النزوح والتهجير نتوءات حادة في الطريق الى عراق موحد

عدسة وتحقيق:عصام حاكم

 شبكة النبأ: لم تعد ذاكرة الزمن كسابق عهدها تستشيط غضبا حيال العتاة الاولين، لا سيما في ظل عالمنا  اليوم وهو يستعرض الوان الجنون والفنون في أنساق الجريمة المنظمة، فضلا عن كونهم باتوا يذكون ضروب جديدة لتصل الى حد ألابتكار او ألاختراع ليتسنى لهم من خلالها التبجح أو التطاول على أشد الحيوانات فتكا كقطع الرؤوس وإلغام الجثث  وسمل العيون وتقطيع الأعضاء البشرية بالمناشير وثقب الرأس واليدين بالدريل أي( المثقب)، واخر ما توصلت اليه فنون الارهاب هو استخدام مادة (السيكوتين) تلك المادة الصمغية، ليتسنى لهم من خلالها سد او إغلاق كل مجاري التنفس عند الانسان ليموت خنقا!!، واساليب أخرى يندى لها جبين الحيوانات والغانيات على حد واحد.

ولسنا هنا بصدد استعراض الوان القتل المنهجي لزمرة القاعدة الوهابية في العراق ومن لف لفها ومضى تحت رايتها يمزق الوطن، بقدر ما يتعلق  الأمر بتلك الظاهرة القديمة الجديدة على واقعنا المعاصر الا وهي ظاهرة التهجير القسري.

وللوقوف عند حيثيات وابعاد هذه الظاهرة والنتائج المترتبة ازاءها كان لمراسل(شبكة النبأ المعلوماتية) هذا الحوار مع بعض العوائل المهجرة علنا نصيب نسق يسير من عنوان الحقيقة الغافيه تحت وطأة الجهاد والمجهادين.

ظاهرة التهجير لم تكن من فيض القراءات المستجدة

أول من تحدثنا اليه المواطن(حسن جاهل) وهو مهجر من بغداد  وبالتحديد من منطقة سبع البور، حيث قال: ما من شك بأن ظاهرة التهجير لم تكن من فيض القراءات المستجدة بل هي نتاج أكيد أو أمتداد طبيعي لمفهوم تلك الثقافة المتجذرة في عمق التاريخ الأسلامي وهي تكاد أن تعيد للأذهان تلك التجربة التي طالعتنا بها صفحات التاريخ أيام البعثه النبويه الشريفة وما تعرض له المسلمين انذاك من الوان  التنكيل والقتل واساليب مصادرة الأموال والأعراض في الهجرتين الأولى والثانية وربما يمر العراقيين اليوم بالتجربة ذاتها الا وهي الهجرة الثالثه.

 أذن نحن امام ثقافة قديمة قدم التاريخ الأسلامي، فبالتأكيد هناك أستراتيجية أو تنسيق عالي يحاول ان يقارب المسافات بين الفكر الوهابي هذه الأيام وبين ما جاء به المشركين أيام الرسالة المحمدية المطهرة، لا سيما وان أوجه التشابه في السلوك والتصرف  يكاد ان يتطابق من خلال حرق البيوت وقتل من فيها ومصادرة الدور، من هنا تشير كل الدلائل والشواهد بأن منظمة القاعدة الارهابية هي أمتداد طبيعي لأولئك  الملحدين أيام البعثية النبوية الشريفة.

يستهدفون الصغارقبل الكبار ليرسمو لوحة الاسلام الجديد

ومن ثم أنتقلنا الى الحاج(أبوعلي)، قال لـ(شبكة النبأ): لا أستطيع أن أدرك بشاعة القصص التي مررنا بها في مدينة الدورة ببغداد فأني فقدت أحد أشقائي ومن ثم هددوني بمغادرة الدار من دون أن أصطحب معي أي غرض من أغراض البيت، وان لم أفعل ذلك فسوف يحرقون البيت ومن فيه حسب أدعاءهم، وأستجابة لنداء الأهل والأقارب غادرت بيتي عن مضض.

