الميليشيات الامريكية

عبد الامير علي الهماشي

بدأ الجنرال الأمريكي ((بتراوس)) تنفيذ استراتيجيته الخاصة بتسليح العشائر ((السنية)) والمجاميع المسلحة لمحاربة تنظيم القاعدة، متجاوزا الحكومة العراقية كما أراد وقدم تقريره ودراسته قبل عدة أشهر وهاهو يمضي في ذلك ذاكرا الأسباب ذاتها التي تبررها الولايات المتحدة بتلكؤ نجاحها في العراق التي تشير إلى عجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن القيام بواجباتها الأمنية  رامية غسيلها على العراقيين.

وفكرة الميليشيا الأمريكية ليست جديدة على  الإدارات الأمريكية حالها تدخلها أو ((غزوها)) لأي بلد في العالم، وهذا ما شهدته كمبوديا وفيتنام ودول أمريكا الجنوبية.

وكان الأمر كذلك أبان التحضير( لغزو) العراق وتم تجنيد عراقيين مدنيين وعسكريين تم تأهيلهم بعقود مع وزارة الدفاع الأمريكية، ولكن التنوع الطائفي والعرقي في العراق جعلت الادارة الأمريكية تعيد النظر في هذه المسألة.

وقامت الولايات المتحدة بعدها باستخدام عناصر من ضباط جهاز المخابرات العراقي المنحل وتم تجنيدهم وإعطائهم ((حصانة أمريكية )) وتشير المعلومات إلى قيام هذه العناصر بالعمليات ((القذرة)) التي ترتبط مباشرة بالسفارة الأمريكية.

ولكن المهمات العسكرية تتطلب قوات ذات كثافة عددية فقامت القوات الأمريكية بتجنيد مسلحين وربطهم بها مباشرة.

ولم يكن الأمر وليد صدفة أو بمبادرة من قائد القوات الأمريكية إنما القائد الأمريكي الجديد قد تبنى هذا الحل ولابد من الرجوع قليلا الى تاريخ المفاوضات التي قام بها السفير الأمريكي السابق ((زلماي زاد)) مع هذه المجاميع ((الإرهابية)) في الاردن والسعودية وبمشاركة الأجهزة المخابراتية لهاتين الدولتين،وكانت أهم الشروط هي مفاوضة الجانب الأمريكي فقط، وعدم الإعتراف بالتغييرات الجديدة بعد التاسع من نيسان عام 2003.

وكانت نتائج المفاوضات الاولى الإيعاز الى الإعلام الأمريكي بعدم وصف هذه الجماعات بـ((الارهابية)) واطلاق صفة ((المتمردين )) أو المسلحين واطلاق مصطلح ((العنف الطائفي)) على العمليات الارهابية التي تستهدف الجماهير العراقية،وكانت تقارير السفارة الامريكية تبشر بانخفاض الهجمات المسلحة التي تستهدف القوات الامريكية  كدليل على نجاح مساعي السفير الامريكي ((زلماي خليل زاد)).

وتم الاتفاق على عدم ملاحقة الامريكان لهذ العناصر قضائيا وانتزاع ((عفو )) من الحكومة العراقية على جرائمها ضد الشعب العراقي.

وكانت مبادرة المصالحة الوطنية والعفو عن الجماعات المسلحة التي ذيلتها الحكومة العراقية بعدم تلطخ أيديهم بدماء العراقيين وتم تأهيل العديد منهم ((سياسيا)) و((عسكريا)) ودخولها الى الواقع العراقي الجديد بعناويين جديدة.

ومما يثير مخاوف العراقيين هو التسليح الفوري لهذه الميليشات مقابل التلكؤ الواضح في التفاوض على تسليح الجيش العراقي واجهاض المحاولات اليتيمة لإعادة تسليح الجيش العراقي بالأسلحة الشخصية والواقيات الصدرية ناهيك عن الاسلحة المتوسطة والثقيلة،ولم أجد إعتراضا أو تصريحا صحفيا من قبل القيادات العسكرية العراقية على هذه المعوقات،والاعتراض على هذه الخطوات وتروج القيادة العسكرية الأمريكية لنجاح هذا التوجه من خلال انتصارات حققتها على القاعدة ((العدو المفترض)) وعدم تأمين ملاجئ آمنة لهم في هذه المناطق كما تدعم تقارير جديدة اخرى أن العمليات المعادية للقوات الامريكية تقوم بها ميليشيا شيعية تصل نسبتها إلى أكثر من 70%،وهذه احدى دلالات التقرير وهو مايهمني في هذا المقال تاركا الامور الاخرى لحديث آخر.

