الإنسحاب الخجول: بريطانيا تخرج من العراق بتساؤلات قاسية 

شبكة النبأ: يقترب الدور البريطاني لمساعدة امريكا  في العراق من نهايته لكن دون مظاهر انتصار للقوات الملكية التي جاء دورها محصورا ومتواضعا في جيب مضطرب بجنوب العراق. حيث في غضون اقل من اسبوعين ستسلم القوات البريطانية المسؤولية الأمنية عن البصرة آخر محافظة تسيطر عليها لقوات أمنية عراقية جرى تهيأتها مؤخرا يصورة عاجلة.

وبعد نحو خمسة أعوام من إرسال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير 46 ألف جندي بريطاني لمساعدة الولايات المتحدة على الاطاحة بالدكتاتور السابق صدام حسين ستبقي بريطانيا قوة لا تزيد عن بضعة آلاف يقتصر تواجدها على قاعدة جوية وحيدة قرب البصرة.

وقال رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، وخلال زيارة لم يعلن عنها الي العراق ان بريطانيا ستسلم المهمات الامنية في البصرة القوات العراقية خلال اسبوعين. ووصل براون الي البصرة والتقي بقائد القوات البريطانية في جنوب العراق، اللواء غراهام بنس، وفقا لما صرح به المتحدث باسم القوات البريطانية الرائد مايك شيرر لـCNN.

واوضح شيرر ان براون اتفق مع بنس علي تسليم السيطرة الامنية علي محافظة البصرة الى العراقيين، وذلك في اتصال هاتفي في وقت سابق. وشكر براون القوات البريطانية في العراق البالغ عددها 5000 عسكري.

وتقول لندن ان قواتها أحسنت اداء مهمتها فالمناطق التي كانت تسير فيها دورياتها في جنوب العراق ستنتقل مسؤوليتها الى جنود ورجال شرطة عراقيين انهوا تدريبهم حديثا.

وقد قال وزير الدفاع البريطاني ديس براون لرويترز خلال زيارة سابقة الى للبصرة، الامور تتحسن هنا لسبب شديد الوضوح. العراقيون انفسهم أكثر قدرة على تحمل مسؤولية أمنهم. بحسب رويترز.

غير أن نتائج أكبر عملية عسكرية خارجية لبريطانيا فيما يزيد عن 50 عاما تبدو غامضة على أحسن تقدير.

ويقول منتقدون ان البصرة تحولت الى مدينة تطبق فيها ميليشيات شيعية القانون وتكتب على جدرانها تهديدات بقتل النساء غير المتحجبات. واختطف مترجمون عملوا مع القوات البريطانية وعذبوا وقتلوا. وخلص بعض الخبراء الى ان بريطانيا خسرت الحرب.

وقال المحلل الامريكي انتوني كوردسمان من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في اغسطس اب، من الواضح تماما ان البريطانيين هزموا. انهم مهمشون الى حد كبير داخل جيب. وربما يكون هذا الحكم قاسيا جدا.

وذكر تيم ريبلي الذي يكتب في مطبوعات جينز الدفاعية لرويترز في مطلع الاسبوع، صورت حكومة بلير ذلك على انه جهد باسل لتغيير الشرق الاوسط ليصبح منارة للمنطقة لكن هذا لم يكن قط هدفا قابلا للتحقيق في ضوء الموارد التي خصصتها (الحكومة) له.

وتابع، لعبوا من أجل التعادل. وأقول انه تقييم اكثر واقعية. تعادل بدون اهداف في الوقت الاضافي. ليست نتيجة جيدة.

على الجانب الايجابي من التقييم نرى البصرة مدينة تعج بالنشاط حيث تفتح المطاعم ابوابها حتى وقت متأخر من الليل والشوارع مزدحمة والتجارة مزدهرة على النقيض تماما من احياء بغداد التي تحيط بها الاسوار.

وتصدر البصرة أكثر من 1.5 مليون برميل من النفط يوميا تمثل جزءا رئيسيا من ايرادات الحكومة المركزية.

لكن من يسيطرون على شوارع البصرة ليسوا من اصدقاء بريطانيا او الولايات المتحدة وهو الامر الذي قد يسبب مشاكل للحكومة المتحالفة مع الولايات المتحدة في بغداد.

وقال ريبلي، الهدف كان ان يتحمل المسؤولية أصدقاء لنا. بعد إرسال هذا العدد الكبير من القوات وإنفاق مليارات الجنيهات الاسترلينية ماذا حققنا في المقابل؟..

وربما تكون أسوأ مرحلة للقوات البريطانية في العراق هي المرحلة الأخيرة. فعلى مدار خمس سنوات تقريبا سقط 134 جنديا بريطانيا قتيلا في معارك مع العدو في العراق وقتل أكثر من 30 منهم في أربعة أشهر من ابريل نيسان الى يوليو تموز من هذا العام بعد اعلان بلير خطط الانسحاب من البصرة.

واستقبلت الميليشيات الشيعية اعلان بلير بهجمات مكثفة بالقنابل وقذائف المورتر لم تتوقف فعليا على مدار أشهر.

وعقب اعلان الجيش البريطاني ان الامير هاري حفيد الملكة اليزابيث سيخدم في العراق ألغى الجنرالات القرار في اللحظة الاخيرة في مايو ايار قائلين، العراق ليس آمنا للأمير الذي يأتي في المرتبة الثالثة في ترتيب الولاية على العرش بعد والده الامير تشارلز ولي العهد وشقيقه الاكبر الامير وليام.

وقال القائد البريطاني الميجر جنرال جراهام بينز، من مايو الى يوليو كان لواؤنا في البصرة يقف في مواجهة الميليشيات الشيعية في المدينة وخاض أعنف المعارك التكتيكية التي خضناها في نحو اربع سنوات منذ ان قدمنا الى هنا.

