اقتصاد الهند بين افكار غاندي والتأثير البريطاني

اعداد/ صباح جاسم

 شبكة النبأ: حين اشترت تاتا ستيل شركة انجليزية هولندية منافسة هذا العام بمبلغ 12 مليار دولار بدا عنوان نشرته احدى الصحف "الامبراطورية ترد الصفعة" رمزا لما انجزه الاقتصاد الهندي بعد ستين عاما من الاستقلال.

وشراء شركة هندية خاصة شركة أجنبية يعطي انطباعا مختلفا كليا عن صورة (النول اليدوي) القروي البسيط الذي كان يستخدمه المهاتما غاندي في حربه ضد الامبريالية البريطانية وحملته للاكتفاء الذاتي اقتصاديا.

وفي ذلك الحين احس الهنود ان حكم الذات مرتبط بالبقاء الاقتصادي بعدما قضت المنافسة البريطانية على صناعات محلية. وكان متوسط العمر حينئذ نحو 30 عاما وكانت المجاعات تشكل تهديدا مستمرا. واليوم يبرم كبار الراسماليين صفقات شراء في جميع انحاء العالم من مصنع ويسكي سكوتلندي الى شراء ماركة السيارات الفخمة جاجوار من فورد.

ويخشى غربيون ان يخسروا وظائفهم لمهنيين هنود متعلمين يحصلون على اجور أقل. ويقول تي.كيه. بهاوميك كبير الاقتصاديين في ريلاينس اندستريز وهي اكبر شركة هندية "هذه الاعوام الستين كانت شاقة. وتابع، واجهنا كوارث عديدة ولكن شكلنا طبقة متوسطة وطبقة جديدة من رجال الاعمال والان يدير شبان هنود شركات عالمية."

ورغم النجاحات فان ظل الاستقلال سواء كان نابعا من مبدأ الاكتفاء الذاتي في الريف او الحمائية الاشتراكية التي استلهمها أول رئيس هندي جواهر لال نهرو من الفكر السوفيتي مازال يحوم حول الهند "الساطعة".

ويتوخي صناع القرار الذين ولد عدد كبير منهم قبل 1947 وتشبعوا بافكار اباء مؤسسين الحذر بشأن انفتاح أكبر للاقتصاد ويسيرون بخطى وئيدة لتعزيز اصلاحات السوق التي بدأت عام 1991. يقول منتقدون انهم كثيرا ما يبدون عدم ثقة بالاستثمار الاجنبي ويواصلون تغذية جهاز حكومي فاسد قام بتحريف المثل العليا للدولة الاشتراكية لنهرو ويهدد اصلاحات رامية للتحديث.

وتعجز الائتلافات الهشة في الهند والتي تدعمها عادة احزاب اقليمية او قائمة على اساس طائفي عن المضي قدما في تنفيذ اصلاحات صخمة خشية خسارة مساندة المواطنين. ومن المؤكد ان المستثمرين الاجانب يواجهون تحديات. وهو ما تعرضت له شركتان عالميتان عملاقتان هما وول مارت الامريكية لمتاجر التجزئة وشركة الاتصالات البريطانية فودافون.

وتهيمن متاجر الأحياء الصغيرة على قطاع التجزئة في الهند وحجمه 350 مليار دولار ويجد حزب المؤتمر الحاكم الذي يراس اتئلاف يمثل يسار الوسط صعوبة في تسهيل دخول الشركات القطاع دون ان يفقد الملايين عملهم.

ووقعت وول مارت صفقة ضخمة مع بهارتي انتربرايس ولكنها كانت ضحية الصراعات وقوبلت باحتجاجات في الشوارع. وهذا العام قال ارون سارين الرئيس التنفيذي لفودافون ان اماله بتغير البيروقراطية الهندية اهتزت نتيجة تحركات لعرقلة شراء شركته لشركة الاتصالات هوتشيسون ايسار بمبلغ 11 مليار دولار.

ومما لا شك فيه ان الاستقلال حقق نجاحات اذ يشير احد التقديرات لان الهند انتشلت عددا من السكان مساو لتعداد سكان اوروبا الغربية من الفقر منذ عام 1947. وهى الان تصدر المواد الغذائية والاطباء والامصال للغرب وحققت توسعا اقتصاديا قياسيا.

وتقول شركة مكينزي للاستشارات ان الطبقة المتوسطة وتعدادها 50 مليون نسمة قد تزيد عشر مرات بحلول عام 2025. ويقول ارون شوري الوزير السابق في ائتلاف قاده قوميون هندوس خسر انتخابات عام 2004 "كانت هناك موجتان من الاصلاح الاولى من 1991 الى عام 1993 والثانية من عام 1998 الى 2004."

وقال شوري الاقتصادي السابق في البنك الدولي "اتاحت الفترتان مساحة لنمو الشركات الخاصة والطبقة المتوسطة."

ولكن اذا ارادت الهند التحرر من الماضي فعلا فينبغي ان تضع اقدار شعبها اولا. وتتزايد فجوة الدخل بصفة خاصة بين الصفوة في الحضر وثلثي سكان الهند الذين يعيشون في قرى.

وقال ياشوانت سينها وزير المالية الاسبق في حقبة التسعينات " بدأنا مناقشة هذا الموضوع حتى قبل ان ننال الاستقلال." وتابع "تحقق الهند معدل نمو تسعة بالمئة او عشرة بالمئة وعلى الجانب الاخر لا توفر الضروريات الاساسية بشكل ملائم والجدل القديم بين النمو والتنمية اضحى امرا واقعا."

