لما نتساءل إسلاميا؟

بقلم: المهندس غريبي مراد عبد الملك(*)

 قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ "(الأنبياء/92)

وقوله أيضا: "وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ "(المؤمنون/52)

مدخل: لوسألت أحد من المسلمين(سنة وشيعة) العاديين عن معنى الأمة وتحديدا عن المذاهب الأخرى عدا مذهبه، لأجابك إما بتضليل المسلم الآخر أو تكفيره أوبأن مذهبه ومدرسته هي الأمة وغير ذلك ضلال وبدعة، وتبقى  ثلة من النبهاء والعقلاء بين المسلمين يتدينون بالإسلام حقيقة ويعبرون عن الأمة الواحدة فكرا وسلوكا وحياة وتطلعا.

 الإسلام هذا  الدين -المفترى عليه- ذوالمعالم الثلاث: عقيدة وعبادة وأخلاق، أو على قول المتشرعة: إسلامنا عقيدة وشريعة وأخلاق، هذا الإسلام  هو دين الله المؤصل للإنسانية وخلافتها في الأرض والمرشد لها لبسط العدل وكظم الغيظ وإفشاء العارفة وإصلاح العائبة ونبذ الفرقة، الإسلام يسع الكون والحياة كلها هو الدين الأرحب الذي خص به الله حبيبه وخليله ورسوله الكريم سيدنا النبي الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

أحبتي،لم اخط هذه السطور خصيصا للحديث عن أبعاد الإسلام الفلسفية ولكن وددت إثارة التفكر في معنى الإسلام في حياتي كسني أو شيعي، ولست بصدد الحديث من منطلق التعصب البليد لقناعتي المذهبية ولكن التعصب الرشيد الذي يغني تمذهبي  انفتاحا على حقيقة الإسلام وأيضا انطلاقا من روح الإسلام التي تأنسن سلوكي الفقهي والعبادي أخلاقيا، لأنه حسب تصوري مأزق المسلمين يكمن في عدم وعي عنوان المذهب ضمن الدين، لذلك يتضخم مفهوم المذهب بحيث يلغي مفهوم الدين من واقع حياة الشخص المتمذهب فلا ينظر للعالم الإسلامي من حوله إلا بنظارات مذهبه فيدوس حقوق الغير بعماه المذهبي الذي استكبر على البصيرة  الدينية...

في القرآن العظيم يرشدنا الله في العديد من الآيات لهذه القضية من خلال التوجيه والترشيد للتدين والخطاب الديني والحوار والوصية:

 ﴿قل إن  صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين﴾

 ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾

﴿ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بَني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾

إنه المنهج القرآني يركز على العنوان الحركي في الرسالية والدعوة إلى الحق عنوان:" الإسلام"، ويهتم بتبيان العبادة والشريعة والمصير دون الغفلة عن القيمة الأخلاقية إيحاءا وإيضاحا من خلال شخصية النبي الأكرم(ص) كأعظم شخصية في الوجود ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ و﴿واعلموا أن فيكم رسول الله﴾ بالإضافة للآيات الثابتة النزول بخصوص  آله الطيبين الأطهار عليهم السلام  وأصحاب النبي (ص) المنتجبين الأخيار رضي الله عنهم وكذا قصص الأنبياء عليهم السلام، لكن واقعنا الإسلامي أوحالنا المذهبية الإسلامية في  مجتمعاتنا تشير إلى جفاف أخلاقي أضحى ينذر بصاعقة فتنوية، ولم يبق من الدين إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه....

أحبتي بالله عليكم: ألا يمكننا أن نعرف  الإسلام إلا مذهبيا؟ لماذا جماهيرنا تعشق الخطباء الطائفيين ولا تحترم دعاة الإنسانية الإسلامية؟ 

هل الوعي المذهبي لدينا أصبح عقيما فلا يلد إلا الخوارج ولا يخطب إلا التحريض والتكفير والتسفيه والتضليل والتحوير والسباب؟؟

ألف سؤال وسؤال ينضح به واقعنا المسمى إسلامي وهوفي العمق جاهلي نصلي في المسجد صفا واحدا وقلوبنا شتى، وإذا حاولنا التظاهر بالانفتاح نبتسم في وجه الأخ في الدين ثم نغتابه في الغيب، والله ورسوله والمؤمنون يريدوننا أن نعيش الحق والعدل والإنصاف من أنفسنا ظاهرا وباطنا... فالتقوى ليست ثقافة عقائدية أو شكلا عباديا أو خلقا مرائيا، إنها تكامل هرمي رسالي يجمع الأبعاد الثلاث لهذا الدين (العقيدة+العبادة+الأخلاق) في مكون الشخصية المسلمة...

