مصطلحات انثروبولوجية: حرب

حرب: Guerre

شبكة النبأ: رغم كون الحرب ظاهرة عالمية، فإنها تظهر عبر تنوع هائل من الأشكال لدرجة تجعلنا نشك في إمكانية أن تكون مقتصرة شرعياً على فئة معينة من التحليل الأنتروبولوجي. تتمثل هذه الصعوبة في حصر الموضوع عبر غائية الفرضيات المقدمة عموماً لعرض "دوافع" للحرب، وظيفية كانت هذه الأخيرة (تساعد الحرب في استمرار أشكال تنظيم مجتمع أو منظومة قيمة)، أو منفعية (تهدف الحرب، شعورياً أو لا شعورياً، إلى تحقيق فائدة قصوى)، أو طبيعية (إن ميل الناس للحرب هو غريزة موروثة من طبيعة النسل الحيواني).

تتميز الحرب عن سائر الأشكال الجماعية للحسم الدموي لصراع ما (ثأر من النوع المتواصل، تحكم مسلح بالسلم الأهلي) لكون من يتجابه فيها هي وحدات سياسية مستقلة ومحددة في المكان، يمكن أن يتفاوت تعدادها كثيراً (جماعات محلية، مجموعة مجزأة إلى سلالات، عشائر أو فئات سن، قبيلة، زعامة، مملكة، دولة – أمة)، لكن الميزة المشتركة بينها جميعاً هي قدرتها على التحكم، على الأقل مؤقتاً، باستخدام العنف داخلها من أجل تحويله نحو العدو الخارجي. إن الجوار المكاني والثقافي المتفاوت هو الآخر بين المتحاربين يعرّف طبيعة الحرب، التي ستكون "عرفية" – باستعمالنا كلمة من مصطلح الاستراتيجية المعاصرة – أو خارجة عن المألوف، حسبما يتشاطر الفرقاء المتصارعون، اولاً، تصوراً مشتركاً لرهانات وشكليات الصراع الذي يخوضونه.

تندرج الحروب "العرفية" للمجتمعات التقليدية في نمطين أساسيين لا ينفي أحدهما الآخر: الحرب كنمط حل لأزمة طرأت في مسيرة معاملات سلمية، أي كبديل، حسب منظار الجنرال كلاوسفيتش، والحرب كوسيلة إعادة تكوين رمزي للهيئة الاجتماعية أو للكون. هناك صراع من النوع الأول عندما يختل عن قصد توازن قائم بين الجماعات المتجاورة بسبب التحكم بالمكان، أو الوصول إلى الموارد، أو تداول النساء أو السلع أو الممتلكات الرمزية. عندئذ تعبر الحرب بشكل مختلف عن علاقات سياسية تتطور في زمن السلم لاسيما من خلال التجارة والتبادلات الزواجية. في صراعات النوع الثاني، تكون الحرب وسيلة للاستحواذ على مبادئ أو مواد ضرورية موجودة لدى عدو محدد بشكل واضح، من أجل الحفاظ على هوية الجماعة (صيد الرؤوس وأكل اللحم البشري في الأمازون)، وإما للحفاظ على التنظيم الجيد للعالم في كليته ("الحرب المزهرة" لشعب الأزتيك). على خلاف النوع الأول الذي يرجع إلى أوضاع يشكل فيها الحرب والسلم مراحل متعاقبة في دورة تفاعل بين الجماعات المتجاورة، لا مجال للسلم في النوع الثاني، بما أن جسد العدو مطلوب بشكل دائم من أجل تأمين التوليد الرمزي للمجتمع والعالم.

تخضع الحرب العرفية – أو حرب الجوار – لقوانين وأعراف واضحة التحديد، إذ تهيأ ساحتها بحيث لا تلحق أضراراً خطيرة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية للجماعات المعنية. ينتج عن هذه الضرورة مثلاً تقسيم السنة إلى فترة لاستثمار الموارد وفترة مكرسة للحرب والتظاهرات الدينية، أو حتى الحفاظ على العلاقات التجارية بين الجماعات المتحاربة. ويمكن لأشكال السلوك الفعلي للحرب أن تراوح بين إنعاش دوري لصراعات لا نهاية لها بين "أعداء وراثيين"، وبين شكليات مواجهة قريبة من اللعب، يطيلها أحياناً نوع من التمثيل، كما في "الحرب الصغيرة" لهنود جنوب شرق الولايات المتحدة، أو في دورات المبارزة بين بعض القرى الإفريقية. إن التناوب المنتظم بين الحرب والسلم غالباً ما يكون ناتجاً عن الضغوطات الملازمة للتنظيم الاجتماعي للمتحاربين. هكذا تكون سرقة الماشية في بعض المجتمعات الرعوية لشرق أفريقيا هي السبب الرئيسي للحرب بين القبائل، لأنها الوسيلة الوحيدة لأي شاب كي يؤمن لنفسه عدداً من رؤوس المواشي لن يستطيع بدونها أن يتخذ زوجة؛ وإذ يشارك الشاب في عملية سرقة الماشية، فإنه يكتسب في الوقت نفسه وضعية المحارب الرمزية لفئة سنه. والقوانين المنظمة لمجرى الحرب تشكل عموماً موضوع إجماع بين أخصام فعليين أو احتماليين: إن مدة المجابهة (أحياناً يوم واحد) وكذلك مكانها يمكن أن يكونا محددين بالعرف؛ ومن الممكن تحديد سقف لعدد القتلى يعتبر مقبولاً من الجهات المتحاربة، مع توقف الحرب تلقائياً عندما يبلغ العدد الذي لا يجب تخطيه؛ وهناك قواعد صارمة يمكن أن تسهر على حماية المساكن والمحاصيل والمواشي والنساء ومن لا يشاركون بالحرب؛ كما ينطبق الأمر نفسه على الجرحى والأسرى في كلا الطرفين، الخ.

لكن ممارسة الحرب العرفية لا تنفي إمكانية قيام أشكال أخرى للحرب، لاسيما عندما ينتمي الأعداء لنظامين ثقافيين متباينين بوضوح: إن ساحة تضم أراضي دول متجاورة تحيط بها تجمعات لا وجود للدولة عندها يمكن أن تقدم صورة عن ذلك. وهكذا فإن ممالك متجاورة تتشابه سلالاتها الحاكمة – وتقدم أفريقيا أمثلة عديدة عن ذلك – تمارس حروباً أرستقراطية فيما بينها، فيما تشن حروباً دون قانون ضد "البرابرة" أو "الهمجيين" الذين يعيشون على حدودها. على عكس ذلك، تمارس جماعات مستقلة محدودة العدد حرباً "اعتيادية" فيما بينها، ولكنها تعرف كيف تتصدى سوية لتطلعات الهيمنة من قبل عدو خارجي، على غرار قبائل السهول الأمازونية المتحالفة ضد إمبراطورية الإنكا. وبينما تفترض الحرب "الداخلية" في الغالب اتفاق الأخصام على اختيار الأسلحة – مثلاً، استبعاد الأسلحة النارية -، فإن الحرب "الخارجية" تجهل ترتيبات كهذه، إن الانتقال من الشكل السائد للحرب إلى شكل جديد يفترض تغيراً في معطيات الصراع ويواكبه تحول في التكنولوجيا العسكرية وفي سير المعارك. إن ظروف التفاوت التكنولوجي والاستراتيجي بين الأخصام هي مؤقتة دائماً، إذ ينتج عن الممارسة المستمرة للحرب تطوير لوسائل وأساليب شن الحرب، مما قد يحمل إمكانية كبيرة في انقلاب موازين القوى السائدة.

إن الرجال هم الذين يحاربون. فالعمل الحربي هو ذكوري مثل الصيد وحراسة الماشية في المجتمعات الرعوية. في كل مجتمع، هناك قسم هام من السكان الذكور في حالة تأهب دائم من أجل ضمان الدفاع عن الجماعة. يكون المتحاربون فتياناً بالغين أو ذوي بأس، ويجب أن يتميزوا بخصائص جسدية وأخلاقية، ليس من النادر أن يحدد النظام الاجتماعي مؤسسياً فريق المحاربين، إذ يمكن أن يتزامن هذا الأخير مع أجيال محددة جيداً في المجتمعات بفئات السن (شرق أفريقيا مثلاً) أو أن يتطابق مع واحدة أو أكثر من "جماعات" المحاربين التي يمكن تشبيهها بجماعات المسارة، مع كون المشاركة الأولى في المعركة أو قتل العدو الأول يمثل إعلاناً عن الدخول إلى عالم الراشدين، ومع كون وجود فرق مؤسسية كهذه من المحاربين يكون متواكباً في الغالب مع ممارسات منافسة بين أعضائها تؤدي إلى تعقيد إضافي لأشكال المعركة وإلى البحث عن المآثر الفردية (مثلاً هنود السهول من بين آخرين).

إن التمايز بين المجتمعات "السلمية" والمجتمعات "الحربية" هو اعتيادي ويبدو أنه يستند إلى أمثلة مؤكدة ومعروفة: هناك في أمريكا الشمالية، حالات متطرفة تمثلها مجتمعات المرتفعات التي كانت تنفر من الحرب، وشعوب إيروكوا التي بثت الرعب في جيرانها طيلة قرنين. إلا أن هذا التقابل يبدو صعب التأسيس، وقد لا يعني ذلك أن غالبية المجتمعات التي تعتبر عادة سلمية – وهي قليلة – لا تمارس ضد جيرانها حروباً "غير منظورة" أقل، بل حقيقة ودراماتيكية بقدر الحروب المفتوحة، حروبا توكل قيادتها إلى الأخصائيين في استعمال الأسلحة السحرية – الدينية: شامان، سحرة، كهنة متنوعون. وعندما يصبح نصيب الحرب في إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية ونظام القيم سائداً بالمطلق، يمكننا التحدث عن مجتمعات "عسكرية" ولكن في سياق المجتمعات التي لا تعرف الدولة، وفي الواقع، فإن ظهور الدول ينعكس عادة في "نزع أسلحة" المجتمع وتخصيص بعض الأشخاص في مهنة الأسلحة؛ وإن استقلالية الجيوش تزيد القطيعة بين السلطة المدنية والسلطة العسكرية، وهذا ما يشهده العديد من المجتمعات الفاقدة الدولة. إذا كان الجندي صورة من مجتمعاتنا، فإن المحارب هو صورة من الأصول يتعرف فيها المجتمع إلى خلاصة باهرة لميزات خارجة عن المألوف، ولكنها صورة غالباً ما تكون مثيرة للقلق، لأن الإنسان القوي يمثل دائماً تهديداً للتوازن الداخلي للجماعة.

إن الحرب هي أحد أبرز عوامل تغير تاريخ المجتمعات كما تظهره الدراسات الحالية عن كيفية قيام الدولة، بشكل خاص في إفريقيا السوداء، ذلك لأن الحرب هي منعطف نحو ممارسة العنف الجماعي، ولأنها تنتج صوراً فردية مجيدة، حية كانت أو ميتة، كان في مصدر قيام العديد من الممالك الأفريقية أشخاص متحدرون من مجتمعات دون دولة كانت ممارسة الحرب قد وضعتهم بادئ الأمر على هامشها. وكانت الحروب الهادئة بين السلالات قد صنعت من بعض المزارعين محاربين، ثم أصبح هؤلاء المحاربون غزاة، ثم أخذوا يقيمون الدول.

متعلقات

حرب عالمية ثانية(1)  

الحرب العالمية الثانية هي نزاع دولي بدأ في 7 يوليو 1937 في آسيا و 1 سبتمبر 1939 في أوروبا وانتهت الحرب في عام 1945 باستسلام اليابان، تعد الحرب العالمية الثانية من الحروب الشموليةً وأكثرها كُلفة في تاريخ البشريةً لاتساع بقعة الحرب وتعدد مسارح المعركة، فكانت دول كثيرة طرفاً من أطراف النزاع. فقد حصدت الحرب العالمية الثانية زهاء 60 مليون نفس بشرية بين عسكري ومدني.

تكبّد المدنيون خسائر في الأرواح إبّان الحرب العالمية الثانية أكثر من أي حرب عرفها التاريخ، ويعزى السبب لتقليعة القصف الجوي على المدن والقرى التي ابتدعها الجيش الألماني على مدن وقرى الحلفاء مما استدعى الحلفاء الرّد بالمثل، فسقط من المدنيين من سقط من كلا الطرفين. أضف إلى ذلك المذابح التي ارتكبها الجيش الياباني بحق الشّعبين الصيني والكوري إلى قائمة الضحايا المدنيين ليرتفع عدد الضحايا الأبرياء والجنود إلى 51 مليون قتيل، أي ما يعادل 2% من تعداد سكان العالم في تلك الفترة!

  تمهيد

الامتعاض من معاملة القوى المنتصرة لألمانيا و سوء و تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب التكاليف الباهظة والديون التي تكبّدتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى وإبرام معاهدة فيرساي و الكساد الاقتصادي العالمي أهّل أدولف هتلر و حزبه اليميني المتطرّف إلى الأخذ بزمام الأمور واعتلاء كرسي الحكم في ألمانيا. ثم قام هتلر بتحدّي المعاهدات المبرمة بين ألمانيا والحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى بالعمل على تطوير الجيش الألماني و حشد القوات والعتاد على الحدود الفرنسية الألمانية والاتحاد مع النمسا وضم أجزاء من تشيكوسلوفاكيا بمباركة أنجلو-فرنسية.

في العام 1922، وصل "بينيتو موسوليني" و حزبه الفاشي إلى دفّة الحكم في إيطاليا، و يتّفق كل من الحزب الفاشي بقيادة موسوليني والحزب النازي بقيادة هتلر في بعض الأهداف الإيديولوجية، فشكّل الاثنان اتفاقية جمعت بلديهما وسمّيت الاتفاقية بالمحور في العام 1936. أما فيما يتعلّق بالجانب الشرقي من العالم، فقامت الإمبراطورية اليابانية بغزو الصين في سبتمبر 1936. وبالرغم من معارضة الحكومة اليابانية للغزو، إلا أن الجيش الإمبراطوري الياباني لم يعبأ بمعارضة حكومة بلاده و مضى قُدُماً في غزوه للصين.

في العام 1939، قام هتلر بالمطالبة ببعض من أراضي بولندا وقام بالتوقيع على اتفاقية "عدم اعتداء" بين ألمانيا و الاتحاد السوفييتي كردة فعل على اتفاقية الدّفاع المشترك بين كلّ من بريطانيا-فرنسا وبولندا. و في الأول من سبتمبر 1939، قامت القوات النازية بغزو بولندا، وبعدها بيومين، أعلنت كلّ من بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا. وفي غضون أسبوعين من الغزو النازي لبولندا، قام الجيش الأحمر السوفياتي بغزو بولندا هو الآخر. و قبل أن يتسنّى للجيش البريطاني والفرنسي من تشكيل هجوم على بولندا لدحر الغزو النازي لبولندا، كانت القوات النازية قد انتهت من السيطرة على بولندا وإنهاء مناوشات الجيش البولندي والنازي في غضون 3 أسابيع.

 المسرح الأوروبي

تسمّى الفترة التي أعقبت الغزو النازي لبولندا (أكتوبر 1939) وحتى الغزو النازي لبلجيكا، وهولندا، ولوكسيمبورج، وانتهاءً بغزو فرنسا (مايو 1940)، بالحرب المزيفة لعدم مشاركة القوى العظمى في مسرح العمليات واقتصار المعارك في المسرح الأوروبي على القوات النازية وصغار الدول بالرّغم من إعلان الحرب على ألمانيا النازية من قِبل بريطانيا وفرنسا.

