قراءة في كتاب: اللغة والهوية.. قومية- اثنية- دينية

 

الكتاب: اللغة والهوية

المؤلف: جون جوزيف

ترجمة: عبد النور خراقي

الناشر: عالم المعرفة- الكويت

عدد الصفحات: 344 - قطع المتوسط

عرض: عدنان عباس سلطان

 

 

 

 

شبكة النبأ: الجدلية القائمة في عصرنا الحديث بشكل محتدم بين العولمة كمفهوم استعلائي وبين الخصوصيات التي تدافع عن ذاتها باعتبارها كيانات انسانية تتشارك في تجربة الحياة هذه الجدلية غير المحسومة ستظل كذلك الى مدى ليس بالطويل طالما ان الحقائق التاريخية الطبيعية والتطورات التي ستبنيها ظروف التطور الطبيعي لتلك الحقائق فانها ستحسم الاحتدام لصالح القوى المستقرة والعفوية التاريخية التي هي في صالح خصوصية الشعوب، فيما يكون تيار العولمة كظاهرة اقتصادية احتكمت على وسائل بحدود زمنية محددة وستكون هذه الوسائل في قابل الزمن منقولة لصالح الخصوصيات وبذلك تخسر العولمة اهم مؤسساتها ومستلزماتها في المستقبل.

وكتاب اللغة والهوية لمؤلفه جون جوزيف يبحث ركائز دراسته قومية اثنية دينية، محاولة لطرح رؤية متماسكة عن الهوية بوصفها ظاهرة لغوية، كذلك لتقديم فهم تاريخي للفرق بين الطبيعي والاعتباطي في اللغة وهو الطرح الذي اعتمد عليه الكاتب في كتابه السابق والذي بعنوان الفصاحة والسلطة.

وبما ان اللغة هي الوعاء الحاوي للثقافة ووسيلة من وسائل التفكير الذي يحدد رؤية العالم ونواميسه لذلك شكلت معرفتها اهم ركيزة لتحصين الهوية والذات والشخصية وان من الواجب الدفاع عنها لحفظ المكانة والاستمرار بين الامم فان غلبة الامة بلغتها كما اشار ابن خلدون.

فقد ميز اليونانيون انفسهم عن البربر لأن البربر لا يتحدثون اللغة اليونانية واستخدم اليهود في الاندلس اللغة العبرية بوصفها وسيلة يحفظون بها طقوسهم الدينية بينما استخدم الاطباء اليهود في بولندا مصطلحات طبية عربية بدل اللاتينية التي يستخدمها الاطباء المسيحيون.

كل هذا يفسر سعي هؤلاء  الى التميز الاثني والديني والى الحفاظ على الهوية ذلك لأن الهوية مفهوم ذو دلالة لغوية وفلسفية واجتماعية وثقافية ، ولفظ هوية مشتق من اصل لاتيني معناه( الشئ نفسه).

مما يجعله مبنيا لما يكون عليه شئ آخر يميزه عنه، كما يتضمن مفهوم الهوية الإحساس بالانتماء القومي والديني والاثني.

والكتاب يبحث في موضوع العلاقة المعقدة الموجودة بين الهوية القومية والإثنية والدينية لجماعات كلامية داخل المجتمع وطبيعة اللغة التي يتحدثون بها ويشدد المؤلف على ضرورة ان تشكل الهوية الجزء الاهم في اي دراسة اكاديمية ميدانية تجري حول اللغة اذا ما اريد للنظرية اللغوية ان تتطور وتعاد اليها نزعتها الانسانية.

واذ يتبنى هذا الطرح الاجتماعي الايديولوجي لدراسة اللغة يوضح بالمقابل عجز اللسانيات البنيوية او اللسانيات المستقلة بذاتها عن تقديم تفسيرات وتاويلات للانماط اللسانية المستعملة داخل مجتمعات يغلب عليها الطابع الاثني ـ العرقي، والديني ـ الطائفي.

