الحرم المكي المقدس وعتمة العملاق الكونكريتي

شبكة النبأ: ان البترو دولار المتنامي بقوة هائلة في السعودية بدا يتمطى مثل مارد لايحسب لموطئ اقدامه حساب، فقد كانت سطوته على الاماكن المقدسة ليفرش ضلال جبروته عليها، حيث تطاولت كتل الكونكريت العملاقة ورفعت اعناقها الى السماء مكللة بالزجاج اللامع في كل اتجاه ومكتسية بالمرمر الملون وهي تحيط بالمدينة المقدسة بمسافة قليلة جدا مما يجعل الرائي من فوق ابراج تلك البنايات العملاقة ان الحرم المكي يبدو ملتصقا بالارض وكأنه يغوص فيها.

ورغم أن مكة تعتبر البقعة الاقدس عند المسلمين، إلا أنها باتت محط هجوم كبير من قبل فئتين من الناس، وهم رجال المال والأعمال بالإضافة إلى الحِجاج، نظراً لما يشكله موسم الحج من فرصة لتحقيق الربح الكبير والسريع.

ونظراً لذلك فقد اختلفت معالم المدينة المقدسة كثيراً عما كانت عليه في زمن البعثة النبوية وما بعدها، ويقوم عمال الإنشاءات ببناء البنايات والأبراج الحديثة ذات الواجهات الزجاجية والرخامية التي باتت تطغى على الكعبة وتحيط بها من كل جانب، وفقاً للأسوشيتد برس.

وإلى جانب ذلك، تجد المسلمين الملتزمين، الذين يتوجهون إلى الكعبة في صلواتهم الخمس يومياً، يواصلون أعمالهم، كما كانوا يفعلون طوال حياتهم ومنذ عقود.

وبعض المتزمتين من هؤلاء، يمارس عمله الاعتيادي في تحطيم كل العلامات والمؤشرات التي يقولون إنها تشجع عبادة الأوثان بدلاً من عبادة الله.

ونتيجة لذلك، يشتكي البعض من أن مسلمي المدينة غير الملتزمين وأصحاب رؤوس الأموال يسرقون تاريخ المدينة وآثارها.

يقول أحد المهندسين المعماريين السعوديين: بالنسبة لي، فإن مكة ليست مدينة، إنها حرم مقدس.. إنها مكان للتنوع والتسامح.. لكن لسوء الحظ، فهي ليست شيئاً آخر.. كل يوم تأتي وترى بنايات جديدة وتصبح أكبر وأكبر وأعلى وأعلى.

ويمكن للزائر أن يرى مجمع "أبراج البيت"، المكون من سبعة أبراج سكنية.. بعضها قيد الإنشاء، على بعد أمتار قليلة عن الكعبة.. ويقرأ في الصحف إعلاناً لتأجير الشقق فيها يقول: كن جاراً للرسول!.

وتعد هذه الأبراج جزءاً من مشروع إنشائي عملاق آخذ في الارتفاع والتزايد في السنوات الأخيرة.. وبخاصة مع ارتفاع عدد الحجاج المسلمين الذين يفدون إلى مكة كل عام، حيث بلغ عددهم في العام الماضي نحو أربعة ملايين حاج.

ويتزامن هذا التطور العمراني في مكة مع محاولات السعودية لتحسين وتطوير الخدمات المقدمة إلى الحجاج، والذي يدرك المستثمرون، ومعظمهم من الأسرة الحاكمة، الأرباح الضخمة التي تنجم عن موسم الحج السنوي.

وتعتبر أبراج البيت واحدة من أضخم البنايات في العالم من حيث المساحة، إذ يقول القائمون على المشروع إنه بعد الانتهاء منه ستصل مساحته الإجمالية إلى 15.6 مليون قدم مربع، أي أكثر من ضعف مساحة وزارة الدفاع الأمريكية، وهو المبنى الأضخم من نوعه في الولايات المتحدة.

ويصل ارتفاع ثلاثة من الأبراج إلى 30 طابقاً، فيما مازالت بقية البنايات قيد الإنشاء.. ويوجد مركز للتسوق في الطابق الأراضي للمجمع، يستطيع زواره، والكثير منهم يرتدون ملابس الإحرام، التسوق من العديد من المحال الموجودة فيه، مثل The Body Shop أو من محلات المأكولات السريعة وغيرها.

وبدأت النهضة العمرانية المتسارعة في مكة تؤثر سلباً في بعض الأحيان بالمواقع التاريخية، ففي العام 2002، أقدمت السعودية على هدم قلعة عمرها 200 عام، بنيت في عهد العثمانيين على تلة مشرفة على الكعبة، وذلك بهدف بناء مجمع سكني للحِجاج تصل كلفته إلى عدة مليارات من الدولارات.

وكان رجال الدين الوهابيين قد حاولوا قبل نحو 70 عاماً هدم المنزل الذي ولد فيه الرسول عام 570 ميلادي، بعد هدمهم للكثير من المشاهد التابعة للصحابة وآل بيت النبي محمد(ص) من منطلق افكارهم التكفيرية المستندة الى احاديث ابن تيمية الذي ظهر ابان القرن الثاني عشر من الهجرة، غير أن الملك عبد العزيز أمر ببناء مكتبة على الموقع في محاولة منه لتسوية المسألة المثيرة للجدل.

واختفت الكثير من المواقع التاريخية من المدينة جراء التوسعات التي قامت السلطات السعودية بتنفيذها، ومنها توسعة الحرم في ثمانينيات القرن العشرين، إذ اختفى نتيجة لذلك منزل خديجة بنت خويلد، زوجة الرسول، وكذلك منزل دار الأرقم، الذي كان يعد أول مدرسة إسلامية. مما يعد خسارة تاريخية وتراثية كبيرة للاسلام والمسلمين.

وفي المدينة، لم يبق من أثر تاريخي سوى قبر الرسول والمسجد المحيط به، ويمنع رجال (هيئة الأمر بالمعروف) المثيرة للجدل المسلمين من الصلاة في غرفة القبر، كما يمنعون الصلاة في غار حراء أو حتى لمس حجارته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21 آب/2007 -7/شعبان/1428