المحاصصة حزبية ليست طائفية

احمد جويد

   جرت العادة على ألسنة السياسيين والكتاب والمحللين أثناء طرحهم للمشاكل والأزمات التي يعاني منها العراق أو حينما يتطرقون إلى ذكر المشكلة الأم التي أسست الأساس الخاطئ في بناء العملية السياسية وهي "المحاصصة" يتم تداول الحديث من قبلهم بأنها " طائفية".

والمحاصصة على أساس عرقي وطائفي هي أحدى الأساليب التي اتبعتها الإدارة الأمريكية بعد دخولها العراق وفرض سيطرتها عليه وهي أول لبنة تم وضعها في العراق بعد التغيير الذي حصل بعد سقوط نظام البعث والتي كان يمثلها مجلس الحكم الانتقالي الذي تم بناءه على ذلك الأساس.

إلا إن المحاصصة لم تكن وليدة مجلس الحكم، إذ أن هناك مؤتمرات كانت قد عقدة خارج العراق مبنية على غير هذا النوع من المحاصصة، حيث كانت الاتفاقات تجري بأسماء الأحزاب مع بعضها، فبعد انتهاء فترة مجلس الحكم والحكومة الانتقالية ومع بداية الانتخابات الأولى أصبحت هناك محاصصة جديدة ألا وهي "المحاصصة الحزبية" والتي كانت مختلطة نوعاً ما مع المحاصصة الطائفية.

غير إن المحاصصة الحزبية أصبحت ظاهرة للسياسي ولغير السياسي ومعروفة من قبل الجميع بعد الانتخابات البرلمانية الثانية، وهذا ما شهدناه واضحاً وجلياً أول أيام تشكيل الحكومة، والتي كاد السياسيون أن يقفوا عاجزين أمام تشكيل الحكومة، وبعد مخاض عسير دام أكثر من ثلاثة اشهر ولدت من رحم المحاصصة الحزبية حكومة مشوه غير متجانسة فيما بينها وغير متناغمة في الأداء الوزاري والمهمات الملقاة على عاتقها بسبب عدم فهم الأحزاب "للمحاصصة الديمقراطية".

فالمحاصصة الحزبية هي سمة من سمات الديمقراطية في أغلب دول العالم التي تحتكم لصناديق الاقتراع، فعلى سبيل المثال ما يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي بعد كل انتخابات تجري هناك، فإن التشكيلة الحكومية تخضع لعرف المحاصصة الحزبية وفقاً للعبة الديمقراطية التي يؤمن بها الشعب الأمريكي، وعليها يتم شغل أغلب المناصب الحكومية في البلاد.

ولكن الشيء الذي يحصل في العراق من فهم للمحاصصة ليس كالذي يحصل في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول التي تؤمن بمبدأ المحاصصة بالأسلوب الديمقراطي وذلك كون التنافس الحزبي في تلك الدول لا يتقاطع مع المصلحة العليا للبلد بحيث تكون مصلحة البلد فوق مصلحة الحزب بل فوق جميع المصالح الأخرى.

أما ما يحصل في العراق فهو لا يعد عملاً حزبياً لأن الكثير من الأحزاب التي تشترك في العملية السياسية لا تدرك مفهوم العمل الحزبي أو معنى التحزب، وهي تعتمد في جل عملها على تأجيج المشاعر من خلال التخندق الطائفي من أجل استمرارها في عملها السياسي، وهي تعمل على العكس تماما مما يحصل في الدول الديمقراطية بحيث تجعل مصالحها الحزبية فوق كل شيء حتى لو كان ذلك على حساب الأمن الوطني للبلاد، حيث أن كثير من تلك الأحزاب أصبحت تتعامل مع دول أجنبية تجعل منها أداة طيعة لتمرير مشاريعها للتدخل في الشأن الداخلي.

وبالتالي انسحب اثر كل ذلك على أبناء الطوائف التي تتسمى الأحزاب بأسمائها، فلا السني قد حضي باهتمام الأحزاب السنية التي انتخبها رغم سخونة مناطقهم في تلك الفترة، ولا الشيعي قد حصل على ابسط حقوقه التي كان يأمل في يوم من الأيام الحصول عليها بزوال حزب البعث الذي كتم على أنفاسه، والذي أرسى أبشع مفاهيم الامتيازات الحزبية التي كانت محصورة على أعضائه من حملة الدرجات الحزبية الرفيعة على اختلاف طوائفهم رغم مرضه الطائفي الذي عرف به.

