الطائفية والطائفيون

دكتور أحمد راسم النفيس

استوقفني تصريح أدلى به "عز الدين الدولة" الناطق باسم الحزب الإسلامي (إخوان العراق) يعلق فيه على عودة وزير التخطيط (علي بابان) إلى الحكومة حيث قال "لا فض فوه":

انه شخص راديكالي وقد كان منتمي إلى الحزب من السباقين إلى جبهة التوافق وهو أحد القياديين واتخاذه هذا القرار المفاجئ ليس فيه تفسير سوى انه تعرض إلى إغراء أو تهديد شديد وأن بابان من أصول كردية وأن جبهة التوافق قد رفعته. وأكد "الدولة" أن من يعمل في منظمة إسلامية جعلت القرآن والسنة منهاجا ودستورا في عملها ومثل هكذا منظمة وهكذا حزب وبعد هذا الوقت الطويل من النضال أن يرقى أحدهم أن يتنصل من هذه القيم وينسحب بهذه الطريقة مما يعني أن قرار الحزب كان صائبا وجريئا و عملوا على  فصل السيد بابان من الحزب واتخذوا قرارهم القطعي الذي لا يبيح له العودة إلى صفوفهم لأنه خرج على رأي الجماعة.

ولا شك أن من شق عصا الطاعة وفارق الجماعة فهو في النار!!.

بعيدا عن (البلاغة الإسلامية) التي أوردناها كما هي فالناطق الرسمي باسم المنظمة التي (جعلت القرآن والسنة منهجا) والتي تؤمن (كما هو واضح من خطابها المبعثر!) ألا فضل لعربي على كردي إلا بالتقوى ولذا فقد التقطت هذا (الكردي) ورفعته وجعلت منه شيئا مذكورا بعد أن لم يكن شيئا!!.

هذه هي الطريقة التي يفكر بعض الناطقين بلساننا من الذين لا يكفون عن الشكوى من الطائفية والطائفيين صباح مساء.

ولأننا سمعنا مئات التصريحات وقرأنا عشرات المقالات التي تندد بالطائفية من دون أن يتكرم علينا أحد بتقديم تعريف محدد لتلك التي يسمونها طائفية فلا بأس أن نعيد مناقشة القضية لعلنا نذكر أو نخشى.

الطائفية نسبة للطائفة كما أن المصري نسبة لمصر.

معنى الطائفة؟!.

وردت كلمة طائفة في القرآن الكريم مرارا (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) النساء 81, (وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة 122 (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ) القصص 4.

الطائفة إذا هي جماعة من البشر يجمعهم رأي أو موقف واحد سواء كان موقفا جيدا كهؤلاء الذين ينفرون لطلب العلم أو موقفا رديئا كهؤلاء المنافقين المتذبذبين بين الطاعة والمعصية كما أن هذا الموقف يمكن ألا يكون ثابتا أو مستمرا.

الانتماء إلى طائفة لا يعني شيئا في حد ذاته والمهم هو موقف هذه الطائفة ومدى انحيازها للحق والعدل والصواب من عدمه.

الطائفية والفراعنة

(الطائفية) الواردة في سورة القصص هي طائفية من صنع فرعون ذلك الزمان الذي جعل من تقسيم المجتمع إلى طوائف متناحرة سلاحا يمكنه من إدامة سيطرته وتحكمه في مصير العباد.

الآية الكريمة تكشف عن سياسة قديمة جديدة هي سياسة تقريب بعض الفئات والطوائف والإغداق عليها بالمنح والجوائز لتكون عونا لهذا الفرعون على قمع غيرها من الطوائف المضطهدة.

ولا شك أن سلاح شراء الضمائر ليس قاصرا على زمان دون زمان أو دين دون دين أو أهل مذهب دون غيرهم بل هو أسلوب سلطوي عتيق وعريق وهو سلاح (فرق تسد) الذي استخدمته الأقلية المحتلة لتتمكن من قهر الشعوب والتحكم في مصائرها.

