ساحات بغداد: خراب وهجران الأصالة التراثية

شبكة النبأ: كان للتداعيات الأمنية التي عصفت بالعراق خلال السنين الماضية  اثرا سلبيا كبيرا على روح الثقافة والتراث وخاصة في بغداد، ونالت ساحة الميدان، أبرز ساحات العاصمة، شأنها شأن المعالم التراثية الأخرى، نصيبها من الإهمال والتخريب. وأخذت الفوضى تزحف على ما تبقى فيها من شواهد لتغير ملامحها وتحولها إلى أثر مهجور.

وقال المواطن عبد الباقي كاظم لطيف الربيعي، إن الساحة كانت منطقة مهمة جداً، إذ تعتبر كل من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ومصلحة إسالة الماء جزءاً من تكوينها الجغرافي، وكانت ملتقى رواد العراق من شيوخ عشائر ووجهاء وغيرهم، وظلت الميدان مقراً للوافدين من شتى أنحاء العراق.

وتقع ساحة الميدان، إحدى معالم مدينة بغداد البارزة، في بداية شارع الرشيد، بالقرب من مبنى وزارة الدفاع القديم، وتنحصر مابين شارعي الرشيد وشارع والجمهورية، ويرتادها الناس من كل حدب وصوب، وهي مركز تجاري مهم، وكذلك محطة لنقل المواطنين إلى أطراف بغداد وبعض المحافظات الشمالية.

وتنتشر في هذه الساحة محال لبيع التحفيات (العاديات) والساعات الثمينة والسبح على اختلاف أنواعها، والمقاهي البغدادية القديمة والجديدة .

ويتذكر الربيعي (مقهى البلدية) الذي كان ملتقى وزراء الحكومات المتعاقبة، ومنها حكومة عبد الكريم قاسم وحكومة عبد السلام عارف بالإضافة إلى كونها ملتقى لمجموعة كبيرة من الطلاب والكتاب والباحثين والشريحة العراقية المثقفة التي كانت تنتمي إلى باقي شرائح المجتمع العراقي وتمثلها، علاوة على المغنيين أمثال الراحلين، محمد الكبنجي, ويوسف عمر, وعباس جميل، وداخل حسن, وحضيري أبو عزيز, وقد هدمت في زمن حكم الرئيس الأسبق صدام حسين في ظروف غامضة ولأسباب مبهمة.

وأضاف الربيعي لـوكالة أصوات العراق أن ساحة الميدان أصبحت في الوقت الحاضر كئيبة جداً على الرغم من وجود مباني وزارة الأشغال والبلديات ومصرف الرافدين ومركز للشرطة وبدالة الباب المعظم والمصرف الإسلامي، بالإضافة إلى وجود مبنى المحافظة القديم والمتحف العراقي ومبنى المكتبة الوطنية. وأشار إلى أن أسباب عزوف الآخرين عن مقاهي الساحة هي تراجعها الحضاري وانعدام الأمن.

وتابع الربيعي بعد أن أدركته الحسرة على ساحة الميدان عن المدفع الشهير (طوب أبو خزامة)، أن مكانه كان سابقاً عند باب بغداد، خلف مستشفى الكندي في المكان المحاذي لمنطقة الشيخ عمر، ثم تحول مكانه في الستينيات إلى ساحة الميدان، حيث وضع في الموقع القريب من الباب الجانبي لوزارة الدفاع (القشلة)، وأصبحت الناس تزوره بمرور الزمن باعتباره طقسا من الطقوس التي يمارسونها لطرد الحسد والشر عن أبنائهم.

ولكن ما يثير الدهشة هو أن الطوب اختفى بعد أحداث عام 2003, إذ لا يعرف من هي الجهة التي رفعته من مكانه والى أين نقل؟!

 وقال المواطن جبار الساعدي، إن ساحة الميدان كانت عبارة عن موقف للباصات (الحافلات) الحكومية تحيطها المقاهي والمطاعم والأسواق التجارية ومحلات الحرف الشعبية التي يعمل فيها السراجون والحدادون ومعامل الفافون وغيرها.

واستدرك أنه بمرور الأيام ونتيجة للحروب والأزمات تغيرت أغلب ملامح الساحة ومحيت اغلب أثارها حتى أصبحت أشبه بباحة فقيرة لا تحتوي على سوى بعضٍ ممن يتلقفون لقمة العيش جراء عمل بسيط وآخرين ممن اعتادوا ارتيادها.

