الثقافة العراقية في 2007: حراك ثقافي ذاتي ورغبة عارمة لإعادة الحياة

شبكة النبأ: شهد عام 2007 سلسلة من النشاطات والفعاليات المهمة في العراق وخارجه ، ففي شهر كانون الأول ديسمبر أقامت جامعة البصرة ملتقى السياب الثاني تحت شعار "الرواية العراقية.. أسئلة الكتابة والوجود" والذي استمر أربعة أيام، قرأ خلالها شعراء العراق قصائدهم وبحوثهم ، وعلى هامش الملتقى أقام نادي الشعر مع أنغام عازف العود علي حافظ على قاعة فندق العيون أمسية شعرية قدم لها الشاعر عمر السراي، ألقيت خلال الأمسية مجموعة من القصائد الشعرية الشعبية والفصيحة لعدد من الشعراء ومن مختلف المدن العراقية. أما شهر آذار مارس فشهد اقسى هجمة على الثقافة العراقية منذ الحرب الأخيرة حيث تعرض شارع المتنبي -الذي يعتبر رئة الثقافة العراقية- لعملية تفجير بواسطة سيارة مفخخة أدت إلى استشهاد وإصابة أكثر من مئة شخص فضلا عن تدمير مكتبات القيروان والموسوعة والنهضة والقانونية، وهي من أبرز المكتبات في الشارع وأكثرها عراقة، تدميرا كاملا، كما التهمت النيران محتوياتها من النفائس الثقافية والكتب النادرة والمؤلفات.

 كما أن قناة البغدادية الفضائية أقامت في بداية هذا الشهر أيضا مهرجانها الأول للأفلام الروائية والوثائقية العراقية بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة ولمدة ثلاثة أيام ، وقال مسؤول في قناة البغدادية في اتصال هاتفي مع وكالة (أصوات العراق)، هذا المهرجان جاء في  إطار دعم الجهود لدفع عجلة الإنتاج السينمائي العراقي الذي يعاني ركوداً واضحاً منذ ما يقرب من عقدين من الزمن خاصة مع يقين ثابت أن مثل هذه التظاهرات السينمائية من شأنها لفت النظر لأهمية هذا الفن ودوره في صياغة توجه للفن يرقى بالإنسان العراقي، وأضاف عبد الخالق المختار للوكالة، نأمل من السينما العراقية أن تتقدم إلى الأمام وان تقام فعاليات أخرى ترقي  بواقع السينما العراقية في القادم من الأيام.

وفي شهر نيسان أبريل الذي شهد أكثر من نشاط ثقافي أقيم في مدينة العمارة، مهرجان الجنوب المسرحي الثاني، الذي استمرت عروضه لمدة أربعة أيام، على قاعة النشاط المدرسي، وأشرفت عليه الجمعية الثقافية المستقلة، بالتعاون مع المديرية العامة لتربية ميسان، وبمشاركة أعمال مسرحية من ست محافظات، هي :البصرة وميسان والناصرية والديوانية والكوت والسماوة. أما الثامن عشر من نيسان 2007 فلم يكن يوماً عادياً في تأريخ السينما العراقية التي جاوزت مسيرتها أكثر من نصف قرن ولم تنتج سوى مئة فلم ، وفي هذا اليوم شهد المسرح الوطني العرض الأول للفيلم الروائي العراقي (أحلام) ، وفي هذا الشهر أيضا حاول أطفال العراق أن يمحوا ذكريات الكوارث والحروب فقد آثر أطفال العراق أن يتركوا بصمتهم في هذا العام إذ انطلقت قافلة من الأطفال الموهوبين في مختلف الفنون ليقيموا مهرجانهم في سجن نقرة السلمان الذي كان من أقسى السجون في الذاكرة العراقية.

وفي التاسع والعشرين من شهر نيسان أقامت مؤسسة المدى أسبوعها الثقافي الخامس الذي أقيم في أربيل والذي تميز بكثافة نشاطاته، وتنوعها، وتعددها.

