العيد عند العراقيين بين المفخخات والمقابر

 

شبكة النبأ: مع ان العيد هو علامة فرح للمسلمين ولكنه عند العراقيين يثير الذكريات الحزينة لأحباب رحلوا في ريعان الشباب، ويزيد القلق والخوف لان أشباح الظلام والارهاب تريد ان تسلب كل الافراح والمسرات وتستبدلها بالموت والحزن والخراب.

فقد قتلت قنبلة مخبأة في عربة يد مليئة بلعب الاطفال لدى انفجارها يوم الجمعة في أحد الافنية في شمال العراق صبيين وأصابت 17 في أول أيام عيد الفطر.

وقالت الشرطة العراقية ان الانفجار وقع يوم الجمعة في بلدة طوزخورماتو بشمال العراق.

وقال عقيد الشرطة عباس محمد ان مفجرا خبأ متفجرات في عربة يد مليئة بلعب الاطفال يدفعها أمامه. لكن المفجر لم يقتل وأصيب فقط في الانفجار ونقل على أثر ذلك الى المستشفى.

وتقع طوزخورماتو على بعد نحو 180 كيلومترا شمالي العاصمة بغداد وتقطنها غالبية تركمانية شيعية.

وقال محمد رشيد رئيس بلدية طوزخورماتو لرويترز ان القتلين عمرهما 10 و12 عاما وان كل الجرحى تقل اعمارهم عن 18 .

وقال مصدر شرطة طلب عدم الكشف عن هويته ان 23 أصيبوا في الانفجار الذي وقع في الفناء غالبيتهم أطفال.

كما ان العيد في مدينتي النجف وكربلاء ليس كغيره في باقي المدن والمحافظات، فبينما يتوجه الناس في جميع أرجاء المعمورة إلى المدن السياحية، والى مراكز الترفيه، يتوجه اهالي المدينتين صبيحة العيد إلى المقابر لزيارة موتاهم، ومثلهم يفعل الملايين من العراقيين الذين يتوجهون إلى النجف وكربلاء للأمر نفسه، كما تحتل زيارة المراقد المقدسة هناك اولوية في جدول أعمال العيد لدى عموم  العراقيين في مختلف المحافظات وبمختلف انتماءاتهم.

ولليلة العيد في النجف طقوس يواظب عليها أبناء النجف منذ عشرات السنين، ففي مساء يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك، وعند الغروب يتجمع العشرات من النجفيين على مشارف منطقة بحر النجف والتي تسمى (جبل الحويش) وهو عبارة عن تله ترابية، لترقب هلال العيد..

يقول الحاج كاظم خلف الشبلي ( كاسب 76 عام ) لـلوكالة المستقلة للأنباء(أصوات العراق) "اعتدت أن أصعد مع أبناء منطقتي فوق جبل الحويش لترقب الهلال في كل عام.. ومن يراه منا يذهب للشهادة لدى المراجع العظام وهو تقليد اتبعناه منذ زمن بعيد."

 أما إذا تعذر على المواطنين رؤية الهلال فانهم يتوجهون مباشرة بعد الإفطار بساعة أو ساعتين إلى المدينة القديمة حيث تتواجد مكاتب المرجعيات الدينية، ويتوقف معظمهم أمام مكتب المرجع الديني الأعلى ، أو كل حسب المرجع الديني الذي يقلده، بانتظار أن يأتي الشهود العدول للإدلاء بشهاداتهم بخصوص رؤيتهم لهلال العيد.

يقول الشيخ مهدي الحيدري،أحد أساتذة الحوزة العلمية في النجف، لـ( أصوات العراق ) "يتجمع الناس في كل عام بعد الإفطار في مثل هذه الليلة أي ليلة التاسع والعشرين من رمضان في شارع الرسول وهم ينتظرون ما يصدره السيد السيستاني أو أي من العلماء، كل حسب تقليده، حول إتمام الصيام أو الإفطار."

واضاف "تراهم يترقبون وترتفع أصواتهم بين الحين والآخر بالصلاة على محمد وآل محمد كلما جاء أحدهم للشهادة..وترى الاتصالات الهاتفية لا تنقطع بمكاتب العلماء حول رؤية الهلال من عدمها وحول رؤية الهلال من خلال وكلاء المرجعية في مختلف مدن العالم ، وبعد التأكد من رؤية الهلال يصدر المرجع فتوى بثبوت هلال العيد."

وهنا يصدر القرار في حال ثبوت الرؤية بأن يكون اليوم التالي أول أيام شوال والعيد، أو أن لا تثبت الرؤية فيكون اليوم التالي مكملاً لعدة شهر رمضان، ويمتثل الملايين من المسلمين الشيعة في مختلف دول العالم لما يصدر من النجف بخصوص العيد أو إكمال العدة.

