الحزب الديمقراطي الأمريكي والعراق الجديد

عبدالامير علي الهماشي

كما هو معلوم فإن سياسة الولايات المتحدة يتقاسمها حزبان فقط هما الجمهوري والديمقراطي ويمثل هذين الحزبين أعضاء شغلوا ويشغلون مقاعد الكونغرس والشيوخ  وكذلك إدارة البيت الابيض ولم يسبق أن وصل مرشح مستقل إلى إدارة البيت الابيض لأكثر من خمسة عقود.

 والحزب الديمقراطي الذي إبتعد عن البيت الأبيض في الثمان سنوات الاخيرة مرشح للعودة إليه بسبب معطيات كثيرة ولم تشهد الولايات المتحدة إبتعاد أي من الحزبين عن البيت الابيض أكثر من ثمان سنوات منذ خمسة عقود تقريبا بالرغم من تشكيك المراقبين بهذا الامر حيث لايرون تقبل الناخب الامريكي ومن يقف خلف الانتخابات بتقبل وصول ((إمرأة)) الى رئاسة البيت الابيض أو مرشح ((أسود))يدير البيت الابيض.

وسواء فاز المرشح الديمقراطي أو لم يفز بانتخابات الرئاسة فإن أعضاءه اليوم يمثلون الغالبية في الكونغرس الامريكي وهم يمثلونعنصرا مهما في مسشتقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق.

وما نلاحظه على أعضاء الحزب الديمقراطي جهلهم بالواقع العراقي وتقسماته الديمغرافية والعرقية وعدم تفاعلهم مع القضية العراقية بالرغم من أن قانون تحرير العراق المرقم -2525 في عام 1998قد اُقر في عهد الرئيس الديمقراطي ((بيل كلينتون))ولم يُفعل القانون أنذاك حيث كانت ستراتيجية الرئيس أنذاك هي الاحتواء للنظام البائد،ويميل الديمقراطيون بشكل عام الى الداخل الامريكي ولايبدون تفاعلا كثيرا  ومؤثرا مع الاحداث الخارجية وقد سجلت الذاكرة السياسية فشلا في تعاملهم مع الازمات الخطيرة بغض النظر عن الاسباب وما يهمنا هو تسجيل النتيجة فقط واهم هذه الاحداث أزمة (الرهائن) الامريكان في إيران في بداية انتصار الثورة الاسلامية فيها، ثم الفشل العسكري في الصومال التي مازالت تُسجل على أنها الصفحة السوداء في تاريخ التدخل العسكري في افريقيا في نهاية القرن العشرين المنصرم.

وعلى مستوى الاحداث مع العراق فقد تبنت الادراة الامريكية في عهد الرئيس السابق ((بيل كلينتون)) مبدأ الاحتواء لـ((صدام)) التي أضرت كثيرا بالشعب العراقي وضاعفت من مشاكله الاقتصادية والامنية والعلمية حيث استمر الحصار الجائر على الشعب العراقي مع انفتاح تام على النظام السابق واركانه مما وسع من شبكة علاقاته المشبوهة مع مؤسسات دولية واقليمية كبيرة وشخصيات عالمية مستغلا ظروف الحصار وتعاملات العراق من خلال برنامج الغذاء مقابل النفط.

ومنذ سقوط النظام ودخول القوات الامرييكة الى العراق حاول الديمقراطيون استخدام ورقة العراق انتخابيا وقد سجل الامر فشلا واضحا في الانتخابات الرئاسية السابقة وفاز الرئيس ((بوش)) بولاية ثانية،ولكن الديمقراطيين استمروا في محاولاتهم حتى سجلوا نصرا مهما في انتخابات الكونغرس وكانت لهم الاغلبية.

وقد زار أكثر من سيناتور ((ديمقراطي)) العراق خلال السنوات الاربع الماضية وكانت أبرزهم بيلوسي وجون كيري وهيلاري كلينتون وكلاهما هاجم الحكومة العراقية هجوما متطرفا وغير منطقي حتى عبر عنه رئيس الوزراء نوري المالكي بعدم اللياقة!!!0

وقد دونت في ما مضى ملاحظات على السيناتور جون كيري  الفاشل في الانتخابات الرئاسية الماضية عند استضافة الكونغرس للسفير الامريكي كروكر وللقائد العسكري بتريوس في مقال سابق أسميته ((جون كيري أخطأت مرتين))1

وبالرغم من تراجع المسألة العراقية في الاعلام الامريكي بسبب الملل حسب ما أسمته أحدى التقارير الامريكية وأُسميه أنا بهدوء الاوضاع وعودة الامن نسبيا الى الساحة العراقية وتجاه السياسة الامريكية الى ترسيخ الاوضاع والتهيؤ الى مرحلة مابعد العراق،ولكن الديمقراطيين مابرحوا ينتقدون الحكومة العراقية الجديدة في أدنى إشارة للوضع السياسي في العراق الجديد وهم يعلمون قبل غيرهم ماهي الاسباب الحقيقية لتردي الاوضاع الامنية والعسكرية.