وقال فخري كريم رئيس مؤسسة المدى لوكالة (أصوات العراق) : إن أسبوع المدى بصورة عامة هو خطوة في اتجاه الثقافة العراقية الأصيلة وهو احد المحاور التي نسعى بها لتأصيل الثقافة والعمل الثقافي والارتقاء بدور المثقفين، وإرساء قاعدة للمشاركة والتفاعل بين منتجي الثقافة والإبداع، ومتلقيها، ومواصلة البحث لإيجاد وسائل وأساليب وأدوات فعالة لتحويل العلاقة بينهما إلى عملية خلق جديدة ترتقي بالثقافة العراقية إلى أفاق جديدة، وفي هذا الشهر أيضا انطلقت اللجنة التحضيرية للمجلس الثقافة الأعلى في العراق على يد مثقفي العراق من الداخل والخارج.

أما شهر حزيران يونيو فقد شهد انطلاق مهرجان المربد الرابع مهرجان المربد الرابع الذي نظمته وزارة الثقافة العراقية وبالتنسيق مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق واتحاد الأدباء في البصرة تحت شعار (من أجل فعل ثقافي وطني متعدد الأطياف)، واستمر ثلاثة أيام في مدينة البصرة.

وفي شهر آب أغسطس شارك المثقفون العراقيون في  فعاليات الأسبوع الثقافي العراقي في الجزائر، الذي رعاه الرئيس الجزائري، بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية 2007 ، وقدمت خلال الأسبوع معزوفات موسيقية فولكلورية عراقية وعرض للأزياء العراقية ، وقراءات شعرية للشعراء مروان عادل ومحمد علي الخفاجي وياس السعيدي واختتم منهاج افتتاح الأسبوع الثقافي العراقي بأنشودة "عراق الشموخ".

 وقال جابر الجابري رئيس الوفد: لقد واضبنا على أن نكون مثقفين ننتمي إلى حضارة عمقها التاريخي والمعرفي يمتد إلى جذور التاريخ ولهذا فان الوفد آثر أن يقدم صورة مشرقة للعراق والثقافة العراقية بصورة عامة. مضيفاً أن العام القادم 2008 سوف يشهد الكثير من الأسابيع الثقافية وفي عدة دول، لتعزيز الأواصر بين العراقيين وإخوانهم ولنجعل من الثقافة العراقية منطلقاً للحوار والالتقاء بين الثقافات العربية والعالمية لإبراز دور المثقف العراقي وجعله يأخذ دوره المهم والحيوي الفاعل في بناء الإنسانية.

ولعل الحدث الأهم في هذا الشهر كان تعليق اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين اتصالاته رسمياً مع  الاتحاد العام للكتاب العرب نتيجة لما وصفه رئيس الاتحاد فاضل ثامر بالدور السلبي، وأضاف ثامر: مع كل احترامنا الكبير لاتحاد الكتاب العرب إلا أن مواقفه لم تكن مشرفة وفاعلة في الدفاع عن حقوق الكثير من الأدباء العراقيين  طوال عقود كثيرة والآن هم يتحججون بالاحتلال ويرفضون استقبالنا إلا إذا اعترفنا بما يسمى بالـ(مقاومة الوطنية).

 وفي الشهر ذاته تم اختيار بابل عاصمة للثقافة العراقية لعام 2008.

وقال كامل شياع لـ (أصوات العراق): جاء اختيار مدينة بابل عاصمة للثقافة العراقية للعام القادم بناءً على تأثير المدينة بما أنتجته من مبدعين وفلاسفة ورجال دين وكتاب وشعراء، وبالتالي لأثرها في واقع الثقافة العراقية بصورة خاصة والإنسانية بصورة عامة.

