سقوط النظـام العربي وإنهيار منظومة الاستبداد

بقلم: د. وليد سعيد البياتي

توطئة تاريخية:

    منذ البدء سعت الدولة الاموية الى ايجاد حالة من الفصل بين الانسان والعقيدة، في طريق تكريسها نظرية فصل الدين عن الدولة، فملوك بني امية مع انهم اصبحو ملوكا باسم الدين، إلا انهم لم يكونوا فقهاء على العكس من خلفاء العصر الاول الذين امتلك بعضهم فقها غير عليا عليه السلام، باب مدينة العلم، فالثلاثة الذين ادعو الخلافة ملكوا بعض العلم غير انهم لم يجاروا وصي الرسالة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فكانوا يرجعون اليه في عويص مسائلهم وعظيم مشكلاتهم فكان مجيبا للمسألات، وحلالا للمشكلات، بما وهبه الله من علم لدني، وولاية كلية، وبما طهره وأذهب عنه الرجس. ففي تلك المرحلة كان الترابط بين الدين والدولة، ترابطا موضوعيا يرتكزعلى اسس الشريعة. لكن معاوية ارادها دولة ملكية، فجعلها وراثية مما افقد الدولة شرعيتها الدينية، ففقدت قدسية ان تكون دولة اسلامية وإن تلبست بلباس الاسلام.

 لقد جاء الاسلام ليعيد تنظيم العلاقة بين الانسان والوعي، فكان الاتجاه المعرفي سبيلا للارتقاء بالعقل وللخروج به من حالة الجمود باتجاه المعرفة الكلية، وهذه المعرفة لم تتخذ شكلا عرقيا او قبليا، بل أنها اتصفت بالشمولية نوعا وكما وجنسا. لقد برهن الاسلام كشريعة خاتم على ان الاتجاه المعرفي لايتحدد بالاطر الوضعية بل ان الوحي يمثل الاصل المعرفي في علاقة الانسان بالسماء، ومن هنا فان نظرية الجعل الالهي ترتكز على أسس الوحي، ومن هنا يفترض بالحاكم ان يكون عالما. لاشك ان الانظمة العربية الحالية تمثل الشكل اللامتناهي للانحطاط الفكري والسياسي، فكل المجاميع السياسية الحاكمة حاليا لاتمثل الحد الادنى من تطلعات رجل الانسان الذي هو ليس فقط الباحث عن لقمة العيش في ظل الامن، والنظام، ولكن الباحث عن القيادة التي ترتكز على اسس عقلانية ومنطقية كما هي واقعية، لتنتقل بالانسان الى مرحلة تحقيق الحل في الخلافة على الارض.

الاتجاهات الاستبدادية في النظام العربي الحالي:

     تذهب الانظمة العربية الحالية الى تكريس الاشكال القبلية سواء في الحكم كما في الحكم الملكي ( السعودية، الاردن، المغرب وامراء الخليج) وهو حكم وراثي وفق مناهج الحكم الملكية المعروفة، وحكم الجمهوريات الملكية وهو ماكان يسعى اليه صدام في العراق، وحققه الاسد في سوريا، ويسعى اليه الان كل من القذافي، مبارك وعبد الله صالح. فالاستبداد يعد جزءا ظاهرا في عقيدة الحكم الملكي، باعتباره حكما وراثيا لاتتدخل المصلحة العامة في اختيار الملك، وهو يحمل في طياته رفضا للموقف الشعبي الذي يجد نفسه مضطرا لقبول الملك المرشح اصلا من قبل الملك السابق، وحيث ان هذه الفكرة تعني بالتالي ضمان بقاء الثروة و سدة الحكم بيد العائلة الحاكمة، فقد سعت بعض الجمهوريات العربية الحالية الى تبني نفس الموقف الملكي حتى صاروا ملوكا اكثر من الملك. لاشك ان الحفاظ على الثروة سيعني الحاجة الى الدخول في تحالفات مع كل الاطراف التي تهتم ببقاء هذه الثروات بيد مجموعة معينة ومحددة من البشر. من جانب آخر فان الانظمة العربية الحالية سعت منذ البداية الى تكريس الشكل القبلي في الاتجاهات الفكرية والعقائدية والى إستغلال الفكر الديني كغطاء يقدم موقفا شرعيا في الاستمرار، فنجد ظهور شخصيات ادعت الامامة الدينية كسعود بن عبد العزيز آل سعود (ت 1818) من اجل فرض الهيمنة الدينية والسياسية على العشائر المتناثرة، ثم التحضير للانتقال من مرحلة تشكيل الوعي الجمعي وفق مديات ضيقة، الى مرحلة اخضاعه لتنفيذ عقيدة الاستبداد. لايمكن انكار نجاح الغطاء الديني في مرحلة تاريخية معينة بعد ان تم شل العقل الجمعي وتوجيه الوعي القبلي باتجاه مفاهيم الجهاد التي طرحت في حينها لتبرير استمرار الغزو القبلي وقتل الاخر. من هنا نجد ذلك التماهي بين الاشكال الاستبدادية لنظام الحكم السعودي كمثال عن الانظمة العربية، وبين العقيدة الاستبدادية في الفكر الوهابي الذي يدعو الى تكفير الاخر (خاصة الفكر الشيعي)، فحدث تزاوج بين العقيدتين الاستبداديتين لكل من ابن سعود، وابن عبد الوهاب مما ادرى الى ظهور منهج استبدادي لم يعرف له التاريخ مثيلا.

