حكومة التكنوقراط.. و إمكانية التطبيق

عدنان الصالحي/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

المح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي باحتمالية تشكيل حكومة تكنوقراط تحل محل حكومة الوحدة الوطنية التي لم تعد تحمل من الوحدة إلا الاسم بعد الانسحابات المتكررة لعدة وزراء منها  بقرار من كتلهم السياسية.

وهذه هي المرة الأولى التي يشير فيها المالكي إلى احتمال تشكيل حكومة جديدة في حين تعاني تشكيلته الحالية من عدم الاستقرار بعد انسحابات متكررة لوزراء ينتمون إلى جبهة التوافق السنية والكتلة الصدرية والقائمة العراقية.

وتتكون التشكيلة الحالية من 37 وزيرا بينهم ستة وزراء دولة وقد حصلت التوافق على ست حقائب إضافة إلى منصب نائب رئيس الوزراء وحصلت الكتلة الصدرية على مثلهم فيما حازت قائمة علاوي على خمس. 

من الواضح إن الوضع العراقي في درجة من التعقيد يصل الى حد تشابك الأمور ببعضها البعض،  ومما يزيد الوضع اضطرابا تدخلات أكيدة لدول مجاورة وأخرى إقليمية ترى في وضع العراق مصيدة لوضع الأمريكان في نفق مظلم.

أضف الى ذلك الفقدان شبه الكامل للثقة بين أعضاء كتل وأحزاب تسيير العملية السياسية برفع الأيدي أو خفضها،  وحكومة اصبحت في درجة من التعب بحيث يتحمل الوزير أعمال وزارة أخرى موكلة إليه نتيجة الانسحابات المتكررة  لوزراء في كتل اتخذت قراراها بالابتعاد عن الوزارة  الحالية لسبب أو لأخر، أما الوضع الأمني والخدمي هو الآخر ما أن يخرج من غرفة الإنعاش في منطقة ما إلا ودخلها في أخرى.

بين هذا وذاك يجد رئيس الوزراء نفسه في وسط تجاذبات كبيرة فبين التراكم الكبير الذي اشرنا إليه في الساحة العراقية ومحاولة مسك العصا من الوسط مع كلا من الأمريكان والإيرانيين الى مواقف مشحونة مع الكتل السياسية،  يبدو إن الرجل يستعد لخوض غمار معركة وزارية جديدة تتمحور فكرتها على (ترشيق) حكومته الحالية بإلغاء عشر وزارات ودمج اثنين حسب تصريح الأستاذ (عباس البياتي) النائب في الائتلاف العراقي الموحد، ليجعل منها حكومة تكنوقراط تعتمد المهنية والكفاءة (حسب وجهة نظر المالكي) للخروج من مأزق المحاصصة الطائفية التي ابتليت بها الوزارة الأولى التي شكلها تحت مسمى حكومة الوحدة الوطنية والتي تراجع الجميع عن تسميتها  في اسمها الأول ليعترف بالمسمى الطائفي.

تكنوقراط: هم النخب المثقفة الأكثر علما وتخصصا في مجال المهام المنوطه بهم، وهم غالباً غير منتمين للأحزاب، والتكنوقراط كلمة مشتقة من كلمتين يونانيتين( التكنولوجيا: وتعني المعرفة أو العلم، وقراط وهي كلمة إغريقية معناها الحكم، وبذلك يكون معنى تكنوقراط حكم الطبقة العلمية الفنية المتخصصة المثقفة).

أما الحكومة التكنوقراطية: هي الحكومة المتخصصة غير الحزبية التي تتجنب الانحياز لموقف أي حزب كان وتستخدم مثل هذه الحكومة في حالة الخلافات السياسية.

أو حسب وجهة نظر احد الكتاب فأن حكومة (التكنوقراط) يراد بها حكومة التقنيين، أو الحكومة التي يحل فيها المتخصص في الصناعات أو التقنية (مثلاً) محل السياسي في أروقة الحكومة (خاصة الوزراء)، وهي في الأغلب حكومة لا ترتبط بالأحزاب أو بالحركات السياسية أو الاتجاهات العامة في السياسة الجديدة، أي حكومة لا علاقة لها بأي توجهات دينية أو سياسية، ولا يميزها إلا كون كادرها الوزاري كادر تقني مبرز في مجال عمله.

إذن فقرار المالكي بالتوجه نحو هكذا صوب وان كان متأخر بعض الشيء لكنه لايخلو من خطوة صحية ( إن تمت بالفعل)، لكن الرجل سيحتاج الى الذهاب الى البرلمان على شكل دفعتين في اقل تقدير، سيطلب في الأولى  تقليص أو إلغاء الوزارات المعينة والفاصل في ذلك الدستور العراقي وبالتحديد في المادة(83) حيث تنص ( ينظم بقانون تشكيل الوزارات ووظائفها واختصاصاتها وصلاحيات الوزير)، وعليه ومن الباب القانوني فان إلغاء الوزارة أو دمجها سيحتاج بالتأكيد الى قانون مقابل  آخر مصادق عليه من قبل مجلس النواب أيضا.