أما في شهر تشرين الثاني نوفمبر فقد افتتح في قاعة الثقافة بالسليمانية مهرجان كلاويز الثقافي الحادي عشر، وقدمت فيه فعاليات ثقافية متعددة، و في الشهر نفسه أقامت نقابة الفنانين العراقيين بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح مهرجانا فلكلوريا للفرقة القومية للفنون الشعبية برعاية شركة كلكامش للإنتاج الإعلامي والفني و قدمت فرقة الفنون الشعبية لوحات فنية فلكلورية مختلفة من التراث العراقي ، كما أقيم الأسبوع الثقافي العراقي في باريس والذي شارك فيه الرسامون العراقيون بمعرضين الأول للرائد شاكر حسن آل سعيد والثاني لمجموعة من الفنانين العراقيين المعاصرين وهم فاخر محمد، وهناء مال الله، وعامر خليل،  وكريم رسن، وهاشم حنون،  ومحمود العبيدي، وحيدر خالد، وكاظم نوير، واحمد البحراني، وضياء الخزاعي،  وستار كاووش،  وطه وهيب ،وعبد الكريم خليل، ورضا فرحان، ونجم القيسي، وشداد عبد القهار، وعبد الكريم السعدون، وحيدر علي، واحمد الصافي، ومعتصم الكبيسي، وزينب عبد الكريم، وسيروان باران، ومحمد سامي.

 ويقول الفنان شداد عبد القهار: لقد سألت أحد النقاد الفرنسيين عن أهم مميزات الفن العراقي كما يراها فقال لي بالحرف الواحد الفنان العراقي فنان عالمي ولا يختلف عن الفنان الفرنسي في شيء سوى أن الإعلام الفرنسي يركز على الفن الفرنسي، والإعلام العراقي لا يبرز دور الفنان في صناعة الحياة، ويضيف عبد القهار :  ولهذا فان هذه المشاركة العراقية الفرنسية إنما تفتح أفاقا جديدة لحركة التشكيل العراقية لمختلف الفنانين من مختلف الأجيال.

إما الشهر الأخير من عام 2007 فلم يختلف كثيرا في صخبه الثقافي عن بقية أشهر السنة إذ اختتمت فعاليات مهرجان مسرح الطفل الرابع الذي أقامته دائرة السينما والمسرح الفرقة الوطنية لمسرح الطفل , وحضر حفل الاختتام جابر الجابري الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة ومدير عام دائرة السينما والمسرح ومدير عام شبكة الإعلام العراقي وشخصيات ثقافية وفنية وإعلامية وتخلل حفل الختام توزيع الجوائز على الفائزين .

كما أقامت دائرة الفنون الموسيقية بالتعاون مع وزارة إقليم كردستان مهرجان زرياب الموسيقي في مدينة أربيل بمشاركة مجموعة من الفرق الموسيقية العراقية، الذي استمر لثلاثة أيام ، قدمت فيه الفرق العراقية فعاليات استعراضية وغنائية لفرق موسيقية مختلفة .

وأقامت جمعية سينمائيون بلا حدود العراقية مهرجان بغداد السينمائي الدولي في دورته الثانية في بغداد بمشاركة العديد من الدول العربية والأجنبية.

كما احتفلت جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين باليوبيل الذهبي للجمعية بمعرضين تشكيلين ، احدهما على قاعة الجمعية والأخر على قاعة حوار للفنون التشكيلية .

على صعيد الانجازات حقق المثقفون العراقيون انجازات مهمة في كل الميادين ففي مجال الشعر فاز الشاعر ياس السعيدي بالمركز الأول في جائزة الشارقة الإماراتية، وفي مجال القصة القصيرة فاز بالجائزة الأولى أحمد عبدالزهرة الكعبي عن مجموعته "هو الذي رأى" ، وفازت بالجائزة الثانية نهى الصراف عن مجموعتها "خمسة ميل" ، أما في مجال المسرح  فقد فاز بالجائزة الأولى جواد الحسب عن مسرحيته "آخر ليالي الألف"، فيما حصل على الجائزة الثالثة محمد الغزي من العراق عن مسرحيته "كاريكاتير". ، وفي مجال النقد فاز بالجائزة الأولى أحمد عبد المقصود عبد العال من مصر عن دراسته "الصورة والمعادل البصري في الرواية العربية المعاصرة" وفاز الناقد إحسان محمد جواد بالجائزة الثانية عن دراسته "فضاءات المعادل البصري في السرد العربي المعاصر"، أما الناقد علاء جبر محمد ففاز بالجائزة الثالثة عن دراسته "طوبولوجيا العمل السردي مقاربات نقدية".   

