الجماعات المسلحة تحول بغداد الى مدينة أشباح

شبكة النبأ: في اوقات كثيرة من النهار غالبا ما يترائى للمشاهد ان بغداد عبارة عن مدينة اشباح ليس فيها سوى الترقب والحذر الشديد، والتنقل المقيد الى درجة كبيرة خوفا من العصابات الارهابية والميلشيات التي تختبئ في مناطق معينة لتظهر على حين غرة وتختطف شخص ما او تفجر مكان معين، حتى وصل الامر الى المتاجرة بجثث القتلى من المدنيين العراقيين، الأمر الذي طغى على الحياة الاجتماعية وسير الاعمال اليومية للمواطنين في شتى مناحي الاختصاصات والحرف والاعمال.

ولم يتوقع الدكتور سمير ان يتحول يوما الى استخدام سيارة اجرة بعد سنوات من عمله في مهنة الطب، والقضية لا تتعلق بموقف شخصي، ولكنه حاول ان يتنقل في بغداد من غير ان يترقبه احد  العلاسة الذين ينتشرون في كل مكان،للبحث عن ضحية جديدة تكون هدفا لهم للقتل او السلب.

وحالة الدكتور سمير لا تتعلق به وحده بل بالكثير من البغداديين الذين يخافون التنقل بسياراتهم الشخصية ويحاولون التخفي في طرق بديلة من والى محلات عملهم، ويتفق بعض البغداديين على تصنيف مناطق القتل العشوائي في بغداد، بتصنيف رباعي، وقال الدكتور سمير "في أحاديثنا داخل غرف الاستراحة في المستشفى، نسعى لتقسيم مناطق بغداد، فهناك مناطق امنة، حيث يمكن لك ان تبقى حيا فيها بنسبة %50، ومناطق اخرى آمنة نسبيا، يمكن ان تبقى فيها حيا بنسبة %40، ومناطق خطرة نسبيا يمكن ان تبقى فيها حيا بنسبة %30، ومناطق خطرة، لا يمكن ان تبقى فيها حيا الا بنسبة %10. بحسب تقرير لـ(الوطن).

ويتدخل صديقه الصيدلاني محمد كريم قائلا، منطقة مرآب النقل العام في البياع، لا يمكن لي الوصول اليها لان حوادث التفجيرات فيها متواصلة، لذلك احاول الوصول الى محل سكني في السيدية بالانتقال من سيارة الى اخرى عبر طريق يبعد قليلا عن هذه المنطقة وان كلفي ذلك اجورا اكثر.

ويضيف اما غير الساكنين في منطقة مدينة الصدر، فلا يمكن لهم الدخول اليها من دون المرور بنقاط التفتيش لجيش المهدي المشتركة مع نقاط تفتيش الشرطة العراقية، وذات الشيء في منطقة الشعب.

ويعتقد الدكتور سمير ان منطقة سكنه في حي الجامعة توقعه في مخاطر يومية، تبدأ بخروجه من منزله مرورا بالدوريات التي تفتش كل شيء على مشارفها، بعد ان اصبحت ملاذا امنا لجماعات القاعدة بعد هروبهم من منطقتي الغزالية والعامرية، اما منطقة الشعلة والتاجي والمشاهدة، فهي مناطق تعمل فيها مليشيات متعارضة الاهداف، حتى من داخل الشيعة والسنة، فالعشائر السنية تقاتل جماعة القاعدة، والشرطة العراقية اخذت تطارد جيش المهدي، وفي كلا الحالتين تتحول مدينة بغداد الى مدينة اشباح فور بدء أي تبادل لإطلاق النار بين أي من المقاتلين، والمواطن البسيط يتحمل اوزار كل ذلك.

ويعتقد الممرض الفني ابو سليم، ان ابرز مشكلة يواجهها المدني المستقل في كل هذه المناطق، اما الاندماج مع تنظيم معين، ليحسب عليه، واذا لم يتفاعل كليا مع هذا التنظيم، فان الواجب عليه ان يتقبل دفع  الاتاوات لافراد المليشيات بوصفها تبرعات لتمويل هذا التنظيم او ذاك، ويعبر عنها فعليا في قبول مكاتب هذه المليشيات ببقاء هذه العائلة او تلك، بمشاركة احد افرادها في الحراسات والواجبات القتالية، او على الاقل ان يدفع رب العائلة الاتاوة المطلوبة، منه اسبوعيا او شهريا، والا فعليه ان يغادر المنطقة.