الطائفية هي حالة يجري إنشاؤها وترسيخها بواسطة الديكتاتوريات الفرعونية القديمة والمعاصرة لتحقيق غرض سياسي انتهازي ولو أدى هذا إلى إشعال بعض الحرائق لإنضاج بعض الطبخات السياسية الفاسدة ولا يهم بعد ذلك أن تبقى هذه الحرائق وتمتد لتلتهم أجيالا قادمة من البشر فداء لتحقيق هذا الهدف الانتهازي المرحلي.

كما أن الطائفية أيا كان لونها تعبر عن حالة من الجهالة إذ ليس هناك دين أو مذهب يمنح صاحبه الحق في إعلان تميزه وأفضليته على بقية العباد من دون أن يقدم الدليل الأخلاقي على هذه الأفضلية.

الطائفية والتعصب

يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. المائدة 8 (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الأنعام 152 

الطائفية المقيتة أن تنصر أخاك ظالما كان أم مظلوما فتعينه على ظلمه للآخرين والافتئات على حقوقهم المشروعة.

الانتماء إلى فرقة أو طائفة دينية أو مذهبية أو عرقية لا يبيح لأحد ممارسة الظلم والعدوان دفاعا عن انتمائه بل العكس تماما هو الصحيح.

العلة التي ضربت وما زالت تضرب العقل العربي هي التعصب الأعمى للجماعة العرقية أو القبلية وهو ما جرى توظيفه بعد ذلك أمويا من أجل إدامة الهيمنة على السلطة من خلال تحويله إلى صراع مذهبي باسم الدين والعقيدة.

لم يقتصر الأمر على العصبية المذهبية بل بقي الصراع القبلي بين اليمانية والمضرية قائما ليجري إشعاله بين الفينة والأخرى مما عجل بنهاية النظام الأموي الفرعوني.

العصبية الجاهلية كانت واحدة من الأمراض التي ضربت كبد الأمة منذ نشأتها الأولى وحالت دون ترسيخ القيم الحضارية للدين في أرض الواقع ولذا نرى كلمات الإمام علي التي تحذر المسلمين من الوقوع في هذا المرض الاجتماعي المدمر حيث يقول:

فَإنْ كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الأفْعَالِ وَمَحَاسِنِ الأمُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ بِالأخْلاَقِ الرَّغِيبَةِ، وَالأحْلاَمِ الْعَظِيمَةِ وَالأخْطَارِ الْجَلِيلَةِ وَالآثَارِ الَمحْمُودَةِ. فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَام، وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ، وَالأخْذِ بِالْفَضْلِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ، وَالإعْظَامِ لِلْقَتْلِ وَالإنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَالْكَظْمِ لِلْغَيْظِ وَاجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ.  

أي خلق أو دين سمح لهؤلاء أو غيرهم أن يدلوا بهذا الهراء عن ذلك الكردي الذي رفعناه ثم يزعمون بعد ذلك أنهم أعضاء منظمة إسلامية منهجية تقوم على الكتاب والسنة؟!.

إنه النقيض المطلق للإسلام حيث يقول تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. القصص 83.

الآن ارتفعت الأصوات الطائفية العنصرية التي تدعي الحديث باسم الإسلام لتحدثنا عن الخطر الذي تمثله (الديانة الفارسية) لتذكرنا بأمجاد داحس والغبراء وبطولات حامي حمى البُوابة الشرقية للأمة العربية وهم ينتظرون على ما يبدو البيان رقم واحد الذي يعلن عن غزو لإيران ربما ليهللوا لقادسية بوش الأمريكية التي ينام البعض ويصحو في انتظارها!!.

الطائفية العنصرية هي البلاء الحقيقي الذي يتعين علينا مواجهته وهي عائق رئيسي في مواجهة التقدم الحضاري والأخلاقي للأمة.

وبينما قطع العالم أشواطا من أجل التخلص من هذا الداء ما زال البعض منا يتحدث عن (هذا الكردي الذي رفعناه)!!.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25 تشرين الاول/2007 - 13/شوال/1428