 وفي جائزة دبي الثقافية حصل الشاعر عامر عاصي جبار على جائزة دبي الثقافية الأولى عن ديوانه " قمر أور" فيما حصل الشاعر احمد عبد الحسين على الجائزة الثانية عن ديوانه " على ما أرى وأسمع"، وفي فرع القصة القصيرة حصل القاص العراقي المغترب وارد بدر السالم على الجائزة الأولى عن مجموعته " البار الأمريكي" ، فيما حصل القاص العراقي قصي الخفاجي على الجائزة الثالثة عن مجموعته " وقت سري" ، فيما حصل القاص العراقي محمد الكاظم  على الجائزة الخامسة عن مجموعته " طواسين زرقاء" ، وفي فرع الرواية حصل الروائي العراقي نعيم عبد مهلهل فقد حصل على المركز الثاني بفرع الرواية  عن روايته " جنكيز خان" ، فيما حصل الروائي الشاب ضياء الجبيلي على الجائزة الخامسة عن روايته " لعنة ماركيز".

وفي مسابقة أمير الشعراء استطاع الشاعر العراقي الشاب حازم التميمي أن يصل إلى جانب خمسة شعراء عرب آخرين إلى المرتبة النهائية لمسابقة "أمير الشعراء" التي نظمتها هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث بمشاركة أكثر من ألفي شاعر .

وفي مسابقة ديوان (شرق غرب) فاز كل من  الشاعر حسن النواب عن ديوانه (أمن يجيب البلاد إذا دعته)، وخضر حسن (أرسم أسئلتي لسواي وأمضي)، ورعد مطشر (الغرقى يجمعون المرجان)، داليا رياض (عشرة آلاف لمحة بصر)، راسم المرواني ( ليلة احتراق القمر)، نجاة عبد الله ( مناجم الأرق)، حميد قاسم (وهذا، صحيح أيضا)، أحمد عبد الحسين ( جنة عدم).

أما في الثقافة المرئية فقد فاز المؤلف عبد الباري العبودي بجائزة الإبداع الذهبية وشهادة التقدير إضافة إلى جائزة مالية عن أحسن تأليف في مجال الإبداع في المسلسل الدرامي. كما فاز فريق عمل برنامج "فارس على صهوة من خشب" الذي أنتجته "قناة الشرقية" من أخراج فارس السراي وتقديم رقية حسن بجائزة الإبداع الذهبية وشهادة تقدير. 

ولم تخلُ الثقافة العراقية من الفقد واللوعة في مسيرتها في هذا العام حيث  فقدت الكثير من رموز ورواد الثقافة والأدب والفن ، ومن ابرز الذين افتقدتهم الأوساط الثقافية العراقية السينما العراقية أشهر مخرجي الأفلام الوثائقية المخرج بسام الوردي بعد معاناة طويلة مع المرض ، كما رحلت الشاعرة الرائدة نازك الملائكة في منفاها في القاهرة ، وغادرنا الفنان الرائد عزيز عبد الصاحب اثر نوبة قلبية مفاجئة لتفقد الحركة المسرحية واحدا من روادها الكبار ، كما رحل الدكتور محمود عبد الله الجادر .. الباحث وأستاذ العربية وأحد كبار المحققين العراقيين، وكذلك ودع عالمنا الشاعر والباحث منذر الجبوري اثر نوبة قلبية ، كما رحل الكاتبان المفكران محمد مبارك ومدني صالح في ظروف غامضة أيضا ، وفقد الوسط الموسيقي احد أعلامه الكبار أستاذ آلة العود والمؤلف والباحث الموسيقي سلمان شكر الذي يعد آخر الأسماء في جيل الكبار من عازفي العود في العراق ، وأخيراً رحل القاص والروائي الشاب محمد الحمراني اثر توقف مفاجئ في الرئتين حينما كان يجري عملية في أمعائه في مستشفيات البصرة .