سلطة واضحة

وعن ابرز المناطق التي ما زالت سلطة الدولة واضحة فيها ، قال الدكتور سمير، ما زالت الجادرية والكرادة الشرقية، فيها سلطة واضحة للدولة بسبب اقامة كل من الرئيس جلال الطالباني والسيد عبد العزيز الحكيم، زعيم كتلة الائتلاف فيها، وكذلك منطقة الكاظمية، التي يظهر فيها تعاونا واضحا بين المليشيات والشرطة .

واضاف، لم تعد منطقة المنصور، حيا راقيا، وتحولت الى منطقة خطرة نسبيا، اذا ما اتفقت معنا على التصنيف الرباعي لبغداد، وكذلك حي اليرموك، لكن العامرية والغزالية والطريق السريع الرابط بينهما مازال منطقة اشتباكات لتثبيت مواقع المليشيات.

واضاف ضابط شرطة متقاعدا، فضل عدم ذكر اسمه، عن تصنيف الامان الرباعي في بغداد، فقال، مشكلة الامن في بغداد وجود اشتباكات على الارض بين المليشيات والدولة، وفيما بينها، من اجل فرض الامر الواقع على الارض، وهناك اخفاقات في تنفيذ الخطة الامنية في هذا الجانب، لأن مناورة القوات وفقا لاسلوب المحاصصة الطائفية بان تكون في مناطق شيعية قوات شيعية واخرى سنية وهكذا، برغم محاولة الحكومة الافلات من هذا المنزلق الخطير، جعلت اهداف خطة فرض القانون تتعثر يوما بعد آخر في تأمين مناطق واسعة في قواطع العمليات .

الجريمة المنظمة

واوضح عميد الشرطة المتقاعد، ان مشكلة القوات المسلحة اليوم ليس في قدرتها على الامساك بالارض، بقدر قدرتها على مطاردة الجريمة المنظمة، التي تعتبر الوجه الآخر لعمل المليشيات في بغداد.

مشيرا الى ظهور حالات اقرب الى تطبيق اساليب المافيا، التي لم يعرفها البغداديون، غير في افلام الجريمة الأمريكية، لتطبق واقعيا اليوم عليهم، واعتبر ان الفساد الاداري في اجهزة الدولة شجع الكثير من المجرمين السابقين، لتشكيل مثل هذه المافيات التي تسيطر على عدة احياء باسم مليشيات، ربما لا علاقة بها حتى باسم التظيم السياسي الذي تتحدث باسمه، او حتى باسم الجماعات المسلحة العراقية.

وعن وجهة نظره بالحل، قال، المشكلة في القيادات السياسية اولا وثانيا في اسلوب قوات الاحتلال التي تمنح ثقتها لكل من يقدم لها (خدمات امنية) وطلب وضع العبارة بين قوسين.

عصابات تتاجر حتى بجثث العراقيين!!؟ 

وفي الوقت الذي تتزايد فيه الهجمات الانتحارية واعمال القتل في العديد من المناطق العراقية، شهدت الساحة العراقية ظهورا متزايدا لما يعرف بعصابات 'النسور الانسانية' التي تستغل جثث الضحايا في تحقيق مأربها.

وقال ضابط بالشرطة العراقية ان عناصر هذه العصابات تحضر الى اماكن الانفجارات لسرقة الهواتف المحمولة والنقود وساعات اليد من القتلى والجرحى.

واضاف ان هذه العصابات تقوم باستخدام الهواتف المحمولة للقتلى وتقوم بالاتصال ببعض اقاربهم وتدعي احتجازها للضحية وتطالب بفدية، وعندما تصلهم النقود يخبرون اقارب الضحية بان الشخص قتل في تفجير انتحاري. بحسب أ ش أ.

ونقلت قناة 'الجزيرة' الفضائية امس عن عبدالجبار امين، الباحث في جامعة المستنصرية في بغداد، قوله ان هذه الظاهرة امر طبيعي في مثل الظروف الحالية التي يعيشها العراقيون من تفجيرات ومشاهد دموية وتدني سبل المعيشة، فالكل يبرر لنفسه ما يقترفه ويضع لأفعاله الكثير من الاعذار.

واضاف، ان من يقومون بالاتجار بمشاعر ذوي ضحايا التفجيرات وغيرهم يقولون ان لديهم عائلات لإطعامها وهم مستعدون لعمل اي شيء من اجل ذلك، وهم بهذا العذر يسمحون لانفسهم بالذهاب الى ابعد الحدود.

وكانت عمليات القتل الناتجة عن العنف الدائر في العراق قد ارتفعت بشكل ملحوظ منذ عام ،2006 واصبح من المعتاد العثور على جثث لضحايا يصعب التعرف عليهم في مكبات النفايات وفي نهر دجلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  25 تموز/2007 -10/رجب/1428