معركة المفاوضات الامريكية الايرانية... وطبول الحرب!

عدنان الصالحي*

   وأخيرا وبعد فترة المد والجزر التقى الطرفان عند النقطة التي طالما تبادلا فيها الاتهامات، فبعد أربعة أعوام على الاحتلال وبعد سيل من التهم التي وجهت إلى إيران وسوريا بتمويل الإعمال العسكرية في العراق ضد القوات الأمريكية وإثارة العنف الطائفي وتمويل المليشيات  بأنواع الأسلحة التقى الطرفان على حياء من الأمر في ما اختلفا عليه طويلاً.

 لم يكن اللقاء العصا السحرية التي تنهي كل شيء بمجرد التصافح أمام شاشات التلفاز أو تبادل الابتسامات لينتهي اللقاء بالتصريحات التي ستكون يقينا تفاؤلية أكثر مما هي واقعية.

 نعم قد يتغير بعض الشيء على ارض الواقع ولاسيما إذا ما حصلت إيران على تطمينات من الجانب الأمريكي بان الرياح ستخف تجاهها  إلى درجة كبيرة إذا ما تعاونت في العراق، وممكن ان يكون الملف النووي هادئ بعض الشيء في حال بيان إيران حسن نيتها بالعمل الواقعي لا النظري في العراق.

 ورغم علم الأغلب بالدور الذي تلعبه إيران  في العراق والذي لم يعد سرا على من هم في الساحتين الأمريكية والإيرانية إضافة إلى العراقيين أصحاب الاختصاص الذين  يبدو إنهم كانوا واضحين في شرم الشيخ في كلامهم مع جميع الإطراف حينما قالوا( لاتجعلوا منا ومن بلدنا ساحة لتصفيات حساباتكم).

ولكن السؤال الذي يدور في الأذهان،  لماذا الآن بالتحديد نزل الطرفان في ساحة المفاوضات بعد إن كانوا ينأون بأنفسهم عنها؟

وهنا نعتقد إن المعطيات على الساحتين الدولية والإقليمية أخذت مأخذها إضافة إلى ساحة المواجهة الأم( العراقية).

فالإيرانيون فتحوا أكثر من جبهة على الأمريكان ولم يكن تواجدهم غير المعلن على الساحة العراقية إلا صورة من الصور التي تواجدوا فيها في أماكن مختلفة،  وهي بلا شك سببت للأمريكان حرجا كبيرا.

إذن فالإيرانيون لم يكونوا لينأوا بأنفسهم عن المفاوضات بقدر ماكانوا يرغبون بحصولها وهم في وضع المتمكن من اللعب  وبعد أن أصبح عجز الأمريكيين واضحا في العراق جاءتهم الرسالة من إيران سريعا ، مفادها (إننا قادرون على أن نخلق لكم المشاكل في أكثر المواطن التي تتواجدون فيها وفي نفس الوقت مستعدون للتعاون ولكن مقابل أشياء)،  وهذه الرسالة الضمنية في التصريحات الإيرانية جاءت متزامنة مع الرحلات المكوكية التي قام بها الرئيس الإيراني (احمدي نجاد) إلى أكثر الدول الخليجية والتي تعتبر من أكثر أصدقاء أمريكا في المنطقة ولقائه مع قيادات تلك البلدان ليكون بذلك قد سبق الامريكيين  بنقل آراءه للخليجيين بأن(عملنا ليس ضدكم بل قد يكون في صالحكم).

وبعد هذه الفترة غير القصيرة من الاحتلال الأمريكي للعراق يبدو إن الأمريكيون وجدوا إن الاعتراف بان ليس كل شيء بأيديهم في العراق بل إن الكثير منه خارج عن سيطرتهم هو عين الصواب وان كان اعترافاً مريراً لكنه قد يوفر عليهم الكثير من الجهد والمال والرجال فيما لو جلسوا مع الإيرانيين وتفاوضوا معهم.

هذا في وضع العراق الذي هو ليس بالمنفصل عن الأوضاع الأخرى كحزب الله اللبناني والمشاكل التي تعصف بالوضع اللبناني الداخلي ولاسيما حركة" فتح الإسلام "الأخيرة التي شكلت مشكلة حقيقة في لبنان ومشكلة خاصة لحزب الله فيه،  والتي يبدو إن رياح الحال فيها تسير لصالح الأمريكيين أكثر من غيرهم فهم قادرين على إحراج الإيرانيين في ساحات أخرى كثيرة،  ولهذا يبدو إن الطرفين وصلا إلى حقيقة إن لكل واحد منهم  قدرته في إيذاء الاخر  ولكن في ساحات لا إيرانية ولا أمريكية.