إنجازات 2007 الثقافية ثمرة جهود ذاتية للمبدعين بغياب رعاية الدولة 

وقال عدد من المثقفين العراقيين إن الثقافة العراقية خطت في عام 2007 خطوات مهمة للأمام بمواهب وجهود المثقفين الذاتية التي حققت إنجازات مهمة، مؤشرين غياب رعاية المؤسسات الثقافية الحكومية لهذه الجهود، لكن مصدرا بوزارة الثقافة ذكر أن الوزارة لم تبخل في تقديم الدعم للحركة الثقافية والتزمت بدعم مبادرات مؤسسات غير حكومية، لكنه اعترف بالتقصير في دعم بعض الأنشطة موعزا السبب إلى ضعف الإمكانات المالية للوزارة.

واعتبر رئيس اتحاد الأدباء العراقيين أن هناك تناقضا بين المنجز الثقافي للسنة المنصرمة وما شهدته من حراك ثقافي، وبين "غياب" الدعم الحكومي للنشاطات الثقافية.

وقال فاضل ثامر، أود أن أؤكد أن هنالك تناقضا ظاهرا في المنجز الثقافي لعام 2007، يتمثل بوجود حراك ثقافي ذاتي ورغبة عارمة من قبل المثقفين والأدباء والفنانين بمختلف انتماءاتهم للتعبير عن المرحلة الراهنة وللإسهام بدور أكبر في العملية السياسية والاجتماعية ولكن هذه المظاهر المتدفقة، وأكرر الذاتية، يتناقض مع حالة مؤسفة تتمثل بغياب الدعم الرسمي للأنشطة الثقافية بشكل عام 2007."

وأوضح ثامر، وجدت المنظمات الثقافية نفسها طيلة هذه الفترة دون دعم حقيقي، ولم يستطع المثقفون ومنظماتهم واتحاداتهم ونقاباتهم الحصول على بعض الدعم إلا بشق الأنفس، وشخصيا أعتقد أن السلطة الجديدة بأجهزتها المختلفة لم تول الاهتمام الكافي للحياة الثقافية، بحجة الانشغال بملفات أكثر سخونة مثل الملف الأمني أو السياسي أو الاقتصادي.

وأضاف، لكن في الآونة الأخيرة بدأت أميل إلى أن هناك سببا أخطر يتمثل في عدم إدراك القيادات السياسية الحالية والثقافية والإعلامية الرسمية، لأهمية الثقافة بوصفها ركيزة مهمة من ركائز بناء المجتمع المدني الديمقراطي العراقي المنشود.

وتابع مستدركا، بل ويخامرني إحساس بأن أطرافا معينة في السلطة تضمر عداء مبطنا للثقافة العراقية ولبعض تنويعاتها، انطلاقا من أجندة مزدوجة ترفع شعارات التحريم والتابو ضد ألوان ثقافية محددة، مثل الموسيقى والتشكيل والمسرح والسينما، تحت تأويلات فقهية وشرعية متخلفة. من دون أن يسمي هذه والأطراف.

وعن أهم النشاطات والفعاليات الثقافية خلال عام 2007 قال رئيس اتحاد الأدباء في العراق: يمكن القول إن مؤسسات الثقافة الرسمية وفي مقدمتها وزارة الثقافة ظلت في درجة الانجماد الصفري لاعتبارات ذاتية وموضوعية كثيرة تتعلق بشكل وزارة الثقافة ومؤسساتها وتمويلها المحدود للأنشطة الثقافية.