ويزاول الساعدي بيع التحف الأثرية في ساحة الميدان مثل الانتيكات والسجاد والسبح التي تشتهر بتسمياتها المختلفة كالكهرب والبولوني والروسي والساعات المشهورة كالأوميغا والرادو والبات كفيليب والفاشير وساعات السركوف الفضية العثمانية، بالإضافة إلى الأقلام النادرة والثمينة.

وقال بائع اللوحات والتحفيات ناصر عبد الكريم، إن تسمية الساحة  تعود إلى القرن التاسع عشر نسبة إلى شاعر يدعى عمر الميداني كان كثير التردد عليها في تلك الآونة.

وأضاف عبد الكريم أن، الساحة أصبحت بعد ذلك مكانا لتدريب الجيش العثماني، الذي أتخذ من القشلة- وزارة الدفاع حاليا– مقراً له.

وأشار إلى أن الساحة تحولت من مكان التدريبات الصباحية للجيش العثماني لتصبح مكاناً لبيع التبن والشعير لأصحاب العربات الناقلة التي تجرها الخيول، وفي أيام الجمع تتحول الساحة إلى مكان يباع فيه المماليك (العبيد) القادمين من بلدان روسيا والقوقاز وأرمينيا ووسط أسيا، واستدرك عبد الكريم، لا يمكن أن أنسى ما كان يردده أجدادنا عن أن الساحة أخذت شوطاً كبيراً في كونها مكاناً لتنفيذ أحكام الإعدام بالسيف في العهد العثماني، ويقوم بمهمة الإعدام جلاد يدعى (طه ناعور الأعور) بعد قرع الطبول.

واستطرد، أن الانكليز اتخذوا فيما بعد جزءا من الساحة لبناء ملهى، وكان في ساحة الميدان فندق مشهور, هو فندق الهلال الذي غنت فيه أم كثلوم في عام 1932، حتى يقال أنه لصغر مساحة قاعته استجار الناس بالساحة جلوساً ليستمعوا إلى غناء السيدة بعد أن أضطر أصحاب الفندق إلى الاستعانة بمكبرات الصوت.

وكانت دور السينما أكثر الرموز الاجتماعية جذباً للمتعة، ويعد سينما رويال الذي كان بالقرب من خان المدلل المشهور ببيع التبغ من أكثر الأماكن رسوخا في الذاكرة البغدادية، ولا يمكن نسيانه.

أما سوق الهرج, فيعود تاريخه إلى عام 1850، وقد سمي بالهرج لاحتوائه على كل ما يخطر بالبال، وتتفرع منه محال عديدة خاصة ببيع الملابس، والساعات، والمفاتيح والأقفال، وكانت بدايات السوق في العهد العثماني المتأخر.

الكاتب العراقي ياسين النصير قال في كتابه (شارع الرشيد, عين المدينة وناظم النص)، إن ما جرى لساحة الميدان من تغيرات كثيرة يكشف عن تركيبة عقلية ملتبسة مورست ضد هذه الساحة، فقد كانت ومنذ العهد العثماني مكاناً للجسد المغشي، الجسد الذي يمارس حريته وحركته ضمن سكونية المدينة، التي تحاول أن تجعل منه هوية مخفية وعلنية معاً.

وقال محمود العاصي، وهو أحد رواد الميدان، إن الساحة كانت منطلقا للشرارات الأولى للتظاهرات والانقلابات والاعتصامات، فضلاً عن دهاليزها التي كانت بؤرة للاجتماعات السرية وبداية للنشاطات الوطنية السياسية ضد الاحتلال وعملائهم.

واستذكر العاصي أيام ترددت فيها الشعارات الوطنية التي تخرج من صميم المناضلين, واشتهرت بيوت يتجمع فيها الشعراء، مشيرا إلى مكانة ساحة الميدان في تاريخ بغداد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

ولكن هذه المظاهر اختفت اليوم من الساحة التي تعج بالباعة المتجولين الذين يغلقون الأرصفة ويضايقون المارة وتنتشر فيها أكوام النفايات، فضلا عن القتلة واللصوص وباعة المخدرات والمثليين وقطاع الطرق الذين يستخدمون الأساليب البدائية للتعرض للمارة في ظل تردي الوضع الأمني ليخلقوا فوضى من نوع أخر مغايرة للتي اعتادتها الساحة.

أمانة بغداد تناشد لإنقاذ نصب الحرية 

من جهة اخرى ناشدت أمانة بغداد، ، الجهات الفنية والتراثية والتشكيلية والفنانين والمبدعين والمثقفين للعمل المشترك والتعاون البناء لوضع الدراسات والحلول والمعالجات لإنقاذ نصب الحرية ولوحة الفنان (فائق حسن) في حديقة الأمة وسط بغداد .