ورغم إن كلا الطرفين يجلسان على مضض مع الأخر ولكن واقع الحال على الأرض لايعرف ما يرغبان به ولكنه يعرف وقائع وأحداث يجب على المتضررين الانصياع لها ومعالجتها.

قد لايعول الكثير من المراقبين للوضع على هكذا جلسات ولاسيما العراقيين منهم بالذات حيث يرون إن القضية مرتبطة بنوايا الدولتين المتحاورتين  وليس بكلامهما الدبلوماسي والذي يعرف الكثير إنهما لاتكنان الحب  لبعضهما الآخ،ر بل على العكس فمبدأ العداء قائم منذ الثورة الإسلامية في إيران بزعامة السيد الخميني آنذاك وعلى هذا الأساس ترتبت آثار كثيرة منها العقوبات الاقتصادية ضد إيران منذ ذلك الوقت ودعم أمريكا الكبير للنظام العراقي السابق أبان الحرب العراقية ــ  الإيرانية أضف إلى ذلك المشاكل التي نتجت من خلال المواجهات الخطابية والكلامية للقادة في البلدين وصلت الحالة بهما الى وصف احدهما الأخر بمحور الشر و الشيطان الأكبر .

 وبين هذا وذاك ينتظر من يمسك بيده أوراق اللعب الأكثر ( الإيرانيون) في العراق الموافقة من قبل الأمريكان بما يرونه في العراق من رؤى  تصب في مصلحتهم الأولى والمتمثلة بانسحاب للقوات الأمريكية او جدولة انسحابها وعدم الاحتكاك المباشر مع الإيرانيين او التخلي عن توفير الدعم لبعض القوى المناوئة لإيران ووقف الإعلام الموجه في التشهير بسياسات إيران وأهمها بالعمل في داخل العراق.

أما الأمريكيون فلا نعتقد أنهم سيمسكون بأكثر من أوراق حسابية لعدد  ونوع الأسلحة المستخدمة ضد قواتهم في العراق بصناعة إيرانية و الشخصيات المجندة من قبل إيران (حسب مايدعي الطرف الأمريكي) للعمل في العراق وهم من جنسيات إيرانية إضافة إلى رسالة من تحت الطاولة بان( وضع أصدقاؤكم في لبنان سيكون في سوء متصاعد إن لم تتعاونوا معنا هنا في العراق).

ومن هذا كله يظهر بان المفاوضات التي تجري هي مفاوضات إبراز قوة في حقيقة الأمر أكثر منها موضوعية او فنية في التنسيق لتجاوز المشاكل.

ماذا سيطلب الأمريكيون من الإيرانيين؟

 على رأي أكثر المحللين السياسيين فان الملف الأمني سيكون هو المقدم في كل شيء وان الأمريكان سيظهرون لمن جاؤوا من الإيرانيين دلائلهم التي تثبت تورط إيران في العمليات المسلحة في العراق ولاسيما تلك التي تمول المليشيات المسلحة سواء في الطرف الشيعي او السني، وهذا بحد ذاته سيكون واقعا ملموسا  على جدول المفاوضات لأنه سبب اللقاء ولكنه يقينا لن يكون الأوحد في ما يدور في خلف الكواليس بل سينسحب الأمر على ما يرتبط بسياسة إيران تجاه أمريكا والسياسة المقابلة لها في أمريكا لان التفاصيل ستكون أوسع من ان يحضر طرفان طالما تجافيا عن اللقاء المباشر ليجلسوا  ويبدءوا بالتفكير كيف نغلق الحدود وانتهى الأمر!.

بل إن الأمور ستسير إلى تفاصيل قد تكون غائبة حتى عن أصحاب اللقاء أنفسهم وذلك بسرد تاريخ ما أعطى كل واحد للأخر من فرص في التقرب ورفضها المقابل وقد يبدي أيضا في المقابل كلا على حدة ما سبب التباعد وغيرها التي أوصلت هاتين الدولتين إلى هذا الجفاء الكبير المهدد باندلاع عمل عسكري بينهما.

