الشراكة السياسية ودورها في انجاح

العملية السياسية بالعراق

أحمد عبد الأمير الأنباري

 جامعة بغداد 

يهدف هذا المقال الى تاكيد فكرة نؤمن بها مفادها ، ان السبيل الافضل  للخروج من الازمات التي يشهدها العراق هو المشاركة الجماعية لجميع ابناء الشعب العراقي في تجاوز الوضع السيء الذي يشهده العراق والانتقال به الى وضع مرض لهذا الشعب. وهذه المشاركة متاحة للجميع على اساس عراقيتهم فقط ، ودون النظر الى انتمائهم القومي ، السياسي ، الديني او الطائفي . وليس لاحد ان ينتظر الدعوة من الحكومة او اي طرف اخر ليشارك في بناء العراق الجديد ، بل ان كل عراقي عليه ان يتحمل المسوؤلية تجاه بلده وينهض بما يجب عليه عمله . 

فاليوم نجد ان الساحة العراقية تشهد حالة  من عدم الاستقرار والاداء المضطرب لمؤسسات الدولة وكذلك للمؤسسات غير الحكومية العاملة في في هذه الساحة . ولهذه الحالة انعكاساتها على مجمل الحالة العراقية وعلى حياة المواطن العراقي في المرحلة الراهنة وكذلك القادم من الايام . 

ومن غير الانصاف ان نعتبر ان هناك طرف يقع عليه التقصير ونطلب منه ان يعمل لمعالجة هذا الوضع السيء ، بل ان الانصاف يحتم علينا القول بان الجميع يتحمل جزء من التقصير وجزء من المسؤلية لمعالجة هذه الحالة . تبعاً لذلك لايمكن مطالبة حكومة السيد المالكي  ان تغير الاوضاع بين يوم واخر وكانها تمتلك عصا سحرية ، فمثل هذا التغيير يتطلب تظافر كافة الجهود من حكومة ، رئاسة ، مجلس النواب ، الاحزاب والقوى السياسية خارج التشكيلة الحكومية والبرلمانية  ، فضلاً عن الجهد الجماهيري . 

واهمية هذه المرحلة تكمن في ان نتائجها وامتداداتها لاتقتصر على الحاضر حسب ، بل ان هذه النتائج والانعكاسات تمتد للمرحلة القادمة وتحدد الكثير من مسارات المستقبل . 

في ضوء ما تقدم ، فان الدعوة مقدمة للجميع للمشاركة في بناء العراق الجديد ، وهي حق مكفول لكل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم القومي ، الديني ، الطائفي وكذلك انتمائهم السياسي . ان اهمية مشاركة الجميع في العملية السياسية تتاتى من ضرورة ان ينهض كل فرد بجزء من المسؤلية وان يكون له دور في عملية البناء الجديد كون هذه العملية تتطلب تظافر كافة الجهود الوطنية لنجاحها من جهة ، ومن جهة اخرى ان كل فرد يشترك في هذه العملية سيكون جزء منها وبالتالي سيدافع بقوة عن استمرارها وتطويرها . 

فالتحديات عديدة ومن الصعوبة الحديث عن حلول سريعة لهذه التحديات . فالوضع الاقتصادي في العراق ليس بموضع حسد ، حيث البطالة مرتفعة  وبنسب مخيفة ، والوظائف التي وفرتها الدولة والتي من الممكن ان توفرها لاتحل الا جزء من المشكلة . اما المستوى المعاشي للمواطن فهو متدني والغالبية من الشعب يحصلون على دخل لايكفل لهم الحدود الدنيا من العيش الكريم . والحركة الاقتصادية في عموم البلاد تعاني من الركود ، فضلاً عن ملف اعادة اعمار العراق والذي من الممكن في حال البدء بها ان تحسن الوضع الاقتصادي ، لم يطرأ عليه تقدم يذكر . التحسن الوحيد حدث في مستوى دخل الموظفين والمتقاعدين وهو تحسن نسبي مقارنة بمستوى دخلهم للفترة السابقة على 9/4/2003 . ولكن بالقياس مع دخل الموظفين والمتقاعدين في دول الجوار ، فانه دون مستوى الطموح وكذلك الحال اذا ما قورن بالاحتياجات اليومية للمواطن العراقي وغلاء المعيشة . 

اما الوضع الامني ، فاليوم اكثر من اي وقت مضى اصبح الملف الامني الشغل الشاغل للمواطن العراقي وبشكل متزايد اخذ هذا الملف يحتل مركز الصدارة في اولويات هذا المواطن الذي يمني النفس ولو ببادرة امل تبعث في نفسه امكانية حل هذه المشكلة . ومما يزيد في تعقيد هذه الحالة هي الاوضاع الاقتصادية المتدهورة وعدم وجود فرص عمل تدفع بالعديد ممن لم يحصلوا على فرصة للعمل للانجراف نحو ارتكاب الجريمة ،  وتدفع باخرين للتمرد على الوضع الحالي في محاولة لتغييره لصالحهم . 