تحرّكت القوات النازية والروسية من بولندا واتّجه الجيش الأحمر ليركز بشكل أكثر على دول البلطيق وفنلندا حيث دارت الحرب الشتوية التي شدّت انتباه العالم لانعدام الأعمال العسكرية في بولندا، بينما اتّجة الجيش النازي جهة الدنمارك والنرويج وعزّزت القوات الفرنسية مواقعها عل الحدود الفرنسية الألمانية، وباستثناء بعض المناوشات العسكرية بين القوات الفرنسية والألمانية، لم يكن هناك شيء يذكر لأن كل من فرنسا وألمانيا كانتا منهمكتين في حشد الجنود والعتاد في تلك الفترة. في مايو 1940، استعملت القوات النازية تكتيكاً عسكرياً جديداً سمّي بـ "الحرب الخاطفة" (1) مما مكن القوات النازية من السيطرة على فرنسا وهزيمة الجيش الفرنسي والبريطاني. وتقهقر الجيش البريطاني إلى مدينة "دنكيرك" الساحلية وترك أسلحته الثقيلة في الساحة الفرنسية فقامت حكومة "تشرشل" باستخدام السفن العسكرية بل وحتّى التجارية في إجلاء الجنود البريطانيين من الساحل الغربي لفرنسا. ولم يبق خيار للحكومة الفرنسية غير خيار الاستسلام للجيش النازي مما مكّن الجيش النازي من إحكام السيطرة على الشمال الفرنسي وتنصيب حكومة فرنسية موالية لألمانيا النازية في الشطر الجنوبي من فرنسا.

لم يتمكن سلاح الجو الألماني من هزيمة غريمه البريطاني فكان من الضروري قهر سلاح الجو البريطاني ليتسنّى للألمان غزو الإنجليز، فاتّبع الألمان سياسة مكثّفة بالقصف بالقنابل على بريطانيا فيما تسمى بمعركة بريطانيا، أملاً في إخضاع الإنجليز، وباءت محاولات الألمان بالفشل.

بالرغم من إتفاقية عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي، إلا أن ألمانيا قامت بغزو الاتحاد السوفييتي في يونيو 1941. فقد أخذ الألمان الروس على حين غرّة، وكسبت ألمانيا أراض روسية شاسعة وأسرت مئات الآلاف من الجنود الروس. وبعدما أفاق جوزيف ستالين مما ألمّ به، أخذ الروس في إعادة ترتيب أوراقهم خصوصا أن الروس استطاعوا الاحتفاظ بعتادهم العسكري الثقيل بعد رجوعهم إلى الوراء نتيجة الغزو الألماني. استمات الروس وقدّموا الغالي والنفيس في الذود عن العاصمة موسكو واستمر العناد الألماني حتى فصل الشتاء. ولم يكن في بال هتلر استمرار المقاومة الروسية حتى فصل الشتاء، إذ لم يتم تجهيز الجيش الألماني وتزويده بخطوط الإمداد لهذه الفترة. فمرّ فصل الشتاء على الجيش الألماني بقسوة نتيجة التخطيط السيء لغزو موسكو. وبحلول فصل الربيع، احتار الألمان بين المضي قدما في احتلال موسكو أم الاكتفاء بالسيطرة على حقول النفط القوقازية.

 

1.09.1939 Wieluńإختار الألمان السيطرة على حقول النفط القوقازية عوضاً عن احتلال العاصمة موسكو. وفي العام 1942، سحقت القوات السوفييتية قوات المحور الأمامية في الجنوب السوفييتي وقامت بتطويق الجيش الألماني السادس في معركة "ستالينجراد"، واستسلم 300،000 جندي ألماني في نهاية الحصار. كارثة ستالينجراد كانت نقطة التّحول في مسرح العمليات الحربية الأوروبية وبداية العدّ التنازلي لهيمنة "الرايخ الثالث" على أوروبا. فبعد كارثة ستالينجراد، تكبّد المحور كارثة تونس التي هُزم فيها المحور وتم أسر ربع مليون جندي ألماني وإيطالي من جنود المحور. استعمل الحلفاء شمال أفريقيا كنقطة انطلاق لقهر مارد المحور من الجنوب بعد إحكام القوات الروسية على الجبهة الشرقية.

سقطت إيطاليا بعد تحرّك الجيش البريطاني و الامريكي إليها من شمال أفريقيا وبعد مقاومة شرسة من الجيش الألماني للأراضي الإيطالية في سبتمبر 1943.

أحكم الحلفاء قبضتهم على المارد الألماني ودول المحور ولم يتبق إلا عُقر دار الرايخ الثالث في برلين، فقامت جحافل الجيش الأمريكي بالإنزال الشهير على شواطيء "نورماندي" في 6 يونيو 1944 ونتج عن هذا الإنزال تحرير كل من فرنسا وبلجيكا، وهولندا، ولكسمبورغ في أواخر عام 1944 الا أن هتلر قام بجمع جنوده وأرسلهم إلى غابة أردينز في بلجيكا في أواخر نفس العام الا ان القوات الامريكية المتمركزة في مدينة باستون تمكنت من صد الهجوم الالمانى المضاد وهذه المعركة تعرف بمعركة الاردين أو البولج وبفشل الهجوم الالمانى المضاد تمكن الحلفاء من الدخول في قلب ألمانيا لان هتلر فقد جنوده الذين سيدافع بهم عن غرب ألمانيا في معركة الاردين إلى أن وصلوا إلى نهر ألب في نفس الوقت الذى وصل الجيش الأحمر بقيادة الجنرل زوكوف ا لى مشارف مدينة برلين من جهة الشرق، معقل الرايخ الثالث، واُسدل الستار على ألمانيا النازية بانتحار هتلر وعشيقته ايفا براون في بانكر تحت المستشارية ووصايته بحرق جثتيهما، ثم

 المسرح الآسيوي

 سحابة مشروم بأرتفاع 18 كم ناتجة عن الانفجار النووي على مدينة ناكاساكي باليابان بتاربخ 9 اغسطس 1945قامت القوات اليابانية بغزوالصين قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية مما حدى بالولايات المتحدة وحلفائها إلى فرض مقاطعة اقتصادية على اليابان ، وعلى إثره، قررت اليابان ضرب ميناء "بيرل هاربر" في 7 ديسمبر 1941، بلا سابق إنذار وبدون إعلان للحرب على الولايات المتحدة. تسبب الهجوم على ميناء بيرل هاربر بأضرار جسيمة للأسطول الأمريكي، إلا أن حاملات الطائرات الأمريكية لم تُصب بأذى لكون الحاملات في عرض المحيط الهادي لأداء مهمّات لها. كما قامت القوات اليابانية بغزو جنوب آسيا تزامناً مع قصف بيرل هاربر وبالتحديد، ماليزيا ، و إندونيسيا ، و الفلبين بمحاولة من اليابان للسيطرة على حقول النفط الإندونيسية. ووصف رئيس الوزراء البريطاني "ونستون تشيرشل" حادثة سقوط سنغافورة في أيدي القوات اليابانية بأنه "من أكثر الهزائم مهانة على الإطلاق".

بالحرب العالمية الثانية على دحر وهزيمة ألمانيا النازية، إلا أن جدول أعمال الولايات المتحدة وبعض من دول التحالف ومن ضمنها أستراليا، دأبوا على استرجاع الأراضي التي استولت عليها اليابان في منتصف العام 1942. ثم قامت الولايات المتحدة بقيادة الجنرال "دوجلاس مكارثر" بالهجوم ومحاولة استرجاع "غينيا الجديدة"، و جزر سليمان ، و بريطانيا الجديدة ، [وإيرلندا الجديدة،] و الفلبين. وتنامت الضغوط على اليابان بهجوم الولايات المتحدة على السفن التجارية اليابانية وحرمان اليابان من المواد الأولية اللازمة للمجهود الحربي، واشتدّت حدة الضغوط باحتلال الولايات المتحدة للجزر المتاخمة لليابان.

استيلاء الحلفاء على جزيرتي "إيوجيما" و "أوكيناوا" اليابانية جعل اليابان في مرمى طائرات وسفن التحالف دون أدنى مشقّة. وإعلان الإتحاد السوفييتي الحرب على اليابان في بداية 1945 ومن ثمّة مهاجمة "منشوريا"

 بعد الحرب

 الضحايا

فقد حوالي 70 مليون شخص حياته في الحرب العالمية الثانية، حوالي 20 مليون جندي و50 مليون مدني (التقديرات حول الرقم الصحيح تختلف). خسر الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حوالي 12.3 مليون عسكري، منهم 8 ملايين سوفييتي وخسرت قوات المحور 7.2 مليون عسكري منهم 5 ملايين ألماني. كانت خسائر السوفييت هي الأكبر في الأرواح، فخسرت ما مجموعه 28 مليون ضحية، منهم 20 مليون مدني و8 ملايين عسكري. وتشير التقديرات إلى أن الخسائر البشرية للحرب العالمية الثانية كانت موزعة بنسبة 84% للحلفاء و 16% لقوات المحور.

عالم من الخراب

في نهاية الحرب،كان هناك ملايين اللاجئين المشردين، إنهار الاقتصاد الأوروبي ودمر 70% من البنية التحتية الصناعية فيها.

طلب المنتصرون في الشرق أن تدفع لهم تعويضات من قبل الأمم التي هزمت، وفي معاهدة السلام في باريس عام 1947، دفعت الدول التي عادت الاتحاد السوفييتي وهي المجر، فنلندا ورومانيا 300 مليون دولار أمريكي (بسعر الدولار لعام 1938) للاتحاد السوفييتي. وطلب من إيطاليا أن تدفع 360 مليون دولار تقاسمتها وبشكل رئيس اليونان ويوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي.

على عكس ما حدث في الحرب العالمية الأولى، فإن المنتصرين في المعسكر الغربي لم يطالبوا بتعويضات من الأمم المهزومة. ولكن على العكس، فإن خطة تم إنشاؤها على يد سكرتير الدولة جورج مارشال، سميت "برنامج التعافي الأوروبي" والمشهور بمشروع مارشال، وطلب من الكونجرس الأمريكي أن يوظف مليار دولار لإعادة إعمار أوروبا، وذلك كجزء من الجهود لإعادة بناء الرأسمالية العالمية ولإطلاق عملية البناء لفترة ما بعد الحرب، وطبق نظام بريتون وودز الاقتصادي بعد الحرب. و كان الهدف من الاصلاحات الامريكية بأوروبا هو كسب دعم الدول الاوربية للقطب الغربي ومساهمتها في منع انتشار الشيوعية باروبا، خصوصا بعد ظهور مظاهر الحرب الباردة بزعامة الاتحاد السوفياتي -القطب الشرقي- و الولايات المتحدة الأمريكية-القطب الغربي-ابتداءمن سنة1946 ،اضافة إلى ان الاصلاحات كانت تهدف إلى اصلاح العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول المنهزمة في الحرب العالمية الثانية عكس الاتحاد السوفياتي الدي كان يطمح في فكرة الانتقام من دول المحور التي كبدت الاتحاد السوفياتي خسائر بشرية واقتصادية فادحة كماان هذه الاصلاحات تعتبر من العوامل الاساسيةللقرن20 التي حافظت على النظام الراسمالي بأوروبا الغربيةواعتبرت من العراقيل التي حالت دون انتشار الشيوعية بأوروبا الغربية ومستعمراتها بافريقية أدت الحرب أيضاً إلى زيادة قوة الحركات الانفصالية بين القوى الأوروبية، والمستعمرات في أفريقيا، آسيا وأمريكا، وحصل معظمها على الاستقلال خلال العشرين عاما التي تلت.

 الأمم المتحدة

بما أن عصبة الأمم فشلت وبشكل واضح في منع الحرب، فإن نظاماً عالمياً جديداً تم بناؤه. وتم إنشاء منظمة الأمم المتحدة في العام 1945. وبالإضافة إلى ذلك ولمنع تكرار مثل هذه الحرب الشاملة مرة أخرى ولإنشاء سلام طويل الأمد في أوروبا، أنشئت جمعية الفحم والحديد الأوروبية عام 1951 خلال معاهدة باريس عام 1951، التي قادت إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي لاحقاً.

الحرب الباردة

يرى العديدون أن نهاية الحرب العالمية الثانية كانت نهاية بريطانيا كقوة عظمى في العالم، وبداية لتحول الولايات الأمريكية المتحدة والإتحاد السوفييتي لأكبر قوتين في العالم. كانت الاختلافات تتنامى بين هاتين القوتين قبل نهاية الحرب، وبانهيار ألمانيا النازية تدنت العلاقات بينهما إلى الحضيض.

في المناطق التي احتلتها قوات الحلفاء الغربية، تم إنشاء حكومات ديمقراطية؛ وفي المناطق المحتلة من قبل القوات السوفييتية، من ضمنها أراضي حلفاء سابقين كبولندا، أنشئت حكومات شيوعية وصفت بأنها شكلية، واعتبر البعض وخاصة في تلك الدول الشرقية بأنه ذلك خيانة من قبل قوات الحلفاء لهم. وكان الكثيرون في الغرب قد إنتقدوا ذلك معتبرين بأن معاملة روزفلت وتشرتشل لستالين وكأنه حليف ديمقراطي ولاموهم لتعاملهم مع ستالين في يالطا بذات الشكل من المهادنة الذي عومل به هتلر قبل الحرب، وبالتالي عدم تعلمهم من الخطأ السابق وتسليمهم شرق أوروبا للشيوعيين.(تشرتشل ذاته قال بعد بدء الحرب الباردة ما معناه "قتلنا الخنزير الخطأ.")

قُسّمت ألمانيا إلى أربع مناطق محتلة، جُمعت الأمريكية والبريطانية والفرنسية لتشكل ما عرف بألمانيا الغربية، وعرفت المنطقة السوفييتية بألمانيا الشرقية. تم فصل النمسا عن ألمانيا وقسمت هي الأخرى لأربعة مناطق محتلة، والتي عادت لتتحد لاحقا مكونة الدولة النمساوية الحالية. وكوريا أيضا تم تقسيمها على خط عرض 38 شمال.

كانت التقسيمات غير رسمية؛ ولكنها كانت توضح مناطق التأثير، وساءت العلاقات بين المنتصرين بشكل مستمر لتصبح خطوط التقسيم أمرا واقعا وتمثل الحدود الدولية. وبدأت الحرب الباردة، وبسرعة أصبح العالم منقسما إلى حلفين، حلف الناتو وحلف وارسو.

هامش

1) الحرب الخاطفة (بالالمانية Blitzkrieg): إستراتيجية حربية جديدة ابتدعها الألمان بحشد القوات الأرضية معزّزة بالدبابات والمعدات الثقيلة وبغطاء جوي من القاذفات يقوم على تمهيد الطريق أمام القوات البرية الغازية على خلاف حرب الخنادق التقليدية المتّبعة في الحرب العالمية الأولى والتي يطول أمدها إلى ماشاء الله

المجتمعات الديمقراطية وقواتها المسلحة(2)

 هذا كتاب مهم للقارئ العربي رغم كونه مكرساً لدراسة الجانب العسكري في إسرائيل، وفيه تفصيلات تهم المختصين بالإستراتيجيات العسكرية رغم الكثير من المقولات التي يعتبرها بدهية وهي إما غير صحيحة أو خلافية على أقل تقدير.

أهيمة الكتاب والمساهمات الواردة فيه تنبع من توفيره صورة تشريحية وحديثة لعلاقة الجيش الإسرائيلي مع المجتمع وموقعه في العملية السياسية, وهي صورة يقدمها أكاديميون وباحثون يكتبون من وجهة نظر متعاطفة مع إسرائيل وحريصة عليها.  

ويحتل الجيش الإسرائيلي وفكرة القوة المتفوقة التي تردع جيرانها وتخيفهم, موقع القلب في المشروع الصهوني في فلسطين منذ تحققه سنة 1948. بل أكثر من ذلك ليس ثمة مبالغة في وصف إسرائيل بأنها لم تكن ولا تزال سوى مجتمع حرب, حيث تشكل الحرب وتوابعها والاستعداد لها والجيش الخاص بها والاقتصاد الداعم لها والدبلوماسية المدافعة عنها, جوهر الكينونة الإسرائيلية.

وبسبب الطبيعة الحربية العسكرية لهذا المجتمع والدولة فإن الخلاف الأولي مع الكتاب والتوجه العام للمساهمات فيه يأتي من الافتراض الضمني بوجود جسمين يتبادلان التأثير والعلاقة هما الجيش والمجتمع. فالجيش هو الشريحة الأساسية من المجتمع الإسرائيلي, والمجتمع الإسرائيلي هو الرديف الاحتياط للجيش والمكمل له بسبب امتداد فترة الخدمة الإجبارية وتوسع عدد جنود وضباط الاحتياط.