 ولكن ثق هناك صور عدة لو تسنى لليهودي أن يشاهدها لكفر بكل الأديان، ومن ضمن هذا الفيض من الصور والأحداث هناك عائلة فقدت طفل صغير لها وعند العشاء طرق أحد الأشخاص الباب عليهم ليقدم لهم طبق فيه عشاء ومغطى وعندما كشفوا عن الإناء وجدوا رأس الطفل المفقود في الطبق، فتصور ما أبشع هؤلاء (التكفيريين المجاهدين) وما أقسى ذلك الجهاد الذي شوه صورة الاسلام ايما تشويه، وهو يستهدف الصغار قبل الكبار ليرسمو به لوحة إسلام جديد.

 ولكن ورغم  كل تلك الماسي فأني أحمل الحكومة مسؤولية هؤلاء الأبرياء فنحن منذ اربعة اعوام مضت ونحن نسمع عبر وسائل الأعلام بأن كم هائل من الإرهابين أستطاعت قوى الأمن أن تقبض عليهم ولكن بالمقابل ليس هناك رادع حقيقي لهؤلاء المجرمين بل على العكس فانهم يعيشون في ظروف أفضل مليون مرة من وضع المواطن العراقي المظلوم فهم يعاملون معاملة السفراء الأجانب ويأكلون وكأنهم في مطاعم الخمس نجوم، وبالمحصلة لا تطالهم عقوبة الأعدام في ظل محاكمنا التي يتملكها نظام الشفافية العالية فهنيئا لكل المجرمين في سجون العراق، وهناك دعوه لكل المسؤولين أن يحسبوا الشعب العراقي في قائمة الأرهاب كي يتسنى لهم العيش برخاء كسواهم من أرهابيي البعث والقاعدة.

نحن ننتظر القدر الالهي

الا أن(حسين كريم) وهو مهجر من تلعفر الواقعة شمال العراق، قال لـ(شبكة النبأ): لا يتسنى لي أن أعاتب الحيوانات والوحوش الكاسره على قسوتها او شدع ضراوتها، بل يلهمني العقل أن أخاطب العقلاء وأسئلهم، من لهؤلاء الأبرياء الذي يذهبوا ضحية هؤلاء القتلة؟ فأني على سبيل المثال جئت الى كربلاء ولا أملك قوت يومي فكيف يتسنى لي أن أعيل عائلتي المكونه من خمسة أفراد، فليس لدينا راتب شهري  يمنحنا فرصة ضئيله من ألامل ولا نمتلك بطاقة تموينيه نقتات عليها.

 أذن نحن أمام كارثة حقيقية تنذر بالهلاك لهذه العائله، فأين المفر في ضمن هذا الحلقة المفرغة من أدوات الروتين المنقسم على ذاته بين دوائر الضمان والتجارة ووزارة الهجرة والمهجرين والبلدية، وفي نهاية الامر نحن ننتظر القدر الالهي أن يعجل بنا قبل أن نتحول الى مصير أخر.

ما بقى لدينا سوى الله

أما الأخت(أم نادية) وهي مهجرة من محافظة ديالى ناحية أبو صيدا، حيث قالت لـ(شبكة النبأ): ماذا عساي أقول أو أتحدث وأنا مقحمه في وسط تلك الظروف التي تهد الجبال بقسوتها، علما بأني أمراة وفي وسط شرقي وتصرفات المرأه محسوبه كأنفاسها وانت تعلم بذلك أكثر مني، فضلا عن ذلك أني مبتليه بأربعة أطفال صغار من زوجي الشهيد الذي طالته أيادي الأرهاب في وضح النهار، وليت الامر ينتهي عن هذا الحد بل حتى الدراسة الأبتدائية التي كان الأطفال يذهبون اليها ذهبت أدراج الرياح في تلك الظروف وهم لا يستطيعون بالتاكيد على العمل لصغر سنهم؟ فماذا أفعل، في هذه الظروف الصعبة وليست لدينا منحة نعتاش منها وليس لدينا مأوى نذهب اليه وليست لدينا بطاقة تموينية، ولكن ما بقى لدينا سوى الله سبحانه وتعالى وبعض المنظمات الأنسانية والدينية التي تمنحنا معونات بسيطة ومتواضعة وهي تتراوح بين الخمسة وعشرين الف دينار او أكثر قليلا وبعض المساعدات الغذائية التي تصلنا عن طريق جمعية الهلال الأحمر في كربلاء.

 ولكن يبقى السؤال هو سيد الموقف هل يكفي هذا الامر لعائله مكونه من خمسة أفراد يا أصحاب النفوس والظمائر الحي’. 