إن الدراسة التحليلية المعمقة الهادفة  للواقع الاجتماعي الديني  وانعكاسه على الوعي الفردي والجماعي. أول ما تبرهن على نوويته سلبيا في المضمون الأزماتي للمسلمين يختزل في  الثقافة التاريخية التي ورثتوها عبر مراحل الزمن الإسلامي كله التي عاشها المجتمع العربي بعد الإنقلاب على المنهج الإسلامي ومنطقه إلى يومنا هذا، فجسد أنظمة تشترك في كونها مطلقة شمولية لا تعترف بالحرية كمعطى تنموي حضاري ولا المساواة كمحرك إنساني ولا التعايش كثقافة تهدف للوحدة المغنية للتنوع، إنها الدكتاتورية عندما تلبس لبوس الدين فتشوه الفقه والإجتهاد والتقليد الأعمى  المسمى التمذهب ...

 وبعد غياب وعي مقومات التدين الصحيح (الحرية-المساواة-التعارف-الحوار-التواصل-التعايش) في الحياة أوالإدبار عنها، أصبح أمر أهل الإسلام غير مستقيم ومضطرب ومتذبذب آيل إلى فتنة طخياء عمياء-لاقدر الله-...

لنسأل هل يمكننا الدعوة لإصلاح ذات البين وواقع المسلمين في غنى عن تنقية الثقافة التاريخية؟ الجواب: كلا، لان الإصلاح السليم هو الذي ينظم حياة المسلم وفق سياق منشأ الأزمة الدينية العامة، حيث أن الوعي الإسلامي لإنساننا هو الأساس في بناء وإحياء سنة الإصلاح والتجديد ذوالمقومات الإسلامية الأصيلة.

 لا لشيء سوى لكون المنطق الإسلامي أبى للأمور إلا أن تجري بأسباب وبما أن التأثير النفسي والسلوكي للأنظمة التاريخية الثقافية والسياسية والإجتماعية الموروثة له التأثير البالغ في تخمير  وعي  الإنسان المسلم، حيث يتصدر قائمة أسباب تخلف المسلمين ما أسس عليه سماحة العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني وهو العالم الرسالي المجاهد في سبيل إحياء الوفاق الإسلامي والعمل الإسلامي الرشيد، فصله الثاني من كتابه الإسلامي الجامع والرصين"وعي التعامل مع الإختلاف": إنه الإفتراق عن وصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )، لأن الحق لا يطبق نفسه...فتلك هي مهمة أهله، كما رفض الباطل من أجل بناء الحق، هوالخطوة الأولى التي لن يتم إقامة البناء بغيرها،مع اجتثاث الجفاء والحقد والشك والشح وعدم الوثوق بالآخر من الأنفس إبتداءا.

  مع ضرورة البناء الفكري -النفسي  لإنساننا ثقافيا وإعلاميا وفقهيا مع منحه الرحابة الإسلامية والسر الإنساني الإسلامي من اجل النهوض بمستوى وعيه الحضاري ومن اجل أن يستلهم  مسؤولياته وواجباته تجاه هذا الدين دون المراهنة على قناعته المذهبية ولكن اعتمادا على الإقتصاد السليم للمشتركات وتنمية النية المخلصة والدقة في عرض الحقائق وبعث الوعي الحقوقي والأهم في هذا كله  خشية الله تعالى...

وقبل الخلوص لمدخل الوعي الرسالي نختصر بالقول: مشكلة مجتمعاتنا  أن الإدارة عموما فيها هي  بأيدي الذين لا يفقهون الدين ولا يفهمون الحياة، كما مأزقنا الوحيد –عزيزي القارئ- الجهل المركب، حيث نتحدث بلغة الخبراء ونعيش حياة الأغبياء، والتاريخ يكشف أن من لا يرد أن يحزن سيكون حزنه طويلا...