والخلاف التالي لافتراضات الكتاب هو "ديمقراطية إسرائيل" والحديث عنها كمعطى لاخلافي وفوق النقاش. فهنا لا نجد معالجات ولا مجرد تساؤلات عن مدى انطباق الوصف "الديمقراطي" على إسرائيل في حين أن خمس السكان (من العرب) يعانون من تمييز عنصري وحقوقي قائم على الإثنية والاختلاف الديني والقومي. كما لا نعثر على أية تساؤلات عن تعايش "الديمقراطية" في الداخل مع نهج توسعي وعدواني في الخارج على الدوام الذي ميز عمر إسرائيل منذ نشأتها حتى الآن باعتراف مؤرخيها.

ومع أخذ هذين التحفظين بالاعتبار يظل هذا الكتاب ذو قيمة حقيقية لمن يريد أن يفهم تداخلات البنية العسكرية بالسياسية بالمدنية في الكيان الإسرائيلي, والتحولات التي طرأت على هذه التداخلات في السنوات الأخيرة, سواء بعد انتهاء الحرب الباردة, أم بعد مؤتمر مدريد وانطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط, وعلى خلفية تراجع أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" سواء بسبب الفشل في جنوب لبنان, أو الفشل في قمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى ( يناير/ كانون الثاني 1987), ويمكن أن نضيف بثقة الفشل الراهن في قمع الانتفاضة الثانية (سبتمبر/ أيلول 2000).

ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام يناقش الأول منها التغيرات التي حدثت في العقود الأخيرة على جوهر العلاقة بين الجهاز العسكري والجهاز السياسي -أو المدني عموماً- في الديمقراطيات بشكل عام. ونجد هنا "نحتاً" لمفهوم "الجيش ما بعد الحداثي", والذي يقصد به وصف المرحلة التي تمر بها الجيوش الغربية في الوقت الراهن، وهي مرحلة أعقبت مرحلتين سابقتين, الأولى هي مرحلة الجيش الحديث التي ترافقت ونشوء الدولة القومية في القرن التاسع عشر واستمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. أما الثانية فهي مرحلة الجيوش الحديثة المتقدمة, وقد امتدت طوال الحرب الباردة وتميزت بوجود السلاح النووي في قلب المعادلات العسكرية ومفهوم الردع الذي أوجده بشكل وضع حدوداً لاندلاع الحروب الكبرى بين الدول المالكة لذلك السلاح.

أما المرحلة ما بعد الحداثية الحالية للقوات المسلحة, وبحسب ما ينظر تشارلز موسكوس, فهي تمتاز بثلاثة مميزات: الأول هو التغير الذي حصل في أهداف المهام العسكرية التي تنخرط هذه الجيوش فيها, إذ ثمة ازدياد في نوعية من المهام التي لم يكن بالإمكان اعتبارها مهاماً عسكرية وفق المفهوم التقليدي للحروب (مهمات إنسانية, إغاثية, لاجئين, إلخ...). والثاني هو زيادة "الاختراق المدني" للهيكل العسكري, ومشاركة شرائح وخبراء مدنيين ليس لديهم إعداد وتدريب عسكري في مهمات تقوم بها الجيوش. والثالث هو انخراط الجيوش "ما بعد الحديثة" في مهمات وقوات "متعددة الجنسيات" تكون القيادة والسيطرة عليها خاضعة لجهة -أو تحالف جهات- يتجاوز الدولة الأم، وهو أمر غير متخيل في المراحل السابقة. غير أن هذا المميز الثالث غير دقيق من ناحية تاريخية, فنشوء قوات متعددة الجنسيات سواء تحت مظلة الأمم المتحدة أو غيرها, اشتهر خلال ما يصفه الكاتب بالمرحلة الثانية, أي خلال الحرب الباردة أيضاً, ولا يمكن النظر إليه كتحول حصري في المرحلة "ما بعد الحداثية" الثالثة.

الكتاب ليس فيه إشارة واحدة إلى الجرائم التي لا تحصى التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينين، والمحاكمات الصورية التي كانت تجرى للكثيرين منهم معطوفاً عليها الأحكام المخففة ثم الإفراجات اللاحقة بعد قضاء أيسر ما يمكن من الحكم في السجن، تشهد على حقيقة النظام القضائي في إسرائيل

القسم الثاني من الكتاب يعالج جوانب محددة في البيئة الجديدة للعسكرية في حقبة ما بعد الحرب الباردة. وهنا ثمة تركيز على تعمق السيطرة المدنية والسياسية على الجهاز العسكري في الديمقراطيات, وكذلك على الأثر العميق الذي أحدثته التكنولوجيا العسكرية في تدعيم تلك السيطرة وضمان عدم انفلات الجهاز العسكري.

والقسم الثالث يتناول الاستجابات المختلفة وردود الأفعال على التغيرات المشار إليها أعلاه, مع تركيز على تطور وتطوير العلاقات العسكرية والقيادية بين مستويات القيادات المختلفة في القوات متعددة الجنسيات على وجه التحديد بما يقلل من فرص الاحتكاك بينها. ثم التركيز على قضية انخراط المرأة في العمل العسكري وفيما إن كان هذا الانخراط مؤشراً على زيادة مكتسبات المرأة في العصر الحديث أم أنه وجه آخر من وجوه اضطهادها.

وفي القسم الرابع والموسع نجد أهم ما في الكتاب حيث التركيز على الحالة الإسرائيلية من عدة جوانب, عبر خمسة فصول أضعفها الفصل الذي يتحدث عن "الوضع القضائي داخل الجيش الإسرائيلي" (صفحة 177-183). فهنا لا نجد سوى قطعة دعاية واهية الصلة بالتحليل الأكاديمي كتبها ضابط سابق في الجيش هو مناحيم فنكلشتاين الذي عمل قاضياً في محاكم الجيش في أوقات لاحقة من حياته المهنية. ففنكلشتاين يرسم صورة زاهية الألوان تزدهر بالعدالة والنزاهة وسيادة القانون داخل الجيش الإسرائيلي. ومرة أخرى نجد أن الغائب الأكبر عن مثل هذا النقاش هو "العربي" أو الضحية والهدف المباشر لهذا الجيش, حيث ليس ثمة حالة واحدة أو إشارة إلى الجرائم التي لا تحصى وارتكبها أفراد من الجيش بحق الفلسطينين متجاوزين حتى أوامر قادتهم. والمحاكمات الصورية التي كانت تجرى للكثيرين منهم, معطوفاً عليها الأحكام المخففة, ثم الإفراجات اللاحقة بعض قضاء أيسر ما يمكن من الحكم في السجن، تشهد على "عدالة" النظام القضائي في الجيش وسيادة القانون.

على عكس ذلك, يقدم يورام بيري مساهمة عميقة عن "الإعلام والجيش: من التواطؤ إلى التصادم", مستعرضاً تاريخ علاقة الإعلام الإسرائيلي بالجيش وكيف كانت في معظم الحقب علاقة تحالفية حيث كان الإعلام أداة من أداوات الصراع العسكري, سواء مباشرة عبر ما يعرف بالدعاية والتعبئة والحرب النفسية, أو بطرق غير مباشرة. ثم كيف تحولت العلاقة إلى نمط من أنماط الاحتكاك خاصة بعد تفشي الفساد داخل الجيش والدور الذي لعبه الإعلام في نقض الصورة المثالية والبطولية للجيش/الرمز. ويثبت الباحث أن الإعلام الإسرائيلي خاصة في مرحلة ما بعد التسعينيات من القرن الماضي أصبح يأخذ منحى ناقداً وسلبياً من الجيش, ويقول إن تحليلاً لمضامين مقالات الرأي والافتتاحيات في الصحف الكبرى (هآرتس, يديعوت أحرونوت،...) في عامي 1994/1995 يشير إلى أن ثلثي تلك المقالات كانت ذات طبيعة ناقدة وغير إيجابية تجاه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية (صفحة 192).

لكن تبقى أهم مساهمة في الكتاب هي مساهمة باروخ كيميرلنغ وهي بعنوان "البنية الاجتماعية للأمن القومي الإسرائيلي". فهنا يثبت كيميرلنغ أن الثقافة العسكرية والثقافة المدنية للمجتمع الإسرائيلي متداخلتان ولا يمكن فصلهما عن بعضها البعض (صفحة 243). ويستعرض الباحث "عقائد" الأمن القومي الإسرائيلي من تاريخ نشوء مجتمعات اليشوف الاستيطانية, سواء ما يسميه "عقائد دفاعية" إلى "هجومية" إلى "وقائية"، وكيف أن كل تلك العقائد كانت متشربة في الثقافة المدنية أيضاً تتبادل وإياها التأثير، وأن البنية النهائية للمجتمع الإسرائيلي لا يمكن

فهمها إلا عن طريق فهم هذا التبادل والتأثير وعمق المكون العسكري والحربي في تشكيله. عقيدة الصراع في الفكر

الغربي(3)

إن تشكيل نظرة حضارة ما تجاه أي قضية من قضايا الحياة والكون ، إنما هو حصيلة موروثات تجذَّرت في لا وعي هذه الحضارة تجاه الأصول الثلاثة :

· النظرة إلى الإله

· النظرة إلى الكون

· النظرة إلى الإنسان

ثم تأتي بعد ذلك الرحلة التاريخية التي تكوِّن الإرث الحضاري لهوية هذه الحضارة أو تلك .وإذا استعرضنا التاريخ الغربي من بدايته ( الرومان واليونان )، نجد أن الصورة العامة لمسيرة الفكر وتسييس الحياة بكافة أشكالها ( اجتماعية واقتصادية وسياسية وروحية ) كانت قائمة على نظرية الصراع ، أي حتمية وجود عدو يهدد وجوده آخر ، مما يدفعه إلى إعلان الحرب بكافة صورها ، لذا تلوّن التاريخ الغربي عامة بالدم ، ويذكر مؤرخو الغرب أن أحد أسباب الحروب الصليبية هو إعادة توجيه طاقة البارونات الأوروبيين من النزاعات الدموية المحلية إلى غاية نبيلة تتمثل في استعادة الأرض المقدسة وقبر المسيح من أيدي المسلمين ، وإمعانا من الكنيسة في تحميس الصليبين الذين وهنت دواعي النصر فيهم لكثرة ما سفكوا من دماء بعضهم البعض أصدر البابا ( أوربان ) صكّه للغفران و الذي عرض فيه إسقاط ذنوب وخطايا الذين يقاتلون المسلمين ... فدبَّت اليقظة في أوصال الجندي المرتبك أخلاقيا واشتعل حماسا كأنما هو يستيقظ من سبات عميق ، ولم يكن نظام (الفروسة) إلا مثلا من أمثلة هذا التكريس الديني للنزعات الحربية التي حاولت الكنيسة حتى ذلك الحين قمعها لأغراض مثالية ورغبات نبيلة ... فالحروب الصليبية من هذه الناحية كانت تعتبر المظهر الهجومي للفروسية ، والفروسة تعتبر بذرة الحروب الصليبية كما تعتبر أيضا ربيبته، والفارس الذي يشترك في الحروب الصليبية ، إنما يشبع بذلك النزعة الحربية الكامنة فيه تحت إشراف الكنيسة وبأمرها ، وينال بذلك الخلاص التام والتطهر من الذنوب وهو ما يسعى إليه بشدة ،و ربما أمعن الفارس طوال اليوم في القتل والتذبيح حتى خاضت قدماه في الدماء ، فإذا جاء الليل ركع أمام مذبح كنيسة القيامة ، يهلل من فرط فرحه !! أملا أن يكون ما تخضب به من الدماء ، إنما جرى من أجل السيد المسيح ؟ والواقع أننا لا نستطيع أن نفهم شيوع الحروب الصليبية ، إلا إذا أدركنا أنها هيَّأت للناس لأن يوقنوا بأنهم لن يبلغوا العالم الآخر إلا بما يقدمون من قتال عنيف على ظهر الأرض ، وأنهم لن يجنوا ثمار الزهد والتقشف إلا باستجابتهم للغرائز الطبيعية .<O:p></O:p>

ولم تستطع الكنيسة بفضل الحروب الصليبية أن توجِّه الغرائز الحربية للمجتمع الإقطاعي فحسب، بل استطاعت أيضا أن تمضي لتحقيق هدف سياستها المباشرة ، وأن تحاول نشر المسيحية في جميع أنحاء العالم المعروف وقتذاك ، ولو أدى ذلك إلى النضال ، أي أنهم عالجوا الصراع الداخلي بصراع خارجي

1-المذاهب الفكرية والأدبية :

واستمرت نزعة الصراع تضرب على أوتار الوعي الغربي وامتدت لتشكل حياة مجتمعاته ، فهناك كارل ماركس ثم لينن والصراع الطبقي وكفاح العمال والفلاحين ضد الإقطاعية ، وقد بلغت ذروتها عند مكسيم جوركي ومايا كوفسكي وبوشكين في أدبهم الذي صار ترجمانا لإملاءات الشيوعية وشعاراتها المتطرفة ثم جاءت الوجودية التي قامت أساسا على إثبات حق الوجود ورأت أن قضيتها الأولى هي الصراع بتحدي القوي الغيبية و ما لازمه من الشعور بالعبثية وفقدان الحكمة في الخلق ، وإذا انتقلنا إلى الغرب الرأسمالي وجدنا عقلية فصل الأفراد مما أوجد طبقة رأسمالية تمسك بزمام المال والأعمال وتسوس الفكر مع وجود طبقة تعاني من الحرمان مما زاد من معدلات الجرائم واتساع الهوّة في المجتمع الواحد (وإذا أضفنا إلى ذلك انهيار الرعاية الاجتماعية في هذه البلاد والتي ما وضعت إلا لتلافي الصراع الطبقي الحاد والمكشوف لأدركنا أن المجتمعات الرأسمالية في موقف حرج .

(وحدثت الثورة في فكرة المسرحية منذ أواخر القرن الثامن عشر في أوروبا ، منذ دعا ( ديدور) إلى المسرحية البرجاوزية فلم يعد الصراع كما كان عند اليونان منحصرا في الصراع النفسي ، بل صار له امتداد خارجي عميق تهدف فكرته إلى النيل من نظم المجتمع بتغيير يزلزل النظم المستقرة التي لم يعد لها ما يبرر دوامها ... وفي الطبيعية ثم الواقعية ظهرت المسرحيات الحديثة في تعميق البعد الاجتماعي ، والاعتماد عليه ، ووضحت أنواع الصراع العالية في كفاح الأفراد والجماعات ضد العوائق الاجتماعية وضرورات الطبيعة ، ذلك أن هدف الواقعية هو توكيد صراع الإنسان ، وتوجيه ظواهر الطبيعة لخدمته بحيث يستغلها ويتقدم بها في مجتمعه حتى يصبح لا استغلال فيه وبذلك يحقق القضاء على ما يسمى ( الاستلاب) وهو اغتراب الإنسان في مجتمعه بسلب حقوقه أو نكران جهوده أو جحود حريته .

وفي مستوى هذه الصراعات العالية أصبح مجال المسرحية المفضل هو الكشف عن النظم الاجتماعية من سياسية وخلقية ودينية ، وأصبح فيها صراع داخلي بين الإنسان والفكرة ، وصراع خارجي بين البواعث والملابسات التي يقتضيها الموقف ...ففكرة الصراع في المسرحيات الحديثة تمثل صراع الوجود في مختلف مظاهره ، سواء من خلال الوعي الفردي للشخصيات في الجماعات المضطهدة ، أم من خلال الوعي الجماعي جملة ، كما في المسرحيات الواقعية الاشتراكية ، ومثلها في الغرب بريشت أيضا .

هذه النظرة للصراع نجدها اليوم في الغرب من خلال سياساته التي أريد لها أن تسود شكل التعايش بين المجتمعات .

2- الحروب العالمية :

كانت بداية الصراع في الغرب الحديث مع الأقطاب المتصارعة في الحروب العالمية الأولى والثانية ثم آل الأمر إلى وجود القطبين المتصارعين ( الاتحاد السوفيتي والولايات ا لمتحدة الأمريكية ) فيما عرف بالحرب الباردة ، وعندما انهارت المنظومة الشيوعية واستفرد القطب الواحد ظل يبحث عن العدو ليروي غلالة تعطشه للصراع ، فكان ما أسمَوه العدو الأخضر وهو الإسلام ، لقد ظل الإسلام ولا يزال يمثل نقطة الضعف في هيمنة الغرب على العالم بل إن الإسلام كما يقول هننتجتون : هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك .. لهذا فإن استهداف الإسلام سيظل أحد المحاور الرئيسية في بناء نظام العولمة المعاصر لاسيما وقد أصبح العالم الإسلامي مفككا معرضا لشتى الاختراقات .

