الصراع الفلسطيني الداخلي يقسم الدولة المرتقبة قبل نشوءها

 شبكة النبأ: هكذا هو شان السياسة عندما تتخذ العنف طريقا لإصلاح شانها والتعاطي مع الظروف بواسطة التطرف الاعمى الذي يلغي الاخر ويجري على تصفيته بالعنف.

وتلقي الآن المعارك والصراعات بثقلها على كاهل المواطن الفلسطيني وهو المحبط بما آل اليه صبره الطويل عبر سنى النضال والتهجير في انه يرى ان القائمون والمتصدون للسياسة هم الذين يهيئون الاجواء للتهجير والتشرد وعدم الاستقرار بدلا من الجهة التقليدية في الصراع.

ان الصراع الدموي بين فتح وحماس قد اودى بالحلم الفلسطيني الى الاحباط والياس من اقامة الدولة الفلسطينية، حيث ان حماس وقعت في فخ العنف الذي تتسم به، واتخذت لنفسها موقعا جغرافيا ضيقا ما سيسهل قطع جميع المساعدات عنها ويجعلها في سجن اكيد، فيما يتمتع الجانب الاخر ( فتح ) بتاييد دولي كبير حتى من قبل اسرائيل، ولكن رغم القوة التي تتمتع بها فتح الا ان الصراع لا يمكن ان يتحكم به ولن تكون لهذه الميزة ان تطفئ من سيل الدماء.

وربما تكون حماس هي التي تحكم غزة الان ولكن بالنسبة للعديد من الفلسطينيين العاديين فان الخاتمة الدموية من الاقتتال بين الفصائل لا يعد الا بمزيد من الفوضى.

وأعطت اجراءات الطوارئ التي فرضها الرئيس محمود عباس في محاولة اللحظة الاخيرة لدعم حركة فتح العلمانية بزعامته في مواجهة حركة المقاومة الاسلامية حماس قدرا ضئيلا من المواساة للفلسطينيين الذين يخشون من ان حلمهم باقامة دولة بالضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة ربما يكون قد تلاشى للابد.

وقالت رانيا مصطفى (32 عاما) الموظفة في هيئة غير حكومية، سواء كنا نود ذلك ام لا.. يوجد كيانان منفصلان.. حماس قسمت الوطن، في اشارة الى غزة والضفة الغربية المحتلة.

وتابعت رانيا التي تعيش بمدينة رام الله بالضفة الغربية، لو كان الرئيس تحرك مبكرا عن ذلك.. ربما لم نكن وصلنا الى هذا الوضع.

وتفصل بين المنطقتين - اللتين بقيتا تحت السيطرة العربية بعد انشاء دولة اسرائيل عام 1948 على معظم اراضي فلسطين التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني - مسافة تبلغ نحو 45 كيلو مترا.. ولكن فتح لاتزال هي المسيطرة في الضفة الغربية الاكبر مساحة.

وبينما انسحبت اسرائيل من قطاع غزة ذي الكثافة السكانية العالية عام 2005 فان جنودها ومستوطنيها ينتشرون في الضفة الغربية فيما يعتبره الفلسطينيون تقويضا اضافيا لسلطة عباس المدعوم من الغرب.

وقال محمد شريف (40 عاما) وهو صاحب محل برام الله في اشارة الى قرارات عباس الاخيرة، كيف يستقيم ما يرغبون فيه من تطبيق قوانين الطواريء بينما اراضينا لاتزال تحت الاحتلال الاسرائيلي..انه شيء مضحك.

واعتبرت حماس بسط سيطرتها على غزة خطوة وقائية ضد عناصر فتح المعارضين لنفوذها السياسي، ولكن الحركة التي تواجه عزلة متزايدة على الصعيد الخارجي اتخذت خطوات تصالحية تجاه عباس.

وقال خليل الحية القيادي بحركة حماس امام حشد في غزة ان قادة الحركة سيبلغون عباس انهم لا يزالون يعترفون به كرئيس للشعب الفلسطيني مشددا على رفض حماس الكامل لفصل غزة عن الضفة الغربية.

