القنابل العنقودية وخلافات الإعمار تعصف باللبنانيين 

شبكة النبأ: يشير المحللون من كافة المستويات بين حين واخر الى ان المواجهة توقفت مؤقتا بين اسرائيل وحزب الله، وان القتال سيندلع لا محالة في اي وقت اخر، وبينما لم تندمل بعد جراحات اللبنانيين من الهجمات الوحشية التي استهدفت المدنيين يعاني اغلب سكان الجنوب من خطر داهم يتمثل بملايين القنابل العنقودية التي نثرتها الطائرات الاسرائيلية في حرب الصيف الماضي وغالبا ما تنفجر على سكان الارياف والرعاة والاطفال لتقتل بعضهم وتبتر اجزاءا من البعض الاخر. 

وبعد مرور سنة على انتهاء الحرب تستمر ورش اعادة البناء في لبنان، إلا ان الهوة تزداد في الجنوب معقل حزب الله بين السكان والحكومة اللبنانية بسبب خلافات حول آلية دفع اموال المساعدات وتوزيعها.

وظنّت رشا زيون إن الاسوأ انتهى بعدما توقفت الحرب ما بين اسرائيل ومقاتلي حزب الله إثر وقف إطلاق نار أنهى 34 يوما من القتال الاسرائيلي الشرس على جنوب لبنان. لكنها كانت مخطئة.

فقبل اشهر قليلة كانت زيون جالسة في البيت في قرية معركة الجنوبية تقطف الزعتر الاخضر من كيس كبير احضره والدها عندما لمس أصبعها شريط القنبلة العنقودية.. قوة الانفجار قذفتها لتصطدم بجدار مجاور وأدت أيضا لبتر ساقها اليسرى.

قالت زيون وهي مسترخية على كرسي وترتدي في رجلها الاصطناعية حذاء باللونين الاسود والذهبي "كنت احب ان اخرج مع اصحابي الآن ارسم لأمضي الوقت".

وزيون واحدة من نحو 200 شخص شوهتهم القنابل العنقودية التي ألقتها اسرائيل ومعظمها في الايام الثلاثة الاخيرة من الحرب قبل بدء تطبيق وقف اطلاق النار.

وتنفجر القنابل العنقودية مخلفة قنابل صغيرة حول الارض والحقول. وهي تلقى اما من طائرة او من على الارض وكل واحدة تحتوي على 650 شظية تفشل بالانفجار في الارض في معظم الاحيان.

وقالت داليا فران المتحدثة باسم مركز الامم المتحدة لتنسيق ازالة الالغام (ماك) في لبنان "القنابل العنقودية في كل مكان.. على الطرق الرئيسية في المدارس.. المستشفيات الطرق الداخلية.. داخل المدارس.. احواض السباحة والتراس والاشجار".

وقتلت القنابل العنقودية 30 شخصا منذ الحرب عندما عاد مئات الاف النازحين الى منازلهم في الجنوب على الفور بعد وقف النار في 14 اغسطس اب.

يصرخ بيلي بين وهو احد العاملين في نزع الالغام في قرية الحلوسية الجبلية قليلة السكان احدى 929 موقعا للقنابل العنقودية التي تعرفت عليه ماك "ثلاثة اثنان واحد.. أطلق."

صوت يصم الاذان سمع صداه حول الجبال صدر من 24 قنبلة عنقودية تم العثور عليها عند منطقة جبلية وتم تفجيرها بمتفجرات عسكرية.

كل ما بقي من 24 موقعا للقنابل العنقودية فجوات تتصاعد منها الدخان بعد الانفجار واحدة من عدة يفجرها رجال نزع الالغام كل يوم.

ينتمي بين الى شركة باك تاك وهي شركة بريطانية لنزع الالغام تعمل بالتعاون مع ماك في جنوب لبنان.