ومع إطلالة نهار العيد في النجف، تمتلأ شوارع النجف وخصوصاً المدينة القديمة بحشود الزائرين القادمين من مختلف محافظات العراق للاحتفال بالعيد في هذه المدينة المقدسة.

ويشهد الصحن الحيدري في النجف دخول عشرات الآلاف من الزوار إلى مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) لأداء مراسيم الزيارة، حيث تمر تلك الحشود عبر مفارز التفتيش قبل دخولهم إلى الضريح المقدس.

وبالرغم من سوء الأوضاع الأمنية في مختلف مناطق العراق، وتعرض الزوار في كثير من الأحيان إلى عمليات إرهابية أو تهديدهم بها، إلا إن ذلك لم يمنع مئات الآلاف من الحضور إلى النجف في كل عام، حتى تتجاوز أعداد الزائرين في العيد المليون أو أكثر.

وبعد زيارة المراقد المقدسة تتجه هذه الأعداد الغفيرة من الزائرين إلى زيارة مقبرة النجف، وتعتبر مقبرة النجف إحدى اكبر المقابر في العالم الإسلامي.

وتمتد المقبرة على رقعة واسعة من أرض النجف، ويعود تاريخ نشوئها إلى نحو الف عام، وقد  اعتاد المسلمون الشيعة على دفن أمواتهم في هذه المقبرة تبركاً بوجود مرقد الإمام علي (ع) في هذه المدينة.

وتضم المقبرة أمواتا من دول العالم المختلفة مثل إيران والهند وباكستان والبحرين والسعودية وغيرها من الدول إضافة الى المدن العراقية التي يتواجد فيها المسلمون الشيعة حيث ينقلون أمواتهم إلى هذه المقبرة.

كما اتخذ سكان اغلب المدن العراقية من زيارة أمواتهم في الأعياد تقليداً وطقساً دينياً يؤدى جيلاً عن جيل.  وتقول السيدة سعدية حسن ( ربة بيت 40 عام ) لـ( أصوات العراق ) " كما لكل فرد من العائلة حق في التمتع بالعيد مع أفراد عائلته.. للأموات علينا حق أيضاً فالميت ينظر إلى أهله ويتمنى زيارتهم له في هذا اليوم المبارك ونحن نزور قبر جدي وجدتي وأبي ووالد زوجي ووالدته كل عام في أول أيام العيد ونوزع الحلويات والفواكه لأجلهما ونقرأ بعض آيات القرآن على قبورهم."

واضافت "بعدها نتوجه إلى زيارة الأهل والأقارب والذهاب عصر أول أيام العيد إلى شط الكوفة لقضاء بعض الوقت كما يفعل العشرات من النجفيين."

وفي مدينة كربلاء(108 كم جنوب غرب العاصمة بغداد) ، تتوجه في أول أيام العيد آلاف العوائل العراقية إلى مدينة كربلاء لزيارة مقابر الموتى من الأهل والأقارب في مقبرتي المدينة.

ومنذ اليوم الأول للعيد تتحول مقبرتي المدينة اللتين اطلق عليهما مقبرتي الوادي القديم  والجديد إلى كرنفال حزين يقرأ فيه القرآن وسورتي الفاتحة وياسين مثلما يُرش سطح القبر بماء الورد ومن ثم تقدم العائلة للزوار الآخرين ما جلبوه معهم من أطعمة وفواكه ثوابا لروح من مات.

في مقبرة الوادي القديم( 500 م عن ضريح الإمام العباس) التي أنشئت منذ ثلاثينيات القرن الماضي دفن فيها موتى أهالي كربلاء ومن المحافظات القريبة منها كالحلة وبغداد،في حين يتوجه بعضا من أهالي كربلاء وأهالي المحافظات الأخرى إلى مقبرة الوادي الجديد( 5كم جنوب كربلاء ) التي تأسست مع بداية الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي.

عوائل تصطدم مع بعضها والمشهد يشبه إلى حد كبير مشهد الزيارات المليونية التي تشهدها مدينة كربلاء في كل عام..أطفال ونساء ورجال وشباب من كل الأعمار قدموا من اغلب المحافظات وخاصة الجنوبية وبغداد يحملون علامات الحزن وفي عيونهم بكاء مكبوت لهذا اليوم... فترى عند كل قبر ثمة من يبكي على من افتقده خاصة على من مات معدوما في زمن النظام السابق أو مات  بعد الاحتلال الأمريكي للعراق..وكأن مقبرة الوادي الجديد لا تضم إلا من رحلوا بهذين السببين.

الحاج أبو محمد من أهالي مدينة السماوة قال لـ (أصوات العراق) المستقلة" في كل عام نأتي أنا وزوجتي وزوجة ابني وأولادها وبناتها لزيارة قبر ولدي الذي أعدمه النظام السابق عام 1982"

 وأضاف" لا نستطيع إن نحتفل بالعيد إلا بعد أن ( نعيّد ) على ابني ويرى أولاده قبر والدهم الذي تركهم صغارا بعمر الورد"

 وبين" لا طعم للعيد بدون زيارة قبر ولدي ( محمد ) ليرتاح قلبي وتراح أمه التي لا تنفك عن البكاء كلما مرت ذكرى يوم إعدامه."