يجب ان ينصب الاهتمام بحسب المؤلف على الظروف التي وجدت فيها اللغة وعلى الاسباب التي عملت على تطورها وسبل تلقينها واستعمالها لأن هذا يساعد على استيعاب الخلفيات التاريخية لهوية لغة ما مثل اللغة الصينية او الانكليزية او العربية.

يقول اندرسون بهذا الخصوص: ان اللغة هي الاساس الصلد الذي تقوم عليه قصة الامة واما النظرية اللغوية التي تجرد اللغة من طابعها الانساني بحيث تبقى حبيسة التحليلات البنائية السطحية والانماط الصوتية فلا تساعد البتة على تطور علم اللغة ومناهجها الواعدة.

واهداف الكتاب تتحقق في ثمانية فصول عرض فيها اهم الافكار النظرية كدراسات تاريخية ونظرية لاشهر اللغويين المحدثين الذين اهتموا بها ومن جهة اخرى اولى اهمية كبيرة للجانب التطبيقي من خلال بحوث ميدانية قام بها في اماكن عدة في العالم.

فمن الذات والشخصية التي حفلت بها المقدمة الى الفصل الثاني وموضوعة الهوية اللغوية ووظائف اللغة وتطورها.

ان الهوية في الحقيقة خاصية اللغة ووظيفتها الاساسية وان نظرية اللغة التي تعتمد التاويل قابلة للترويض والتطور ويتوضح ذلك من خلال مناقشة الكاتب للمفهوم الوظيفي لـ(المشاركة الوجدانية) الذي اتى بهمالينا وسكي والوظيفة الادائية للغة يقف عند حقيقة استحالة عزل اللغة عن مخاطبيها ومؤوليها وسياقها الذي وردت فيه وإلا فلن نبلغ جوهرها الحقيقي، وهذا ما سعى اليه علم اللغة الاجتماعي الذي يدرس ما هو مسموع او مرئي عوضا عما هو استنباطي وخيالي، انه يبحث في ما هو اقرب الى الواقع بعيدا عما هو مثالي تجريدي.

الفصل الثالث مقاربة الهوية في التحليل اللغوي التقليدي.

وفيه الآراء الكلاسيكية والرومانية في اللغة والقومية والثقافة والفرد مركزا مساهمات اولئك الباحثين في الجانب الاجتماعي للغة من امثال فولو شينوف وسوسير ويسبرسن وسابير ولبوف وهاليداي وغيرهم ويختم المناقشة بالحديث عن اللغة والجنوسة ونظرية الشبكة وممارسة الجماعات واللغة والايديولوجيا.

الفصل الرابع يتطرق الى آراء غوفمان وبورتشتاين وفوكو وبورديو لتفسير هوية اللغة وهو بحث في مواضيع كثيرة وواسعة في النظرية الاجتماعية .. نظرية المواءمة.. التصنيف الذاتي..الماهوية..

الفصل الخامس والسادس مناقشات فكرية نظرية وهما التجربة العملية الميدانية التي باشرها المؤلف في كثير من الشعوب ذات السمات المميزة في لغتها وثقافتها وخصوصيتها كذلك تاريخها الذي عاشته وتكونت فيه الطبائع الاجتماعية الخاصة بها.

الفصل السابع وهو الحديث عن الهويات والمساعي العولمية وتاثيراتها والمصالح المادية المؤثرة في هذا الاتجاه وعدد المتكلمين باللغة الانكليزية.

الفصل الثامن هوية المسيحي والمسلم ووظيفة اللغة في تطور هويات المسلمين والمسيحيين في لبنان .

واخيرا: فان جون جوزيف استاذ علم اللغة التطبيقي في جامعة ادنبرة درس سابقا في جامعتي ماريلاند وهونغ كونغ له من المؤلفات: ايديولوجيا اللغة، والفصاحة والسلطة المترجم د. عبد النور خراقي : دكتوراه في العلوم الانسانية جامعة نيو كاسل البريطانية.

الكتاب من المؤلفات المهمة وحجة فكرية بوجه العولمة والخطاب الاوحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 26 تشرين الاول/2007 - 14/شوال/1428