن.

وبلغ معدل النمو الاقتصادي في اثيوبيا العام الماضي عشرة في المئة وهو الأسرع من نوعه في دولة غير منتجة للنفط في جنوب منطقة الصحراء الكبرى بالقارة السمراء. ويتزايد في البلاد حجم الاستثمارات الاجنبية لاسيما مع الصين والهند.

وتشهد العاصمة الاثيوبية وعدد من المدن الرئيسية الاخرى طفرة في مجال التشييد والبناء ويستثمر العائدون من الولايات المتحدة أموالهم في مجالات الفنادق والحانات والمتاجر والمطاعم.

ويتجاوز حجم الصادرات الاثيوبية من سيقان الزهور شهريا 80 مليون ساق الى 40 دولة 70 في المئة منها الى هولندا التي تقوم باعادة تصديرها الى شتى ارجاء العالم. كما تصدر اثيوبيا الزهور الى المانيا وبريطانيا وروسيا وبكميات اقل الى الولايات المتحدة والشرق الاوسط.

وقال ادانوم نيجاسي مستشار وزير التجارة انه منذ خمس سنوات بلغ حجم عائدات اثيوبيا من تصدير مختلف زهور القطف 159 الف دولار فقط وقفز حجم هذه الصادرات العام الماضي الى 63.5 مليون دولار ومن المتوقع ان يصل العام الحالي الى 166 مليونا. واضاف "في غضون عامين اتصور ان نكون مصدرا رائدا في افريقيا ان لم يكن في العالم كله."

اما كينيا المجاورة التي تزرع 1700 هكتار بالزهور مقارنة بما تزرعه اثيوبيا ومساحته الف هكتار فانها المصدر الرئيسي للزهور في القارة السمراء منذ اكثر من 30 عاما.

وقال تسيجاي ان اعمال العنف التي تشهدها كينيا حاليا بسبب نتائج انتخابات الرئاسة المتنازع عليها ادت الى نمو تجارة الزهور لمصلحة اثيوبيا بنسبة خمسة في المئة.

وقال "الا اننا لانريد للمشكلة ان تستمر." واضاف "في مجال الاعمال عندما تنعم بميزة نسبية فيجب ان تكون موضوعية ويتعين ان تنبع من قوة المنتج الخاص بك."

وبحلول العام القادم ربما يمثل تصدير الزهور عشرة في المئة من جملة صادرات البلاد ويمثل البن وهو المحصول النقدي التقليدي ما يقرب من 40 في المئة.

وقال تسيجاي وهو رئيس رابطة منتجي ومصدري الحاصلات البستانية في اثيوبيا "اعتقد ان الزهور قد ترقى الى مستوى صادرات البن في غضون خمس سنوات." واضاف "نتوقع ان ننتج ما بين 600 و700 مليون دولار بحلول عام 2013 و2014 ويمكن ان يكون المحصولان ناجحين."

وتقدم الدولة حوافز للمستثمرين المحليين والاجانب على السواء بما في ذلك فترة سماح ضريبية تصل الى خمس سنوات واعفاء استيراد السلع الرأسمالية من الجمارك واعفاءات اخرى. كما تقدم الدولة قروضا تصل الى نسبة 70 في المئة من التكلفة.

وفي قسم التغليف بمزرعة (اي.تي هايلاند فلورا) تدوي موسيقى البوب الاثيوبية من السماعات الكبيرة في المصنع فيما تقوم النسوة بنزع الاوراق والاشواك من اعواد الزهور ثم التعبئة في باقات تضم الواحدة عشرة اعواد ثم وضع الشحنات بعناية في صناديق اعدت خصيصا للتصدير لتوضع في شاحنات في طريقها الى المطار.

ويعمل في صناعة الزهور في ارجاء اثيوبيا ما يزيد على 50 الف شخص 80 في المئة منهم من النسوة. وقال ادانوم في معرض تفسيره لذلك "هناك الكثير من النسوة في هذه الصناعة لانها منتج هش قابل للكسر ويحتاج الى عناية فائقة في التعامل معه."

وعلى الرغم من شكاوى من بعض الجمعيات الخيرية بان العاملين في هذا المجال يتلقون رواتب ضعيفة اذ تصل الى نحو دولار واحد في اليوم الا ان هذا الدخل يعد طيبا لتغطية نفقات المعيشة في بلد يتقاضى فيه أكثر من 80 في المئة من السكان دولارين يوميا فيما تصل نسبة البطالة في مناطق الحضر الى 21 في المئة تقريبا.

وهناك الكثيرين من الاثيوبيين ممن لا يعملون بهذه الصناعة مباشرة الا انهم يستفيدون منها. ففي منطقة سيبيتا وهي بلدة محيطة بمزرعة تسيجاي فان الصوبات الزراعية استقدمت الكثير من العمال الى جانب الزوار الذين يأتون للتسوق فبمجرد قيام أجنبي بزيارة لمقهى محلي يتولى النادل عرض باقات من الزهور الحمراء كهدية ويسأله "هل زرت المزرعة من قبل؟"

وفي اديس ابابا يتزايد عدد محلات بيع الزهور فيما بدأ بعض الاثيوبيين الاحتفال بعيد الحب وهو امر لم يكن يحدث منذ سنوات قلائل.

وافتتحت هاريج تاميرو وهي رسامة بوتيكا لبيع الزهور منذ شهرين واصطفت الطوابير امام المتجر للشراء وقالت "اصبت بالدهشة." وقالت "هذه الصناعة تنمو بمعدلات سريعة بالفعل."

وتحيط بادانوم صور كبيرة وملصقات لاصناف الزهور والورود فيما يعرض صفحات تبين مدى النجاح الاقتصادي الذي حققه في هذه الصناعة. وقال وهو يضحك بفرحة غامرة "انها معجزة. هذا المحصول معجزة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19 شباط/2008 - 11/صفر/1429