وخير دليل على إن المحاصصة هي حزبية وليست طائفية، ما كان يدور داخل الكتلة البرلمانية الواحدة التي تتكون من عدة أحزاب فكل حزب يريد حصته حسب تمثيله البرلماني، وبذلك تم إقصاء أصحاب الكفاءات وأصحاب الخبرة ممن لم يضعوا أيديهم بيد النظام السابق ومن جميع الطوائف في الحصول على أي منصب يمكنهم من خلاله خدمة بلدهم.

وبالنتيجة صار أبناء كل طائفة مهمشين ومحرومين حتى من فرصة العمل وصار الإنسان العراقي لا يمكنه الحصول على فرصة عمل ما لم يكن في أحد الأحزاب التي تدير العمل السياسي وهذا التفضيل لأعضاء الحزب أو ما يمكن أن نسميه بـ"حق الامتياز" هو أيضاً متفاوت بين شخص وآخر حتى في صفوف الحزب الواحد وذلك بحسب مكانته الحزبية وطاعته لتنفيذ الأوامر وليس على أساس كفاءة أعضاء الحزب.

إن الفهم الخاطئ والقراءة غير الصحيحة من قبل المحللين السياسيين والتي تصدر عنهم بقصد أو بدون قصد هي التي حملت أبناء الطوائف العراقية مسؤولية جرم لم يرتكبوه، حيث نرى ونسمع العديد من التصريحات التي تقول بأن المشكلة الحقيقية في العراق هي مشكلة سياسية.

فبالرغم من إقصاء أغلب أبناء طوائف المجتمع العراقي من المشاركة الحقيقية في العملية السياسية، تم استبدالهم بتوافقات حزبية تخدم أشخاص محددين بعينهم مرتبطين بتنظيمات حزبية.

إذن لماذا تتحمل الطوائف أوزار السياسة وأنانية الأحزاب؟

أعتقد إن ما يطلقه البعض من السياسيين والمحللين والكتاب إضافة إلى ما تروج له وسائل الإعلام المغرضة من أن المحاصصة في العراق هي طائفية، يأتي في إطار حملة كبيرة تقودها أوساط محلية وإقليمية ودولية بالإضافة إلى المحتل لغرض تكريس الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، علما إن كل جهة من تلك الجهات لها أهدافها الخاصة من وراء الترويج للفتنة والعزف على الوتر الطائفي.

فمن يريد بناء دولة قائمة على أساس المشاركة الحقيقية فعليه أن يسخر جميع إمكانياته لبلده لا أن يسخر إمكانيات بلدة ومقدراته لصالح حزبه وجماعته، وقد عشنا فترة البعث منذ أن فتحنا عيوننا على الدنيا فوجدناه يحمل شعار"البعثي أول من يضحي وآخر من يستفيد" وكان ما يحصل على الواقع هو إن "البعثي آخر من يضحي وأول من يستفيد"، وإذا كانت الأحزاب الحالية تنكر على البعث تلك الأفعال والأعمال فعليها أن لا تتخذه قدوة في العمل الحزبي الذي تمارسه.

ومن أجل التخلص من هذه الظاهرة وأعني بها "المحاصصة الحزبية" بمفهوم طائفي وليس بمفهوم سياسي، يجب علينا إتباع ما يلي:

1- ليس من العيب على أي احد أن يخطأ في قيامه بأي عمل من الأعمال، ولكن العيب في الإصرار على الخطأ، ونعني أن تقوم الأحزاب بتصحيح المفاهيم الخاطئة التي اعتادتها في ممارسة عملها الحزبي من حيث تشعر أولا تشعر، وبخاصة التي تقمصت تجربة الحزب الواحد الذي كان يطبقه نظام البعث.

2- العمل على إعادة الثقة بالأحزاب من خلال مشاركتها الفعلية والمساهمة في العمل على رفع المعاناة عن كاهل المواطن الذي كان السبب بوصولها إلى مركز صنع القرار.

3- إجراء مراجعة شاملة من قبل الأحزاب للكوادر التي تعمل ضمن صفوفها، إذ أن الكثير من الأحزاب مخترقة من قبل أشخاص لهم ارتباط وولاء بجهات إرهابية وأجنبية من دون أن يهمهم مصلحة بلدهم، وإن أغلب العناصر المنتمية للأحزاب دخلت لتحقيق مصالح شخصية.

4-  تشريع قوانين تخص تنظيم عمل الأحزاب وحدود عملها وعدم تجاوزها على المال العام لمصالحها الذاتية.

5- اعتماد مبدأ الكفاءة في شغل المناصب المهمة في الدولة من قبل الأشخاص الذين تقوم الأحزاب بترشيحهم لتولي تلك المناصب ولا يكفي كونهم من هذا الحزب أو ذاك مهما تكن مناصبهم الحزبية.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 12 تموز/2007 -27/جماد الاخرى/1428