المصحات النفسية اخر المطاف للعراقيين اليائسين   

 شبكة النبأ: تتميز المعاناة في العراق بكونها مأساة متعددة الجوانب فمن القتل على الهوية والتهجير والانفجارات الدموية التي تستهدف المدنيين حصرا الى تدني مستوى الخدمات بشكل يقترب من انعدامها، وانتهاءا بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يولدها القلق والخوف والعوز والحزن على المفقودين، الامر الذي ادخل العديد من العراقيين-ان لم يكن معظمهم- ضمن دائرة الاضطرابات النفسية التي يؤدي بعضها الى الانتحار او ولوج المصحات النفسية.  

ويتردد مئات العراقيين على مصحات الامراض النفسية املا في الحد من معاناتهم من جراء تدهور الاوضاع الامنية في البلد.

ويقول الطبيب شعلان العبودي مدير مستشفى "ابن رشد" للامراض النفسية وسط بغداد، ان ما يزيد مهمة المستشفى تعقيدا هو مغادرة معظم الاطباء النفسيين ذوي الخبرة الواسعة الى الخارج.

واضاف لوكالة فرانس برس، كان لدينا 14 طبيبا نفسيا في مستشفانا قبل عام واليوم لم يبق سوى اربعة.

واكتظت ممرات المستشفى بالمرضى وبدت عليهم علامات الكآبة لهول ما يعيشونه. واكد العبودي، حرصه وفريق الاطباء معه على تقديم الرعاية والمساعدة لجميع المرضى.

وقال مدير المستشفى وهو يسير بين المرضى الذين وقفوا في طابور ومعظمهم من النساء وعدد قليل من الاطفال، مستشفانا يستقبل بين ثمانين ومئة مريض في اليوم.

واضاف، يعاني بعضهم يأسا شديدا ومنهم من لجأ الى مشعوذين حتى بات مجيئهم الى المستشفى اخر المطاف بالنسبة اليهم.

واشار العبودي الى ان، جميع المرضى يعانون نفس العوارض كالقلق والكآبة والغضب وفقدان الشهية والارق والانفعالات الشديدة.

شيماء جبار (24 عاما) الطالبة الجامعية استيقظت ذات يوم على صراخ وكلمات لا تفارق ذاكرتها، قتل زوجك. وكان ذلك في احد ايام كانون الثاني/يناير الماضي بعد ثمانية اشهر على زواجهما. قالت، اعاني ارقا متواصلا وتوترا عصبيا وابكي كثيرا كل يوم.

ولا تزال شيماء عاجزة عن تقبل مقتل زوجها رغم مشاهدتها جثته في شارع قرب منزلهم في شمال شرق بغداد بعدما مزقها رصاص فرق الموت. واضافت، ارى صورته امامي دائما واظن انه ما زال حيا.

من جهته اكد العبودي، انها افضل حالا الان ولا تزال تخضع للعلاج، فيما كانت تغادر الغرفة مع والدها بعدما اعطاها الطبيب كيسا من الادوية.

وقع الصدمة كان اكبر على غازي العيبي (53 عاما) الذي فقد اثنين من ابنائه في انفجار سيارتين مفخختين.

واوضح العبودي ان لعيبي، يحاول الانتحار لذا يحتاج لمراقبة مستمرة. واضاف، انه مقيم في المستشفى بشكل مستمر فهو يعاني سرعة الانفعال والانعزال والكآبة اضافة الى اصابته بارتفاع في ضغط الدم وامراض معوية.

قبل ان تحتل القوات الاميركية العراق عام 2003 وتطيح بالدكتاتور صدام عانى العيبي الامرين فقد بقي اسير حرب لدى ايران لسبعة اعوام بعد ثمانية اعوام من القتال خلال الحرب العراقية الايرانية في اواخر الثمانينات. ولم يتوقع مواجهة اعمال عنف وحشية بعد احتلال بلاده.

قال لعيبي لفرانس برس بعيون دامعة، انفجرت سيارة مفخخة قرب محلنا التجاري في تشرين الثاني/نوفمبر 2005 فقتل ابني داخل المحل في منطقة الشعب، ذات الغالبية الشيعية. واضاف، بعد اربعة اشهر فجر انتحاري سيارته قرب المحل ايضا فقتل ابني الاخر (...) كان يقف عند الباب حين اصابته شظية في رأسه.

وتابع، لا اصدق انهما رحلا ولن يعودا كل يوم ارى صورهما امامي.. وقال ان زوجته مريضة وتخضع ايضا للعلاج النفسي.

واوضح العبودي ان العراقيين تأثروا بالحروب والعنف بدرجات متفاوتة لافتا الى ان حالات الاضطراب الشديدة تدفعنا الى نقل بعضهم الى مستشفى الرشاد للامراض النفسية، شرق بغداد.

يضم هذا المستشفى نحو 1500 مريض يعاني من امراض عقلية بحسب المسؤول عن العيادة الخارجية ومعاينة المرضى.

لكن مدير المستشفى وهو اب لعشرة اولاد بدا متفائلا رغم ارتفاع عدد المصابين بامراض نفسية وقال ان شخصية العراقيين تستطيع التكيف بسرعة.

واضاف، عشنا حرب العراق وايران وحرب الخليج ونمر بهذه الاوضاع حاليا لنا قدرة على التكيف في بضعة ايام او بضعة اشهر وعندنا شبكة دعم اجتماعي قوية من جانب عائلاتنا.

الدراسة النفسية الوحيدة التي اجريت في العراق منذ بداية الاحتلال ركزت على الاطفال وقامت بها جمعية علماء النفس العراقيين مطلع 2006. وجاء فيها ان الاطفال يعانون نفسيا بشكل كبير جراء غياب الامن وخصوصا الخطف والاستغلال.

وقال الناطق باسم جمعية علماء النفس العراقيين مروان عبد الله لدى نشر الدراسة، الشيء الوحيد في عقولهم (الاطفال) هو الاسلحة والموت والخوف من الاحتلال الاميركي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 3 تشرين الاول/2007 -20/رمضان/1428