سد الموصل.. انهيار وشيك ام تنبؤات مغرِضة

شبكة النبأ: عادت قضية سد الموصل المثيرة للجدل الى الأضواء مرة اخرى بتقارير تحذر من انهيار وشيك له يهدد نصف مليون انسان بالغرق، واختلفت ردود الأفعال بين شتى الأوساط الحكومية والسياسية حول الموضوع، فالبعض يرى ان ما اثير حول السد هو تضخيم اعلامي لا يستند الى الوقائع الجيولوجية، في حين يرى آخرون أن إمكانية انهيار السد عالية ومتوقعة في ظل غياب الإجراءات التي تكفل صيانته بشكل علمي ودقيق.

التقرير الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، الأسبوع الماضي، أثار جدلا واسعا داخل العراق، وقالت الصحيفة إن سد الموصل يتعرض لخطر حقيقي بانهيار وشيك، ما قد يطلق 4 مليارات متر مكعب من الماء دفعة واحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى مقتل آلاف الناس وغمر اثنتين من اكبر مدن العراق، وقد يؤدي ذلك إلى مقتل 500 ألف مدني بسبب غمر مدينة الموصل بحوالي 20 متراً من الماء وأجزاء من بغداد بحوالي4-5 أمتار، حسب قول الواشنطن بوست.

لكن مدير التخطيط والمتابعة لمشروع سد الموصل سابقا، رياض المفتي، قال لوكالة (أصوات العراق) انه لا يرى خطورة حقيقية فيما يتعلق بإمكانية انهيار السد، إذ انه يستبعد أن ينهار جسم السد كليا، "إلا بقنبلة ذرية أو زلزال كبير، لأن جسم السد وأساساته المباشرة لا توجد فيها مشكلة.

ويرى المفتي أن طريقة التحشية المستمرة بالإسمنت التي تتبع الآن في قاعدة السد، هي أساسا كانت من ضمن تصميمه، منذ البدء بتنفيذه في 25 كانون الثاني يناير 1981 وحتى اكتمال إنشائه عام 1986، مبرهنا ذلك بوجود نفق صمم داخل السد لأعمال التحشية التي كانت مقررا منذ ذلك الوقت الاستمرار بها حتى بعد إكمال السد.

بيد أن المشكلة كما يقول المفتي تتلخص في إهمال أعمال التحشية في أعوام التسعينيات من القرن الماضي، بسبب قلة دعم الدولة وعدم كفاءة الكوادر الفنية في حينها.

وقال جيولوجي يعمل مهندسا تنفيذيا في سد الموصل، طالبا عدم نشر اسمه، إن النفق الذي يمر من تحت جسم السد يتم من خلاله الآن تحشية قاعدة السد من خلال حفارات خاصة موجودة فيه، ويتم الوصول إلى  الفراغات التي يضخ بداخلها  نوع خاص من الأسمنت يجعل جزيئات الأسمنت عالقة بالماء وتتخلل جميع الشقوق والثغرات.

فيما قال خبراء ومعنيون إن الطبيعة الجيولوجية للمنطقة التي بني عليها السد غير مناسبة؛ لأنها متكونة من صخور ملحية وكلسية تتعرض للذوبان تحت تأثير الضغط، مما يؤدي إلى تكون فراغات على شكل حجر تؤدي إلى نزول الطبقات التي تعلوها. ويرى هؤلاء أنه ما لم تتم تحشية الفراغات المتكونة في الصخور بمادة إسمنتية خاصة ستزداد الخطورة على السد.

وكان مهندس جيولوجي عمل سابقا في مشروع سد الموصل، قد قال لـ (أصوات العراق) إن كمية المياه المتدفقة من السد في حالة انهياره تقدر بـ 600 ألف متر مكعب في الثانية. في حين لا يتحمل مجرى نهر دجلة في مدينة الموصل تصريف أكثر من 3500 متر مكعب في الثانية. مضيفا، لا يمكن التكهن بموعد انهيار السد..فقد يكون اليوم أو غدا أو بعد ثلاثين عاما.