ولكنهم وفي الوقت ذاته يدركون جيدا بان كلاهما في وضع لايحسد عليه،  فالأمريكان يبدو إن أصدقاؤهم اللذين أقنعوهم بالحضور الى العراق لم يكن يهمهم  شيء أكثر من إزالة نظام صدام، وبعدها تركوهم في مأزق الوحل العراقي ليلعبوا دور الرافض لتواجدهم او الساكت في أحسن الأحوال وهنا بدأ الأمريكان في إعادة ترتيب الخريطة السياسية العراقية ليروا من داخل العراق من هم أصدقاؤهم الحقيقيون ومن هم التجاريون.

 وفي خضم هذه الفوضى الكبيرة تسير أوضاع القوات الأمريكية على الأرض من سيء إلى أسوء نتيجة عدم وضوح الرؤية الحقيقة لها وكثرة المشاكل مع الكتل السياسية العراقية إضافة إلى المواطن العراقي، والأّمر من ذلك كله احتمالية فشل الحكومة العراقية في تأدية ما أسند إليها من مهام خلال الفترات المحددة وهذا يعني فشل المشروع القائم حاليا والتفكير بمشروع بديل بأوجه أخرى.

أما الطرف الإيراني فهو يعرف أيضا انه لايمكنه اللعب على الساحة العراقية إلى مالا نهاية بل إن أكثر الطرق التي كان يسلكها في هكذا عمل أما تم كشفها أو إنها ستكشف وهذا بدوره قد يولد لها مشاكل كثيرة مع إطراف لاترغب بخسارة صداقتها كروسيا أو فرنسا أو الصين، هذا في حال لجأت الإدارة الأمريكية إلى مجلس الأمن لتصدر قرار بحق الإيرانيين في قضية مشروعهم النووي او حتى معاقبتها على التدخل في الشأن العراقي  مستقبلا.

أضف إلى ذلك الموقف غير المريح والحرج الذي تمر به سوريا من حملة دولية في قضية اغتيال الحريري  والتدخل في الشأن اللبناني ونحن نعرف كم لسوريا علاقات قوية مع إيران وكذلك علاقتها بحزب الله اللبناني الذي يعاني هو الأخر من حملة موجّهة كبيرة ضده من داخل لبنان.

وهنا يبدو إن طلب الأمريكان سيكون واضحا للإيرانيين وهو (إننا لم يعد بوسعنا الصبر أكثر على ما تفعلوه بقواتنا في العراق وما تقومون به من تخريب لما جئنا من اجل فعله في العراق).

حيث من المتوقع أن يدعو المسؤولون الأمريكيون إيران إلى الكف عن تسليح وتمويل الميليشيات ، ووقف التحريض ضد القوات الأمريكية في العراق وقد يستغل الأمريكيون المعتقلين الخمسة الدبلوماسيين لديها كورقة ضغط تجاه ذلك.

 أما الإيرانيون فان ما أعلنوه من كشف لشبكات تجسس في داخل إيران تمولها الاستخبارات الأمريكية على حد زعمهم فانه سيكون ما سيرفعون ضد الطرف الأخر من ادعاء.

وبين هذا وذاك فأن المفاوضات هي جس نبض لكلا الطرفين وقد يكون العكس، فمن المحتمل ان تشهد الأيام القادمة حالة أمنية متردية تقوم بها عدة أطراف لايروق لها التقارب الإيراني الأمريكي أو أطراف من داخل الجهات المفاوضة تختبر مدى قدرة الأخر على كشف خططه.

وعليه فإننا نتوقع بان يكون اللقاء دراماتيكيا أكثر مما هو حقيقة في الوقت الحالي وسيشابه المؤتمرات السابقة من حيث فاعليتها الا ما ندر و يكون ذلك مرتبطا بقدرة كل طرف على إقناع الأخر بأنه جاء من اجل فتح نافذة للتعامل الجديد ومن اجل تدشين الطرق إلى مستويات أعلى من الآراء والترتيبات والتي قد ينتج منها شيء يفيد الجمود في الملف الأكبر  الملف النووي  وهي عقدة الحبل الحقيقية بين الطرفين.

*قسم الرصد و التحليل

مركز الدراسات والتطوير

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 13 حزيران/2007 -25/جمادي الأول/1428