ألاضطرابات في كينيا تلقي بظلالها القاتمة على القارة السمراء

شبكة النبأ:  انهت الانتخابات التي تقول المعارضة الكينية انها زُوِرت بغية اعادة انتخاب الرئيس مواي كيباكي لقيادة اكبر اقتصاد في شرق افريقيا عاما شهد تبدد الامال الديمقراطية في القارة بسبب انتخابات معيبة في نيجيريا واضطرابات على الساحة السياسية في جنوب افريقيا قاطرة التنمية الاقتصادية في القارة.

وأعاد مسلسل العنف والفوضى المفاجيء الذي ابتليت به كينيا بعد سنوات من تمتع البلاد بانها واحة للاستقرار في المنطقة حالة التقدم الديمقراطي في القارة السمراء الى الوراء وسوف تكون له عواقب ثقيلة الوطأة على الهياكل الاقتصادية لعدد كبير من الدول المجاورة.

وبعد بضعة ايام من الاضطرابات التي اعقبت انتخابات سيئة السمعة جرت في 27 ديسمبر كانون الاول من العام الماضي تحولت كينيا من الديمقراطية لتواجه كارثة ومن بلد ينظر اليه باعتباره جزيرة للامن والامان وسط منطقة خطرة الى بؤرة للتوتر تمزقها الصراعات العرقية.

وقال مايكل هولمان الخبير في الشؤون الكينية انها أكبر انتكاسة لسمعة افريقيا منذ حقبة الستينات. تنعم كينيا بصورة نموذجية اذ تعتبر البلاد مرادفا لكلمة افريقيا. الا ان بعض المحليين لايرون ان الازمة في كينيا ستلوث صورة دول اخرى سياسيا. طبقا لرويترز.

وقال ريتشارد داودن مدير مركز الجمعية الافريقية الملكية: سياسات كل دولة على حدة في افريقيا منبتة الصلة تماما عن غيرها. السياسات في القارة الافريقية جميعها تتصف بطابع محلي وشخصي... لا اعتقد مطلقا ان (الازمة الكينية) ذات اثار اوسع نطاقا.

ويوافق كريس ميلفيل محلل الشؤون الافريقية على هذا الرأي قائلا في الوقت الذي تقبع فيه كينيا في قلب منطقة غير مستقرة لا نرى ان الوضع الراهن سيسهم بصورة كبيرة في زعزعة الاستقرار الاقليمي على المدى القصير.

وكان مراقبون قد اشادوا بسير العملية الانتخابية وعمت نبرة تفاؤل بان كينيا ستخطو خطوة ديمقراطية جديدة كبيرة في مجال الانتخابات.

وكان الفوز الانتخابي الذي حققه الرئيس الكيني مواي كيباكي عام 2002 انجازا ديمقراطيا بعد 24 عاما من الحكم المستبد للرئيس السابق دانييل اراب موي.

الا ان ظهور نتائج بدا انها تؤكد على ما يبدو تقدم زعيم المعارضة رايلا اودينجا اماطت اللثام عن قوة خطيرة لا يستهان بها أطلت برأسها في كينيا الا وهي الصراعات القبلية.

واستمرت أعمال القتل اكثر من اسبوع وراح ضحيتها 300 شخص على الاقل ودارت رحاها بين انصار الرئيس وقبائل اخرى مؤيدة لزعيم المعارضة رايلا اودينجا، وينتمي الرئيس لقبيلة كيكيو وينحدر زعيم المعارضة من قبيلة لو.

أما الاقتصاد الكيني الذي كان مزدهرا قبل الانتخابات فقد قارب على حالة الجمود وهو ما يوجه ضربة كبيرة متوقعة للاقتصاد الاقليمي.

ويقول توم كارجيل مدير برنامج افريقيا في المركز الدولي لابحاث السياسات الدولية (تشاتام هاوس) بلندن: تنعم كينيا بأكبر اقتصاد حتى الان في المنطقة. يقطن نيروبي اضخم عدد من السكان ولديها قاعدة صناعية

متنوعة للغاية وهي تتوسط في الموقع كيب تاون جنوبا والقاهرة شمالا.

واضاف، لذا فسيكون لذلك أثره الخطير لان دولا كثيرة بالمنطقة تعول على كينيا في هياكلها الاقتصادية.

وميناء مومباسا والطريق الذي يتلوى الى اوغندا وابعد من ذلك من العوامل الحيوية لاقتصاديات دول المنطقة باسرها. وقد ظهرت اثار الازمة الكينية بالفعل مع نضوب مضخات الوقود في اوغندا وبوروندي فيما تم توزيع البنزين بنظام البطاقات في رواندا.