وحركاتنا الإسلامية سبقت مواعيدها فسبقتها نتائجها بأن استفرد العلماني وتسلطن العسكري وتسلف التجديدي، إنه التناقض المنطقي الذي لونتفكر فيه نستنتج أن الإيمان  بالله وعبادته (كإحترام لذاتك) وحسن الخلق (التعايش مع الغير) هي المزيج التغييري المطلوب من المسلم النبيه صقل شخصيته به  وفق حكمة بالغة ودقيقة، أقصد ربط المصالح الخاصة بالقيم حتى لا تضيع المصالح العامة للمسلمين، لأنه من الثقة المفرطة بالذات الفردية أو الجمعية يكون الزلل، حيث قيم الإسلام ومقوماته المنهجية ذات خصوصية تعرف بالميزان أي ليس هناك تزاحم بل هناك قسط كبير في الخريطة المفاهيمية والسلوكية الإسلامية.

نافلة القول حكمة بالغة ينقلها لنا سماحة العلامة الأستاذ السيد هادي المدرسي دام ظله الوارف في كتابه التربوي الإستراتيجي "طرق مختصرة إلى المجد": عندما يتصارع الأقوياء-ويمكننا أن نقول الأغبياء-حاول أن تبتعد عن المسرح بمسافة متساوية من الطرفين، لأنك عندما تكون قريبا من أحدهم، فسوف يحاول استخدامك كسلاح ضد خصمه- وإلا تجذبك رياح الغباء فتفقد ذكاءك فتهلك-...

عذرا أيها الطائفيون المغالون في مذهبياتكم  الضيقة الحرجة، الإسلام عنوان الإنسانية الحقيقية التي تغني الروح والجسد، الفرد والمجتمع، الأمة والبشرية، الخلق والكون، تغني الإيمان والعبادة والأخلاق، إنه دين المحبة والرحمة والتعارف والتعايش والتواصل...دين السلام والعفو والتسامح والبر والتقوى...

وصدق الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء: " بني الإسلام على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة" وعن أمير المؤمنين باب الولاية وإمام المتقين عليه الصلاة والسلام:" من اعتدلت طباعه صفا مزاجه، ومن صفا مزاجه قوي أثر النفس فيه، ومن قوي أثر النفس فيه سما إلى ما يرتقيه، ومن سما إلى ما يرتقيه فقد تخلق بالأخلاق النفسانية، ومن تخلق بالأخلاق فقد صار موجودا بما هو إنسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان"

معذرة لهذه المصارحة، فالأمر يتطلب ايلاء هذا (الواقع الفتنوي) الأهمية التي يستحقها كي تنتهي حلقة الغباء الطائفي النابع من التعصب المذهبي والشخصنة وما هنالك من فيروسات جاهلية، ولا يتسنى الإهتمام إلا بوضع الإستراتيجية الرسالية لمجتمع إسلامي جديد ينتظم عمله التغييري والإصلاحي الكبير والصغير مؤسساتيا وفق معايير العلاقات الإجتماعية في الإسلام، للارتقاء بمستوى إنساننا  الثقافي المدني، بما يتفق وهذه المعايير والقيم والمقومات الإسلامية الثمينة، وتأتي شريحة الشباب في طليعة عملية التنمية الثقافية -الإجتماعية للمسلمين كاقتطاع للأورام التخلفية بكل أشكالها من طيف الإمتداد التاريخي الإسلامي.

أعتبر وإياك عزيزي القارئ بحديث وارد عن الإمام الصادق عليه السلام ثم نتأمل في الآيتين8-9 من سورة المائدة ونحمد الله تعالى على نعمة الولاية الإسلامية: قال عليه السلام: أورع الناس من وقف عند الشبهة، وأعبد الناس من أقام الفرائض، وأزهد الناس من ترك الحرام، وأشد الناس إجتهادا من ترك الذنوب"(وعي التعامل مع الإختلاف ص133 نقلا عن "أئمتناج1-ص446")

وصدق الله العلي العظيم: "يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوأَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ*وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ"

والحمد لله رب العالمين

(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23 تموز/2007 -8/رجب/1428