3- صناعة الرعب : اعتبرت عقيدة الصراع حجة لتبرير التضخم اللاعقلاني في صناعات الرعب العسكرية رغم أن ما يزيد على أربعة أخماس العالم يعيشون تحت خط الفقر ومصارع الأمراض والمجاعات ، ومهما قيل عن الأموال التي يتم صرفها على البحث العلمي السلمي فإن ذلك لا ُيشَكِّل شيئا قياسا على ما يتم صرفه على البحوث العسكرية والأسلحة المدمرة ، وهذا مولود طبيعي للثقافة الغربية ..

4-الاختلال الاقتصادي : العمل على إبقاء الاختلال الاقتصادي بين الشمال والجنوب ليظل هناك سيد ومسود ، السيد هو الرجل الأبيض ذو السيطرة على الفئات الملونة المحرومة.

5-تصدير ما عرف بصراع الحضارات أو تصادم الثقافات وتقسيم العالم أيدلوجيا ثم ماديا إلى معسكرين معسكر الإرهاب ، ويندرج فيه كل من لا يرضى بهيمنة القطب الواحد ، ومعسكر القطب الواحد ينضوي تحته من دانوا بحتمية الصراع ، والإرهابيين في نظر الغرب كما يقول فرانك فيوزيدي هم أي شعب أجنبي لا نحبه ، بالإضافة إلى أن الإرهاب يتم تفسيره ليكون صفة عامة يتصف بها العالم الثالث .

ختاما ...

إذا كان تعلم لغة قوم يؤمن من شرهم فإن معرفة أيدولوجيا الفكر لهم يرسم إلى ماهو أبعد من الخطوط الحرجة في التعامل مع حضارتهم ،ولعل هذا الفرع ( دراسة الآخر ) تم تجاهله طويلا في ثقافتنا العربية والإسلامية رغم أن من خصائص هذه الثقافة أنها كونية شمولية ، وأعتقد أن مثل هذه الدراسات كان ينبغي لها أن تكون مرشدا لرسم الخطاب الدعوي الموجّه للآخر مما يساعد على فتح جديد للدعوة في عالم المعلومات والمعرفة المعاصرة بعد خفوت واضمحلال التوسع الجغرافي والفتوح العسكرية ، أو حتى المساعدة على فرض الذات الإسلامية كشريك في عالم الاقتصاد والقوانين والأيدلوجيات المادية ، بل وارتفاع هذه المشاركة إلى مستوى المنافسة في تقديم مشروع حضاري شامل للعالم .

ويكفي أن ندلل على تصور الغرب المشحون ضد الإسلام بما تصوره السينما الأمريكية وبتثّه وتنشره عن العرب والمسلمين ، من أنها شخصية عدوانية قذرة غادرة وأصبح من الضروري أن تجتمع قوة الغرب لمواجهته وحيث لايوجد فن أكثر تأثيرا من السينما لتسويق هذه الصورة النمطية الظالمة و تجييش الوعي الغربي بشكل دائم . 

الأفلام الحربية في السينما الإسرائيلية(4)

بالنظر إلى الطبيعة العسكرية للمجتمع اليهودي في إسرائيل فإنها لن تكون مفاجأة إذا اكتشفت أن هناك عدد ضخم من الأفلام الإسرائيلية الحربية تتناول الجيش الإسرائيلي وحروب إسرائيل ضد العرب بصفة عامة ، خاصة إذا قمت بمقارنتها بالأفلام العربية التى تتناول الحروب نفسها فستجد نسبتها قليلة العدد للغاية بالمقارنة بكم الأفلام الدرامية والكوميدية الهائل الذي ظهر في السينما العربية فى المائة عام الأخيرة .

تتسم الأفلام الحربية الإسرائيلية بسمة خاصة بها وهي أن تتغير بصورة موازية لتغير نظرة المجتمع الإسرائيلي للجيش بصفة عامة ، لذلك فسوف تجد موجات مختلفة من الأفلام الحربية الإسرائيلية على مدار الستون عاما الماضية .

السينما الحربية في السنوات الأولى

في العصور المبكرة للسينما الإسرائيلية كانت الأفلام تركز على الحماسة الوطنية اليهودية نحو استعمار الأرض العربية وبناء وطنهم الجديد وأول فلم يعتبر مثال على هذه الموجة هو فلمGiva 24 Eina Ona("Hill 24 Doesn't Answer", 1955) ويحكي قصة أربعة من مقاتلي الهاجاناه (الهاجاناه هى العصابات الأولى التى تكونت في إسرائيل لمحاربة العرب وتعتبر نواة جيش الدفاع الإسرائيلي ) .، وتتكون المجموعة من طالب أمريكي مؤمن بالصهيونية وشخص ناجٍ من معسكرات الاعتقال الألمانية ،وغيرهم ومع الفلم سوف تكتشف أن لكل واحد من أفراد المجموعة الدافع الخاص به الذي جعله يلتحق بالهاجاناه وخوض القتال ، بالفلم تأكيد على الروح الصهيونية التقليدية ، وتري فيه كيف يتم التعامل مع مآسي الحرب من وجهة نظر أيديولوجية يهودية بحتة ، الفلم في مجمله بسيط ويتماشي مع الفترة التى أنتج فيها حيث أن عمر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وقتها كان 7 سنوات فقط .

حرب الأيام الستة وأساطير السينما الاسرائيلية

للأسف حققت السينما الحربية الإسرائيلية ازدهاراً كبيراً في الفترة التى تلت حرب 1967 والتى مني فيها العرب بهزيمة كبيرة كانت سبباً في العجرفة الكبيرة التى سادت السينما اليهودية وقتها حيث ظهرت مجموعة من الأفلام تصور بطولات وهمية أقرب إلى الأساطير لجيش إسرائيل ، وهذه كانت نتيجة طبيعية للدهشة الكبيرة التى سادت اليهود الذين لم يصدقوا أنفسهم عندما حقق الجيش الإسرائيلي إنجازات غير متوقعة في ستة أيام فقط !!! .

ومن الأمثلة على أفلام تلك الفترة فلم بعنوان : Hu Halach Basadot ("He Walked Through the Fields", 1967)والذي يتبني نظرة مقدسة لمؤسسي إسرائيل ، الفلم مبني على رواية للكاتب موشي شامير تناول العلاقة بين الجيل الأول من المهاجرين والجيل الثاني الذي خاض حرب الأيام الستة 1967 وقام ببطولة الفلم آسي ديان ابن وزير الدفاع الإسرائيلي الشهير موشيه ديان والذي اعتبر في إسرائيل وقتها أسطورة عسكرية ، ويحيط الفلم هالة كبيرة من القدسية على مؤسسي دولة الاحتلال الإسرائيلي وقتها .

واذا تركنا هذا الفلم نجد أن أفلام البطولات الإسرائيلية الغريبة تصل إلى ذروتها في فلم بعنوان : like Azit Hakalba Hatzanchanit ("Azit the Paratroop Dog", 1972).والفلم مقتبس عن قصة كتبها موتا جير والذي كان رئيساً لهيئة الأركان الإسرائيلية إبان حرب 1967 وتحكي قصة الفلم عن كلب وولف ألماني يتمتع بموهبة كبيرة يقوم بعملية فدائية من اجل إنقاذ مالكه الذي وقع في الأسر عند العرب وتتوالى الأحداث و يستطيع الكلب إنقاذ صاحبه في النهاية ، الفلم في مجمعه فلم ساقط ولا يعدو تقليد سخيف لأفلام الكلبة لاسي الشهيرة ،و صور الفلم العرب في صورة كاريكاتورية سيئة تعكس الاستخفاف اليهودي بالعرب في تلك الفترة !.

حرب أكتوبر وانهيار الأسطورة

يمكنك أن تقول انه باندلاع حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 ، انتهي العصر الذهبي للسينما العسكرية الإسرائيلية ، وهي الحرب التى كان لها الدور الأكبر في القضاء على الصورة الأسطورية للجيش الإسرائيلي في العالم أجمع وهو الأمر الذي جعل السينما العسكرية الإسرائيلية تصاب بما يشبه الصدمة نتيجة انهيار الصورة الوردية للقوة الإسرائيلية ، وهكذا فقدت السينما الحربية الحظوة عند الجماهير ولفترة طويلة امتدت حتى نهاية السبعينيات وبدأت السينما تأخذ منحي جديد تحول من تصوير البطولات العسكرية إلى أن تكون أكثر حرجا وأكثر تساؤلا وربما نقول أكثر منطقية .هذا الاتجاه بدا يتزايد بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982 .

في الحقيقة يمكن القول انه إذا كانت فترة بداية السبعينيات هي عصر أفلام البطولات العسكرية في السينما الإسرائيلية فإن الثمانينيات يمكن أن تمسي بعصر الأفلام المناهضة للحرب ،فقد ظهرت عدة أفلام في تلك الفترة تتضمن تساؤلات عن حقيقة دور جيش الدفاع الإسرائيلي ، حتى أننا نري أن الصورة الوردية للجندي الإسرائيلي تغيرت إلى درجة إظهاره في صورة أكثر وحشية مع بعض التركيز البسيط على العنصر الإنساني عند العرب .

واحداً من أفضل أمثلة الأفلام التى تصور تلك الفترة هو فلم : Shtei Etzbaot Mitzidon ("Ricochets", 1986). وتحكي قصة الفلم عن حياة بعض الجنود في قاعدة عسكرية مظلية أنشئت وسط بعض القرى اللبنانية ، يصور لنا الفلم كيفية تعامل الجندي الإسرائيلي مع السكان المحليين والذين ليسوا بمقاتلين أو إرهابيين ،ولكنهم مجرد أهالى عاديين ،في نفس الوقت بصورة موازية يصور الفلم حالة الهلع عند الجندي اليهودي من الموت عن طريق القنابل المفخخة على الطرقات .

في احد المشاهد شديدة الواقعية في الفلم تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلية باقتحام منزل احدي العائلات اللبنانية ويقوم الجنود بتفتيش كل المنزل ،وفي نفس اللحظة نري نظرات الخوف في أعين أفراد العائلة ،يأمر قائد المجموعة احد الجنود بإزاحة رجل عجوز مقعد نائم فوق مفرش على الأرض ،يتردد الجندي ولكن القائد يصرخ فيه أمراً بتحريكه وبعد نقل الرجل يكتشف الجنود وجود باب سري يقود إلى مخزن للأسلحة !

ويعكس هذا المشهد التعقيدات الأخلاقية لغزو لبنان ( من وجهة نظر إسرائيلية بالطبع ) ويطرح عدة أسئلة عن الاحتلال ومفهومه وينتهي الفلم بإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان وابتعادهم عن بيروت ولكنه يترك تساؤلا عن جدوى هذه الحرب بصفة عامة .

هذه الأفكار الجديدة في السينما الإسرائيلية عادت تلقي بظلالها على فلم آخر هو : Blues Lahofesh Hagadol ("Late Summer Blues", 1987).

تدور أحداثه في الفترة بين حربي 1967 وحرب أكتوبر وهي الفترة المسماة بفترة حروب الاستنزاف وهي الحرب التى تناستها إسرائيل ، والتى تكبدت فيها خسائر كبيرة في الأرواح ، و يتناول الفلم قصة مجموعة من الطلاب في السنة النهائية ، انخرطوا في الجيش ، وهؤلاء يعتبروا الجيل الثاني من المقاتلين بعد جيل حرب 1967 ، وكانوا هؤلاء مأخوذين بالبطولات الإسرائيلية الوهمية في 1967 ولكن مع مرور الوقت يكتشفون أن الأمور أكثر تعقيدا وان الحرب أصعب مما كانوا يصورونها ويعتبر كثير من النقاد أن هذا الفلم من الأفلام الجيدة لأنه يغوص أكثر في العقلية الإسرائيلية كما انه الفلم الوحيد الذي تناول حرب الاستنزاف .

مع مرور السنين يضعف الاهتمام بالأفلام العسكرية في إسرائيل وعزي النقاد السبب إلى أن إسرائيل أصبحت أكثر انفتاحا على العالم الخارجي وهو ما تأثر به المنتجين في إسرائيل وتأثرت به السينما الإسرائيلية ولكن من وجهة نظري ، اعتقد أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وخمود التوتر التاريخي بينهم كان له دورا كبيرا في هدوء النعرة العسكرية في إسرائيل وتوجيهها نحو الفلسطينيين فقط وهو ما اثر بدوره على السينما الحربية ، حيث أن طبيعة العلاقة بين مصر وإسرائيل كانت علاقة الند بالند أما بعد معاهدة كامب ديفيد و تفرغ إسرائيل للفلسطينيين أصبحت العلاقة علاقة بين محتل غاصب وبين مدنى أعزل ، و هو ما يجعل تصوير هذه العلاقة في شكل فلم عسكري نوع من الجبن والخسة .

فيلم Kippur يوم الغفران

من بين الأفلام العسكرية القليلة التى أنتجت في إسرائيل في السنوات الأخيرة يظلفلم Kippur (2000) أحد الأفلام الهامة التى تناولت حرب أكتوبر من منظور إسرائيلي ، رغم أن كل الأفلام الإسرائيلية التى تناولت حرب أكتوبر كانت تركز على تحميل المخابرات الإسرائيلية ( الموساد) مسؤولية الهزيمة وفشلها في عدم التنبؤ بميعاد الحرب إلا أن فلمKippur للمخرج الإسرائيلي Amos Gitai لم ينظر من هذه الزاوية ولكنه عالج الحرب من منظور الجنود ولم يتطرق إلى أية أبعاد سياسية كما فعلت الأفلام السابقة ، وGitai مخرج يهودي معروف قدم أعمال كثيرة في الدول الأوربية وخاصة فرنسا ، يطرح فلمه هذا من وجهة نظر خاصة به حولته كثيرا إلى فلم فكري أكثر منه فلم حربي ،ويحسب لـ Gitai أنه حاول أن يخرج فلمه بصورة حيادية للغاية جعلته بالنهاية هدفاً لانتقاد الكثير من النقاد اليهود .

قصة الفلم تحكي عن اثنان من الجنود يتم استدعاءهم في بداية الحرب وذلك للمشاركة في فرقة لإنقاذ الجرحى في مرتفعات الجولان السورية وعندما يصلان إلى هناك يجدا المنطقة وقد عمتها الفوضى الشديدة أثناء انسحاب القوات الإسرائيلية من الجبهة ، وتتوالى الأحداث في الفلم .

يعيب البعض على الفلم البطء في معالجة الأحداث ، كما أن ببداية الفلم مشهد رمزي يصور لقاء عاطفي حميم بين أحد الأبطال وصديقته يمتد لفترة طويلة ، ولكن مع ذلك فإن الفلم يعتبر من أكثر الأفلام الإسرائيلية نضوجاً ويمتاز بتصوير متقن ، رغم المعارضة الكبيرة التى واجههاGitai وفلمه داخل اسرائيل.

النــــهاية

تشكل الأفلام الحربية جزء كبير من التراث السينمائي الإسرائيلي كإفراز طبيعي للطبيعة العسكرية في إسرائيل.

-     لا ننكر أن هناك بعض الأفلام إلي تحاول الحيادية والمنطقية في معالجة حروب إسرائيل ضد العرب ولكن هذا لا يمنع أن السينما الإسرائيلية كان لها دور كبير في تعميق المفاهيم الاستعمارية والاستيطانية لدي اليهود ودور أكبر في تبرير الجرائم إلى دأب اليهود على اقترافها تجاه الفلسطينيين والعرب خلال الستون عاماً الأخيرة .