وذكر بيان لأمانة بغداد تلقت الوكالة المستقلة للأنباء(أصوات العراق) نسخة منه اليوم، الأحد،  أن" أمانة بغداد ستتعاون مع الفنانين والمهندسين والمعماريين من أصحاب الخبرات من أجل إنقاذ نصب الحرية للفنان الراحل من الانهيار جراء كثرة الانفجارات الإرهابية التي تشهدها المنطقة التي يقع فيها التمثال وتحديداً في ساحة التحرير وسط بغداد، وتعرضه لعصف هذه الإنفجارات والإرتجاجات ما أدى إلى حصول تصدع وتشقق في قاعدته التي يرتكز عليها الأمر ينذر بانهياره في أي لحظة .

وحسب البيان فان" جدارية الفنان (فائق حسن) التي تقع عند ساحة الطيران في الجهة الأخرى لنصب الحرية تعرضت هي الأخرى لتشققات أفقية وعمودية بدأت واضحة عليها والسبب هو ذاته (كثرة الإنفجارات) التي وقعت في المنطقة ما جعل هذه اللوحة الفنية تدق ناقوس الخطر بضرورة التحرك لإنقاذها باعتبارها واحدة من أهم اللوحات الفنية في العاصمة وتعد رمزاً من رموز تراثها وإبداعها الفني ."

 وأوضح البيان أن "أمانة بغداد تنفي بشدة لما روج في الآونة الأخيرة في أن سبب حصول التشققات والتصدعات الحاصلة في قاعدة النصب هو الحوض المائي الكبير للنافورات التي أنشأت تحت النصب بين ركيزتيه الأرضيتين .

وتابع البيان أن" حوض مياه النافورات تم إنشائه على وفق معايير ومواصفات هندسية عالية الدقة أخذت بعين الاعتبار ثقل التمثال البرونزي وقاعدته الضخمة وبصورة وآلية تمنع تسرب المياه إلى جوف الأرض بل أن السبب الرئيس والمؤكد هو الإنفجارات الهائلة التي حصلت في المنطقة التي يقع فيها النصب وتعرضه للعصف والإرتجاجات التي تُحدثها هذه الإنفجارات التي أحدث تشققات في القاعدة التي يرتكز عليها النصب ."

وطبقا للبيان فأن "أمانة بغداد ستكون أبوابها مفتوحة لكل من يريد أن يسهم في إنقاذ وصيانة هذا النصب واللوحات الفنية من خلال وضع الحلول والمعالجات المناسبة للنهوض بواقع هذه المعالم الإنسانية المميزة مشدداً على أن أمانة بغداد لن تدّخر جهداً وستسخر كل إمكاناتها وطاقاتها الفنية والهندسية والمعمارية تجاه تراث العاصمة والحفاظ عليه كون هذا النصب إشارة من إشارات التعبير عن الهوية الواقعية ورمزاً شامخاً من الرموز التي تحتفي بها العاصمة بغداد."

وفي ساحة التحرير، وسط بغداد، تنتصب جداريتان لأكبر فنانين عراقيين في العصر الحديث ، جدارية نصب الحرية لجواد سليم وجدارية فائق حسن ما بين الجداريتين مسافة مائتي متر، هي المكان الذي اصطلح على تسميته بحديقة الأمة، وكانت تدعى سابقا حديقة الملك غازي.

الجندي في نصب الحرية هو ابرز ما موجود في جدارية جواد سليم انه بؤرة السطح الذي تناثرت عليه المجسمات. يحطم قضبان الزنزانة بحركة عاتية، ويفتح الطريق أمام مسيرة الشعب، وتاريخه، نحو المستقبل.

ورسم جواد سليم تلك الجدارية الذي يبلغ طولها خمسين مترا في أتون ثورة 14 تموز 1958 التي أسست للجمهورية العراقية، حيث قاد الزعيم عبد الكريم قاسم تلك الثورة وجلبت العسكر إلى السلطة على أنقاض الملكية.

أما جدارية فائق حسن فهي ترمز إلى السلام والحياة الهانئة يظهر فيها حشد من الجماهير وهي تبني وترقص وتهتف، ترفرف عليها حمامات السلام كانت ذات مرة ملهمة للشعراء والفنانين، إذ وضع فيها الفنان مكونات التاريخ الحديث للعراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31 كانون الثاني/2008 - 22/محرم/1429