وأضاف، اذا كان 90 في المئة من اعمال العنف موجهة ضدنا فماذا سيحدث اذا انسحبنا وهل سيحسن ذلك الوضع بالنسبة للمواطن العادي من سكان البصرة؟.

وفي سبتمبر ايلول انسحبت بريطانيا من قصر سابق للدكتاتور صدام في وسط البصرة الى قاعدة جوية خارج المدينة لتنهي تواجدها في شوارع البصرة على مدار أربعة أعوام ونصف العام.

ومنذ ذلك الحين انخفضت أعمال العنف وكما هو متوقع قلت أعمال العنف ضد البريطانيين لانهم غير موجودين في المدينه. ويضيف بينز ان اعمال العنف بين الميليشيات المتناحرة لم تتزايد على عكس التوقعات وهو على نقيض ما حدث في محافظات أخرى.

ويقول بينز ان ذلك يرجع في جزء منه لسيطرة جيش المهدي الموالي لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على البصرة.

وتابع، كنا نتوقع تصعيدا (لاعمال العنف). في كل محافظة سلمت (للسلطة العراقية) تصاعدت أعمال العنف بين الشيعة. لم نر ذلك في البصرة. اعتقد ان ذلك نتيجة قوة ميليشيات الصدر الكبيرة.

ويسيطر على مجلس مدينة البصرة حزب شيعي أصغر منافس للتيار الصدري وكبار قادة الجيش والشرطة موالون للحكومة في بغداد التي تسيطر عليها احزاب شيعية أخرى.

واستعرض مسلحون عضلاتهم في اكتوبر تشرين الاول واستولوا على مركز شرطة. وانهت الشرطة المواجهة دون اراقة دماء ودون طلب مساندة من بريطانيا.

ومع انقضاء نصف مدة الهدنة التي اعلنها الصدر في اغسطس أب لمدة ستة أشهر تحاشت ميليشيات جيش المهدي وقوات الامن الدخول في اي مواجهات. وحتى الان يمكن القول ان الطرفين متعادلان.

خطة بريطانية لتنشيط المنطقة الجنوبية

وفي سياق متصل قالت صحيفة الغارديان البريطانية ان رئيس الوزراء البريطاني، غوردون براون، حمل معه خطة اقتصادية جديدة للعراق.

وقالت ان غوردون براون اعلن عن اعداد، خطة اقتصادية جديدة لمنطقة جنوب شرقي العراق  في اثناء زيارته للقوات البريطانية قبيل نقل السيطرة الى القوات العراقية.

واشارت الصحيفة الى ان رئيس الوزراء البريطاني عيّن رجل اعمال بريطاني ليترأس عملية التحريك الاقتصادي في المنطقة المحيطة بالبصرة.

وفي وقت سابق عقد براون محادثات هاتفية مع رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، تعلقت بانهاء ترتيبات انتقال القوات البريطانية الى دور المراقبة بحلول اعياد الميلاد، حيث سيتولى البريطانيون متابعة وتدريب القوات العراقية في المنطقة.

وكان براون قد اعلن عن تخفيض اعداد القوات البريطانية الى 2.500 فرد بحلول الربيع المقبل ، الا ان الصحيفة تقول، ان الاسئلة ما زالت قائمة بصدد غرض وجود القوات ومستقبل السيطرة على طرق تموين القوات الاميركية التي يشرف البريطانيون عليها الان. وعلى الرغم من ابتداء المحادثات مع الجانب الاميركي، الا انه لم يتم التوصل الى ترتيبات بهذا الشان.

وذكرت الصحيفة ان رئيس الوزراء البريطاني قال ان مهمة الاشراف ستكون على مرحلتين. ستركز المرحلة الاولى على تدريب القوات العراقية، وتامين خطوط الامدادات، ومراقبة الحدود مع ايران، والبقاء على اهبة الاستعداد في التدخل ثانية لو تطلب الوضع.

اما المرحلة الثانية، والتي ستنطلق في الربيع القادم، فستشهد قدرة تدخل "محدودة جدا" وستشدد على جهود التدريب والمراقبة.

الا ان الصحيفة تعلق قائلة ان لجنة الدفاع في مجلس العموم البريطاني ناقشت الشهر الماضي موضوع الابقاء على قوة بحجم 2.500 فرد يتلوها تخفيض اضافي في الربيع القادم.

وحذرت اللجنة، اذا لا يزال هناك دور للقوات البريطانية في العراق فينبغي ان لا تقتصر على حماية نفسها في قاعدة البصرة الجوية. واذا كان تخفيض حجم القوات يعني انها لا تستطيع فعل اكثر من ذلك، فان الوجود البريطاني باكمله ينبغي ان يكون موضع نقاش.

كما اشارت اللجنة الى انه في حين انخفضت الهجمات على القوات البريطانية بعد انسحابها من مدينة البصرة الى القاعدة الجوية فيها، الا ان الهجمات على المدنيين العراقيين بقيت عالية المستوى،وهي تقوض جهود اعادة الاعمار اجتماعيا واقتصاديا.

وقالت الصحيفة ان استمرار العنف سوف يثير الشكوك بصدد فرص نجاح خطة براون الجديدة. وتتابع قولها ان البعض يعتقدون ان مدينة البصرة يمكن ان تعيد بناء اقتصادها ليس فقط من خلال مبيعات النفط، بل ايضا من خلال تنظيف الميناء وتنشيط صادراتها من التمور، على الرغم من صعوبة اقناع المستثمرين للدخول في هذه القطاعات باجواء غير مستقرة تماما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12 كانون الاول/2007 - 1/ذو الحجة/1428