وفي قراءة للوضع السياسي يتبين بانه ليس بافضل من سابقيه ، فهناك الكثير من الاحزاب والحركات السياسية الموجودة اليوم في الساحة العراقية وكل منها يهدف الى تحقيق برنامجه السياسي الذي هو بالتاكيد يختلف عن غيره من برامج الاحزاب الاخرى . واذا كانت هذه المسالة يمكن قبولها فان الاتفاق على سياسة عليا ومسارات ثابتة ( ثبات نسبي ) لايمكن الحياد عنها بوصول هذا الحزب او ذاك هي مسالة مطلوبة  وهي غير متحققة اليوم في العراق . فهذه الاحزاب تمتلك رؤى مختلفة حول قضايا عديدة مثل نوع النظام السياسي في العراق وشكل الدولة وكذلك مستقبل العراق السياسي والاقتصادي ، فضلاً عن تحديد الصلاحيات . كما ان التنافس بين هذه الاحزاب يقلل من فاعليتها ويعمل على اشغال جزء مهم من طاقاتها في هذا التنافس . وبالتالي فانها تنشغل بهدف تحقيق التفوق على الاخرين والوصول الى السلطة ، عن هدف اسمى وهو العمل من اجل تحقيق المصلحة العليا للعراق وشعبه . 

في ضوء ما تقدم ، فان التحديات التي تواجه العراق في هذه المرحلة والمرحلة القادمة هي تحديات كبيرة وتتطلب جهود الجميع لمواجهتها والتغلب عليها . ومن اجل توظيف كل الجهود الوطنية للمشاركة في عملية البناء للعراق الجديد لابد من اشراكهم في العملية السياسية وفسح المجال لجميع الاحزاب والحركات والقوى السياسية للتنافس دون وضع القيود امام جهة معينة او حزب معين لتقليل فرصه ، او منح تسهيلات لحزب دون غيره لزيادة فرص نجاحه . بمعنى اخر، ان منح الجميع فرص متساوية ومتكافئة ، من شانه انجاح عملية التحول الديمقراطي في العراق وانجاح العملية السياسية . والمشاركة لاتعني فقط الاشتراك في الحكومة ، بل هناك مشاركة اسمى الا وهي العمل كمعارضة في مجلس النواب والتي اسس لها التيار الصدري وكان موفقا في هذا التاسيس الذي من شانه _ في حال اهتدت القوى والاحزاب السياسية الاخرى به _ ان يقضي على مسالة المحاصصة في تشكيل الحكومة . غير ان المعارضة المطلوبة هي المعارضة الايجابية الساندة للحكومة كالكتلة الصدرية فيمجلس النواب ،وليس المعارضة التي تنتظر ان تخطأ الحكومة لكي تسقطها وتشهر بها ، انما المعارضة التي تعين الحكومة على انجاز اعمالها من خلال رصد اخطاء الحكومة وتنبيهها على هذه الاخطاء وربما تقديم الحلول للحكومة لمعالجة هذه الاخطاء . ان مثل هذه الروحية والتفاني في خدمة الشعب العراقي هي المطلوبة الان  واكثر من اي وقت مضى . 

ولعل اصرار الحكومة والكتل النيابية الكبرى في مجلس النواب وحرصهما على مشاركة الجميع في العملية السياسية  هي بادرة خير وتبعث الامل في النفس كونها تمثل خطوة في الطريق الصحيح . غير ان هذا لاينبغي ان يفهم على نحو خاطئ ، بان يتصور طرف معين ان عدم مشاركته في العملية السياسية يعني فشلها . ان مثل هذا التصور يضعنا في الجانب الخاطئ وابعد ما نكون عن الصواب ، فمسيرة الحرية والديمقراطية بدأت في العراق ولن تتوقف ومشاركة الجميع سوف تسهم في تجاوز ما يعترضها من معوقات بشكل اسرع مما لو كان هناك اطراف غير مشاركين فيها ، ولكن يقيناً ان النجاح سوف يكون قدر العراقيين والى الابد ان شاء الله . 

ان الانتخابات التي جرت في العراق سجلت نجاحات كبيرة ليس على مستوى العراق فحسب ، بل امتدت لتسجل نصراً ضد كل انظمة التمديد والتوريث . فلنا ان نفتخر بها ونعمل جميعاً لاستمرار نجاحها ،  ونجاح التحول الديمقراطي  والعملية السياسية الجارية الان في العراق .

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21 آب/2007 -7/شعبان/1428