فكرة حلّ البرلمان العراقي... بين الأمل واليأس

محمّد جواد سنبه

منذ ظهور السيد بهاء الأعرجي، عضو مجلس النواب العراقي، النائب عن الكلتة الصدرية، على شاشة فضائية الشرقية، في مطلع الاسبوع الحالي، وطرحَ فكرة حلّ البرلمان العراقي، حتى اصبح هذا الطرح، مثار جدل كمادة اعلامية، خاضت فيه مختلف وسائل الاعلام المقروءة والمرئية.

 وعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت فضائية البغداديّة، مساء يوم الثلاثاء 27/11/2007، عبر برنامج (العراق إلى أين)، باجراء استبيانات لشريحة عشوائية من الاشخاص العراقيين، كشفت عن وجهات نظرهم في مجلس النواب العراقي. و كانت أكثرها تنتقد بشدة إداء مجلس النواب، على مستوى الاعضاء وكفاءتهم الوظيفية والتزامهم بالدوام الرسمي، وكذلك اللجان وعملها. ووصفت هذه الشريحة البرلمان، بانه مؤسسة عادت بالنفع على اعضائها فقط، وأعطت ظهرها لناخبيها. وقد أكدّ غالبية هؤلاء الاشخاص، على ضرورة حلّ البرلمان، للتخلص من وجود مؤسسة مترهلة عديمة الجدوى(على حدّ قولهم).

هكذا بصورة عامة كانت نتائج الاستبيان، الذي جرى بشكل مباشر وعلى الهواء أيضاً.

وعند توجيه السؤال إلى هذه العينة العشوائيّة، عن سبب هذه الاحباطات ؟. اتجهت أكثر الآراء مشيرة، إلى وجود فجوّة تفصل نائب البرلمان العراقي عن ناخبيه. واسباب ذلك كثيرة ومعروفة، قسم منها يعود للظرف الأمني، الذي فرض واقعاً صعباً، الأمر الذي جعل اعضاء مجلس النواب، يحتمون داخل أسوار المنطقة الخضراء، مبتعدين تماما عن جماهيرهم. والقسم الآخر من الاسباب، يتعلق بعنصر الكفاءة المهنيّة وتحمل المسؤوليّة، إضافة إلى اسباب أخرى.

إنّ وجهة النظر الواعية المسؤولة، يجب ان لا تنساق أو تنحاز لكلا الطرحين أو أحدهما. فطرح السيد الأعرجي، وطرح السادة المواطنين الناقمين، يجب أن لا يهمل وجود الحقائق  الموضوعية التالية:

1. إن عمر التجربة الديمقراطية العراقية لا يتجاوز العامين، ومن الخطأ الجسيم مقارنتها بتجارب دول لها باع طويل في التجربة الديمقراطية، قد تصل إلى عقود من الزمن وربما إلى  قرون أيضاً.

2. لا تتوفر ضمانة أكيده، بأن القادم أفضل من الحالي، لعدم وجود مشروع وطني شامل تتبناه الدولة، يهتم بالتنمية الثقافية، واعداد النخب الوطنية الواعية (كرصيد احتياطي تحت اليد)، تنهض بمسؤوليتها ودورها التاريخي، لانقاذ الوطن من حالة التردي والانهيار.

3. لا يوجد ضامن من عدم انزلاق البلد، في أتون فوضى عارمة، خصوصاً أنّ نتائج تحسن الوضع الأمني، بدأت تباشيره تلوح بالأفق، بسبب تهدئة التناحرات السياسية، بين الكتل المعنية بالموضوع في الداخل، فضلا عن كبح جماح التدخلات الخارجية بالشأن العراقي لحدّ ما، بسبب الضغط الأمريكي على دول الجوار، لغرض حفظ  مكانة أمريكا عالمياً على الأقل.

4. من المسلم به، أن الساحة العراقية فارغة من السياسيين المحنكين، الذين يستطيعون مسك زمام الأمور بحكمة وحزم، ويتمتعون بثقل جماهيري واسع، يصل لحد اجماع غالبية الشعب العراقي عليهم، حتى يتسنى تفويضهم أمر نقل البلاد إلى حالة أفضل مما هو عليه الآن.

من المعروف أن المقدمات إذا كانت خاطئة، فمن المؤكد أن تكـون النتائج خاطـئة أيـضاً، وهذا ما حصل في انتاج العملية السياسية بالعراق.

ولو كنت في موقع مسؤوليّة السيد بهاء الأعرجي، لما فكرت بحلّ مجلس النواب للأسباب التالية:

1. عدم اتاحة الفرصة ثانية، لعديمي الكفاءة من السيطرة على مقاليد الشعب العراقي، عن طريق استثمار حالة الفوضى، التي توصلهم إلى القمم، (لقد عبر السيد بهاء الأعرجي عن ذلك، واصفاً بعض الشخصيات في الدولة (بانها كانت تبيع الشاي)، إشارة إلى تدني المستوى العلمي والثقافي، وحالة الهبوط في النضج والادراك المعرفي والمهني، وقد استدرك ضمناً أنّ نوع العمل ليس مثلبة على الانسان)، وبالنتيجة يدفع الشعب العراقي الكثير من الدماء والأموال.

2. من الخطأ الجسيم تكرار عملية الهدم والبناء مرّة ثانية، لأنّ في ذلك هدراً كبيراً للوقت والجهد والطاقات.

ولو كنت في موقع مسؤوليّة السيد بهاء الأعرجي لفكرت كما يلي:

1. القيام بحملة وطنية شاملة لتحقيق التالي:

أ‌- تشريع القوانين التي تصحح آلية الانتخابات، بحيث تمنع استخدام القوائم المغلقة وتركز على تفعيل دور ترشيح المناطق لممثليها.

ب‌- استبعاد العناصر السيئة والمفسدة.

ت‌-    استعباد العناصر غير الكفوءة.

ث‌-    فك الارتباط بين المسؤولين وانتماءاتهم الحزبيّة، عن طريق استصدار تشريع قانوني في هذا الشأن.

ج‌-     رفع شعار (العمل الوظيفي فوق الميول والاتجاهات)، لأن العمل الوظيفي يهدف خدمة جميع العراقيين على حدّ سواء، ولا يخدم الكتلة السياسية التي أوصلت الموظف إلى موقعه الوظيفي. 

ح‌-     احتضان الدولة العراقية، للقابليات الكفوءة عن طريق عملٍ مؤسساتي مركزي، بعيدٍ عن تأثيرات المحسوبيّة والمنسوبيّة، بشرط أنْ يكون متمتعاً باستقلالية تامّة، لغرض انتاج السياسي المخلص للعراق، ليتبوأ مسؤوليّة إدارة الدولة مستقبلاً.   

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12 كانون الاول/2007 - 1/ذو الحجة/1428