وقال داودن: طريق مومباسا-نيروبي هو الطريق الوحيد المؤدي الى كينيا واوغندا ورواندا وبوروندي وشرق الكونجو وجنوب السودان ومعظم مناطق شمال تنزانيا." واضاف ان كينيا كانت تمثل قاعدة لعمليات الاغاثة والمعونة الى الصومال والسودان وشرق الكونجو. ومضى يقول ان عواقب الازمة الكينية خطيرة بالنسبة للمنطقة برمتها.

والطريق الى اوغندا بطيء ولا يحظى بالصيانة اللازمة حتى في احسن الظروف وهو يمر قرب بعض من اسوأ مناطق التوتر العرقي واراقة الدماء التي وقعت خلال الاسبوع الماضي.

وقال كارجيل، كلما طال امد هذه الازمة كلما اصبح الطريق اكثر خطورة ليس فقط من جانب اللصوص وما الى ذلك ولكن من قبل من يريدون الاساءة الى كينيا أو الى المنطقة من خلال دفع الفدية في محاولات قطع الطريق.

وقال جوش روكسين الاستاذ بجامعة كولومبيا في نيويورك وهو يشرف على مشروعات للتنمية في رواندا: ستكون هناك تبعات عالمية على شهية الناس للمخاطرة بالقدوم الى المنطقة التي تبدو من الخارج هشة بدرجة كبيرة وهي منطقة تؤول فيها الانتخابات الى حالة من الفوضى.

ويقول كثير من المحللين ان سمعة كينيا الخاصة بالديمقراطية والاستقرار كان مبالغا فيها حتى قبل الانتخابات.

ويشير المحللون الى ان القوى الغربية غضت البصر عن عمليات تزوير سافرة في انتخابات سابقة وعن مشكلات عويصة تتعلق بسوء اقتسام الثروات والتوترات القبلية في مناطق اخرى الا ان كينيا تكتسب قيمة كبيرة بوصفها حليفا استراتيجيا وقاعدة للامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية.

وأيا كانت نتائج الازمة الكينية الراهنة فربما كان اكبر اثر لها هو نبرة التشاؤم العميقة بشان التغير الديمقراطي في القارة الافريقية.

100 ألف كيني يواجهون المجاعة

وفي سياق متصل قال برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة لرويترز ايضا: ان نحو 100 ألف نازح في منطقة الوادي المتصدع الشمالية بكينيا يواجهون المجاعة بعد اندلاع العنف خلال الايام القليلة الماضية.

وأضاف أنه يعتزم البدء في توزيع مواد غذائية قريبا من خلال منظمة الصليب الاحمر.

وذكر البرنامج في بيان أصدره مكتبه في برلين أن عماله في طريقهم الى مدينة الدوريت بمنطقة الوادي المتصدع لتسليم بقوليات للصليب الاحمر من المخازن. وزيت الطعام ايضا متاح في ميناء مومباسا.

وقتل أكثر من 300 شخص الاسبوع المنصرم في احتجاجات وأعمال عنف عرقية في كينيا عقب اعلان فوز الرئيس مواي كيباكي بفترة رئاسة ثانية في انتخابات طعنت فيها المعارضة.

وتقع الدوريت في منطقة الوادي المتصدع الخصبة على بعد نحو 300 كيلومتر شمالي نيروبي وقتل نحو 30 من عرقية الكيكويو التي ينتمي اليها كيباكي عندما أحرق حشد غاضب كنيسة قريبة من المدينة.

وقال برنامج الاغذية العالمي، الوصول الى غرب كينيا هو أكبر مشكلة تواجه الشاحنات التي تحمل الاغذية التي يقدمها البرنامج. وتوقفت جميع عمليات النقل الخاصة ببرنامج الاغذية العالمي عمليا في كينيا .. سواء أكانت متجهة الى غرب كينيا أم أوغندا أم السودان.. خلال الايام القليلة الماضية بسبب الوضع الامني.

وتوقفت نحو 15 شاحنة في نيروبي فضلا عن 60 شاحنة في مدن أخرى. وتحمل كل شاحنة نحو 34 طنا من المواد الغذائية .

محققون دوليون يدينون العنف في كينيا

وأدان محققون في مجال حقوق الانسان تابعون للامم المتحدة أعمال القتل العرقي في كينيا وحثوا زعماء الاحزاب على تهدئة أنصارهم من أجل وقف أعمال العنف التي أعقبت انتخابات الرئاسة.

وفي بيان لهم عبر المحققون عن القلق ازاء تقارير بأن قوات الامن الكينية استخدمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين وأن عمليات اغتصاب جماعي وقعت مع تزايد العنف. وقال رايلا اودينجا زعيم المعارضة ان الانتخابات زورت.