قالت فران ان ماك قد استطلعوا وطهروا 20 مليون متر مربع او حوالي 54 بالمئة من نحو 37 مليون متر مربع ملوث.

وقالت ان نحو 122500 من اصل حوالي مليون قنبلة عنقودية امريكية الصنع في معظمها دمرت في مناطق من جنوب لبنان كانت قد ازيلت منها الالغام من قبل بعدما انهت اسرائيل احتلالها الذي دام 22 عاما في العام 2000.

وتقول اسرائيل انها تستخدم القنابل العنقودية بما لا ينتهك القانون الدولي الذي لا يحظر استعمالها.

واطلق حزب الله نحو اربعة الاف صاروخ على شمال اسرائيل خلال الحرب مما ادى الى مقتل 43 مدنيا ومجموعة من الجنود.

وقالت فران ان عمل ماك قد يسهل كثيرا اذا قدمت اسرائيل الخرائط التي تضم معلومات عن امكنة القنابل العنقودية التي اطلقتها خلال الحرب والتي قد تحفظ الارواح.

اضافت فران "العائق الاكبر هو انه ليس لدينا بينات عن مناطق الهجمات. ان تحديد مواقع أخرى يستغرق وقتا كبيرا. ما نحتاجه هو المكان الجغرافي.. الانواع.. والكميات".

وقالت فران "كررت الامم المتحدة طلبها مرارا للحصول على الخرائط من القوات الاسرائيلية ولكننا لم نحصل على جواب".

خلافات الإعمار تعمّق الهوة بين الجنوبيين والحكومة

 وبعد مرور سنة على انتهاء الحرب تستمر ورش اعادة البناء في لبنان إلا ان الهوة تزداد في الجنوب معقل حزب الله بين السكان والحكومة بسبب خلافات حول آلية دفع اموال المساعدات وتوزيعها. بحسب فرانس برس.

وعلى طول الطريق المؤدية الى الجنوب بمحاذاة شاطىء البحر الابيض المتوسط تجري الاشغال في اماكن عدة لاصلاح الطرق واعادة بناء الجسور.

واعيد خلال سنة بناء 51 جسرا من 91 دمرتها الغارات الجوية الاسرائيلية بين 12 تموز/يوليو و14 آب/اغسطس 2006. وتم تأمين الاموال لاعادة بناء هذه الجسور من الدولة اللبنانية او افراد ومؤسسات في الداخل او دول اخرى بينها ايران.

واعيد تأهيل مدارج مطار بيروت الدولي التي تضررت جراء القصف. وعاد توزيع الطاقة الكهربائية الى ما كان عليه تقريبا قبل حرب الصيف الماضي مع المشاكل المعهودة في لبنان بالنسبة الى تقنين الكهرباء لاسباب مختلفة بينها نقص المال لتامين المحروقات.

وارتفعت في المناطق الحدودية مع اسرائيل اعمدة المنازل الجديدة فيما غطت طبقة رقيقة من الغبار الابيض الناتجة عن الاشغال اشجار الصنوبر والتين.

لكن السكان هنا يشكون من سوء توزيع المساعدات مشيرين الى ان خسارة موسم زراعي آخر نتيجة الذخائر والقنابل غير المنفجرة التي لا تزال موجودة في الحقول زادت من فقر الناس.

في بنت جبيل حيث وقعت احدى المعارك الاكثر عنفا بين حزب الله والجنود الاسرائيليين يعتبر السكان انفسهم اكثر حظا. فقد اخذت دولة قطر اعادة اعمار هذه المدينة بالاضافة الى ثلاث بلدات اخرى على عاتقها.

ولا تزال تلال الركام منتشرة في وسط المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالى ثمانية الاف شخص ويرتفع الى 45 الفا احيانا لدى عودة المهاجرين لتمضية العطل فيها لكن تم تأمين الاموال اللازمة لاعادة الاعمار.