قضية سد الموصل لم تغب عنها تأثيرات عالم السياسة، فالتقرير الذي نشرته الصحيفة الأمريكية أثار موجة من ردود الأفعال شملت الكثير من الأطراف السياسية، وهذا ما يلمح إليه السياسي الموصلي اثيل النجيفي بقوله إن موضوع تحشية سد الموصل، هي قضية صيانة دائمة للسد ومعروفة لدى الكادر الفني منذ إنشائه، ولكن الترويج لهذا الموضوع الآن وبهذه الطريقة، ياتي لأسباب سياسية يريد من خلالها البعض إرباك الوضع في الموصل خدمة لأهداف معينة.

وأصدرت هيئة علماء المسلمين التي تمثل جمهرة من علماء الدين المسلمين السنة، بيانا نشرته على موقعها الاليكتروني قالت فيه، كثر الكلام حول أوضاع سد الموصل، وتضاربت الآراء في احتمالية انهياره ... والوضع يستدعي النظر الدقيق، والفكر العميق في هذه القضية، والتعامل معها بجدية عالية. وأضافت، تتحمل الحكومة الحالية مسؤولية أي تقصير في هذا الجانب.

من جانبه طالب السيد احمد صافي ممثل المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، طالب الحكومة العراقية بـ اتخاذ إجراء سريع بتشكيل لجنة من الخبراء تضم - بالإضافة للخبراء العراقيين - خبراء أجانب للتحري حول احتمال انهيار سد الموصل وغرق العديد من المدن العراقية ووصول الماء إلى بغداد وذهاب مئات الآلاف من الضحايا. منوها بأهمية أن تأخذ الجهات التنفيذية والمعنية دورها وعدم التسرع والتشنج في مثل هكذا أمور تتعلق بأرواح المواطنين وممتلكاتهم ومدنهم.

في المقابل قلل المسؤولون الرسميون في الحكومة العراقية من خطورة وضع سد الموصل، نافين ما تردد عن أنه معرض للانهيار ويشكل خطرا على مدينة الموصل والمناطق الواقعة إلى جنوبها.

وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ في بيان أصدره عقب نشر تقرير الصحيفة الأمريكية، إن الحكومة العراقية وضعت هذا السد تحت مراقبة مستمرة وتجري عليه كل الاحتياطات والتحسينات وعمليات  الصيانة المطلوبة. موضحا أن هناك فُرقاً عراقية تعمل بصورة دائمة لحقن أسفل السد بالكونكريت لتقوية السد وملء الفراغات الناشئة نتيجة تآكل بعض الصخور.

أما محافظ نينوى دريد محمد كشمولة ، فقد قال في مؤتمر صحفي في مبنى محافظة نينوى إن مشاكل السد قائمة منذ أول يوم إنشائه عام 1983 لأن الأرض التي أنشىء عليها غير صالحة حسب تقرير خبراء سويسريين إلا أن النظام السابق أصر على إنشائه في ذات المكان. مبينا أن الأجهزة الهندسية حصلت على معدات جديدة لحقن قاعدة السد بالكونكريت ليبلغ العدد الكلي للمعدات المستخدمة في هذه العملية 28 معدة. ولفت إلى أن خطورة انهيار السد، وان كانت قائمة، فهي ليست بالدرجة التي روجتها وسائل الإعلام، لأن المعالجة مستمرة ولم يتغير شيء في وضع السد.

لكن احتماليات انهيار السد فرضت على المسؤولين في محافظة نينوى القيام بإجراءات عاجلة تفاديا لأي مفاجآت قد تحدث في المستقبل، فما زالت فكرة الفيضان تمثل خطرا محدقا في المخيال الشعبي العراقي برغم أن هذه الظاهرة توقفت بعد الفيضان الكبير الذي شهده العراق سنة 1954 عقب بناء عدة سدود على نهر دجلة.

غير أن ما شهده ربيع عام 1987، حين ازدادت مناسيب المياه في نهر دجلة إلى أرقام قياسية غير مسبوقة هددت بغداد ومدنا أخرى مطلة على دجلة بالغرق، أعاد إلى الأذهان مؤقتا، المخاطر التي يشكلها فيضان النهر الهائج. فخطر انهيار سد الموصل، بات الآن قضية تؤرق سكان الكثير من المدن التي تقع على مجرى نهر دجلة، بدءا من الموصل، وليس انتهاء بالعاصمة بغداد.