وربما تتبع الولايات المتحدة منهج توازن الرعب بحيث تسلح هذه الميليشيات بأحدث الاسلحة مقابل الاغلبية الساحقة لغاية في استراتيجية الولايات المتحدة لم تفصح عنها بعد.

والمفارقة أن الولايات المتحدة  تحارب وجود الميليشيا ومن جانب آخر تنشأ مجاميع منها وفي مناطق مختلفة من العراق.

أما مخاوف الحكومة من هذه الميليشيات فهي مخاوف مستقبلية تضر باستقرار العراق والحفاظ على وحدته بل وتنذر بهواجس الانقلابات التي كانت تحدث في أمريكا الجنوبية عندما تقوم العصابات المسلحة بالهجوم على المقرات الحكومية وتعلن سقوط الحكومة،وهي لاتعترف حتى هذه اللحظة بشرعية الحكومة  وبمجمل التغيير في العراق كما أن التسليح العالي الجودة مقابل أسلحة الجيش يشكل مخاوف حقيقية للجيش العراقي وإن الصلاحيات الممنوحة لهذه الجماعات يفكك الدولة العراقية ويجعلها على شكل مقاطعات صغيرة تابعة لهذه الجماعة وتلك،وربما يحتاج وزير الدفاع وقواته لاخذ موافقة هذه الجماعات للمرور في المناطق التي يتواجدون فيها وستشجع هذه الخطوة الكثيرين للتمرد على الحكومة العراقية والالتحاق بصفوف هذه الميليشيات.

كما إن القضاء العراقي سيعطل في حال ثبوت جرائم سابقة قام بها أفراد هذه الجماعات المسلحة بين قتل وتشريد وترويع وسرقة،إضافة إلى ماسيقومون به في المستقبل بعد إدمانهم لهذه الجرائم !!.

وإن أغلب هذه الجماعات هي من حمل السلاح بوجه العملية السياسية ومن أتباع النظام السابق وينتمي الى إجهزته القمعية إضافة الى أفراد وضباط الجيش السابق.

وعلى الادارة الامريكية تقدير الوضع الجكومي الذي يقع بين متطلبات الامن الأمريكي وحقوق الجماهير العراقية لما تعرضت له خلال الاربع سنوات الماضية على أيدي هذه العصابات التي تحاول تأهيلها مرة اُخرى.

أما ماهو مطلوب من الحكومة العراقية فيتمثل بتصعيد الموقف التفاوضي مع الادارة الأمريكية وعدم حصره بلجان تنفيذية  أثبتت ضعفها في كثير من القضايا السابقة ورضوخها لرغبات ونزوات القادة العسكريين الامريكان.

التصعيد الاعلامي لخطورة هذه القضية وعدم تمييعها إعلاميا وهي تخوض معركة تفاوضية صعبة وحشد جماهيري لهذه القضية المهددة لمستقبل العراق الجغرافي والسياسي.

الايعاز الى مراكز الدراسات العراقية الوطنية بإعداد دراسات متخصصة في هذا المجال تعرض على الجهات والسلطات الثلاثة،إضافة الى نشرها في وسائل الاعلام العراقية والامريكية قدر الامكان بل وارسال نسخ منها الى الادارة الامريكية.

والملاحظ غياب الدراسات العراقية اعلاميا مقارنة بالدراسات الامريكية والعربية التي تقدم للادارة الامريكية.

وبما أن الامريكان مولعين بالاحصاءات واستطلاع الرأي لابد من إجراء دراسات واستطلاع رأي شهري لهذه القضية والقضايا الاخرى التي تهدد مستقبل العراق نتيجة الاخطاء الامريكية

ربما تكون هذه احدى الحلول ونبقى في الـ((ربما)) إلى أن يجد جديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16 آب/2007 -2/شعبان/1428