وقد حاول الديمقراطيون من خلال الكونغرس قبل ثلاثة أسابيع تقريبا بإلزام العراق الجديد بالتعويض المادي فيما لو حكمت المحاكم الامريكية بقضايا ارهابية كان النظام السابق قد تبناها،ولكن البيت الابيض أو لنقل الرئيس الامريكي قد رفض هذا القرار بشجاعة ((نُسجلها له)) ومما يُعتبر تقويضا لجهود العراق الجديد في إسقاط تبعات خلفها النظام السابق،وعاد الكونغرس قبل عدة أيام ليستثني العراق من هذا القانون الخطير.

وكانت محاولة من الديمقراطيين للعب مع الابيت الابيض على حساب العراق ففي الوقت الذي يسعى فيه العراق الى اطفاء ديونه المترتبة عليه جراء سياسة النظام السابق جاء هذا القرار من قبل الكونغرس الذي يُسيطر عليه الديمقراطيون ليكون عاملا ممانعا في عدم تأهيل العراق دوليا ومن الغريب أن وسائل الاعلام العربية والمحلية لم تناقش هذا القرار الخطير ولم تُشر إليه ولا أدري ماهو السبب مع أنه من أخطر القضايا التي تخص مستقبل العلاقة بين البلدين.

وما يهمنا أن القرار قد اُجهض بجهود الرئيس الامريكي ولكنه مثل نقطة سلبية من النقاط الكثيرة والمبهمة في تصرف أعضاء الحزب الديمقراطي تجاه العراق التي تضاف الى تصريحاتهم السلبية أيضا.

وقد لانستطيع إيقاف هذه التصرفات والتصريحات العدائية ولكنهم باتوا قريبين من البيت الابيض مع أغلبية برلمانية في مجلس الشيوخ والكونغرس (وهوما يشير اليه بعض المراقبين الامريكين في هذا المجال) وهو ما يُصعب مهمة الحكومة العراقية في التعامل مع مثل هذه العقلية والرؤية التي يتبناها الديمقراطيون تجاه العراق وحكومته المنتخبة.

ومما يجدر الاشارة اليه أن رؤية الديمقراطين قريبة من تلك الرؤية والمعاملةالتي تتبناها المؤسسات العربية الحاكمة مما يوحي بوجود تأثيرات سابقة وعلاقات قديمة تؤثر كثيرا في الرؤية والتعامل السياسي وهناك معلومات مسربة من دعم الدول العربية الغنية للمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة القادمة.

ولكننا نتعامل من خلال الواقعية السياسية ولايلوح في الافق انسحابا أمريكيا من العراق من خلال معطيات المنطقة وستراتيجية الولايات المتحدة في غزوها للعراق،وهي قد جاءت الى العراق لا لكي تغادر على عجل وانما لتحقق أهدافها في العراق والمنطقة ومازالت هذه الاهداف غير متحققة إلا بالظاهر منها وهي اسقاط النظام السابق.

لم يشر الديقراطيون الى ضرورة انسحاب القوات الامريكية من العراق وانما كانت الاشارة الى اعادة انتشار لهذه القوات مما يوحي بأن تواجد القوات الامريكية في العراق أصبح خيارا ستراتيجيا ولايمكن لاي رئيس أمريكي أن يتخذ قرار بهذا الخصوص إلا إذا حدث أمرا يهدد مستقبل الولايات المتحدة الامريكية ويبدو أن هذا الامر لم يلح في الافق حتى هذه اللحظة.

وعليه لابد للساسة العراقيين في الحكومة المنتخبة فتح قنوات حوار حقيقي مع أعضاء الحزب الديمقراطي هذا أولا.

وثانيا: أثبت السياسة اليوم أنه لايمكن للقاء بروتوكولي حل الازمات أو الوقوف على أرضية مشتركة فلايمكن خلال ساعة أو ساعتين أن تجعل الاخر في صفك أو تقنعه بوجهة نظرك وإن حدث مثل هذا الامر فهومن باب المصادفة أو الفرص التي لاتسنح دائما وعليه لابد من إقامة علاقات ودية وشخصية وإدامة اللقاءات البروتوكولية للمواصلة في ايصال وجهات أو تقريب وجهات النظر،وهناك الكثير من الشواهد التي تؤيد هذا الراي حيث كانت للصداقات بين السياسيين الاثر الكبير في تخفيف حدة الازمات وتجنب الاحتقان في العلاقات بين البلدان.

ثالثا: أثبت الساسة الامريكيون أنهم مولعون بمراكز البحوث والدراسات وكذلك التقارير الاعلامية التي أثبتت بدورها أنها ترى بعين واحدة فلابد من فتح العين الاخرى بكل الطرق المتاحة.

رابعا: لابد من وضع الية فاعلة من خلال دراسة الشخصيات المؤثرة في الحزب الديمقراطي أو الجمهوري على حد سواء للوصول الى رؤية واضحة للتعامل معهم.

خامسا :الاسراع في انجاز المهمات التي تنتظرها الجماهير وترسيخ الاقدام لان النظرة السائدة عند هؤلاء هو أن الساسة العراقيين ((اتكاليون)) لايبادرون الى قرار عملي.

هذه بعض المقترحات العملية لكي نستطيع شق الطريق للوصول الى بر الامان وربما لاتكونكافية وربما تفرز اللقاءات مع المسؤولين الامريكان امورا اخرى وكلها متروكة للتجربة وعنصر الاحتمال ومايهمنا هنا أن نتدارك السلوك العدواني للاخرين وتحويله الى سلوك طبيعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29 كانون الثاني/2008 - 20/محرم/1429