  أما العودة الثانية سيحتاج فيها الى تشكيلة الحكومة والمصادقة عليها وهنا ستكون المعضلة الحقيقية، فالوزارات التي ستقع تحت طائلة الإلغاء أو الدمج هي بالتأكيد تابعة على ارض الواقع الى إحدى التكتلات البرلمانية أو الأحزاب السياسية وهي نتاج لتوافق سياسي سابق، ومن البديهي جدا أن لاتتخلى تلك الأحزاب عن وزارات تسلمتها بشق الأنفس بعد سباق (مارثوني ) سياسي طويل وان حصل ذلك بالفعل فإنها ستطالب بالتأكيد بما تراه مناسبا لتقبل التنازل ولك أن تتصور الحال.

هذا من الباب الدستوري والسياسي والعمل ضمن سياق الحوارات، ولكن الهاجس المهم الذي سيضرب بقوة على جدران الحكومة القادمة، هل إنها ستكون تكنوقراط حقيقية؟، أم إنها ستكون مظللة بلون تكنوقراطي؟.

رغم محاولات التجميل الحثيثة التي يتفانى البعض في إظهارها للمشهد العراقي لكن الوضع على الأرض يبقى هو السائد وهو الناطق الصريح للحالة السياسية المتشنجة، ومن بين هذا الواقع سيحاول المالكي قدر المستطاع الإبحار بسفينة (التكنوقراط) من جديد علها تسهم في راب الصدع الحاصل أو دفع تهم الطائفية والنهوض بالبلاد من التخبط الكبير والتدهور الخدماتي، الأمر غير متعلق به تماما وهذا جلي لكل قارئ للساحة العراقية بأفكارها المتعددة وألوانها المختلفة وهو رهن قرارات وتوافقات  لانعتقد إنها ستذهب فجأة في الوقت الحاضر بل قد تأتي فكرة التكنوقراط بإشكاليات وتداخلات كبيرة ستأخذ من الوقت خارج ما يتوقع له، اللهم إلا إذا جرى التوافق مرة أخرى على أسماء  ذات أشكال (تكنوقراطية) ومضامين (فئوية)، وهنا فان العمل لم يكن سوى تغيير اسم الحكومة وتجميلها، نعم قد لا يتحمل رئيس الوزراء مسؤولية كبيرة عن هكذا وضع ولكن سيبقى هو في الواجهة الأولى في كل فشل سيلحق المحاولة.

وعليه فان قضية البدء بحكومة جديدة على أساس الكفاءة والمهنية تحتاج الى قرارات شجاعة وسريعة وبدقة عالية ونراها تتركز في:

1-     يعتمد العمل في العمل الحكومي الوزاري في اغلب الأحيان على المستشارين المحيطين بقمة الهرم وهم اللبنة الأولى في أساس النجاح أو الفشل، وهذا ما عانت منه الحكومة الحالية وهو كون أكثر المستشارين المحيطين برئيس الوزراء بحاجة لخبرة أكثر وكفاءة أعلى، وهو بالتحديد الخطأ الأول والرئيس في باقي الأخطاء المترتبة عليه كونهم العين الناظرة والآذن السامعة لرئيس الوزراء على أساس المتابعة الاختصاصية والمكانية.

2-     من المتعارف عليه إن آليات وعمل الكفاءات المهنية ناتج طبيعي لمواقع علمية وأكاديمية كمراكز الدراسات والجامعات ومراكز البحوث، فهل يستطيع رئيس الوزراء أن يذهب الى تلك المواقع؟، أو يضع نصب عينيه تلك الثوابت لتكون أساس حكومته القادمة؟، وإذا لم يستطع ذلك هل سيجعل منها رصيد حقيقي له ولوزاراته المستقبلية؟فيما لو كانت تكنوقراط بالفعل.

3-     على واقع الحال فان الجميع سيعمل على زج كفاءاته في باب القبول لمناصب الوزارات وهي بالتأكيد ستكون في حقيقة الأمر ذات جذر خفي لبعض التكتلات السياسية وهذا لايضر مقارنة بمقدار ما سيقدم الوزير مستقبلا (رغم تجربتنا غير الناجحة سابقا مع هكذا نوع) من قدرة على التخلص من النفس الحزبي والتكتل السياسي أثناء أداء مهامه والتخصص المهني، وهنا تثبت قدرة رئيس الوزراء في تحديد مهمة اختبار لكل كفاءة لبيان مدى فاعليته وقدرته على الإبداع أو أدارة الوزارة بمهنية عالية.

4-     الخطوة الأخرى التي لاتقل أهمية عن سابقاتها هو الانفتاح على الجميع ولاسيما من هم خارج العملية السياسية أو غير المشتركين في داخل قبة البرلمان وفتح قنوات الحوار معهم وإشراكهم في قضايا الوزارات وهي خطوة كبيرة جدا ذات هدفين، الأول يتلخص بالابتعاد عن الضغط السياسي من داخل قبة البرلمان على الوزارة، والثاني توسيع قضية المشاركة والمصالحة التي تحاول الدولة قدر الإمكان الإسراع فيها إضافة الى توسيع دائرة المشاركة بأكبر نطاق.

5-       نرى ومن المهم أن تبدأ الحكومة قبل الشروع بقضية الحكومة المقترحة أن تركز على أهم الأخطاء التي رافقت عمل الوزارات الحالية وتشخيصها  كأداء مهني بعيدا عن الصفة السياسية، لتتمكن مستقبلا من وضع الشروط الحقيقية والاحتياج الفعلي في نوع وطبيعة الوزير القادم.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2 تشرين الاول/2007 -19/رمضان/1428