بانوراما القوة عبر التاريخ(5)

**كتاب مخطط الانحدار وإعادة البناء

**تأليف الدكتور خالص جلبي

** مع فجر الحضارة أُصيبت الإنسانية بمرض الحرب، ومع الحرب تدفق نهم الإنسان لامتلاك القوة، ومع تكريس العنف والعنف المضاد تطورت التكتيكات والأسلحة على شكل حلقة متصاعدة، ومع عطش امتلاك القوة وتسخير العلم لإنتاج السلاح نمت العلوم والتقنيات العسكرية بما لا يقارن مع علوم تسخير النفس والمجتمع، إلا أن المفاجأة كانت أن الذين دفعوا سفينة الحضارة في هذا الاتجاه أدركوا في النهاية أن الطريق مسدود، والعدم يلف الكون، والانتحار ينتظر الجميع، فرأى جيلنا وللمرة الأولى في تاريخ الجنس البشري بداية الرحلة لتوديع السلاح وثقافة البطولة. لنسمع خبر التاريخ في رحلة التكتيكات والأسلحة، ففيها عظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

نظرتْ إلي ابنتي أروى بشيء من الدهشة : يا أبت ألا تعرف أهمية مسابقات تصفية كأس العالم لكرة القدم، ولا أهمية ألعاب الأولمبياد، أو سباق الماراثون؟؟ اعترفت لها بقلة زادي في هذا الحقل على أهميته، كما اعترف للقارئ بأنني استغرب أحياناً وقوف الناس محملقين وهم يتابعون المباراة ساعات متواصلة، مع هذا فأنا أدرب نفسي على احترام اهتمام الناس وتبين سر هذا الاهتمام!!

قلت لصديقي الدكتور عماد: هل تعلم من أين جاءت فكرة سباق الماراتون؟ هز رأسه بالنفي، قلت له إن هذا يرجع إلى قصة في التاريخ حدثت أثناء اجتياح ملك الفرس (دارا) لبلاد اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث نشبت معركة عند مدينة ماراتون مما جعل العدَّاء اليوناني ( فيديبيدس _ PHEIDIPPIDES ) يركض إلى كلٍ من أثينا التي تبعد خمسين ( كم ) وإسبرطة التي تبعد ( 224 كم ) ليخبرهما بالهجوم الفارسي من جهة وطلب المساعدة الإسبرطية من جهة أخرى، ويقال أنه قطع المسافة في يوم وليلة بركض متواصل، فهذا هو سباق الماراتون وأصله التاريخي .

وصف المؤرخ ( ولز ) ( H . G . WELLS عبور كزركسيس ( XERXES ) لمضيق الدردنيل ( HELLESPONT عام 480 قبل الميلاد لاجتياح بلاد اليونان: ((حتى إذا نظر فرأى الهلسبونت تغطيه السفائن ورأى كل شواطئ سهول أبيدوس غاصة بالرجال، قال عن نفسه إنه لسعيد، وما لبث بعد ذلك أن هملت عيناه بالدموع فسأله عمه أرطبانوس فإنك قد وصفت نفسك رجلاً سعيداً تذرف الدمع الآن فأجاب الملك: أجل إني بعد أن أحصيتهم عداً دار بخلدي إحساس بالشفقة والحسرة لتذكري كم حياة الإنسان قصيرة، لعلمي أنه من بين هذا الجمع الحاشد لن يكون واحد حياً بعد أن تمضي مائة من السنين)) ( 1 )

وفي معركة سلاميس هُزم كزركسيس أمام الإغريق بحراً وبعدها بعام هُزم قائده ماردونيوس ( MARDONIUS ) في معركة بلاتيا عام (479 قبل الميلاد) براً على الرغم من ضخامة الحملة التي شنت والاستعدادات البطيئة والهائلة التي أعدها كزركسيس، وكانت معركة بلاتياPLATAEA من أكثر معارك التاريخ القديم حسماً، لأنها أنقذت لنا الفكر الفلسفي اليوناني الذي ترعرع فيما بعد في جو الحرية، وكان التكتيك والسلاح الذي استخدمه الإغريق في هذه المعركة هو الذي أنقذهم من العبودية لآلاف السنوات التي بعدها، والسؤال هو كيف كانت طبيعة التكتيك المستخدم في معركة بلاتيا؟ وما هو نوع السلاح الذي استخدم في هذه المعركة ؟

رحلة القوة

نحن في هذه المسألة لسنا في صدد بحث العوامل النفسية والاجتماعية التي دفعت الجماعات والمجتمعات الإنسانية إلى الصراع المسلح، فهذا له بحثه الخاص، والمقالة حصرت نفسها في تطور أداة القوة وطريقة استخدامها، وما نريد تسليط الضوء عليه هو (رحلة القوة) كيف بدأت ؟ كيف نمت ؟ كيف تطورت ؟ وأين وصلت اليوم ؟ أي إننا نطبق منهج ( الجنيالوجيا ( GENIALOGY على علم الحرب ((قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق))( 2 )، فهي محاولة لفهم كيفية بدء(خلق) ظاهرة الحرب والصراع الإنساني المسلح؟ كيف تم تصعيد ظاهرة الحرب حتى وصلت إلى أفق لم يحلم الإنسان به منذ أن خُلقت الخليقة!! يمكن بلورة الصراع المسلح عبر التاريخ في المراحل أو الأفكار الإحدى عشرة القادمة:

1- المرحلة الأولى : يذكر القرآن قصة أول صراع مسلح دموي، حدث بين ولدي آدم أثناء نزاع حدث بينهما، لجأ الطرف الأول فيه إلى التهديد بالقتل لينفذه لاحقاً (أسلوب لأقتلنك)، في حين أن الطرف الثاني امتنع عن حل مشاكله بهذه الطريقة، مقابلاً أسلوب (القتل) بأسلوب جديد مدهش هو (التخلي عن القوة من طرف واحد)، فكان تكتيكاً عجيباً ومبشراً للجنس البشري للمستقبل في كيفية حل مشاكله وبطريقة أكثر جذرية .... ويبدو أن أداة القتل في هذا العهد السحيق لم تكن لتتجاوز هراوة أو حجراً.

2- المرحلة الثانية : دخلت الأسلحة الباترة والقاطعة والثاقبة، وبدأ الإنسان يفكر في كيفية التخلص من خصمه بنفي (التعددية) وعدم الاعتراف بالاختلاف، من خلال تطوير أدوات (لأقتلنك)، وبدأت يد الإنسان في التفاعل مع الطبيعة في إنتاج السلاح، كما تشكلت المجتمعات المنظمة التي بدأت في تشكيل الجيوش (الذكورية)، ومن الملفت للنظر أن ولادة الحضارة كانت مشوهة، لأن مرض الحرب دخل في تركيب الحضارة فيما يشبه الخطأ (الكروموسومي) وتطلب هذا بالتالي رحلة مروعة عبر التاريخ قبل الوصول إلى الاعتراف بأن هذا (مرض). إذن ومع نمو الحضارات الأولى بدأت (دورة الحرب) تأخذ نظماً تاريخياً، وإيقاعاً مكرراً عبر الزمن بدون توقف.

3- المرحلة الثالثة: أصبحت ظاهرة الجيوش (الذكورية) ظاهرة ثابتة في تشكيل كيان المجتمع وتحت ضغط فكرة (الدفاع) عن المجتمع، وهكذا عمدت الأنظمة السياسية التي تشكلت في كل دول العالم القديم وإمبراطوريات التوسع إلى ما يلي:

أولاً : تشكيل الجيوش الجرارة المكلفة.

ثانياً : تطوير أداة البطش والتدمير الممثلة في تطوير أنظمة السلاح والتكتيكات العسكرية والتقنية الحربية بوجه خاص، بل وتسخير كل إمكانيات المجتمع لخدمة الهدف العسكري.

هذا التنافس بالطبع لن يؤدي في النهاية إلا إلى حملات التوسع والاصطدام مع الدول المجاورة، كما حدث في الحروب الرهيبة في العالم القديم على الشكل الذي أوردناه في حملة كل من دارا وكزركسيس على اليونان، أو الحرب (العالمية) القديمة بين روما وقرطاجنة، التي استهلكت موارد كلا الدولتين من خلال ثلاث جولات من الصراع المريعة في القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد وقادت الأولى إلى الفناء تحت التراب، والثانية إلى (العدمية) فوق التراب وبذا ماتت الاثنتان عملياً !! (3)

4- المرحلة الرابعة : كانت دورات الحرب تمشي في اتجاهين (الأول): هو الاستمرارية والتواصل وكانت فترات السلم (هدنات) لأخذ النفس ومتابعة الحرب، من خلال قانون العنف والعنف المضاد، فكل فعل له رد فعل مضاد له في الاتجاه ومساوٍ له في القوة، وهذا يستتبع بالتالي رفع جرعة رد (رد الفعل) أي نصل لـلاتجاه (الثاني): فحتى يمكن التغلب على رد الفعل الجديد فلابد من رفع قوة الفعل الجديدة، أي أن الدورة الجديدة من العنف سوف تبدأ أعنف من الأولى وفي جعبتها كل تجارب الدورة السابقة، فلو أردنا تصوير ما يحدث فهو أشبه بهرم مقلوب الرأس، ذروته نقطة بداية العنف وقاعدته المتوسعة باستمرار العنف المستشري، أو هو شكل لولب صاعد كحلقة دخان أو نفثة نار تكبر مع صعودها إلى السماء بدون توقف، أو هي حلقات الماء بإلقاء حجر فيها فتكبر الحلقات بدون نهاية. أو انتشار موجات الصوت أو الضوء!! حتى خيل للبعض أن السلام عملية مستحيلة، أو هي خدعة مؤقتة، أو أن الوجود مؤصل على العنف المقدس (كذا)

5- المرحلة الخامسة: كان أمل القوى المتصارعة دوماً ومن خلال تطوير أداة الحرب أنه سيقهر خصمه ويستولي عليه بل ويلغيه ويحذفه من الوجود، وهو بهذا الأسلوب يخلق العدو باستمرار، ويلغي حتى وجوده الخاص، وكانت هناك علاقة جدلية بين طغيان الشر وتطوير (أداة البطش) وهكذا أغرى قديماً مثلاً الدولةَ الآشورية براعةُ الآلة الحربية الآشورية التي تكللت باختراع (العربة الحربية الآشورية) ذات الأنصال الباترة حيث كانت تقضم أذرع المقاتلين فتقع ترتعش، قبل أن يحس المقاتل بفقدان ذراعه أو قدمه!! وحفزتها لتطويع وتركيع الأمم المجاورة، ومع امتداد هذه الذراع البطَّاشة سال اللعاب أكثر فأكثر لافتراس المزيد من المدن والأمم، فكلما زاد (كمال) أداة الحرب كلما أصيبت النفس بمرض التضخم والشعور بالتجبر الكاذب، وبذا تضخمت الدولة الآشورية بشكل مرعب في جنوب غرب آسيا، فحكمت بدون رحمة، ودمرت ولم تأبه، وسوَّت معظم مدن الشرق الأوسط بالتراب، وحملت شعوباً بأكملها إلى معسكرات الاعتقال، وما يزال الشعب اليهودي يحمل في الذاكرة الجماعية التاريخية فظائع (نبوخذ نصر).

كانت الأداة الحربية الآشورية تحت المراقبة والتطوير الدائمين، إلا أن الحملات التي لا تنتهي لإخضاع الشعوب المجاورة على النحو المذكور، ومعاناة هذه الشعوب وآلامها التي لا تنتهي، استنفدت في النهاية دماء الدولة الآشورية فماتت على الشكل الذي وصفه المؤرخ (توينبي) عن مصير النزعة الحربية (الجثة في الدرع) (4)

6- المرحلة السادسة : تحت شعور (السيطرة) على مقدرات الناس تم دفع أداة الحرب وتطويرها بكل سبيل ممكن، وسُخر العلم لذلك، وهكذا حدث تناقض عجيب، حيث تمت ازدواجية بين خدمة العلم لآلهة الحرب، وبين تطوير العلم من خلال تبني المؤسسات العسكرية له!! وهكذا تم تطوير أبحاث الذرة بشكل مرعب خلافاً لمؤسسات علم دراسة النفس والمجتمع، كل ذلك تحت معلومات كاذبة، أن هتلر يطور سلاحه الذري الخاص به، وأظهرت التحريات ومقابلة العلماء الألمان بعد الحرب، أن الألمان لم يكونوا قد خطوا بعد في هذا الطريق شيئاً يذكر(5)، بل وكشف النقاب عن هدف إلقاء السلاح الذري على اليابان، أنه لم يكن هو المستهدف به بالدرجة الأولى بل الإعلان الأمريكي لمرحلة ما بعد الحرب الكونية الثانية، لأن اليابان كان في حكم المهزوم. ويقع الاتحاد السوفييتي في رأس قائمة الذين يجب إرعابهم؟!

7- المرحلة السابعة : انتقل تطوير السلاح في دورات من أسلحة (الصدم) و (القذف) والوقاية من خلال جهاز (الدروع)، فالأولان للاختراق والأخير للدفاع والوقاية أثناء الهجوم كما هو الحال اليوم في سلاح الدبابة، وكما يحدث تماماً أثناء اشتباك مجموعتين من الأطفال في العراك حصل نظيره في تاريخ الحروب في التاريخ، فالأطفال يعمدون إلى التراشق ثم الاشتباك بالأيدي والقبضات أو بالعكس، وهكذا مشت رحلة التسلح في دورات من المشاة المدرعة، فالخيالة الخفيفة، فالخيالة المدرعة، وأخيراً العربات المدرعة.(6) وبالطبع فإن بحثنا هذا لم يكتب للعسكريين وإن كان يستهويهم، وهكذا تطور السلاح بين الإنسان المدرع، فراكب الحصان المدرع، فراكب العربة المدرع، والذي غلب (كزركسيس) في معركة (بلاتيا) كان نظام (الفالانكس الإغريقي) (PHALANX ) عام (479) ق.م الذي يعتمد القوة المركزة المزودة بالرماح الطويلة التي تعمل كـ (المطرقة الثقيلة)، ثم تطور هذا النظام على يد الملك فيليب المقدوني والد (الإسكندر الكبير) الذي هيأ له الآلة المناسبة لاجتياح الدول المجاورة، حيث تم صقل جهاز الفالانكس بحيث يستطيع المناورة بشكل أفضل، ومن هنا نرى عجائب القدر في عمل الفرس باجتياحهم بلاد اليونان، كي يحركوها لتقوم برد الفعل بعد 146 عاماً لتطحن جيوش داريوس في معركة (أربيلا) عام 333 ق.م استطاع الإسكندر بجيش لا يتجاوز (47) ألف مقاتل أن يحطم جيوش (داريوس) كما تفعل المطرقة في صدم وعاء من الفخار!! فعلى الرغم من جيش داريوس الهائل والمكون من قرابة مليون من الجنود!! والفيلة والعربات ذات الأنصال (العربات الآشورية) فإنها لم تصمد أمام جهاز (الفالانكس) الإغريقي والمكون بشكل رئيسي من المشاة المدرعين، المزودين بالحراب الثقيلة الطويلة، في أرتال منظمة تعمل كالمطرقة في الاختراق وتتحرك في مجموعات تشبه كل مجموعة (القنفذ ذو الأشواك). ثم جاء دور (الليجيون -LEGION ) الروماني الذي ساد الصراع لقرون لاحقة بفضل التطوير الجديد على نظام (الفالانكس) الإغريقي، فأضاف السيف الأسباني القصير المعمر وأنقص طول الرمح ليطور الرمح الخاص به بطول قدمين PILUM )) إلا أن نظام الليجيونات الرومانية تم هزيمته واختراقه سواء بمبدأ (الكماشة) الذي طبقه هانيبال في معركة ( كاني)-CANNAE ( 7 ) بحيث أصبح لفظ كاني دليلاً على الكماشة الفظيعة!! أو عن طريق الجرمان الذين طوروا (الفأس مخترق الدروع - الفرانسيسكا) أو أخيراً على يد الخيالة القوط في معركة ( أدريانوبل - ADRIANOPLE ) عام (378) م حيث ساد راكب الحصان الذي يستخدم سلاح الصدمة (الرمح والقوس) للفترة التالية. ثم جاء الدور من جديد ليُلغى دور الخيالة الخفيفة وأقواسها الممتازة على الرغم من براعة أصحابها كما حصل لجيش (العاصفة) القديم المتمثل في جيوش جنكيز خان التي لم تقهر، كان ذلك بواسطة ظهور الخيالة المدرعة والتي أرعبت الناس حينما ظهر الملك (شارلمان) يلمع بالحديد المخيف تحت أشعة الشمس حينما حقق انتصاره في معركة (بافيا) عام 814 م؟! ثم جاءت هزيمة الدروع من داخلها فقد أثقلت الفارس إلى الدرجة التي لم يعد الحصان قادراً على حمل كل هذا الحديد، وكان منظر سقوط الفارس المدرع من ظهر الفرس على الأرض يثير الشفقة لأنه لا يعود بعدها يستطيع حراكاً كما يحصل مع الحيوان البحري إذا اخرج من الماء!! وعندما بدأ ترقيق الدروع فاجأتها أسهم القوس المتصالب والقوس الطويل في كلٍ من معركة (هاستنجز) عام 1066م تلك التي انتصر فيها الدوق ويليام واحتل فيها بريطانيا، أو في معركة كريسي عام 1346 ميلادي حيث كان بإمكان السهم اختراق الدرع والفخذ وتسمير الفارس في سرجه الخشبي!! وعندما أراد الفلاحون السويسريون التخلص من الإقطاع الألمان طوروا سلاحهم الخاص بهم والذي يُرى في المتاحف الآن (الهالبارد) ذو نهاية ثلاثية: رمح للطعن وفأس لضرب الخوذة ثم خطاف لنتر الفارس من ظهر الحصان. ثم جاءت القفزة النوعية في تطوير الأسلحة النارية فمع البارود بطل دور قلعة (الإقطاعي) ومعه النظام الإقطاعي، إلا أن البندقية الأولى وحاملها (الموسكيتير) وجد صعوبة في التكيف معها بين الحشي والإشعال والإطلاق لمرة واحدة، حتى جاء القائد المبدع فريدريك لينجز انتصاره الرائع في معركة (لوثن) من خلال الاستخدام الجيد للسلاح الناري، وأمكن تطوير أمد الرصاصة وقوة انطلاقها من خلال أمرين تطويل السبطانة و (حلزنتها)، ولبطء الحشي في المراحل الأولى تم إضافة (السونكي) كي تأخذ البارودة وظيفة الرمح والبارودة بنفس الوقت !! واستمر تطوير نظام (لأقتلنك)، وعندما أمكن الوصول إلى (الماشين غن - الرشاش) استطاع الجنرال كيتشنر دحر المهديين ورماحهم في السودان، كما قُتل من خيرة جنود كيتشنر في الحرب العامة الأولى ستين ألفاً في إحدى الهجمات برشاشات الألمان المتمركزين في وحول (السوم)، ويعتبر نابليون المعلم الكبير في استخدام النظام المدفعي وبه شق الطريق لأمجاده في حروب أوربا قبل أن يهزم في واترلو، ومع تطوير الطيران والرشاشات والمدفعية ثم الدبابات وأخيراً الغازات السامة بدأت معارك الحرب العالمية الأولى تتحول إلى مسالخ بشرية فعلية، حيث قتل في إحدى المعارك في (السوم) في مدى أربعة أشهر مليون و265 ألفاً من الشباب الأوربي بين ألماني وفرنسي وبريطاني . ثم (ختامها مسك) ؟! اختتمت الحرب العالمية الثانية بتطوير الصاروخ والسلاح النووي، وبتركيب الثاني على ظهر الأول لم يبق مكان على وجه الأرض ينعم بالأمن، وبذا انقلب السحر على الساحر.

