بعد الفشل الإداري.. خصخصة الجهد الإستخباري الامريكي

اعداد/ صباح جاسم

شبكة النبأ: في اجراء ملفت للنظر الى حد بعيد تقوم وزارة الدفاع الامريكية حاليا بخصخصة الجهد المعلوماتي والحربي من خلال التعامل مع شركات امريكية لرفدها بالمعلومات والبيانات التجسسية وكذلك القيام  بمهام نوعية في اماكن متفرقة من العالم. الامر الذي يفسر الاتجاه الجديد الذي تسلكه القوات الامريكية في التعامل مع افراد وجماعات مسلحة تعتبر عدوا لدودا لا يمكن الوثوق به والتعامل معه، ولكن يبدو ان للدولار تاثيرا بالغا حتى على مفاهيم (الجهاد الجديد).

ورُصد لأجل ذلك مئات الملايين من الدولارات، وبذلك تسجل كبرى وكالات البنتاجون التجسسية (وكالة الاستخبارات العسكرية) رقما قياسيا في مجال خصخصة النشاط الاستخباراتي.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست  Washington Post مؤخرا أن وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون تستعد لدفع ما يقارب المليار دولار لشركات خاصة ستكلف بمهام استخباراتية أساسية تشمل عمليات جمع وتحليل للمعلومات، على مدى السنوات الخمس المقبلة. بحسب موقع تقرير واشنطن.

وتعكس العقود المقترحة، حسبما تظهر في مذكرة حديثة عن خطط الوكالة، توسعا مطردا في النشاط الاستخباراتي لوزارة الدفاع مثلما تكرس التوجه المنهجي لدى إدارة بوش لنقل عمل الحكومة إلى متعاقدين وشركات خاصة.

تضاعف ميزانية مخابرات الدفاع

ومنذ العام 2000 تضاعفت قيمة العقود الفدرالية التي وقعتها جميع الوكالات سنويا لتبلغ 412 مليار دولار، وهو المبلغ الذي استأثر منه البنتاجون بالنصيب الأكبر وفق إحصائية صادرة عن الكونجرس في يونيو الماضي. وقد تزايد معدل نقل النشاط الاستخباراتي إلى جهات خاصة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي كشفت  إخفاق العديد من أجهزة الاستخبارات الأمريكية في الوفاء بالمتطلبات الجديدة منها.

ولم تحدد وكالة الاستخبارات العسكرية ما تريده بالضبط من المتعاقدين الجدد معها، لكنها أعلنت أنها تبحث عن فرق تنفذ "متطلبات عملية ومهام" تتضمن أنشطة "جمع معلومات وتحليل بيانات ووضع استراتيجيات وعمليات مساندة". وتشير الوكالة إلى احتمال التعاقد مع خمس شركات أو أكثر، كما وعدت بالكشف عن مزيد من التفاصيل في خلال أسابيع قليلة.

وتأتي هذه الخطوة بعد بضعة أشهر من إعلان مدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA  مايكل هايدن، استجابة لضغوط من الكونجرس، عن برنامج لتخفيض تعاقدات الوكالة مع جهات من الخارج بمقدار 10 بالمائة على الأقل. والحقيقة أن جهود الوكالة المبذولة جاءت إلى حد ما كنتيجة للفشل الإداري، حيث يستقيل المسئولون الحاملون للموافقة الأمنية "شهادة أمنية من الجهات المختصة يطلق عليها "Security Clearance"، وهو معيار من عدة درجات، يمنح حامله صلاحية الإطلاع علي بعض الوثائق السرية طبقا لمعيار هذه الشهادة"، من أجل الحصول على رواتب أعلى من المتعاقدين الحكوميين، دون القيام بمزيد من الأعمال. تلك الظاهرة التي أدت إلى شكوى المشرعين من إهدار العقود الاستخباراتية للأموال.

لذا كانت "الثورة" والغضب هما رد فعل النائبة الجمهورية عن ولاية إلينوي جان سكاكويسكي، عضوة الجنة الدائمة للاستخبارات بمجلس النواب، عندما علمت بتوجه وكالة الاستخبارات العسكرية. وفي حديث معها عبر الهاتف وصفت النائبة هذا الاتجاه بأنه شيء مثير للاهتمام حقا.

البداية مليار دولار

وقد نشرت وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع على موقعها الإلكتروني أن "التكلفة الإجمالية لإنجاز العمل المطلوب وفق هذه العقود سوف يتخطى المليار دولار، وأن هذا الرقم ما هو إلا رقم تقديري، لكنه ليس من المؤكد أن تتقدم الوكالة بهذه الطلبات". كذلك ذكر القائد تيرنس ساثرلاند، المتحدث باسم الوكالة، هذا الأسبوع أن "هذا العقد هو الأول من نوعه بالنسبة لعقود الوكالة التي تسعى خصيصا لتوفير تحليلات إستخباراتية، وخدمات أخرى ذات صلة". وقال إن الهدف الأساسي لهذا التوجه هو ضمان أن الدعم الخارجي الملائم قد أصبح جاهزا لمساندة الوكالة، إلى جانب الجيش، والبحرية، والمراكز الاستخباراتية التابعة لمشاة البحرية، والقوات الجوية، ومراكز القيادة العسكرية الموجودة عبر البحار.