واستدرك، لكن المؤسسات والاتحادات غير الرسمية أبرزت الكثير من المستويات الرفيعة التي أضفت على المشهد الثقافي الحياة، ومنها الأنشطة التي أقامها اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين وبعض العروض المسرحية وبشكل خاص نشاط مسرح الطفل، وتميز الدور الذي قامت به مؤسسات المجتمع المدني من خلال تنظيم أسبوعها الثقافي في أربيل ونهارات المدى الثقافية وبشكل خاص تقديم مسرحيتين في الهواء الطلق في شارع المتنبي وفي الكرادة في موقع التفجيرات الإرهابية ذاتها، وقبلها إقامة مهرجان المربد الرابع في البصرة وملتقى السياب الثاني الذي إقامته جامعة البصرة.

من جانبه اعتبر كامل شياع مستشار وزارة الثقافة أن الوزارة لم تبخل في تقديم الدعم للحركة الثقافية خلال العام 2007 مثلما التزمت بدعم مبادرات المؤسسات غير الحكومية، لكنه اعترف بتقصير الوزارة في دعم بعض الأنشطة موعزا السبب إلى ضعف الإمكانات المالية للوزارة.

وقال شياع لـ (أصوات العراق): أعتقد أن وزارة الثقافة لم تبخل في تقديم الدعم للحركة الثقافية العراقية فقد ساهمت في تمويل ورعاية الكثير من الفعاليات الثقافية سواء تلك الخاصة بدوائر الوزارة في مجال المسرح والموسيقى أو الفنون التشكيلية أو النحت، والتزمت أيضا بدعم المبادرات الواردة إليها من خارج الوزارة كالمنظمات والاتحادات والجمعيات في كل أنحاء العراق.

وكشف شياع عن عدم وجود آلية واضحة للوزارة لتقديم الدعم لمنتجي الثقافة، مبينا أن هذه العملية تتطلب موارد مالية مرصودة لهذا الغرض كما تتطلب برمجة مسبقة كي يمكن الالتزام لتقديم الدعم المطلوب.

ولفت إلى أن علاقة وزارة الثقافة بالوسط الثقافي لا تقتصر على التمويل فقط بل السعي لاستكمال استعادة الذاكرة الثقافية العراقية للعراقيين، أي إنشاء سجل وطني للثقافة الوطنية، وكذلك السعي لإيجاد آلية واضحة لتحديد نوعية المشاركة الثقافية والفنية في الخارج.

وعن سياسة وزارته قال، نحن نسعى لإقامة شراكة حقيقية مع منتجي الثقافة في العراق كالاتحادات والجمعيات المستقلة والأفراد، وهذه عملية ليست مادية صرفة وليس المال أساس فيها، بل توحيد التصورات وتقسيم المسؤوليات والعمل هو الأساس.

الروائي طه حامد الشبيب كان له رأي آخر، وقال: إن المشهد الثقافي ليس بمستوى الطموح المعياري على الرغم من تحقيقه انجازات في الشعر والقصة كما في الرواية على مستوى الانجازات الفردية التي حركت البركة الثقافية.

وأضاف، وكما العادة فإن الراعي الرسمي للثقافة لم تكن له أية علاقة بهذه المنجزات ولم يدلل على دعمه لاستمرار لحياة الثقافية، وبقيت البنية الأساسية بنية قائمة على النشاط الفردي، ويبدو لي أن هذه الحال هو قدر الثقافة العراقية.

وأشار الشبيب إلى أن الثقافة الإبداعية لم تجد ما تصبو إليه لا في زمن النظام الشمولي السابق ولا في زمن ديمقراطية الفوضى. على حد تعبيره. وأضاف، سنبقى نحن منتجي الثقافة حتى نصل لحظة بعينها نكتب فيها التأريخ الحقيقي للثقافة العراقية.

