إنفاق السياسي

عبد الامير علي الهماشي

 أصبح موضوع الانفاق للسياسي في البلدان التي تمر بظروف انتخابية أو تمر بأزمات مالية أو يكون فيها تفاوت طبقي أمرا شائعا ومألوفا  وربما تكون هي الوسيلة الاكثر فاعلية في اكتساب الانصار والمؤيدين ولكن الذي نُسجل تحفظنا عليه طريقة الانفاق والهدف من هذا الانفاق ؟ ومن أين جاءت الاموال؟

ربما يُحاول بعضهم أن يُشرعن هذه الوسيلة مستندا الى السيرة المعصومة للرسول وآله في هذا المجال ،وفاعليتها في تحويل الكثيرين من الجانب المعادي الى الجانب الولائي

وربما يمقت بعضنا هذا النشاط وهذه الوسيلة عندما نقرأ سيرة الحكام منذ الخلافة الاموية وحتى وقتنا الحالي ،وخصوصا في فترة الصراع على السلطة ويبدو أن  لمعاوية ابن أبي سفيان في استغلاله لهذا الجانب الاثر الكبير لهذا المقت والانفعال من هذه الوسيلة.

وعندما اذكر الحديث النبوي ((ومالك فيما أنفقته)) فإنني لا أقف في موقف الواعظ أو موقف الناصح ولكني اتذكر حال تلك المراة التي قالت لاحد الخلفاء إن كان هذا مالك فهو سفه ،وإن لم يكن مالك فلا حق لك في التصرف فيه.

وأنا لست ضد الانفاق الذي يتبنى العوائل التي لاتملك معيلا وليس خافيا أن العراق يقدم في كل يوم كوكبة من الضحايا وكلنا يعلم الاجراءات الادارية  الرتيبة في كفالة هذه العوائل لذلك أنا لا أتحدث هنا عن هذا الجانب اطلاقا ،وإنما حديثي عن الانتقائية في الانفاق وطريقة الانفاق.

وما يهمني في هذا المجال أن أرصد حالة الاسلاميين قبل غيرهم من سياسي العراق ونتساءل هل  الانفاق الذي يقومون به سيجعل من المجتمع اسلاميا أم إن هدفهم هو كسب أكبر عدد من المؤيدين الوقتيين الذين سرعان ماتتبخر أصواتهم مع أول اختبار حقيقي لهم؟

إن كان الاسلامي يبحث عن أسلمة المجتمع أو لنقل عدالة المجتمع فإن هذا الانفاق لن يؤدي بالضرورة الى ذلك، بل قد يؤدي الى كوارث عديدة حيث تنفق الاموال في غير محلها من حيث انتقاء المنفق عليهم ،و لايمكن لاي اسلامي سياسي أن يقول أنه باستطاعته جرد كل العوائل التي بحاجة الى انفاق بل سيستعين بمن حوله  وقد أثبت التجارب الانتقائية والمزاجية عند الكثير من هؤلاء والامثلة والشواهد على هذا الامر كثيرة.

وما نراه اليوم أن الانفاق يتم بعد استضافة عدد معين من ذوي الحاجات أو لنقل من يتشرف بلقاء هذا وذاك ليتم بعد ذلك إعطاءه هدية تقدر بحفنة من الدولارات أو الدنانير ، إن هذه الطريقة لن تصنع ولاءا حقيقيا وإنما تصنع ولاءا مزيفا سيزول بازالة المسبب.

إن البناء يأتي من خلال رفد الجماهير بالافكار والمواقف الخالدة ، وكلما زاد السياسي اندكاكه بالواقع زادت الجماهير تعلقا به ، ولكن الذي نراه اليوم هو جلب مجموعة منتقاة من شريحة معينة لتلتقي بهذا السياسي او لأُصحح وأقول الاسلامي السياسي ومن ثم توزع الهدايا وقد بات معروفا لدي الجماهير العراقية من الذي يوزع ((الهدايا)) ومن الذي لايوزع ،حتى بدأ العراقيون يتندرون فيما بينهم عندما لايحصلون على شيء من لقائهم بهذا السياسي او ذاك كما هي عادتهم في التعليق على المواقف المعتادة ولسان حالهم يقول: ((لو باقين على مكرمة الريس أحسن))!!.

إن هذه الطريقة ستخلق مجتمعا اتكاليا لايقدر المواقف المطلوبة عندما يطالب بها ولن تأتي بثمار البناء المرجوة التي طالما  نظر لها اخوتنا عندما كانوا في المعارضة.

إن هذا الانفاق سيجعل من المجتمع لايفرق بين المربي الحقيقي وبين من يبحث عن ثمن لهذا الانفاق بعد ذلك ،وربما يبرر مؤيدوا هذا السلوك إن التربية لايمكن لها أن تأخذ مجالها إلا أن تكون مهيمنة استنادا الى مقولة الشهيد الصدر ((لابد للمربي أن يكون مهيمنا)) ومن أفضل الطرق للهيمنة هو الانفاق حتى الاسراف!!!.

لابد للسياسي أن يكون قارئا جيدا لحركة ونفسية المجتمع الذي يعيش فيه ومن هنا لابد لهؤلاء المنفقين أن يطلعوا على طرق الانفاق الصحيحة لكي تصب في الصالح العام وفي صالح الهدف السامي الذي ينشدونه وإلا كان الانفاق مريبا.

وكثيرا ما نرى المراقبين ينظر للمنفق بهذه الطريقة المسرفة بعين الريبة ومن أين حصل على هذه الكمية الكبيرة من الاموال وبدلا من أن يكون المنفق مثلا يحتذى به يكون عكس ذلك وربما يقول قائل ساسرق ثم اقوم بالانفاق  على غرار رواية ((الشاطر حسن))!!.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1 كلنون الاول/2007 - 20/ذوالقعدة/1428