ويرى كثيرون تناقضا في اداء الحكومة فهي قادرة على اطلاق صواريخ الى الفضاء لكنها تقف عاجزة حين يوقف بيروقراطيون مشروعات اجتماعية بسبب خلاف بشأن لون القلم المستخدم في توقيع مذكرات هل هو احمر او اخضر. وينبغي ان يتغير هذا الوضع سريعا.

وتقول شيلا ديكشيت رئيسة وزراء نيودلهي "انتم في الغرب لديكم رفاهية اضاعة الوقت وبدأتم قبلنا بمئات السنوات. ليس لدينا هذه الرفاهية."

ما زال التأثير البريطاني قويا وحاضرا

وفي ركن لا ملامح مميزة له في نيودلهي تقبع تماثيل من الرخام الابيض وتماثيل نصفية لأفراد الأسرة المالكة ومسؤولين من بريطانيا ومن بينهم الملك جورج الخامس في متنزه مليء بالقاذورات والفضلات والنباتات البرية.

خلال الشهر أو الشهرين المقبلين تتخلى 13 مدينة وبلدة في جنوب الهند بينها مدينة بانجالور التي تشتهر بتكنولوجيا المعلومات عن أسمائها ذات الطابع الانجليزي وتعود الى أسماء أخرى محلية في أحدث سلسلة من الاماكن التي تحاول أن تدفن أسمائها التي تعود الى الحقبة الاستعمارية. بحسب رويترز.

وما زال التخلي عن رموز قرنين من الحكم البريطاني سياسة تلقى شعبية وان كانت تنم في بعض الاحيان عن التعصب القومي في الهند حتى بعد مضي 60 عاما على الاستقلال. لكن لم يكن من السهل على البلاد رسم مسار جديد تماما بما أن بعض المظاهر الاكثر صمودا من الموروث البريطاني أصبحت جزءا كبيرا من هويتها.

من الواضح أن اللغة الانجليزية تتصدر القائمة بما أن الهند تضم ما بين 300 مليون و400 مليون من المتحدثين بالانجليزية ويعتقد أنهم أكبر قومية في العالم تتحدث هذه اللغة.

وقال رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في كلمة في جامعة أوكسفورد التي درس بها بعد أن منح الدكتوراة الفخرية عام 2005 "كان يقال ان بريطانيا هي الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس." وأضاف "أخشى أننا مسؤولون نوعا ما عن جعل هذه المقولة قديمة." ومضى يقول "لكن اذا كانت هناك ظاهرة لا يمكن أن تغرب عنها الشمس فانها المتحدثون بالانجليزية في العالم.. الذين يمثل الافراد من أصول هندية أكبر عنصر فيهم."

وساعدت وراثة هذه اللغة الى جانب ما يصاحبها من نظام جامعي الهند على إفراز الملايين من المهندسين والمحاسبين المتحدثين بالانجليزية مما دفع بقطاع تكنولوجيا المعلومات في البلاد الى وسط الساحة العالمية وجعل الاقتصاد يجني مليارات الدولارات من الارباح.

وفي الوقت الراهن يتعلم الاطفال في المدن والبلدات الحروف الهجائية الانجليزية في الحضانات حتى قبل أن يبلغوا ثلاثة أعوام وقبل فترة طويلة حتى من تعلمهم كيفية القراءة أو الكتابة بلغاتهم الام. كما أن المؤرخين ينسبون الفضل الى العهد البريطاني في منح الهند فكرة سيادة القانون والديمقراطية البرلمانية والحكومة الدستورية وجهاز حكومي منظم وقوة الشرطة والنظام العسكري والقانوني أي باختصار كل المؤسسات الرئيسية التي تدير بلدا ما.

وقال مارك تالي وهو مدير سابق لمكتب هيئة الاذاعة البريطانية ( بي.بي.سي) في الهند ومؤلف بعض الكتب التي نالت استحسانا كبيرا عن الهند المعاصرة انه في حين أن هذه الاجهزة خدمت شبه القارة الهندية بشكل جيد بصفة عامة حتى أوائل القرن العشرين فان بعضها تحول الى أجهزة مستبدة فاسدة وغير فعالة ألقي عليها باللوم في الكثير من متاعب الهند.

وأضاف أن قوة الشرطة التي عرفت بفسادها على مستوى صغار الافراد ووحشيتها واستخدامها التعذيب والاعتياد على محاباة الحكومة خلال الحكم البريطاني ما زالت تعمل بنفس النمط والفكر. ومضى يقول ان الجهاز الاداري الهندي الذي حل محل جهاز المؤسسات الحكومية الهندية الذي كان يتمتع بقوة كبيرة يملك قدرا كبيرا من النفوذ في كل فرع تقريبا من الادارة ولكن الكثير من المسؤولين "يقومون بوظائف هم غير مؤهلين لها بأي حال على الاطلاق."

وظلت القوانين التي وضعت منذ عصر الاستعمار قائمة وتستغلها النخبة السياسية تماما كما كانت الحال في الحكم البريطاني. وهناك قوانين أخرى تخلت عنها بريطانيا منذ فترة طويلة مثل القانون الذي يجرم المثلية الجنسية لم تلغ أبدا في الهند.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10 أيلول/2007 -27/شعبان/1428