في رحاب الامام موسى بن جعفر

عبدالامير علي الهماشي

    نقف في رحاب الامام موسى بن جعفر لنعيش ذكرى الفكر الذي لم تستطع السجون وعقرها أن تمنع عطاءه أن يصل الى الناس.

هكذا هو الفكر الاصيل ينفذ الى قلوب وعقول المتلقيين مهما حاول الآخرون وضع الحجب ليعزلوه.

   الامام ((موسى بن جعفر)) ترجم الاسلام الى سلوك فو صل الى ذروة الانسانية،وهو ماقام به أئمة أهل البيت –عليهم السلام- وماقام به الرسول وابنته فاطمة أيضا حيث كانوا المثل الاعلى في تحركهم في مجتمعاتهم.

وعند دراستنا لحياة أي إمام لابد من دراسة الفترة التي سبقته كيف كانت الوضع مع الإمام الذي سبقه والحاكم في تلك الفترة لننتقل الى زمانه ومن ثم نرى مامهد الى من بعده. وهذه الاشارة لابد من دراستها في جو منفصل عن هذا المقال الذي اُريد له أن ينقل صورة واحدة فقط من حركة الامام ليس إلا وما لوحظ في فترة الإمام ((موسى بن جعفر)) انتقاله من سجن إلى سجن بعد أن تعكرت العلاقة بينه وبين الملك ((هارون )) لحادثة نقلها لنا رواة السيرة وإن كانت موثقة إلا أنها السبب الظاهر لإعلان العداء بين الملك والإمام،فالقضية قضية ملك،قضية دنيا وقضية آخرة،قضية إسلام ولاإسلام وفي تاريخ الصراعات هناك حادثة بسيطة أو حوار معين يفجر صراعا كان مخفيا أو مؤجلا حتى تلك اللحظة التي تُثيرها تلك الحادثة.

 يحاول الملوك أو أحد أطراف الصراع أن يسقطوا خصمهم من خلال قتله معنويا والملك ((هارون)) حاول أن يُسقط الإمام بما كان واقعا فيه وهو الشاب الذي عاش مجون القصور المترفة حيث تحدثنا الكتب التاريخية عن الكثير من القصص والمشاهد التي كان بطلها ((أمير المؤمنين)) الخليفة ((هارون الرشيد))كما هي تسميته الشائعة ولقبه المشهور.

فكانت إحدى وسائله أن أرسل جارية وصفها  المؤرخون  بما وصفوا به الجميلات والحسناوات وكانت إحدى جاريات القصر التي تتمع بالحظوة والمكانة لجمالها الى السجن الذي حبس فيه ((ابن عمه )) حفيد الرسول عسى أن تنجح محاولته هذه بعد أن فشلت محاولة إعادة ((فدك)).

 لقد كان تفكير الملك الشاب أن شابا مثله ربما سيسقط في هذه التجربة وهو في هذه العزلة أو كما يعبر اليوم ((سجن انفرادي)) ستتوق روحه إلى أنيس يملئ وحشته وغربيته وينور ظلمته!!!

 لن أتحدث عن ماشاهدته الجارية  قبل أن نتحدث عن الحوار الذي جرى بينه وبينها عندما منحها إنسانيتها وخلع عباءته عليها في مشهد لم تكن تعرفه من قبل مع سيماء توحي بالهيبة والوقار لم تره إلا في هذه البقعة التي ستكون نورا تنطلق فيه لتعيش آدميتها وتنقلب ثائرة على كل ما ضيعته من سني عمرها لتعيش بعد ذلك إمرأة صالحة في منطق مختلف صدم الخليفة الملك  ولا أدري هل حدث نفسه ب((سحر )) قام به موسى بن جعفر أو إنه أفاق من هذه التجربة للحظات لاندري حيث نقلت لنا كتب السير مقتطفات من الحوار لتنقلنا الى ماجرى لهذه المرأة من تعذيب على نفس ذلك الجسد الذي عاشت فيه تلك الحظوة مع روح ميتة تعيش عذابا تتلذ فيه الروح الحية فقد رأت ما رأت وسمعت ماسمعت لتولد  من جديد وتعيش أعواما مختلفة في ربيع الايمان مستمدة قوتها من فيض تلك المقابلة.

لقد فشلت التجربة فشلا ذريعا لابممانعة الإمام فحسب وإنما بهداية المرأة وبلوغها مراحل من الايمان والعفة ما لاتستطع كل قوى الملك أن تُعيدها الى سابق عهدها.

 ولعل السجن كان مفتاحا لهداية الكثيرين على يد الامام موسى بن جعفر –ع- ففي بيت السجان ((السندي بن شاهك)) كانت عائلة السندي تطل عليه فترى سيرة الانبياء،فاعتنقت شقيقة السندي فكرة الامامة،ونقل لنا المؤرخون أنابنها صبح أحد أعلام المذهب الشيعي.

 إنه الفكر الذي تلبس بالسلوك واصبح يتحرك في الفضاء الذي يعيش فيه وكان السجن ذلك الفضاء فتحول الى السجان الى مريد وأسير _إن جاز التعبير-.

 إنه الفكر الذي يحول السجان الى أسير ولكنه مطوق بأطواق النجاة.

إنه الفكر الذي ينقلنا من سجن الدنيا الى رحاب الاخرة في لذة لاتضاهيها لذة، لذة الحب الابدي الذي لاتنتهي نشوته مهما طال اللقاء.

لقد حول الامام السجون التي تنقل فيها  الى مدارس رحبة خرجت لنا أمثلة وصورا من الايمان أذهلت السجان وعلى حد تعبير أحد الشعراء ((أصبح الصبح لا السجن ولا السجان باق)) حيث لم يكن لا السجان ولا السجن قيدا وحاجزا لأن تصل إلينا سيرة عطرة من سير الامام  موسى بن جعفر –ع-.

 وهكذا تنفذ الافكار الاصيلة عندما تمتزج بالسلوك  الى قلوب وأوعية الاخرين دون سابق إنذار لتبدأ مسيرا جديدا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9 آب/2007 -25/رجب/1428