8- المرحلة الثامنة : كانت الحروب في العصور الوسطى تعتمد الجنود المرتزقة، فأعدادهم قليلة والمعارك تعتمد الفروسية، وتكاليف ساحات المعارك يبقى بين حملة السيف، ومع الثورة الفرنسية والأمريكية حصل انعطاف في تركيبة الجيوش، فأصبحت شعبية وبالتالي بدأ المدنيون يعانون من الحروب بشكل مباشر وغير مباشر، وبدأ ما يسمى (الحرب الشاملة)، وأصبح أكثر الضحايا بين المدنيين وهكذا تغيرت الصورة وانقلبت الآية.

9- المرحلة التاسعة : في صباح يوم 16 تموز - يوليو من عام 1945 ميلادي وفي تمام الساعة الخامسة والنصف صباحاً، حصل انعطاف (نوعي) في امتلاك القوة، حيث وضع الإنسان يده على الوقود الكوني هذه المرة، حيث تم تفجير قنبلة (البلوتونيوم 239) التجريبية، وكانت قوة التفجير التجريبية في ذلك الصباح البارد حوالي 15 ألف طن من مادة ت . ن . ت .، وطبق هذا السلاح بكل أسف في إبادة البشر مثل فئران التجارب تماماً وكانت كل قنبلة (مع أن كل محتواها لم ينفجر تماماً كما تبين بعد ذلك) قد مسحت مدينة عظيمة بمعظم سكانها، مع أن قدرة التدمير كانت متواضعة؟! وقد يتساءل القارئ وكيف كانت متواضعة؟ والجواب أن الجيل الثاني من السلاح النووي طور قوة التفجير حتى وصل بقنبلة تجريبية إلى (58ميجاطن) أي أقوى من قنبلة هيروشيما بـ (3800 مرة) ؟؟!! واعتمد الجيل الثاني على مبدأ الالتحام (لمادة الهيدرجين ولذا سميت هيدرجينية) وليس الانشطار (انشطار مادة اليورانيوم 235 أو 239) كما كان مع الجيل الأول . وكان وراء القنبلة الأخيرة الاتحاد السوفيتي فأراد البنتاغون إنتاج قنبلة بقوة 100 (مائة) ميجاطن، أي أقوى من قنبلة هيروشيما بـ (6666) مرة، وعند مناقشة الموضوع شعر الجميع أن هذا الطريق الذي يمشون فيه ليس إلا (جنون مطبق) و (انتحار جماعي) و (تلويث للبيئة) وتهديد جدي للإنسانية، التهديد هذه المرة بالفناء الماحق المترع بالعذاب، حيث لا توجد كرة أرضية ثانية نجرب عليها أو ننتقل إليها بعد خراب الأولى ؟! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) . ثم مشت الرحلة إلى جيل ثالث من القنابل النووية، ثم مالت النفوس إلى إنتاج (تفاح) من الحجم الصغير أي عيار كيلو طن واحد فقط كما هي مع الألغام المزروعة في الجولان السوري، أو تلك التي تحمل في المعارك التي ينبغي تطويقها لتطلق من مدافع بسيطة ؟؟ هذه المعلومات هي يوميات بسيطة لاستراتيجي الدفاع والأمن والتسلح العالمي اليوم، وكما ذكرتُ فهذه المعلومات هي لرفع مستوى (الوعي) عند إنساننا، كي يدرك طبيعة العالم الذي نعيشه، وأن عهد البطولة قد ولى، وملف الحروب قد طوي، وأن أشعار (أبو تمام) لم تعد تطرب (السيف أصدق أنباءً من الكتب).

10- المرحلة العاشرة : عندما كتب ابن خلدون في مقدمته عن عدم اعتماد الأخبار لمجرد نقلها عن الثقات، بل يجب عرضها ومقارنتها مع (أصول العادة) و (قواعد السياسة) و (طبيعة العمران) الخ ... قام بستة تطبيقات على ذلك، منها أن جيش موسى في التيه لا يعقل أن يبلغ (600 ألف مقاتل) واعتمد ابن خلدون مشكلة الاتصالات في الجيش في تفنيد الخبر، فكيف يقاتل جيش لا يعرف طرفه ما يحدث في الطرف الآخر؟! وهو محق بالنسبة لعصره، ولو بعث ابن خلدون في أيامنا الحالية لما تعجب من حملة (بارباروسا) التي قادها هتلر ضد الاتحاد السوفييتي بخمسة ملايين جندي، والسبب هو أن مشكلة الاتصالات أمكن حلها والسيطرة عليها .

إن تحقق هذه الإمكانيات قفز بالحرب قفزة (نوعية)، فمع التراكم المعرفي والتقنيات الحديثة، لم تعد الحرب كائناً بسيطاً، بل تحولت إلى كائن خرافي، ولم تعد الحرب (حرباً) بالمعنى الحرفي للكلمة . يقول صاحب كتاب الحرب العالمية الثالثة الجنرال فيكتور فيرنر: (( إننا اليوم أمام ظاهرة جديدة لم يعرفها العالم من قبل ؛ ذلك أن حجم التدمير وسرعته اللذين يمكن أن يحدثا لن يغيرا أبعاد الحرب فقط، وإنما سيؤديان إلى تغيير في جوهر الحرب، فإذا كان هناك إنسان طوله متران ونصف المتر، ووزنه 200 كلغ فإنه يبقى إنساناً بالرغم من أنه غير عادي. ولكن هل يمكن أن نعتبره كائناً بشرياً إذا بلغ طوله مائتي متر ووزنه عدة أطنان؟؟ )) (8)

11- المرحلة الحادية عشرة: ثم رأت أعيننا شيئاً لم يخطر على قلب بشر في العالم القديم، فلو قام من قبره الآن داريوس أو الإسكندر الكبير أو نابليون أو جنكيز خان لفركوا عيونهم من هول الجبروت الذي امتلكه الإنسان المعاصر، ثم سوف يتحول عجبهم إلى ما يشبه الجنون فلا يكاد يصدقون رؤية الظواهر التالية:

الأولى: سقوط أعظم إمبراطورية، تملك أعظم سلاح امتلكته قط أي قوة مرت على وجه البسيطة حتى اليوم، فالاتحاد السوفيتي هوى صريعاً لليدين والجنب، وفي قدرته تدمير الكوكب الأرضي أربع مرات؟!

الثانية : صعود قوى لا تملك أي سلاح، بل هي مجردة من السلاح ومشروط عليها أن لا تتسلح مثل اليابان وألمانيا، وهذا يعلمنا أن الصعود لا يحتاج لقوة، فهل يدرك الأفغانيون هذا الدرس من التاريخ؟! أو هل تفهم الحركات الإسلامية المتلمظة للقوة منطق التاريخ؟؟!

الثالثة: إن المشكلة التي تواجه مالكي البلوتونيوم والسلاح النووي اليوم هو كيفية التخلص منه وليس تركيبه؟؟

إن هذه المرحلة التي عاصرناها شيء عجيب حقاً فقد رأينا ثلاثة أمور كل واحدة أعجب من أختها؛ رأينا توقف ظاهرة الحروب عند من يملك العلم والمعرفة واستمرارها عند المتخلفين، ورأينا اتحاد الأوربيين الذين اقتنعوا بأن الحرب لا تحل المشكلات بل تخلق المشكلات سواء منتصراً أو مهزوماً، ورأينا انتهاء الحرب الساخنة والباردة ووُدعت الأخيرة بجنازة خاشعة في باريس إلى المقبرة عام 1989 م .

فإذا استطعنا هضم الأفكار السابقة في مجمل بانوراما القوة فيمكن طرح الأفكار التالية:

ـ الفكرة الأولى : إن الجنس البشري جرب حظه من الحروب وامتلاك القوة، ووصل ليس فقط إلى نهاية الطريق المسدود، بل مشى كالأعمى يتلمس الطريق في هذا الكهف المظلم، حتى لمس الجدار الصاعق الحارق فاحترقت يداه فهو ما يزال يعالج يديه المحروقتين، وسمع دمدمة الشياطين في جهنم (الفناء النووي) خلف الجدار!! وهذا أكثر من درس للمغفلين والحمقى الذين يريدون دخول مخاضات عبرها غيرهم، ووصلوا إلى هذه النتيجة من عبثية الحرب وعدم جدوى امتلاك الأسلحة بما فيها خرافة السلاح النووي، ولعل عدم امتلاك العرب لهذا الصنم سوف يوضع في تاريخهم كرواد إنسانيين .

- الفكرة الثانية : إن الذين وصلوا إلى نهاية الرحلة وأحسوا بعدمية هذا الاتجاه أخذوا يرجعون عنه، ونحن مثلنا كما يقول المثل السوري (يطعمك حجة والناس راجعة!!) فإذا فات موسم الحج أبينا إلا أن نقيم كل يوم موسم حج للعنف والقوة ؟! وهذا يوحي بأن هناك فريق من الناس خارج التاريخ والجغرافيا، وتشوش عليهم الفرقعات التي تحدث هنا وهناك، بل يمضي بعضهم إلى اعتبار أن الحروب ستبقى إلى قيام الساعة، والعالم المعاصر يحتفل بتدشين إغلاق هذه الدكاكين العتيقة .

- الفكرة الثالثة: إن نفس القوى العظمى التي أدركت هذه الحقيقة تحاول أن تعمي على عيون وعقول الآخرين كي (تزغلل) الرؤية عندهم، وهكذا مازالت أسواق الأسلحة قائمة (بما فيها البلوتونيوم المهرب) وهم يدركون تماماً أنهم يبيعوننا عتاداً ميتاً ولى وقته وانقضى، ويفعلون هذا من أجل المحافظة على امتيازاتهم في العالم، فالعالم اليوم مقسوم إلى شريحتين منها10% تأكل خيرات90% وشريحة مقلوبة بنفس النسبة أي تشكل90% ولكنها تمنح 10% من خيرات العالم ؟؟!! وبالطبع فهذا وضع مرضي يجب التخلص منه، وهي مسؤوليتنا بالدرجة الأولى، فسوف نبقى ندفع فواتير (نعال الجمال) حتى نرشد (9)

- الفكرة الرابعة: إن الذين يريدون إشعال الحروب يخطئون مرتين وليس مرة واحدة، الأول أنهم انقادوا ودخلوا الحقل الذي لا يسيطرون عليه، بل يسيطر عليه الآخر ويعرف أسراره، فنهاية الحرب لن تكون بأيديهم، بل بيد من يملك تمويلها، فينصر من يرى أن من مصلحته نصره والعكس بالعكس، وهذا تناقض عجيب يعيشه العالم هذه الأيام حيث لا يقاتل من يستطيع، ويقاتل من لا يستطيع ولا يملك مقدرات نهاية الحرب!! وهكذا فإن من يدخل الحرب يدخل مكان اللعبة التي لا يعرف أسرارها بل يتحول هو إلى أحد رموز اللعبة، وللخلاص من هذا وجب إما الخروج الكامل من اللعبة أو عدم دخولها ابتداءً .. من كان له أذنان للسمع فليسمع .

***

هوامش ومراجع :

( 1 ) معالم تاريخ الإنسانية ( THE OUTLINE OF HISTORY BY H . G . WELLS ) - هـ . ج . ولز - المجلد الثاني - ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد - لجنة التأليف والترجمة والنشر - ص 367 . (2) سورة العنكبوت - الآية 20 (3) راجع تعليق المؤرخ الألماني أوسفالد شبينجلر في كتابه أفول الغرب عن آثار تلك الحرب وكيف أنها امتصت آخر طاقة حيوية لروما - الجزء الأول (4) يراجع في هذا كتاب مختصر دراسة التاريخ - جون أرنولد توينبي عن انتحارية النزعة الحربية (5) كشفت مجلة صورة العلم الألمانية النقاب عن التسجيلات السرية لمجموعة العلماء الألمان الذين أسرهم الحلفاء الغربيون ووضعوهم في فيلا مريحة في بريطانيا لمدة ستة أشهر، قد وضع في كل زاوية منها جهاز تنصت، موصول بجهاز تسجيل مركزي يعكف عليه خبراء باللغة الألمانية لفك كل كلمة للعلماء، وعرف على وجه الدقة أن العلماء الألمان كان قد فاتهم القطار _ لحسن الحظ _ في موضوع السلاح النووي، ولكن بنفس الوقت فإن الحلفاء استفادوا من الخبرة الألمانية في تطوير جهاز الصواريخ ف 1 وف 2 الذي عانت منه بريطانيا في نهاية الحرب الثانية (6) راجع في هذا كتاب الأسلحة والتكتيكات - ونترنغهام وبلاشفورد- سنل - ترجمة المقدم حسن بسام - المؤسسة العربية للدراسات والنشر (7) معركة كاني عام 216 قبل الميلاد سحق فيها القائد القرطاجي جيشاً رومانياً ضخماً وبلغ قتلى الرومان فيه حوالي خمسين ألفاً من أصل ثمانين ألف مقاتل، واعتمد مبدأ الكماشة على تقسيم الجيش إلى قلب وجناحين حيث ينسحب القلب إلى الداخل وينفرج الجناحان، فيجر معه الجيش الروماني إلى الداخل في الحين الذي تطبق فيه الأجنحة من الجانبين والخلف وبالتالي يتحول الجيش المقاتل إلى كتلة مختنقة تقاتل فيها الحافة فقط، ويتحول جيش هانيبال إلى مفرمة لحم !! (8) الحرب العالمية الثالثة الخوف الكبير - الجنرال فيكتور فيرنر - ترجمة هيثم كيلاني - المؤسسة العربية للدراسات والنشر ص 21 (9) يروى أن وصياً كان يعرض على القاصر كل سنة أمواله وفي نهاية الحساب يقول : وقد دفعنا يا بني ثمن كذا وكذا لنعال الجمال، ففي إحدى السنوات قال الغلام : ولكن يا عماه ما أراه أن الجمال لا تنتعل الأحذية، قال الوصي أردت امتحانك فقد رشدت فهذه أموالك أعيدها إليك . والفرق بيننا وبين القصة أننا لن نسترد ما دفع ثمناً للأحذية .  

