الإصلاح الداخلي ومستقبل المنطقة

أحمد شهاب

التراخي لا يصنع مستقبلا، ومن المؤكد أن دول الخليج تراخت بدرجة كبيرة عن التقدم بمنظوراتها الجدية لحاضر المنطقة ومستقبلها. وفضلت متابعة الأمور عن كثب بدلا من الدخول كطرف في صراعات القوى الكبرى والدول الإقليمية المتمرسة على خوض الحروب والنزاعات المسلحة. وأعتقد أن سبب هذا التراخي هو رغبة دول الخليج بالابتعاد عن التأثر بالمحيط الإقليمي وما يحمله من توجهات أيديولوجية وسياسية لا تشعر حكومات المنطقة بالكثير من الراحة والاطمئنان نحوها.

عوضا عن ذلك، فقد انشغلت دول المجلس باتخاذ جملة من التدابير الأمنية والسياسية في سبيل المحافظة على الوضع الداخلي، وهي تدابير لم تسفر في الغالب إلا عن المزيد من التوتر الداخلي، والتأزم الخارجي، إذ مثل كبت الحريات وغياب الديموقراطية الحاضن الرئيسي لأعمال العنف في المنطقة، وحجر العثرة الذي أعاق تدفق المعلومات إلى المواطنين بصورة سلسة وموثقة، وأغلق أمامهم المنافذ السليمة لتداول الرأي حول المشكلات والأزمات الداخلية، وهو ما انتهى إلى تصنيف دول الخليج كأحد أبرز المناطق التي يصعب التكهن بمستقبلها.

ويظهر من جملة الأحداث الساخنة التي مرت على حوض الخليج أن هشاشة البنية السياسية لدول المجلس تمثل عائقا أساسيا يمنعها من أن تضطلع بدور استراتيجي وحيوي في رسم مستقبل المنطقة، فغياب التوافق المحلي يعمل على إرسال إشارات عالية الحدة بأن هذه الدول ضعيفة داخليا وغير قادرة على تأمين مستقبلها أو حماية نفسها من الاضطرابات الداخلية، وأنها دول مهددة، ولا يمكن لها أن تستغني عن المظلة الخارجية.

ومن البديهي أن الدول الضعيفة والعاجزة لا يمكن الوثوق بها أو الاعتداد برأيها، ولا يمكن لأصحاب المصالح الإستراتيجية أن يتركوا مصير المنطقة بيد دول تبدو عاجزة عن تأمين مصالحها، إن مبررا بهذا الحجم يوفر حُجَّة بالغة لبقاء القوات الأجنبية في المنطقة ولاستمرار تدخلها بصورة فجة في الشؤون الداخلية لكل دولة على حدة.

إن على كل دولة من دول الخليج أن تبادر إلى إجراء نوع من المصالحة السياسية المحلية التي تكفل تحول الشؤون السياسية والأمنية الخاصة في دول المجلس إلى شأن عام، وتحويل الكثير من الأزمات إلى مادة لحوار داخلي يخلص فيه كل مجتمع إلى مايلائمه من حلول وبرامج وآليات عمل متفق عليها، ويحددون من خلاله مستقبلهم كما يريدون وكما يرون، وهو الحوار الذي يكفل من جهة أخرى تحول السلطة من سلطة بعض المتنفذين إلى سلطة الكل المجتمعي.

ولا يخفى أن الكثير من القضايا الملحة وطنيا لاتزال غائبة عن موائد الحوارات الوطنية القائمة، وعلى الرغم من أن بعض دول الخليج تفسح في المجال لمناقشة وانتقاد بعض الدول والمسؤولين في الخارج، وتعطي الضوء الأخضر لإعلامها لأن يتناول العديد من القضايا الحساسة والمتفجرة الخارجية بالكثير من الجرأة والحدة، إلا أنها تتردد في الواقع أمام السماح لمواطنيها بأن يناقشوا مسائلهم المحلية بالقدر نفسه من الجرأة والشجاعة، ويخضع الإعلام المحلي في الغالب لغربلة لا تسعف المهتمين على المبادأة بتشخيص قضاياهم الملحة داخليا.

الخليج والحداثة السياسية

من المهم الإشارة إلى أن الإصلاح ليس وصفة جاهزة، وكل دولة لها ظروفها وطبيعتها الاجتماعية والسياسية، فالحديث عن إجراء تعميمي قد لا يكون مفيدا ومثمرا، وهو مطب لا نريد الوقوع فيه، لكن من المهم أيضا القول أن الإصلاح لم يعد خيارا للأنظمة،بل بات ضرورة استراتيجية لا يمكن التراخي إزاءها، وهي مسؤولية تقع على عاتق الدولة في الدرجة الأولى.

بالنسبة إلى دول الخليج، فهي مطالبة خلال هذه المرحلة بأن تحدث توازنا بين ميولها المحافظة، ومتطلبات الحداثة السياسية، وهو ما يعني أن تبادر دول الخليج إلى ترميم العلاقة ما بين المجتمع والسلطة، والتأسيس لعلاقة جادة بين الطرفين تعمد إلى زرع الثقة بالحكومة القائمة وبكونها الحارس الأمين على المصالح العمومية. والخروج من سياسات الحذر التي وسمت وجهة النظر الرسمية تجاه المبادرات الشعبية.

فمن الواضح أن السياسات المتبعة داخل دول الخليج لم تحظ بالكثير من الاهتمام لدى شعوب المنطقة، ولم يعد الكثير من المواطنين ينتظر خيرا كثيرا من الوعود التي تطلقها الحكومات، ولاسيما المرتبط منها بمسائل الإصلاح السياسي، فالوعود الحكومية لا تعني شيئا لدى أغلب المهتمين بالإصلاح في المنطقة، وإذا استمر الوضع كما هو عليه الآن، فإن الوعود المرسلة لن تكون أكثر من محاولات يائسة لبناء مستقبل غائم، لأن المستقبل المشرق لا ينهض على سياسات مهلهله وغير مدروسة.

إن سياسات الإهمال والتراخي صنعت واقعا معقدا في الخليج، وبإمكان دول الخليج أن تتخذ مواقف أكثر جرأة على المستوى المحلي، عبر اتباع برامج واضحة للإصلاح السياسي، ولتثق حكومات المنطقة بأن إخطار المواطنين بشؤونهم الداخلية، وتأمين مشاركتهم، وحماية حقوقهم الوطنية وكفالة حرياتهم المدنية، كفيل بجلب المزيد من التأييد والشعبية لسياساتهم الداخلية، وتحقيق الرضا الوطني، وهو الشرط الداخلي الذي يُعضّد موقف دول الخليج الاستراتيجي في المنطقة، ويبقى أن نتحدث عن الشرط الخارجي في مقال مقبل.

* كاتب كويتي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26 كانون الاول/2007 - 15/ذو الحجة/1428