وعن أهم الفعاليات الثقافية خلال عام 2007 قال الشبيب إن الفعاليات الثقافية التي حدثت لم تشكل انعطافة نوعية في مسيرة الثقافة العراقية، كمهرجان المدى والمهرجانات الأخرى التي أقيمت في كردستان وغيرها، وكانت هذه المهرجانات أقرب إلى التقريرية.

وأوضح، إذا كانت ثمة ملاحظة تسجل خلال عام 2007 للثقافة العراقية فهي حصول الشباب من الشعراء والأدباء على الجوائز من هنا وهناك.

ولفت إلى أن الحصول على هذه الجوائز هي رسائل عراقية تكشف عن أن الثقافة العراقية تحمل في داخلها سر خلودها في الشباب، ما يضمن الخلود والشباب للثقافة العراقية.

وتابع، أما على صعيد المسرح فلم تسجل حادثة مسرحية رئيسية، وأظن أن ما شاهدناه هذا العام هو اجترار لما شاهدناه عام 2006.

واستدرك، لكن التشكيل العراقي كان له حضور مستمر، إذ اخترق التشكيليون العراقيون عام 2007 الحاجز العالمي وعرضت أعمالهم في أوربا وأمريكا.

وأشار إلى أن دار الشؤون الثقافية، وهي دار النشر الرسمية الوحيدة، تحولت بامتياز إلى مخزن للكتب المطبوعة بعد تخليها تماما عن صفة النشر والتوزيع وارتضت لنفسها صفة الطبع، ولم توزع أي كتاب، فضلا عن خفض كمية المطبوع من 1000 نسخة إلى 500 نسخة للكتاب الواحد.

الشاعر علي نوير رئيس اتحاد أدباء البصرة أبدى تفاؤلا بالحراك الذي تشهده الثقافة العراقية راهنا وقال، لا أرى في هذه الفوضى الجميلة التي تتصف بها الثقافة العراقية على كافة الأصعدة والاتجاهات، إلا دلالة أكيدة على أن هذه الثقافة ما زالت تعد بالكثير، وما هذا الحراك الثقافي الكبير والموزع على كافة المنابر الثقافية من صحف ومجلات وفضائيات ومهرجانات ولقاءات ومسابقات، إلا شاهدا على ذلك.

وأوضح أن من ابرز سمات هذا الحراك الثقافي، هو عودة المثقف العراقي في الداخل ليأخذ دوره المهم والمؤثر في الساحة العراقية والعربية، عبر العديد من الأنشطة والفعاليات، على الرغم من قلة الدعم المعنوي والمادي من قبل المؤسسات الثقافية للدولة للثقافة والمثقفين.

وعن أهم الفعاليات والنشاطات الثقافية أضاف نوير، توج عام 2007 بالعديد من الشواهد التي تشير إلى حالة صعود للثقافة العراقية، أولا الإصدارات الكثيرة في الداخل والخارج في الشعر والرواية والقصة، وتعدد الملتقيات والمهرجانات، ومنها مهرجان المربد الرابع وملتقى السياب الثاني  في البصرة، ومهرجان المدى وكلاويش في كردستان ومهرجان الجواهري ومهرجانات وملتقيات أخرى في الحلة والناصرية والنجف وواسط.

واستدرك نوير، لكن رحيل الشاعرة نازك الملائكة هو من أهم المحطات الثقافية لعام 2007 ، فبرحيلها أسدل الستار على آخر الرواد في الحداثة الشعرية العراقية والعربية.

تطلعات وأمانِ لمثقفين عراقيين بحلول السنة الميلادية الجديدة

ابدى مثقفون وادباء عراقيون رغبتهم في توفر الاجواء التي تكفل لهم اداء دور ثقافي مميز على مشارف العام 2008، ففي الوقت الذي تمنى فيه احد الشعراء ان يقول كل ما يريده دون خوف او رهبة، تمنى موسيقي عراقي ان تعود النشاطات الموسيقية الى ما كنت عليه في سبعينيات القرن الماضي.