ما الحاجة إلي تطوير أسلحة نووية أمريكية جديدة(6)

بينما أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش بنفسه، في نهاية شهر نيسان (أبريل) 2005م، بحسم وقوة، أنه لن يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم، واكب هذا الإعلان إبلاغ وزارة الدفاع الأمريكية الكونجرس عن تزويد القوات الإسرائيلية بمئة قنبلة من طراز (جي بي يو - 28) خارقة التحصينات في باطن الأرض، التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن كورب، والقادرة على تدمير مراكز القيادة والمنشآت المحصنة المبنية عميقا تحت الأرض؛ فهذه القنابل التي استخدمتها القوات الأمريكية بكثافة في أفغانستان، وخاصة في جبال تورا بورا المنيعة، قابلة للتحميل على طائرات F-15 التي زودت الولايات المتحدة بها سلاح الجو الإسرائيلي، بحيث تقوم هذه الطائرات بتدمير المنشآت النووية والصناعية الحصينة في إيران مثلا، سواء بضربة إسرائيلية منفردة أو بالتنسيق مع عمليات عسكرية أمريكية.

واكب هذا تشديد وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، في مجلس الشيوخ الأمريكي في اليوم التالي مباشرة يوم 28-4-2005، على الضرورة الملحة لاعتماد الإنفاق على تطوير أسلحة نووية صغيرة. تذرّع رامسفيلد بأن هناك مشاريع في أكثر من سبعين بلداً لبناء منشآت ومخابئ وتجهيزات تحت الأرض، من المتعذر على القوات الأمريكية تدميرها بأسلحتها المتوافرة حاليا. قال رامسفيلد: "الشيء الوحيد في حوزتنا حاليا هو أسلحة نووية ضخمة لا تتناسب مع الحاجة إلى تدمير مثل هذه الأهداف.. ألا يجب أن نمتلك أسلحة ملائمة، سواء كانت أسلحة تقليدية شديدة الخرق والتدمير أو أسلحة نووية صغيرة، لتدمير تلك الأهداف المعادية في باطن الأرض كحل وسط بين عدم امتلاكنا شيئاً وامتلاكنا أسلحة نووية ضخمة؟".

إن حديث رامسفيلد عن أهداف عسكرية محتملة تحت الأرض في سبعين بلدا يتوجب استعداد القوات المسلحة الأمريكية لتدميرها، عبر تطوير أسلحة نووية صغيرة ملائمة، هذا الحديث يوضح إلى أي مدى كان غزو العراق، ومن قبله غزو أفغانستان، جزءا من استراتيجية أمريكية شاملة، وليس رد فعل على حدث بعينه أو على تطورات وضع محلي. أي إن الذرائع المعلنة لغزو أفغانستان والعراق كانت أقنعة لإخفاء الأهداف الحقيقية، فقد جاء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق، تجسيدا سافرا لتوجيه مرسوم لعسكرة العلاقات الدولية وتطويع العالم بالقسر إن هذه العسكرة تفرض الهيمنة الأحادية الأمريكية على عالمنا عبر الاستخدام المتزايد لقوة عسكرية طاغية، خارج القانون الدولي وأحكامه، بل تفرض تطويع هذا القانون وإذعان مؤسساته؛ لتشديد القبضة الأمريكية على ثروات عالمنا ونظامه الاقتصادي والتجاري والمالي.

وبعد أيام من تجديد إعلان تصميم الولايات المتحدة على تطوير مزيد من الأسلحة النووية -في الوقت الذي تصر معه على نزع أسلحة الدول الأخرى تحت طائلة التهديد حتى بالحرب- تداول الإعلام الياباني نبأ عن مشروع ورقة عمليات عنوانها "تعاليم عمليات نووية مشتركة" أعدته رئاسة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية المشروع مؤرخ في 15-3-2005، وهو يبيح للقواد الإقليميين للقوات الأمريكية طلب موافقة الرئيس على شن ضربات نووية إجهاضية ضد ما يعتبرونها مصادر تهديد محتمل. وقد عدد مشروع ورقة العمل هذا وفقا لما جاء في صحيفة Japan Times يوم 2-5-2005 -ثلاثين دولة، إضافة لتنظيمات معادية للولايات المتحدة، مرشحة للاستهداف بهذه الضربات النووية. أية قيمة تبقى لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي ضغطت الولايات المتحدة على عشرات الدول للانضمام إليها والالتزام بها وإسقاط شروطها وتحفظاتها؟ وما معنى التزام مئة وثمان وثمانين دولة بهذه المعاهدة، بينما تعتبر الولايات المتحدة أنها هي وإسرائيل فوق المعاهدة، وفوق كل أحكام القانون الدولي ومؤسساته؟

بالمناسبة، قرر رئيس الوزراء البريطاني -الحليف الوثيق للولايات المتحدة- بدوره تزويد بريطانيا بجيل جديد من أسلحة نووية، أسماها أسلحة ردع، بديلا أكثر فاعلية وتطورا من النظام الحالي الذي تحتويه غواصات ترايدنت. وقد نقلت صحيفة The Independent اللندنية عن مصادر في وزارة الدفاع البريطانية يوم 2-5-2005 أن كلفة النظام النووي البريطاني الجديد تبلغ 4ر14 مليار دولار، وتم اتخاذ هذا القرار بالتفاهم مع الإدارة الأمريكية. استعادت الخبيرة الأمريكية د.هيلين كالديكوت في كتابها الهام "الخطر النووي الجديد: جورج بوش ومؤسسته الصناعية الحربية New Nuclear Danger, The New Press, 2004 تحذير الرئيس دوايت أيزنهاور قبيل انتهاء رئاسته الثانية سنة 1961، إذ قال في خطاب له: "علينا أن نضع نصب أعيننا أي تأثير غير قانوني أو مصرح به من قبل مؤسسات وشركات الصناعة الحربية علينا.. إن كارثة ازدياد هذه القوة المفرطة، غير المبررة، ستتواصل، لكن الواجب يقتضي ألا نسمح لها مطلقا بتهديد حرياتنا أو ديموقراطياتنا".

شددت د. هيلين كالدويت على مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية في إحداث وتكريس هلع عالمي من خطر نووي متفاقم؛ فمجمع مؤسسات الصناعة الحربية الأمريكية بات شديد التحكم بالدولة كلها من خلال تحكمه بالمؤسسة العسكرية ومواقع صنع القرار. لا يكترث هذا المجمع بأي اعتبار آخر عندما تلوح فرصة الربح المادي، وهذا بدوره ركن رئيس آخر في التربية الجمعية الأمريكية القائمة على اعتبار المال أولوية مطلقة، إلى درجة تقديسه وعبادته! تعاظم تحكم مجمع الصناعات الحربية الأمريكية بالحياة الأمريكية بالحياة الأمريكية، وراح يضيق الخناق على حرياتها وقيمها ومثلها، كما أكدت المؤلفة، وقد فرض على الإدارة والكونجرس المتواطئين معها زيادة هائلة في الإنفاق الحربي فاقت أقصى ما وصل إليه الإنفاق الحربي الأمريكي في ذروة احتدام المواجهة ضد الاتحاد السوفيتي السابق، على الرغم من انتهاء الحرب الباردة وعدم وجود أي عدو ينافس الولايات المتحدة أو يدانيها من حيث القوة العسكرية. وشددت المؤلفة على الخطورة المضاعفة لكون الجزء الأعظم من الزيادة المفرطة غير المسبوقة في اعتمادات الموازنة الحربية قد تم تخصيصه لتوسيع الترسانة النووية وزيادة قدراتها التدميرية.

وأسهبت المؤلفة في عرض تفاصيل مثيرة عن الخطط والبرامج العسكرية الأمريكية، مدعومة بوثائق عن أرباح وعمولات المقاولين والسماسرة المقربين من السياسيين والقادة العسكريين، الناجمة عن زيادة هائلة غير مبررة في الإنفاق العسكري، وخاصة ما يهدر من أموال على برامج عسكرية لا طائل ولا مبرر لها، مثل برنامج "حرب النجوم". إن الكارثة تتجاوز الإضرار بالمجتمع الأمريكي من أجل تأمين مزيد من الأرباح لقلة جشعة مهيمنة، فهي كارثة تتهدد العالم كله، والجنس البشري بأسره، كما تلوح المؤلفة.

تعتبر الولايات المتحدة من "الطبيعي والشرعي" أن تتسلح هي بما تشاء، وكيفما تشاء، وأن تستخدم أسلحتها متى شاءت ضد من تشاء، في نفس الوقت الذي تمنع الآخرين من التسلح تذرعا باعتبارات أخلاقية، أثبت سلوك الولايات المتحدة نفسها أنها أكبر منتهك لهذه الاعتبارات! تجاوز الأمر اعتبارات التفرد والتمايز والتعجرف الأمريكي ليأخذ بعدا أكثر استفزازا وظلما عندما راحت الولايات المتحدة تفرض نفس تلك الاعتبارات لحالة الكيان الصهيوني؛ فبعدما قدمت هي -وقبلها فرنسا- لهذا الكيان التمويل والخبرة العلمية والفنية والتجهيزات والمواد اللازمة لإنتاج السلاح النووي، والحماية والحصانة من المساءلة الدولية، بل ومن مساءلة القانون الأمريكي نفسه إزاء عشرات من عمليات سرقة وتهريب وثائق ومخططات وأبحاث سرية أمريكية ومواد وتجهيزات نووية من منشآت أمريكية لتعزيز إقامة ترسانة نووية إسرائيلية هائلة، وبعد أن تدخلت بكل الوسائل -بما فيها الغزو والاحتلال العسكري- لمنع أية دولة عربية أو إسلامية من موازنة الحيازة الإسرائيلية للسلاح النووي أو كسر الاحتكار الإسرائيلي لهذا السلاح، خطت الولايات المتحدة خطوة أشد ضلالا وإيغالا في العبث بمصير العالم عندما سمحت للتحكم الصهيوني بمواقع القرار والنفوذ فيها أن يصل إلى حد تبني سياسة توازي إسرائيل بالعالم كله!.

وهكذا لم تتهيب كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، بالقول في مقابلة مع ناحوم برنياع: "إن أمن إسرائيل هو المفتاح لأمن العالم كله"(1)! إنها نفس الصفاقة التي جعلت الصهيوني الفرنسي البارز لوران فابيوس، رئيس البرلمان ورئيس الحكومة السابق، يقول بلا وجل: "لولا اليهود لما خلق الله الكون!" هكذا بات المزاج الصهيوني المريض المشبع بالحقد، والنزوات والمطامع الصهيونية الجامحة المجنونة، من محاور التعاطي الأمريكي مع مسألة تهدد مصير الجنس البشري بأسره، وقد افتعلت الاستخبارات الإسرائيلية و"المستوطنون الصهاينة في الاستخبارات الأمريكية" مثلا عشرات الآباء للقنبلة النووية العراقية المزعومة التي ثبت أنها كانت وهما وكذبة كبيرة صنعتها تلك الاستخبارات ونشرتها على أوسع نطاق لتسوغ غزو العراق واحتلاله، خدمة لتوافق المصالح والأطماع الأمريكية - الإسرائيلية. من الآباء المزعومين لقنبلة نووية عراقية وهمية مدرس للفيزياء في جامعة أطلانطا الأمريكية، سرق بحثا جامعيا لطالب عراقي في جامعة بريطانية وزعم أنه مخطط القنبلة العراقية، وألف كتابا زعم فيه أن صدام حسين قد استدعاه وطلب منه إنتاج قنبلة نووية، لقد افتضح كذبه سريعا، واعترفت الاستخبارات والخارجية الأمريكيتان والكونغرس الأمريكي بالوقوع ضحايا لخداعه. لم تقتصر أكاذيبه على العراق، ففي حديث له نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية -التي أسمته بدورها "أب القنبلة النووية العراقية"- زعم هذا المخبر أن المرحوم الرئيس ياسر عرفات قد "طلب منه إنتاج قنبلة نووية له"(2)!

مضت لعبة العبث النووي توغل أكثر في إطلاق الأكاذيب للابتزاز، فزعم اللواء أهارون زئيفي، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، يوم 21-10-2003، أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أن السعودية قد سعت إلى الحصول على رؤوس نووية من باكستان. رأى المعلق الإسرائيلي رؤوبين بدتسور أن التلويح بمزاعم الخطر المصري النووي يوما والخطر السعودي يوما آخر، بعد استحضار تهديدات الجيش السوري والصواريخ الإيرانية، يعيد تفعيل جثة نظرية "الخطر الأبدي" المتغلغلة في أعماق النفسية اليهودية ويجعلها محور الاستراتيجية الشارونية الموفازية التي تطل على العالم بأسره من فوهة بندقية(3).

ليست المسألة مجرد لعبة إسرائيلية ممجوجة، بل استمرار تهييج وتحريض إسرائيلي دائم للثور الأمريكي ضد العرب والمسلمين. نشرت صحيفة واشنطن بوست مثلا في نيسان (أبريل) 2005، أي بعد الإطباق الأمريكي المباشر على قدرة باكستان النووية، وبعد تسليم النظام الليبي كل ما عنده من تجهيزات ووثائق خاصة ببرنامجه النووي للأمريكيين، مزاعم بأن باكستان اشترت كميات تفوق حاجتها من هكسافلوريد اليورانيوم، وباعت الفائض لكل من إيران وليبيا لصنع سلاح نووي!

يتجدد على نفس النسق إطلاق تحذيرات وإنذارات بأن هذه المنظمة أو تلك المجموعة قد نجحت في سرقة أو شراء أو إنتاج قنبلة نووية صغيرة. ما إن تم ترويج هذه المزاعم حتى تبين وفقا لما نشر يوم 1-4-2005 أن محققين اتحاديين أمريكيين يحققون في قضية تهريب تكنولوجيا نووية أمريكية لكل من الدولتين المتعاديتين باكستان والهند، وأن (أشير كارني)، الإسرائيلي المقيم في جنوب أفريقيا اعترف في أيلول (سبتمبر) 2004 بارتكاب هذا التهريب. ظلت القضية محاطة بكتمان شديد، حيث التزم أشير كارني بالتعاون مع السلطات الأمريكية للإيقاع بشريكه رجل الأعمال الباكستاني همايون خان.

تضمنت اعترافات كارني الإقرار ببيع معدات إلكترونية متطورة لوكالات حكومية هندية تشمل أعمالها الأسلحة النووية والصواريخ. شمل التهريب مفاتيح كهربائية عالية السرعة تستخدم في الصناعات النووية كفتيل تفجير للأسلحة النووية، ومراسم ذبذبات لباكستان. هل تختلف أكاذيب أسلحة ونشاطات نووية مزعومة لتنظيمات ودول عربية أو إسلامية عن أسلحة دمار شامل عراقية أثبتت تحقيقات وعمليات تفتيش تكلفت مليارات الدولارات على مدى خمس عشرة سنة أنها كذبة إسرائيلية -أمريكية- بريطانية أطلقت ذريعة لغزو العراق واحتلاله؟

كذلك هو شأن تحذير الأكاديمية القومية للعلوم مثلا من خطر هجوم "ارهابي" يحتمل أن تتعرض له المخلفات والنفايات النووية في مائة وثلاثة مفاعلات نووية أمريكية(4)، وتحذيرات مماثلة أطلقتها عشرات الكتب ومئات المقالات التي كان أكثرها موجها بإيحاءات استخباراتية. من تلك الكتب مثلا كتاب بول ويليامز "انتقام أسامة"(5) الذي كرر نفس الرواية التي لاكتها مئات المقالات والكتب عن الفوضى التي رافقت تفكك الاتحاد السوفيتي وسمحت لتنظيمات ومافيات ومهربين وتجار وعملاء مخابرات بالحصول على عدد من الحقائب النووية، أي أسلحة نووية صغيرة بقوة 10 كيلوطن، وأن أسامة بن لادن اشترى عشرين حقيبة من تلك الحقائب وزعها على خلايا تابعة في نيويورك وواشنطن وميامي وشيكاغو ولاس فيغاس وهيوستن ولوس أنجلس وحيث أن مرور سنوات طويلة على فترة التي زعمت الصيغ المختلفة لهذه الرواية أن تسرب تلك الأسلحة من الترسانة السوفيتية قد تم خلالها -أي ما بين العامين 1996 و 2001- يجعل إعادة تصنيع تلك الأسلحة وصيانتها ضرورة لا بد منها كما بات معروفا لكل من لديه الحد الأدنى من الإلمام بالأسلحة النووية، فإن الكاتب بول ويليامز غطى هذه الثغرة بقوله: إن تنظيم القاعدة قد قام بتجنيد عدد من العلماء والفنيين السوفييت ليتولوا صيانة تلك الأسلحة النووية وإعادة شحنها وتفعيل شحنتها النووية.