ويقول عضو المجلس البلدي حسين سعد ان قطر دفعت في شباط/فبراير دفعة اولى قيمتها عشرة الاف دولار لكل منزل مدمر مشيرا الى ان البعض حصل حتى على مبلغ عشرين الف دولار اضافي.

ويوضح ان قطر دفعت بشكل اجمالي اربعين الف دولار لكل 130 مترا مربعا مدمرا.

لكن في صريفا على بعد 15 كلم شمال بنت جبيل يعبر نائب رئيس البلدية صباح نجدي والمسؤول عن لجنة الاشغال فيها حسين فقيه عن استيائهما مشيرين الى ان المملكة العربية السعودية اخذت على عاتقها اعادة اعمار البلدة التي ضم تسعة الاف نسمة الا انها سلّمت المال الى الحكومة اللبنانية.

ويقول،هناك تأخير تتحمل مسؤوليته حكومة فؤاد السنيورة، مضيفا ان كل اموال الجنوب تنفق في بيروت، ومتهماً الحكومة بالازدراء بالجنوب "لانه شيعي".

غير انه يقر ان كل صاحب منزل مدمر حصل على دفعة اولى وصلت الى 12 الف دولار في شباط/فبراير وان حزب الله دفع مباشرة بعد الحرب مبلغ عشرة الاف دولار لكل عائلة فقدت منزلها.

ويقول محمود الشامي (62 عاما)،الحكومة ليست هنا من اجلنا. ليست حكومة لبنانية، مشيرا الى ان التعويضات التي حصل عليها تصل الى خمسة الاف دولار في حزيران/يونيو وهي "غير كافية" على حد قوله.

وقال حسين قدور (60 عاما) "من دون حسن نصر الله (الامين العام لحزب الله) كان الجوع سيقضي علينا كلنا".

وتؤكد الحكومة من جهتها انها لم تهمل الجنوب مشيرة الى انها سددت مساعدات بقيمة 232 مليون دولار تشكل 80% من طلبات المساعدات التي تلقتها من 345 بلدة متضررة.

شوط طويل امام الاعمار

ولاتزال معظم أجزاء البلدة القديمة في بنت جبيل تحت الركام بعد عام على الحرب التي نشبت بين اسرائيل ومقاتلي حزب الله.

ولكن بين الشوارع الصامتة المليئة بالمنازل المهدمة في منطقة كانت مكتظة يوما بالسكان أعاد احسان بزي (60 عاما) بناء بيت العائلة باستخدام كل اموال تقاعده.

وقال وهو يحتسي فنجان قهوة ويتناول الكرز "قال المهندسون انهم يريدون ان يهدموا البيت ولكن انا رفضت. لقد ورثت هذا البيت من ابي الذي بناه حجرا حجرا."

ولم يتسلم بزي شيئا من الحكومة اللبنانية او من حزب الله وقال،لم انتظر احدا لكي يساعدني. أرى إذلال الناس وهم يصارعون ويتدافعون للحصول على المال. وترى مساندي الحزب هم اول من يحصلون على المال.

ويتفق حزب الله والمسؤولون الحكوميون المعنيون بجهود اعادة الاعمار ان بنت جبيل حالة خاصة.

وتأخرت المساعدات القطرية وسط تضارب المعلومات حول تقييم حجم الدمار والخلافات حول ما اذا كان يجب المحافظة على قلب المدينة التاريخي او تحويله الى عمارات سكنية اضافة الى غياب العديد من اصحاب العقارات الذين يعيشون اما في بيروت او في الخارج.

ولكن السكان يشعرون بالامتنان لقطر وهم يقارنون بين ما أنجزته وبين اهمال الحكومة للجنوب على مر عقود.

وقال علي بزي وهو رئيس بلدية بنت جبيل الموالي لحزب الله، فيما يخص (رئيس الوزراء فؤاد) السنيورة.. اي شيء جنوب صيدا ليس جزءا من لبنان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17 تموز/2007 -2/رجب/1428