يقول الشاعر حسب الله يحيى، لوكالة (اصوات العراق)، تمنياتي للعام 2008 تتلخص في عودة الوعي والفكر التنويري الى كل مفاصل الحياة العراقية، كي نمتلك  إرادة أن نتجاوز محنة الوطن. مضيفا، أتمنى أن أقول ما أريد بلا خوف، وبلا بلا قيود، وبلا وشايات عشنا تحت رهبتها في العهود الماضية.

ويرى الفنان بيرج  كيراكوسيان مدير عام دائرة الفنون الموسيقية سابقا، إن تطلعه الشخصي يتضمن تفعيل المثقفين العراقيين لنشاطاتهم داخل وخارج العراق، والاستفادة من الانفتاح الإعلامي الحاصل بعد عام 2003. وتابع، انا كمدير للفرقة السيمفونية العراقية (أيام السبعينات )، أتمنى أن تزداد النشاطات الموسيقية في بغداد والمحافظات، كما في سبعينات القرن الماضي، ولا نريد لهذا الخمود الموسيقي في العراق أن يستمر بحلول 2008.

فيما وصف الشاعر والإعلامي أحمد عبد الحسين، إلغاء وزارة الثقافة بأنها "أمنيته الكبرى." وقال، إن لم يحدث هذا ،  نتمنى- على الأقل - أن يأتي اليوم  الذي نرى فيه هذه الوزارة وقد تحولت من مؤسسة عقائدية إلى كيان ثقافي حقيقي.

وأضاف عبد الحسين إن من جملة ما أتمناه، أن تجري انتخابات اتحاد الأدباء قبل أن تدهمني منيتي، وان يقلّ عدد شعراء العراق وعدد المهرجانات الشعرية التي لا ثمرة فيها، ويكثر مفكروه وروائيوه، وان تصدر مجلة أسبوعية للأطفال بدل (مجلتي) التي تصدر في الأعياد والمناسبات الوطنية،  كما أتمنى أن تشيع روح ثقافة النقد بين مثقفينا، وألا يكون هناك مربد شعري  العام المقبل، وان تكون هناك حركة ترجمة كبيرة من لغات العالم إلى العربية، ولا يتدخل رجال الدين في الثقافة، ويدرك المثقف العراقي انه أسمى من السياسي، وأخيرا أتمنى ألا تزعج أمنياتي أحدا.

وقال الناطق الرسمي  باسم اتحاد الأدباء والكتاب إبراهيم الخياط، انه يتمنى إن تناط وزارة الثقافة بناشط  ثقافي عراقي بحلول عام 2008، وان يعقد المؤتمر الثاني للمثقفين العراقيين الذي تأجل لسنين ثلاث، وأن ترفع الحكومة حجرها عن أموال الاتحاد، ليتمكن من إجراء انتخاباته المؤجلة بسبب قصر ذات اليد. واردف قائلا أتمنى أيضا أن يغني كاظم الساهر في بغداد  وفي المسرح الوطني تحديدا أو ملعب الشعب.

الباحث شمخي جبر، أوضح إن المثقف يعيش عوالم الأمنيات، ويقف على عتبة  المحلوم به وقال، هل يمكن لهذا المحلوم به أن يجد الملاذ الآمن الذي يوفر له فضاء الحرية التي يملأ هواءها  متسع رئتيه، هل يمكن أن تتوفر حرية التعبير والحرية الفكرية، هل يمكن أن يطرح أسئلته دون أن يساءل أو يستجوب أو يستهدف، هل يمكن أن يسبح في فضاء لاتحده اطر الممنوعات والمقدسات ؟ طرح السؤال وطرق كل الأبواب الموصدة في عالم الفكر  وتجاوز المسكوت عنه هي منطقة المحلوم به من قبل المثقف العراقي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5 كانون الثاني/2008 - 25/ذو الحجة/1428