ويثير سقوط غزة بدون مقاومة فيما يبدو او بعد مقاومة قليلة من مقاتلي فتح الذين تلقوا تدريبا وتسليحا باشراف الغرب تساؤلات بشأن قدرة عباس على الصمود في وجه أي ضغوط اخرى من حماس.

وتساءلت خالدة جرار النائبة بالمجلس التشريعي عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اليسارية عما اذا كان بوسع عباس فرض حالة طوارئ في غزة بينما لم يتمكن رجاله حتى من الدفاع عن انفسهم، مشيرة الى انه لا توجد قيمة عملية لهذا الاجراء.

وعين عباس يوم الجمعة سلام فياض وزير المالية في حكومة الوحدة الوطنية رئيسا لوزراء حكومة طوارئ بعد ان اقال حكومة تقودها حماس برئاسة اسماعيل هنية.

ويمكن ان يساعد تعيين فياض السياسي المستقل الذي يتمتع بعلاقات طيبة مع حكومات غربية في استئناف ضخ المساعدات المباشرة التي توقفت بعد تولي حماس السلطة في اعقاب فوزها في الانتخابات التشريعية العام الماضي.

الهرب من غزة 

أريد أن أرحل.. فماذا عنك..، بمثل هذه العبارات والاسئلة التي نقلتها رويترز باتت من المحادثات المألوفة بين المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة هذه الايام حيث يدفع الاقتتال بين حركتي فتح وحماس قطاعهم المكتظ بالسكان نحو مزيد من الفوضى.

ومنذ انسحاب اسرائيل من غزة عام 2005 رحل الاف الفلسطينيين من القطاع ليواجهوا مستقبلا غير واضح المعالم في الخارج بدلا من الوقوع ضحية لمعارك الشوارع بين حماس التي تقود الحكومة ومنافستها فتح.

وقال أبو فوزي وهو أب لخمسة أبناء اضطر لاغلاق متجر الملابس الذي يملكه على مدى

أيام الاسبوع الاخير بسبب المعارك "لا أريد أن أموت هكذا.. لم يعد القطاع مكانا امنا.. خلال أيام سأجمع أسرتي وأفر من غزة."

وما زالت حركة الهجرة من غزة التي يقطنها 1.5 مليون نسمة بطيئة. فالحدود مع اسرائيل مغلقة تماما وسبل الوصول الى مصر محدودة مما يجعل الرحيل أمرا عسيرا. لكن الجديد في الامر أن مسألة الهجرة أصبحت تناقش علنا.

فعندما كانت غزة تحت الاحتلال الاسرائيلي طيلة عقود لم يكن الفلسطينيون يريدون ان يظهروا وكأنهم يتراجعون أمام اسرائيل، كما أصدر رجال الدين الحريصون على الحفاظ على الروح الوطنية لشعبهم فتاوى تحرم الرحيل، لكن غريزة البقاء كثيرا ما تغلب الروح الوطنية.

وقال أحمد غاني وهو ينتظر مع أسرته عند معبر رفح الحصول على اذن لدخول مصر "علينا التزامات تجاه الارض لكن الضغوط أقوى.. الكل يريد الرحيل.. كيف يمكن للناس البقاء في غزة بينما لا يوجد أمن.."

وقال التاجر البالغ من العمر 44 عاما "الموقف وصل الى نقطة لم يسبق لها مثيل.. الهجرة من القطاع الى الخارج بدأت."

وقال مراقبو الاتحاد الاوروبي في معبر رفح انه خلال العام المنصرم زاد عدد الذين غادروا غزة على عدد من عادوا اليها بنحو 12 ألف شخص.

ويكاد لا يتوقع اي من الفلسطينيين انفراجا قريبا في هذا الصراع الضاري بالاضافة الى وجود مخاوف من احتمال قيام اسرائيل بعملية عسكرية جديدة ردا على هجمات النشطاء الصاروخية عبر الحدود من غزة، وتقّصر اسرائيل ردها حتى الان على الضربات الجوية والعمليات البرية المحدودة بين الحين والاخر.

