تشابك المصالح بين الخليج وإيران

أحمد شهاب

 تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية حول ما أسمته بتراجع الرغبة الإيرانية في امتلاك السلاح النووي، وتأكيد الوكالة عن اعتقادها و “بدرجة عالية من الثقة” أن إيران أوقفت في نهايةالعام 2003 برنامجها للتسلح النووي “وبدرجة متوسطة من الثقة” أن البرنامج لم يستأنف منتصف العام الجاري، يحمل دلالات على قدر كبير من الأهمية تتطلب بعضا من الصبر عند القراءة والتحليل.

في حال أحسنا الظن بوكالة الاستخبارات الأميركية وهو أمر غير ممكن بطبيعة الحال، فإن المهنية التي فرضت نفسها عند كتابة إقرار الاستخبارات الأميركي، أوقع الإدارة السياسية في حرج بالغ الشدة أمام حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني الذي لم يتوان وزير دفاعه عن تشكيكه في مضامين التقرير ونتائجه، وترجيحه تواصل البرنامج الإيراني لإنتاج قنبلة نووية.

سلامة النوايا

كما أوقع التقرير الإدارة الأميركية في موقف لا تحسد عليه أمام دول الاتحاد الأوروبي بخاصة تلك التي بذلت مساعي حثيثة لإقناع واشنطن بضرورة الركون إلى الحوار بدلا من التلويح بالضربات القاتلة ضد إيران وتلويث المنطقة بسلوك العنف والعنف المضاد.

أما في حال لم نحسن الظن، فإن التقرير أبرز وبصورة لافته عجز الإدارة الأميركية عن الاستمرار في إدارة الصراع داخل حوض الخليج، ومقدار الإنهاك السياسي والعسكري الذي أصابها بعد حوالي أربع سنوات من احتلال العراق. فيما أثبت الإيرانيون سلامة نواياهم، وعلى رغم كل الزخم الإعلامي المعادي الذي قادته الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة ضد طهران، فقد ثبت تحلي سياستهم بقدر كبير من المصداقية.

راهن الإيرانيون على قوة تحملهم في إدارة المعركة النفسانية ضد الولايات المتحدة، ودخلوا بنشاط بالغ على خط جميع التفاعلات في المنطقة، بحيث أصبحت جميع القضايا الإقليمة مرتبطة بشكل أو آخر بالموقف والقرار الإيراني، من فلسطين إلى لبنان وصولا إلى العراق وانتهاء بمصير القوات الأجنبية في الخليج، وأثبتوا أن الدبلوماسية الهادئة أجدى من الضجيج الأميركي حيث بدأ صبرهم يؤتي ثماره، على رغم أن المخاوف من اندلاع أعمال عسكرية لا تزال قائمة، وأن الثمار لم تنضج بعد بما فيه الكفاية، لكنها بالضرورة أكدت على أن مستقبل المنطقة لم يعد في يد الولايات المتحدة وحدها، وأن تقرير المصير تحول من صفته تخطيطا أميركيا أحاديا إلى صفة “الشراكة الموسعة”، وفي حال لو تحركت دول الخليج من جهتها لتثبيت مركزها الاستراتيجي في المنطقة، عبر إعادة رسم علاقتها بالولايات المتحدة، فيمكن حينها المراهنة على إعادة التوازن إلى المنطقة في المستقبل القريب.

من مصلحة دول الخليج كما هو من مصلحة إيران والعراق وغيرهما من دول الجوار أن يتقلص النفوذ الأميركي إلى أدنى حد ممكن، وأن تكف الإدارة الأميركية عن لعب دور المعلم الكبير، فالمستقبل السياسي والاقتصادي والوضع الأمني لن يشهد استقرارا إلا عبر جهود أبناء المنطقة، وشعورهم بأنهم أصحاب القرار، فهم الأقدر على تحديد ما يريدونه الآن وفي المستقبل.

سبيل الخروج من النفق

وقد أحسنت دول الخليج باستضافتها الرئيس احمدي نجاد واستماعها إلى آرائه حول المستقبل المشترك ومقترحاته بشأن تطوير العلاقات بين الجانبين، إذ يبدو جليا أن التعاون الأمني والاقتصادي والتنسيق السياسي مع طهران حول أوضاع الخليج هو السبيل الوحيد للخروج من النفق الذي أدخلتها فيه الولايات المتحدة.

دول الخليج مطالبة اليوم بتكثيف هذا السلوك السياسي الجديد، فللمرة الأولى يتطلع أبناء المنطقة إلى فعاليات القمة بنوع من التفاؤل وإن كان تفاؤلا حذرا.. ومن مصلحة قادة الدول تأكيد هذا التفاؤل بجملة مبادرات من بينها التفكير جديا في توسعة إطار مجلس التعاون ليشمل دولا أخرى مثل إيران والعراق واليمن، ليستدعوا لا بصفتهم ضيوف شرف ،وإنما بصفتهم شركاء في مستقبل المنطقة، وأعتقد أن خطوة بهذا الحجم يمكن أن تلعب دورا مؤثرا في بلورة آفاق جديدة لدول حوض الخليج.

بكلمة أخرى، نحن في دول الخليج نحتاج إلى أن نغير نظرتنا إلى أنفسنا وإلى جيراننا، وأن نستحدث نظرة جديدة تراهن على الحاضر وترسم للمستقبل، وتبني نقاطا أخرى للقوة والدعم غير تلك التي اعتدنا السير خلفها، فأمن الخليج ومستقبل أبنائه فوق كل الاعتبارات الأميركية والغربية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11 كانون الاول/2007 - 30/ذوالقعدة/1428