كيف حال تلك العوائل التي أبتُليت بالوان العذاب 

أما محطتنا التالية فكانت مع الحاجة(أم رسول) لتحدثنا هي الأخرى عن ما الت اليه أوضاع المهجرين في داخل القطر، حيث قالت: أني لأعجب هذه الأيام من سلوك المؤسسات الحكومية فهي تكاد أن  تحذو حذو هؤلاء المجرمين القتله، وأخص بالذكر ما جاء على لسان البرلمان العراقي وهو يناقش من دون هواده وضع المهجرين خارج العراق ومن دون أن يتسنى له عن طريق الخطأ أن يتعرض الى حال المهجرين في الداخل  علما بانهم يعلمون علم اليقين بأن مهجري الخارج هم أفضل ملايين المرات من أولئك العراقيين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة  وهم لا يستطيعون ان يوفروا لأنفسهم فتات الموائد.

 فما بالك بالذين يذهبون الى مصر او الأردن او سوريا فبالتاكيد يمتلكون من المال الشىء الكثير، وفي نهاية حديثي اتمنى على دولة رئيس الوزراء ان ينظر بعين الرحمة والرأفة الى مصير هذه العوائل التي بتليت بالوان العذابات وان يكون اليد الحانيه التي ترفع الظيم والحيف عن وجوه هؤلاء الأبرياء وتمنحهم فرصة الأبتسامة ولو للحظة بسيطة.

 ومن ثم أنتقلنا الى أحد منتسبي دائرة الهجرة والمهجرين، ليحدثنا قائلا:  لايتسنى لي لوم من لحقه حيف التهجير فهو بالتاكيد يعاني أشد العناء من خلال ما تعرض من أساليب القهر والتجاوز على داره وممتلكاته  وربما يصل الامر الى حد التجاوز على عائلته برمتها، ولكن هناك جملة معطيات لا يدركها المواطن  وهي تتضمن بأن وزارة الهجرة والمهجرين هي وزارة فتية ولا تمتلك كادر يستوعب هذا الكم الهائل من المهجرين، فنحن اليوم بصدد مهام أكبر من أمكانات الوزارة، فضلا عن ذلك فثمة الية محددة هي التي تحكم عمل الوزارة.

 فعلى سبيل المثال في كربلاء أكثر من ثلاثة عشر الف عائلة مهجرة رسميا وربما هناك عدد لم يتسنى لنا رصده، ولكن في المقابل هناك عدة قوانين تحرص على عدم منح صفة التهجير عنوان دائم بل هناك توجه لدى الحكومة المركزية ان تجعل من تلك ظاهرة سمه مؤقته تقترن بظروف البلد الامنية، اذن نحن أمام مهمة صعبة للغاية حيث لايتسنى لنا في الفترة الحالية  القدرة على التعامل مع الواقع الراهن، ورغم كل ما أشرنا اليه أستطاعت الوزارة ان تدرك بعض المميزات من خلال تخصيص قطع أراضي لبعض العوائل المهجرة في فترات سابقة  بالأضافة الى المنحة التي خصصها دولة رئيس الوزراء للعوائل المهجرة رغم ما يعترض هذا المنحه من بعض الأشكالات.

 ولكن بالتاكيد كل هذه الحلول لن تكون مجديه في ظل تفاقم الوضع الأمني، وتصاعد حالة التهجير وغياب سلطة القانون، وبين كل تلك الإخفاقات يبقى الزمن والواقع الأمني هو العنوان الأبرز في حل كل متطلبات الواقع العراقي بكل مكوناته الأجتماعية.

ومن هنا تتضح كل الدلائل والمؤشرات بأن ظاهرة التهجير لم تكن وليدة  التو واللحظة بل هي أمتداد طبيعي الى الماضي السحيق وهي ثقافة أستطاعت أن تفرض نفسها على التوجه المتطرف الجديد المتمثل بالفكر التكفيري الوهابي، لذا يجب على الجميع أن يتحمل مسؤولية القضاء او الحد من تلك الظاهرة الخطرة عن طريق رص الصف ومحاولة الوقوف بجانب العوائل المهجرة لتجاوز هذه المحن’، والا تمسي تلك الثقافة منهاج يصعب التكهن بنتائجه على المدى المتوسط والبعيد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6 أيلول/2007 -23/شعبان/1428