وقال صبحي الغليني وهو فلسطيني اخر في طريقه الى مصر "الاقتتال الداخلي والغارات اليهودية سببت احباطا وتركت أثرا نفسيا مروعا على الناس،" وأضاف أنه يعتزم العودة عندما تهدأ الامور.

وعلى الرغم من وجود الفلسطينيين في الشتات في أنحاء الشرق الاوسط وخارج المنطقة فليس ثمة ما يضمن رغد العيش لمن يرحلون حاليا.

وأغلب المهاجرين في الاونة الاخيرة من المتعلمين وأصحاب المهارات مثل التجار والصحفيين على سبيل المثال بالاضافة الى من لهم أقارب مستقرون بالخارج، وقد نقلت 60 شركة على الاقل مصانعها الى الاردن ومصر.

انتقال الصراع الداخلي

يقول جابر العلي (42 عاما) الذي يعمل سائق اجرة لفرانس برس ان، انتقال الاحداث الى مدينة مثل نابلس امر متوقع خاصة في ظل انتشار السلاح والفوضى الامنية وغياب المؤسسة الرسمية والامنية الفاعلة في المدينة وضعف سيطرة الفصائل الفلسطينية على المجموعات المسلحة التي فلتت من عقالها" الى جانب حالة البؤس والاحباط الناجمة عن الحصار الاسرائيلي للمدينة منذ اكثر من 6 سنوات.

وخلال الاشهر الماضية التي تخللها اقتتال بين حركتي فتح وحماس في غزة شهدت بعض مدن الضفة وفي مقدمتها نابلس اشتباكات داخلية بين انصار الحركتين ادت الى وقوع قتلى وجرحى بالاضافة الى حصول حوادث خطف واحراق مؤسسات.

وكان مسلحون مجهولون اطلقوا النار على مبنى بلدية نابلس التي تديرها حركة حماس بينما كان المجلس البلدي يعقد اجتماعا داخل المبنى.

كما فتح مسلحون النار على مكتب نواب كتلة الاصلاح والتغيير في المجلس التشريعي الفلسطيني بينما خطف مسلحون مجهولون شخصا مقربا من حركة حماس.

وفي الوقت عينه حاول مجهولون احراق سيارة مهدي الحنبلي نائب رئيس بلدية نابلس المعتقل لدى الاسرائيليين.

ويقول ابو خالد المصري وهو موظف في بلدية نابلس ان نقل الاقتتال الداخلي الى الضفة الغربية، وارد جدا وهذا امر في غاية الخطورة لانه سيحرق الاخضر واليابس ولن يستفيد منه سوى الاحتلال.

ويرى زهير الدبعي وهو المدير السابق للاوقاف في محافظة نابلس ان ما يحصل الآن في غزة، لا يهدد المشروع الوطني فحسب وانما يعمل على تقويض الوجود العربي في فلسطين.

ويضيف، نطالب من هم في فتح وحماس ان يتوقفوا عن الاقتتال ونقول لهم لم ننتخبكم كي تقتلونا.

ويتابع الدبعي، لا يمكننا ان نجلس ونقول بان لا علاقة لنا بغزة لان غزة جزء من الوطن واهلها هم جزء من شعبنا وبالتالي علينا ان نبذل كل جهد ممكن لاطفاء الحريق المشتعل هناك".

من جانبه يشير زياد الزعنون الموظف في احدى شركات القطاع الخاص الى ان نقل الاقتتال الداخلي الى مدن الضفة الغربية "امر حتمي لان الصراع بين فتح وحماس هو صراع على كراسي ومناصب ومصالح وهذا لا يرتبط بغزة فقط".

ويؤكد ان، كل طرف يحاول الاحتفاظ بالسلطة لكي يحافظ على مصالحه الذاتية التي غذتها طرق تربيتنا المبنية على الفئوية الضيقة وانكار الاخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 20 حزيران/2007 -4/جماد الاخرى/1428