وقال خبراء حقوق الانسان المستقلون وعددهم 14، اننا نشعر بالاسى بشكل خاص بسبب فقد ارواح بشرية.. بسبب الخسائر البشرية الكبيرة .. وتدمير ممتلكات وبنية تحتية.

وأدان الخبراء مقتل 30 مدنيا بينهم نساء وأطفال عندما أحرق حشد غاضب كنيسة احتموا بها في مدينة الدوريت بغرب البلاد.

واضافوا في هذا الشأن.. نشعر بقلق شديد ازاء تقارير بشأن التحريض على كراهية عنصرية وتنامي الخلافات بين مختلف الجماعات العرقية في كينيا.

ووجهوا الدعوة الى جميع الاحزاب السياسية للعمل من أجل التوصل الى حل سلمي وسريع لانهاء العنف.

وقالوا بينما نقر بحق وواجب السلطات الكينية في الحفاظ على النظام العام.. الا أننا في الوقت نفسه نشعر بالقلق ازاء أمثلة وردت في تقارير على استخدام قوات الامن الكينية القوة المفرطة ضد المتظاهرين ومدنيين اخرين.

وذّكر المحققون الدوليون السلطات الكينية بواجبها في احترام القانون الدولي لحقوق الانسان. وقالوا أيضا ان عمليات النزوح الواسع بمنطقة الوادي المتصدع تهدد حق السكان في الحصول على الغذاء والرعاية الصحية والتعليم.

أشباح مذابح رواندا تخيم على الأجواء

وأعادت المذبحة التي اقتُرفت في حق قرويين في كنيسة بكينيا إلى الأذهان مشاهد وأشباح من المذابح الوحشية والإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا المجاورة عام 1994.

ويعترف الجانبان المتصارعان في كينيا في الوقت الراهن بارتكاب مذابح إبادة جماعية مزعومة وهو الأمر الذي يفتح باب عقد مقارنة بصراعات أخرى.

إلا أن المحللين يقولون إن مشاعر الاشمئزاز من فكرة أن تسير البلاد على نفس نهج رواندا السابق قد تدفع الساسة إلى الجلوس إلى طاولة التفاوض.

ويبدو أن الحرب الكلامية التي يطلقها زعيما المعسكرين المتناحرين والاتهامات المتبادلة بشن حرب إبادة جماعية قد تهييء المناخ وتثير المشاعر وتقرع طبول الحرب لتستحضر أجواء حمامات الدم التي شهدتها رواندا في تسعينات القرن الماضي عندما ذبح متطرفون من الهوتو نحو 800 ألف من التوتسي والهوتو المعتدلين فيما وقف العالم مشدوها ومكتوف اليدين.

الفوضى تستقبل السياح

وكان السياح ينتظرون لدى وصولهم ميناء مومباسا الكيني المطل على المحيط الهندي أن يجدوا في انتظارهم كالمعتاد سوقا للفواكهة والخضر زاخرة بالألوان.

لكن بدلا من ذلك وجدوا أنصارا غاضبين للزعيم المعارض رايلا أودينجا يحتشدون في طريق المطار الذي امتلأ باطارات السيارات المحترقة والزجاج المهشم.

وقال اتشال كابيلا وهو محام يعمل في العاصمة البريطانية لندن كان يحلم بتأمل غروب الشمس عند الساحل الجنوبي لكينيا المحفوف بالنخيل، يجب أن نكون في حالة حداد.

في الأيام الخوالي كان السياح وأثرياء كينيا يتوافدون على الساحل الكيني للقيام برحلات قرب مسجد قديم على الشاطيء الأبيض.

وجد السياح الأجانب والمحليون أنفسهم عالقون في مطار موي الدولي بمومباسا ثاني أكبر المدن الكينية حيث تنظم الشرطة قوافل مسلحة ترافق حافلات السياح إلى الفنادق.

كان ضباط يحملون أسلحة آلية يصعدون إلى أسقف السيارات السياحية وسيارات الأجرة لمرافقتها إلى بر الأمان.

وقالت كاتيا جرينيفا وهي عازفة بيانو روسية تعيش في نيويورك لم أعرف إلى أين أتيت. تملكنا الذعر في المطار. ولم نكن نعلم ماذا ينتظرنا..كانت أصوات طلقات الرصاص تتردد عن بعد والدخان عالق في سماء الميناء.

وتدر السياحة في كينيا دخلا سنويا يصل إلى نحو 800 مليون دولار. وصناعة السياحة هي القطاع الذي يأتي لكينيا بأكبر دخل من العملات الصعبة. ويقول اتحاد السياحة الكيني إن الموقف في البلاد محفوف بالمخاطر.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 13 كانون الثاني/2008 - 4/محرم/1429