سخر أحد المعلقين من هذه الروايات الخيالية فتساءل: هل تتم عمليات الصيانة والشحن وإعادة الشحن وإعادة الإنتاج في نفس المدن الأمريكية التي تحدث عنها ويليامز- على الرغم من الإجراءات الأمنية الأمريكية الموغلة في التشديد- أم إن القنابل تعاد إلى مختبرات ومفاعلات نووية في كهوف تورا بورا لصيانتها وإعادة تفعيلها؟! وما سبب التلكؤ في استخدام تلك الأسلحة لعشر سنوات؟!

وصف وزير الدفاع الروسي سيرجي إيفانوف الروايات المبنية على افتراض أن الأسلحة والتجهيزات والمواد النووية الروسية غير مؤمنة جيدا، بل حتى مستباحة لأي عابر سبيل، بأنها ليست سوى خرافات. لكن تلك الروايات- الخرافات لا تزال تتوالد وتتكرر في خضم حمى حملات الإثارة الإعلامية والتهييج السياسي والابتراز الاستخباراتي في الولايات المتحدة التي تشرف شبكة لم تعد خفية على إطلاقها وتغذيتها. هناك حاليا نحو مئة وثلاثين مفاعلا نوويا في عشرات البلدان التي تستخدم اليورانيوم عالي التخصيب، ناهيك عن مخزونات لليورانيوم في منشآت أخرى، رتبها الموساد الإسرائيلي أو جهات تعمل في خدمة إسرائيل.

مع ذلك، يتصاعد الضجيج المبرمج في الولايات المتحدة محذرا من 11 أيلول (سبتمبر) نووي، على نحو ما حذر مثلا ماثيو بن، مسؤول إدارة مشروع الذرة في كلية يكنيدي للدراسات الحكومية، وأنطوني فير، مشرف ميزانيات برامج تأمين المشروعات النووية الأمريكية(6).

لكن الحكومة الروسية نفسها كانت قد افتعلت الضجة وعززتها أصلا من خلال المبالغة في إطلاق أخبار عن احتمال فقدان حقائب نووية، أي أسلحة نووية صغيرة، لدى تفكك الاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من أن معظم ثروات الدولة السوفيتية ومنشآتها قد تم نهبها آنذاك، وفي السنوات اللاحقة، من قبل مافيات معظمها يهودية، بحيث سرعان ما فرخت تلك الحقبة مئات من أصحاب المليارات اليهود الذين تحكموا بالاقتصاد والمال والإعلام والسياسة في روسيا، فقد تعمدت الحكومات الروسية نشر روايات عن احتمال تسرب أسلحة نووية روسية إلى تنظيمات إسلامية مقاتلة، لكي تستخدم تلك الروايات في استقطاب -أو ابتزاز- دعم غربي لها في صراعها مع غالبية الشعب الشيشاني الساعي إلى التحرر من الاحتلال الروسي من ناحية، ولكي تستخدمها ورقة مساومة لتحصيل مساعدات مالية أمريكية وألمانية أكبر بذريعة تحسين أمن وتخزين أسلحة وتجهيزات ومواد الترسانة النووية الروسية. تقدمت روسيا مثلاً في كانون الأول (ديسمبر) 1997 بمشروع اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب النووي، أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 13-4-2005، إثر تلاقي هذا المشروع مع مصالح وتوجهات الولايات المتحدة التي تستخدم تلك الروايات ذريعة لتشديد القبضة الأمنية داخليا، ولاستباحة العالم.

الهوامش:

(1) معاريف، 2-5-2003.

(2) معاريف 4-12-2000، كذلك: جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي - الحياة، 9-5-2005.

(3) هاآرتس، 22-10-2003.

(4) الاتحاد، أبو ظبي، 8-4-2005.

(5) Paul Williams, Osam,s Revenge .The Next 9/11, Prothemos, 2004

(6) .Washington Post, 14.9.2004 

الحروب.. دمار للبيئة والمجتمع(7)

   السلم والهدوء مبتغى كل أمة وجماعة وعائلة، وتخلف الحروب التي تحمل في طياتها استخداما للأسلحة المتنوعة الأشد فتكا بالأبرياء آثارا كارثية على المجتمعات. فاستخدام القنابل العنقودية وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليا يؤدي الإصابة بها إلى ظهور حالات مثل الإعاقات طويلة الأمد والتي لا يمكن علاجها، بالإضافة إلى ذلك فإن دخول اليورانيوم المنضب للمعركة تنتج عنه آثار بيئية سلبية تسبب عقما عند النساء إضافة إلى أنواع مختلفة من السرطانات وخاصة عند الأطفال.

 وفي الحروب يتم تخريب المؤسسات وتدمير الأبنية والمراكز المختلفة، مما قد يعرض المختبرات المختلفة والمواقع الإشعاعية والنووية للتخريب والتدمير والتي قد ينتج عنها كوارث بيئية تطال العالم كله. وللحروب تأثيرات مباشرة على الأسر وخصوصا الأطفال والنساء بسبب القتل والتهجير وهي كالتالي.

 الابتعاد عن الوطن

 إن الحرب تؤدي إلى هجرة الأسر من مواطنها الأصلية إلى أماكن أخرى مختلفة وذلك قد يكون قبل الحرب أو خلالها وقد يكون بسبب تهدم البيوت والمساكن، مما يدفعهم للبحث عن ملجأ آمن والذي بدوره يؤثر على الخارطة الديموغرافية للمجتمع، فقد تكون الأسر المهجرة أكبر عددا من غير المهجرة وتضم عددا كبيرا من الأفراد الأمر الذي سيشكل عبئا على المعيل مما يؤدي لحرمان جميع الأطراف من مختلف مزايا الحياة الكريمة،

 وذلك يؤدي لإصابة الأطفال خصوصا بالعديد من الأمراض النفسية بسبب الفقر والبؤس ناهيك عن الأطفال الذين ينشأون بين عائلات بديلة، والنساء اللواتي يفقدن أولادهن وأزواجهن وما سيعانينه جراء ذلك من أزمات نفسية وصحية واجتماعية سيكون لها آثار سيئة على حياتهن في المستقبل.

 براءة الأطفال

 يعد الأطفال من أكثر فئات المجتمع عرضة للأذى والدمار السريع وخصوصا البيئي، فالطفل بطبيعته ينظر ببراءة لكل ما حوله فهو بفطرته السليمة يحمل الحب والرحمة والحنان لكل شيء، ولهذا هو غير قادر على شن الحرب على أحد، وهو أيضا يقوم بربط الحرب في حال حدوثها بذاته حيث يتصور نفسه المقصود من الحرب دون أن يعرف السبب، فيقوم باختلاق السبب ويشعر نفسه بأنه الشخص المنبوذ، ما يزيد من حالته النفسية ألما وتعقيدا، وخصوصا إذا كان هنالك أطفال من ضمن الضحايا،

 فهو يتوقع الموت في كل لحظة ويعيش الكوابيس والأحلام المزعجة، ويعاني أمراضا عديدة ومشكلات صحية منها التبول اللاإرادي، وآلام الرأس والمعدة وسببها نفسي جراء العنف، بالإضافة إلى الإصابة بضعف نمو اللغة نتيجة الحديث المتواصل مع الكبار عن الحرب وعدم توفر الوقت لتبادل الأحاديث الجميلة معهم، لهذا تظهر حالات التلعثم والثأثأة أيضا بشكل متزايد، ويجب أن لا ننسى أيضا أن الحرب تعني تدمير المدارس ومعنى ذلك حرمان الأطفال من إكمال التعليم، ناهيك عن حالات الإعاقة والحروق وتشتت الأسرة التي يتعرضون لها.

 ظلم المرأة

 تضع الحروب والنزاعات على كاهل المرأة حملا ثقيلا، فمخاوفها لا تقتصر على خوفها من الدمار والاضطرابات والإصابات والموت، بل هي تمتد لما هو أعمق من ذلك فهي معرضة لعمليات الاغتصاب والتعذيب والأذى الجسدي والجنسي والاستعباد الجنسي والاقتصادي، بالإضافة إلى الزيجات الجبرية،

 وأيضا تضطر المرأة إبان الحروب إلى إعالة أسرتها وأطفالها لغياب الرجل، حيث ترتفع نسبة العائلات التي تترأسها المرأة، مما يعني زيادة نسبة الفقر، و تفرز الحرب أيضا تغيرات اجتماعية بعيدة المدى، فالمرأة التي تعيل أسرة كبيرة تجد صعوبة في الزواج وتكوين أسرة، بالإضافة إلى ذلك فإن نسبة الذكور تقل إلى حد بعيد مما يهدد البنية الاجتماعية للمجتمعات، وقد تتولد عادات جديدة لم تكن موجودة سابقا.

 الحرب وصحة الأسرة

 يمكننا القول إن آثار الحروب على الأسرة باتت عديدة ومتنوعة. فالأثر البيئي بفعل الأسلحة الكيميائية المتطورة يكون عميقا، وآثار تدمير وحرق المنازل والمدن خطيرة أيضا، ما ينذر بكارثة صحية ونفسية، وانتشار الأوبئة كالكوليرا والحمى السوداء والملاريا، والتي غالبا ما يكون سببها عدم توفر المياه الصالحة للشرب وافتقاد الخدمات العامة الأخرى.  

ولسوء الحظ فإن آثار الحروب تبقى في أفرادها على الرغم من انتهائها، فهم يسترجعون مآسي الحرب من تدمير وحرق وغياب الأحبة والهجرة، وفي تقارير للأطباء النفسيين إن الذين يسترجعون وقائع الحرب في شريط ذاكرتهم يعانون من حالات وأزمات نفسية كمن مازال يعايش تلك الحروب ولكن بدرجة ما، وبسبب ذلك نجدهم يعانون من الصداع الدائم والألم والاختلال المتكرر في الذاكرة.  

حين تصبح الحرب شيئاً عادياً(8)

من لا يعرفهم؟ مبعثرون على الأرصفة، نظراتهم صلفة، استفزازاتهم مجانية، إضافة الى ذقون صغيرة حلقت قبل أن تنبت. في عمر معيّن تكون قابلاً للاصطدام بهم، في عمر آخر لا تعود تعيرهم انتباهاً. هؤلاء هم من يطلق عليهم «زعران» الأزقّة الذين يمضون وقتهم في العراك والمعاكسة وتشويه الجدران المحيطة بهم.

لكن بعيداً من الأحكام الأخلاقية، يتطرق الدكتور محمد خضر الحلبي اختصاصي المشاكل السلوكية عند الأطفال والمراهقين الى المسألة من زاوية مختلفة. فهو يفسر ظاهرة العنف عند المراهقين من منطلق أنه «لا يوجد عنف صحّي وآخر مرضي، العنف هو الاضطراب السلوكي الذي يتضمّن الأذى الجسدي وتخريب الممتلكات وهو دائماً حالة مرضيّة. انما تختلف ضرورة معالجته وصعوبتها بحسب حدته».

ويضيف الحلبي ان «بعض الحالات تتعلق بخلل وراثي، وبعضها الآخر يعود الى البيئة أو الى نسب متفاوتة من العاملين».

وفي ما يتعلق بالبيئة المسببة لتلك الاضطرابات يقول الحلبي إن الاسباب متعددة: «فمن الممكن أن تكون صدمة تعرّض لها المراهق في طفولته وتركت عنده شعوراً عميقاً بالذنب دفعه الى أن يجنح في تصرفاته لحماية نفسه من القلق والتوتر، أو أنه يتعمد أن يتصرف في شكل خاطئ ليلقى العقاب ويعالج مشكلة الشعور بالذنب».

وقد تكون الاضطرابات في السلوك ناتجة عن حرمان مادي أو عاطفي أو اجتماعي في مجتمع تكثر فيه مظاهر الثراء، فهؤلاء المراهقون تكوّنت عندهم عبر السنين نظرة دونيّة الى ذاتهم، يحاولون التعويض عنها بالمشاغبة العنيفة أحياناً لإبراز شخصياتهم والقول إنهم بدورهم أصحاب أهمية.

الأهل ليسوا دائماً على حق

ويلقي الطبيب بعض اللوم على الأهل وطريقتهم في التربية، فيقول: «لدى بعض الأهل عادات تربوية قاسية جداً، تتضمن الضرب وهذا ليس علاجاً بأي صورة من الصور، بل على العكس يولّد الغضب والحقد ويترك الولد في ذاكرة الآلام وليس في ذاكرة التعلم من الأخطاء».

ويضيف: «هناك حالات لا يكون المراهق قادراً فيها على تقبّل كلمة واحدة، فالعنف لغته الوحيدة للتواصل مع الخارج، وفي كثير من الأحيان تكون معالجة العدوانية عند المراهق غير كافية خصوصاً إذا كانت هي اللغة السائدة في العائلة والمجتمع، مشكلة مجتمعنا أنه صار يتقبّل العنف ولا يدينه بالقدر الكافي وهذا أمر خطر فعلاً، هناك حالة انكار عام. الناس يحمون أنفسهم عاطفياً مما يفوق طاقتهم أو لا يستطيعون شيئاً حياله، لا يعودون يولون العنف انتباههــم ويتقـــبلونه كـــشيء عادي».

ويروي الحلبي حالات واجهها خلال الحرب الاخيرة على لبنان وبعدها، إذ جاءه بعض ممن كانوا يقيمون في مناطق قريبة من القصف، وبينما كانوا هم خائفين، وغاضبين وموترين كان أولادهم هادئين، يضحكون ويرطبون الأجواء.

ويقول الحلبي: «المضحك المبكي أن هؤلاء الأهل اعتقدوا بأن أولادهم أقوياء وتعافوا بسرعة من الأزمة، لكنهم في الواقع تأقلموا مع الظرف العنيف كأنه أمر عادي وهنا تكمن الخطورة، أن يصبح العنف طبيـــعياً».

أما إذا كانت الأغاني والأفلام العنيفة تلعب دوراًَ في تنمية العنف عند المراهقين فأجاب الحلبي: «بالتأكيد، فمثلاً عندما يدمن المراهق سماع موسيقى صاخبة وتمجد العنف، فإنه يـــنمي نزعاته العدوانية. وبعض الأغانـــي تتضمن جملاً من نوع «أريد أن أقتل نفسي – أو أن أقـــتل أحـــدهم» فإذا اســـتمع لها آلاف المـــرات في جملة موسيـــقية تبدأ بالتـسرب الى يقيـــنه الــلاواعي، فيصدقها».

ويشير الحلبي الى ان «هذه التأثيرات نفسها تستعملها التيارات الدينية المتطرفة والعصابات المنظمة فتستثمر العنف الفردي المكبوت والمتراكم في المجتمعات التقليدية وتحوّله الى عنف جماعي موجّه ضد الآخر الذي يُصور على أنه يمثل الشر المطلق!».

...................................................................................

المصادر/

1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

 2- خدمة كامبردج بوك ريفيوز/ فضائية  الجزيرة

 3- منتديات الساخر

 4- منتدى حلبيات

 5- موقع باب

 6- د. خير الدين عبدالرحمن /  مجلة الحرس الوطني السعودية

 7- جريدة البيان

 8- زكي بيضون/ جريدة الحياة اللندنية    

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5 كانون الثاني/2008 - 25/ذو الحجة/1428