إن النجاح المؤقت للتجربة الاستبدادية لال سعود في الجزيرة العربية دفع الغرب الى ايجاد محاولات اخرى لتكرار التجربة في مناطق مححدة من الوطن العربي، ولو عن طريق عدد من الجمهوريات التي سستحول عبر حركة التاريخ الى جمهوريات ملكية كما يحدث الان. وفي ضوء هذه المعطيات فان الاتجاهات الاستبدادية تتمظهر بالاشكال التالية:

1-     إتجاهات استبدادية سياسية: تتمثل في الحكم القبلي اوالعائلي.

2-     إتجاهات استبدادية ذات خلفيات تدعي انها دينية وعقائدية.

3-     إتجاهات استبدادية اقتصادية: تنحو منحى حصر الثروات بيد مجموعة محددة من البشر.

4-     اتجاهات استبدادية ثقافية: تعمل على شل الوعي الجمعي وتوجيهه بشكل يخدم الحاكم.

5-     اتجاهات استبدادية اجتماعية: تظهر في نشر فكر اجتماعي يتبنى قيما منحطة تقدم على انها مثل عليا. 

السقوط وفشل النظام العربي:

     تكشف البحوث التاريخية في نشأة الانظمة العربية الحالية ارتباط هذه الاخيرة بالسياسة الغربية التي كانت العامل الاول في إيجاد هذه الانظمة وإستمرار بقائها، وذلك الى جانب فشل العقل الجمعي في ايجاد مخرج للتخلص منها. بالطبع لايمكن انكار قيام بعض الثورات والانقلابات العسكرية هنا وهناك، لكنها ومن الناحية التاريخية كلها مرتبطة باطراف غربية قد تناقض الاطراف الغربية الاخرى الموجدة للانظمة العربية، وبالتالي فاي تغيير سياسي كان سيعني تغييرا من الخارج ( مثال الحكم الملكي في العراق فقد كان تحت الرعاية البريطانية والانقلابات العسكرية التي تلته جائت تحت رعاية شرقية مرة وغربية مرات اخرى حتى اعترف البعث انه جاء بالقطار الامريكي). لقد سعى العرب الى تدارك هذه الفشل بتشكيل ذلك المسخ الذي بات يعرف باسم الجامعة العربية والتي لم تكن في يوما من الايام إسما على مسمى، بل انها لم تقدم للعقل العربي شيئا يمكن له ان يعتمد عليه في عملية التطور، فالجامعة العربية لم تمثل يوما مصالح الانسان العربي المسلم او غير المسلم، بل انها لم تكن يوما ممثلة للحس العربي او الاسلامي، فالجامعة العربية كيان فاسد يخدم شلة الحكام، بل انه اقرب الى مقهى يلتقي فيه الحكام لبحث المزيد من مناهج احباط الانسان العربي وتقويض احلامة من اجل بقاء العروش اطول فترة ممكنة على حساب دماء واعراض وعقول الانسان الذي يفترض انه عربي،  وانه من جاء بهذه الحثالة الى الحكم.

فمنذ قرون والهوة بين الحاكم والمحكوم تتسع حتى اصبح اللقاء مستحيلا، وحتى صار من الضروري ان يتحرك الانسان للاطاحة بكومة العفن هذه، فالهوة بين الفقر والغنى في دول الخليج ولاسيما السعودية ( ارض الجزيرة العربية) لايمكن ردمها بمليارات الدولارات التي تذهب صفقات لصالح الولايات المتحدة، ناهيك عن العمولات التي تحشى بها جيوب الامراء والمتنفذين للاستمرار في مسالك الخيانة وللقضاء على ما تبقى من عقل عربي اسلامي، فشلة الحكام لا تمثل المنهج الحضاري للطموح الانساني الحالي، فالتاريخ لن يذكر آل سعود إلا كما يذكر صدام بمنهجة الدكتاتوري الاستبدادي، لقد انغمس حكام آل سعود بالعهر السياسي، وتركوا امر الدين لحفنة من الشواذ من انصاف الرجال ومن الجهال ليديروا الفكر الديني كما تدار بيوتات البغاء، وليصبح الدين لعقة على الافواه كما كان ايام سيدهم معاوية وابنه يزيد، وكما هو ابدا عندما يتولى السلطة اولاد الزنى وابناء العواهر، لقد سقط النظام العربي لانه تخلى عن عروبته اولا، ولانه اتبع الفكر الصهيوني ثانيا، ولانه وليس آخرا تخلى نهائيا عن العقيدة الالهية، فلم تعد ثمة اواصر بين الحاكم العربي والله، وبالتالي فهو لايمثل عقيدة الجعل الالهي.

 لقد استبدل الحاكم العربي نظرة الشفقة والرحمة تجاه المواطن بالسوط، والكلمة بالرصاصة، والمحاورة لاسجن والاعتقال، وبدل ان يستورد خبراء في مناهج التعليم استورد خبراء في مسالك التعذيب والقهر، وصرفت المليارات من اجل بقاء الحكام على عروشهم عوضا عن ان تصرف في تطوير مناهج ازالة الفقر، والخروج بالانسان من مرحلة النفي والابعاد الى مرحلة المشاركة. لقد كانت وما زالت الجامعة العربية مجرد مقهى لشلة الحكام بل انها اشبه بـ (غرزة – على رأي المثل المصري - ) حيث تصدر القرارات تافهة وغير مجدية بسبب ان الحكام كانوا او كما هم قد اصدروها وهم في حالة النشوة من اثر الحشيش وحبوب الهلوسة، ولهذا انصح شرطة مكافحة المخدرات ان تقوم بتفتيش مباني الجامعة العربية في مصر.

* المملكة المتحدة – لندن

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21 آب/2007 -7/شعبان/1428