في حين قال ياسين عبد الكاظم ( 54عاما ) من أهالي مدينة الصدر ببغداد" للمرة الثانية نأتي إلى كربلاء لزيارة قبر أخي الكبير الذي استشهد في إحدى التفجيرات التي حدثت في بغداد."

وعند المدخل الأول للمقبرة تجد الأهالي وهم يوزعون الثواب على أرواح من مات منهم ويجد الناظر طوابيرا أخرى  لمقابر من مات في الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت لعشر سنوات يضاف لهم من أعدمهم النظام السابق،ثم تجد طوابير أخرى لمن مات بسبب الحصار الذي استمر لعشر سنوات أيضا ثم تجد طوابير لمن مات بسبب العمليات الإرهابية.

يقول الدفان ( محمد العفراوي )"ربما لم يكن احد يتوقع أن تتسع هذه المقبرة لكل هذه القبور "

وأشار" في ثمانينيات القرن الماضي كانت طاحونة الحرب العراقية الإيرانية سببا بإنشاء هذه المقبرة وكنا نحن الدفانة نقوم بالعمل في كل يوم وكانت النعوش التي تأتي تحمل العلم العراقي"

وتابع" في تسعينيات القرن الماضي كان للحصار حصة في زيادة عدد الموتى وكان اغلب الموتى هم من الأطفال والنساء"

اما في الجانب الجنوبي من المقبرة ، فتمتد طوابير من القبور لمجهولي الهوية، بعضهم تم التعرف عليهم وبعضهم ما زال مجهولا لايعرفهم احد.

ويقول بسام هادي (36 عاما ) من أهالي الكاظمية " تعرفت على صورة أبي من خلال الصور التي عرضوها لنا في المقبرة."

وبين "خرج أبي ذات يوم ولم يعد ولم نستطع الوصول إلى الطب العدلي خوفا من القتل فقد أعلمونا إن جثثا كثيرة تم دفنها في كربلاء  وها نحن نزور قبر أبي في العيد."

فيما ذكر الدفان جعفر الكعبي أن "هناك أكثر من ألفي قبر مجهول الهوية تم التعرف على اقل من نصفها وما زال القسم الأكبر ينتظر من يتعرف عليه ليقام له مجلس عزاء"

وتعد مقبرة النجف التي يعود ظهورها الى خمسة الاف عام اكبر مقبرة اسلامية حيث تقدر مساحتها باكثر من عشرة كيلومترات مربعة وتتميز بتلاصق قبورها.

واتسعت المقبرة خلال العقود القليلة الماضيه بشكل كبير لزيادة عدد ضحايا الحروب المتكررة التي شنها النظام العراقي السابق وما تلاها من اعمال عنف في عموم البلاد.

ويتبادل زوار المقبرة الطعام والشراب والفاكهة خلال تواجدهم فيها والذي يستمر لساعات عادة ويتخلله قراءة ايات من القرآن الكريم ووضع الزهور ورش الارض المحيطة بالقبر بالماء.

وتستمد المقبرة قدسيتها من وجود مرقد الامام علي عليه السلام بالقرب منها وهو ما يبعث لدى ذوي المتوفى شعورا بالاطمئنان والامان.

ولا تقتصر عملية الدفن فيها على العراقيين فقط بل شهدت دفن عدد من الموتى من دول عربية واسلاميه.

واكد عبد الحسين الكاظمي (38 عاما) الذي جاء برفقة اسرته من بغداد لزيارة قبور عائلته "في كل عيد نأتي لزيارة مقبرة النجف بعد زيارة مرقد الامام علي".

واضاف "ابي واخي دفنا هنا بالاضافة لاخرين من اقربائي".

واوضح الكاظمي وهو يقدم شرابا وفاكهة لمن حوله "نقدم ما تيسر لمن يشاركنا الزيارة عسى ان يعود ذلك بالخير ويؤمن الراحة لروح المتوفين".

وتتوزع على الطريق الرئيسي المؤدي للمقبرة مكاتب خاصة تتولى استقبال جثمان المتوفى وغسله وتكفينه ليدفن بعدها في منطقة خاصة بالعائلة حتى يسهل الوصول اليه عند زيارته.

ومن ابرز الشخصيات الدينية التي دفنت فيها الشيخ جعفر كاشف الغطاء والشيخ الطوسي والشيخ الانصاري والسيد الخوئي والسيد محمد صادق الصدر والسيد محمد باقر الصدر الذي دفن سرا في ثمانينات القرن الماضي في مكان مجهول ثم تم اخراجه ودفنه فيها بعد سقوط النظام السابق عام 2003.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16 تشرين الاول/2007 -4/شوال/1428