المساعدات الحكومية للمؤسسات الإنسانية

جميل عودة/ مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

تأتي النفقات المالية لمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في العراق من عدة جهات منها:  التمويل الذاتي، أي الأموال التي تحصل عليها المنظمات من أعضائها المؤسسين لغرض نفقات الإدارة والتمويل الجزئي للنشاطات الإنسانية التي تتولاها، وهذا النوع من المصادر المالية –عادة- لا يسد إلا جزء من احتياجاتها.

     أما المصدر الثاني: فهو التمويل الخارجي وهو التمويل الذي تحصل عليها المنظمات غير الحكومية من جهات دولية ومنظمات إنسانية دولية وفق آليات تقديم المشروعات المختلفة، وأكثر المنظمات غير الحكومية العراقية تعتمد على التمويل الخارجي الدولي، وتلجأ إليه راغبة أو مضطرة لإدامة مشروعاتها  أو لإنجازها.

    والمصدر الثالث: هو المساعدات الحكومية التي تقدمها المؤسسات الحكومية للمؤسسات الإنسانية في العراق، فرغم قلة التمويل الحكومي للمنظمات غير الحكومية  إلا أن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن هناك مساعدات حكومية تقدمها الرئاسات الثلاثة للمنظمات غير الحكومية، ولكن هذه المساعدات تأتي في إطار ضيق ولا تشمل المنظمات الإنسانية المستقلة  الناشطة في مجال العمل الإنساني التطوعي، والمسجلة رسميا لدى وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني رغم أفضليتها. 

    فعلى سبيل المثال تبنى مجلس النواب العراقي- في الآونة الأخيرة- توزيع مبالغ مالية نقدية طائلة لعدد من المنظمات غير الحكومية، ولكن وزعت هذه الأموال بين رئيس المجلس ونوابه وبدورهم قاموا بتوزيعها على المنظمات غير الحكومية المرتبطة بكل منها، ولا نقصد هنا الارتباط الشخصي، بل الارتباط المذهبي والعنصري والشخصي أيضا!.

    فالمنظمات "السنية" حصلت على أموال المساعدات من السيد رئيس مجلس النواب السيد محمود المشهداني، والمنظمات "الشيعية" حصلت على مساعدات من الشيخ خالد العطية، بينما المنظمات "الكردية" حصلت على مساعدات من السيد عارف طيفوف.  والحقيقة أن لا المنظمات "السنية ولا الشيعية ولا الكردية" حصلت على مساعدات مجلس النواب، وإنما الذي حصل على هذه المساعدات هي المنظمات التي تنتمي إلى الكتل والأحزاب البرلمانية إلا القليل وبالحسابات السياسية أيضا. وهذا ما أكده أكثر من نائب برلماني منهم السيدة آله الطلباني رئيس لجنة منظمات المجتمع المدني في مجلس النواب والسيدة صفية السهيل.

     الحقيقة هناك مشكلتان في توزيع المساعدات الحكومية للمنظمات غير الحكومية الأولى: تتعلق بطبيعة تأسيس عدد كبير من المنظمات غير الحكومية المرتبطة بالكيانات والكتل والشخصيات السياسية العراقية وتابعة لها، وهي تمثل واجهة مدنية لتلك الكيانات السياسية، وبالتالي من الطبيعي أن تستغل هذه الشخصيات السياسية المتنفذة سلطتها ونفوذها لأجل دعم مؤسساتها المدنية ومنها تقديم الدعم المالي لها من خلال الفرص المتاحة،  بينما تظل المنظمات غير الحكومية المستقلة بعيدة عن المساعدات المالية الحكومية إلا بقدرة قادر.

   والثانية: تتعلق بطبيعة الجهات الحكومية الممولة من جهة وببرنامج المساعدات الحكومية المالية من جهة ثانية، فرغم أن وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني ومكتب مساعدة المنظمات غير الحكومية هما الواجهتان الرسميتان المعروفتان لدى مؤسسات المجتمع المدني، إلا أن هناك عشرة مؤسسات حكومية تعنى بشؤون المجتمع المدني كل بحسب اختصاصها منها: دائرة المنظمات غير الحكومية في هيئة النزاهة، ودائرة المنظمات غير الحكومية في وزارة الداخلية وأيضا وزارة الخارجية وغيرها مضافا إلى لجنة النزاهة في مجلس النواب ناهيك عن أقسام المنظمات غير الحكومية لدى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ...

   وإذا كانت وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني هي من يتحمل المسؤولية المباشرة في ما آلت إليه أوضاع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في العراق، فان هذه الوزارة هي أضعف المؤسسات الحكومية من حيث الدعم المالي، بل لا تدعم المنظمات غير الحكومية إلا في ظروف محددة وضيقة وذلك لعدم تخصيص ميزانية مالية لهذا الغرض، بينما تنشط المؤسسات الحكومية الأخرى سرا وعلانية في انتقاء المنظمات غير الحكومية ودعمها ماليا ولا ترجع أي مؤسسة حكومية إلى وزارة المجتمع المدني في تحديد المنظمات الفعالة من غير الفعالة.

   إن هناك أموال كثيرة تدخل إلى العراق سواء عن طريق المنظمات غير الحكومية الدولية، أو عن طريق المؤسسات الحكومية وهذه الأموال لا تصرف في مواردها المحددة، والجهات الممولة أو الحكومية المشرفة عاجزة عن تامين رقابة إدارية ومالية متطورة لفهم طرق صرف هذه الأموال، وبالتالي، فمن حق وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني والعراقيين جميعا أن يتساءلوا عن كيفية صرف هذه الأموال، ومن واجب من يحصل على هذه الأموال مؤسسات غير حكومية أو مؤسسات حكومية أن يجيبوا عن طرق إنفاقها.

    إننا اليوم بحاجة إلى تنظيم عمل المؤسسات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية أكثر من أي وقت آخر، خصوصا تنظيم عملية تدفق الأموال وتحديد جهات الصرف المستحقة، خاصة إذا ما أدركنا أن ملايين الدولارات تصرف باسم"المجتمع المدني" وعلى وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني أن تأخذ دورها المرسوم لها وان لا تظل أسيرة الموافقات والتصريحات والإجازات، بل عليها أن تنهض بنفسها وتفعل دور المنظمات غير الحكومية ، وأن تنظم بمساعدة ودعم الأمانة العامة ومكتب رئيس الوزراء المساعدات المالية على أسس من الكفاءة والإبداع والإخلاص والمثابرة. فوزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني قادرة على ان تقوم بدور حضاري ومدني كبير وهي بحاجة إلى مزيد من الدعم والتآزر  من لدن رئاسة الوزراء ومجلس النواب فضلا عن رئاسة الجمهورية، بعيدا عن ممارسات المحاصصة الحزبية وتوافقات الكتل.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 6 شباط/2008 - 28/محرم/1429