ونقل مراسل صحيفة الاندبندنت البريطانية، عن خبراء أن الفيضان الذي يعقب  سقوط السد، يمكن أن يلحق الضرر بأكثر من 70% من محافظة نينوى وأكثر من 300 كيلومتر من المناطق التي يجري بها منسوب دجلة مثل تكريت وسامراء وحتى مشارف بغداد.

فيما قال العميد محمد محمود سليمان مدير الدفاع المدني في محافظة نينوى،إن خطورة انهيار السد غير مؤكدة حتى الآن، حسب ما يقوله القائمون على السد منذ سنين مضت، مضيفا، أعددنا خطة الطوارئ للمحافظة كإجراءات احترازية في حال حصل أي مكروه لا سامح الله.

وأوضح أن الخطة أعدت من قبل لجنة يرأسها محافظ نينوى، وتشترك فيها كل دوائر الدولة في المحافظة. وأضاف قائلا، الخطة التي أعددناها تتلخص في إخلاء أهالي مدينة الموصل إلى ملاذات آمنة، فالعوائل التي تتواجد على الساحل الأيمن، تنتقل إلى الجهة الغربية المرتفعة مثل سوق المعاش وحميدات، وسكان الساحل الأيسر ينتقلون إلى الجهة الشمالية والشرقية من المدينة مثل قضاء الحمدانية والشيخان.

وتابع، برغم انه لا يوجد شيء ملموس حتى الآن فيما يتعلق بقرب انهيار السد من عدمه، لكن واجبنا يحتم علينا التعامل مع أي موضوع بكل جدية لدرء الخطر، وفي وقت قريب سنقوم بإجراء ممارسة ميدانية داخل المدينة، ليس لإجلاء المواطنين، ولكن لتقسيم الواجبات بين دوائر الدولة في المحافظة بموجب اللجنة المشكلة، تحسبا لأي مكروه.

وكان مسؤول الكوارث في جمعية الهلال الأحمر بنينوى صرح في وقت سابق أن من الصعب إغاثة سكان مدينة الموصل البالغ عددهم نحو 1.7 مليون نسمة الذين سيتضررون من الموجة الأولى للفيضان المتوقع، مبينا أن الموجة الأولى من الفيضان يستغرق وصولها إلى مدينة الموصل ثلاث ساعات حسب ما أفادت به مصادر في الدفاع المدني وهو وقت حرج  لإغاثة 1.7 مليون نسمة هم سكان المدينة.

ويبدو أن البحث عن البدائل ما زال جاريا لتفادي كل هذه التداعيات، في حال بقيت قضية السد بلا حقائق مؤكدة تتيح للمعنيين اتخاذ موقف حاسم حول السد.

وأوصى فيلق المهندسين الأميركي، بإكمال سد مشاد جزئيا في منطقة بادوش، التي تقع بين سد الموصل والمدينة، كإجراء مؤقت بديل في حالة انهيار سد الموصل. ولكن سالار باقر سامي، وهو المدير العام للتخطيط والتطوير في وزارة الموارد المائية، يقول إن مسؤولي الحكومة العراقية لا يعتقدون بضرورة إنفاق حوالي 10 مليارات دولار على مثل ذلك المشروع. ويقول إنه بدلا من ذلك خططت الوزارة لإنفاق 300 مليون دولار لبناء نسخة مصغرة من سد بادوش لتوليد الكهرباء وتوفير الري، ولكنه لن يقوم مقام صمام الأمان في حالة انهيار سد الموصل.

يذكر بأن سد بادوش الذي بوشر العمل فيه أواخر الثمانينيات وتوقف أواسط التسعينيات والذي يقع بين سد الموصل والمدينة، كان الغرض منه، بالإضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية وتنظيم تدفق المياه في نهر دجلة، صد الموجة الأولى في حالة انهيار سد الموصل واستيعاب تدفق المياه لمدة تسع ساعات إذا كانت البحيرة في قمة تخزينها للمياه.

وبني سد الموصل بين عامي 1980 و1984، من قبل شركة ألمانية إيطالية مشتركة على بعد 30 كم شمال غرب مدينة الموصل، ويبلغ ارتفاعه 113 مترا، وقدرت الشركة عمره بنحو 80 عاما.

ويقع سد الموصل على مسافة 70 كم شمال مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى الواقعة على مبعدة 405 كم شمال العاصمة بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8 تشرين الثاني/2007 - 27/شوال/1428