أما سكاكويسكي، والنائب الجمهوري عن مدينة نيويورك دافيد إي برايس فقد قاما في شهر مايو الماضي برعاية تعديل لمشروع القرار الاستخباراتي للعام 2008 يطالب وزارة الدفاع بوضع قاعدة بيانات لجميع العقود التي أبرمتها ذات الصلة بالنشاط الاستخباراتي. وقالت سكاكويسكي إن الهدف هو مراقبة "ما يقوم به المتعاقدون، خاصة إذا ما كانوا يؤدون المهام الحكومية الأساسية". كذلك أشارت إلى أن بعض هذه الأنشطة في غاية الحساسية "حتى أنه في حال إنجازها، قد لا يكون من الملائم للحكومة التعاقد مع جهات خارجية بشأنها".

وقد تسآل برايس خلال الحديث عن وجوب مشاركة المتعاقدين في جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية، والاستجوابات، والعمليات السرية، أم أن هذه الأنشطة تبلغ من الحساسية الدرجة التي يجب معها "ألا يقوم بها سوى مهنيون من رجال المخابرات، على درجة عالية من التدريب". 

وفي بيان ألقاه يوم يوم الجمعة الماضي تسآل برايس ما إذا كان "العقد الممنوح يتناسب مع تعهد مدير الاستخبارات القومية، مايك مانويل بتخفيض حصة الحذر في الميزانية الاستخباراتية والتي تذهب إلى المتعاقدين الخصوصيين".

وتعد وكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع حجر الأساس في مجال الاستخبارات العسكرية الخارجية، ويعمل بها أكثر من 11.000 موظف عسكري ومدني في جميع أنحاء العالم، وتبلغ ميزانيتها ما يقارب المليار دولار. ولديها محللين من خدمات مختلفة، وكذلك من يقومون بجمع المعلومات عن الأشخاص بوحدة (هيومنت) بوزارة الدفاع. كما تدير هذه الوكالة مكاتب وزارة الدفاع الملحقة بالسفارات بشتى أنحاء العالم.

وقد أشار مسؤول إستخباراتي رفيع المستوى، طلب عدم الإفصاح عن هويته، إلى أنه على خلاف وكالة المخابرات المركزية، تتجه وكالة الاستخبارات العسكرية إلى خصخصة المواد التحليلة الرئيسية المعروفة بالتقارير الاستخباراتية من جميع المصادر.

من ناحية أخرى ذكر أمس مسؤول إستخباراتي كبير سابق في البنتاجون أن الوكالة تكافح من أجل إنجاز "العمل الإستخباراتي المتعمق الذي تتطلبه الظروف الحالية"، وذلك هو سبب إستعدادها لإبرام عقود للحصول على مساعدات خارجية. واستشهد بالجهود العسكرية في العراق لتوفير مصادر إستخباراتية بشرية للقوى التي تتغير سنويا. وأضاف أن "الوقت لا يتسع لتطوير مصادر عراقية حقيقية، جديرة بالثقة".

وأضاف المسؤول السابق أن الاستخبارات لم تكن المهنة المنشودة للضباط الذين يسعون للوصول إلى أعلى مناصب الجيش، الذي يفضل ضباط المشاه، والمدرعات، والقوات الخاصة حيث يؤدي هذا التميز إلى الترقيات وتولي المناصب العليا.

شرعية القطاع الخاص

وتطلبت حرب العراق إتفاق البنتاجون مع متعاقدين خارجيين لشغل الوظائف الأمنية، إلى جانب جمع المعلومات الاستخباراتية التي تستخدم في حماية القوى.

وفي وقت مبكر من هذا العام ذكر الجنرال أنتوني سي زيني، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية ، الذي يعمل حاليا كمستشار لمتعاقدين مع وزارة الدفاع، أن هناك دور شرعي للشركات الخاصة بالنسبة للمهام الأمنية. لكنه حذر من إحتمال ظهور بعض المشكلات عندما يقومون بأدوار شبه عسكرية، مثل تخطيط العمليات الاستخباراتية.

وفي التقرير الصادر في شهر يونيو حول قانون الميزانية الاستخباراتية للسنة المالية 2008، أشارت لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ إلى أن الكونجرس قد سمح بشغل وظائف في مجال الاستخبارات لتزيد بنسبة 20 بالمائة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. إلا أن كبار الموظفين أجبروا الوكالات على التحول إلى المتعاقدين.

وقد تسآلت اللجنة عن تكاليف استخدام المتعاقدين الإضافية، مستشهدة بتقدير يشير إلى أن تكلفة الموظفين المدنيين الحكوميين تبلغ حوالي 126.500 دولار سنويا، في حين تقدر التكلفة السنوية للمتعاقد الخاص، والتي تشمل المرتب والتأمينات حوالي 250.000 دولار.

ويتولى موظفون سابقون في وكالة المخابرات المركزية، ووكالة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع رئاسة العديد من الشركات التي توفر المتخصصين لهذه الوكالات. فعلى سبيل المثال عينت شركة أبراكساس، التي يديرها ضابط سابق بوكالة المخابرات المركزية، ما يزيد عن مائة موظف إستخباراتي سابق على مدار السنوات الست الماضية، ثم تعاقدت معهم نيابة عن الحكومة.

نتيجة لذلك فرضت وكالة المخابرات المركزية قانونا يقضي بأنه ليس بإمكان العاملين السابقين تأدية العمل مع متعاقد الوكالة خلال 18 شهرا من تركهم العمل بالوكالة. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 9 أيلول/2007 -26/شعبان/1428