بين غزة وبغداد.. هل تنتقل تجربة الحكومتين؟

أحمد جويد*

وجود المحتل.

السيادة الناقصة.

الفلتان الأمني.

الصراع على السلطة.

النقص في الخدمات.

التدخل الدولي والإقليمي.

هذه بعض أوجه التشابه بين العراق وفلسطين إلا أن الفرق الوحيد بينهما هو إن الشعب الفلسطيني يتكون من قومية واحدة وديانة تكاد أن تكون واحدة ومذهب واحد وقضية واحدة، على العكس من العراق الذي يشتمل على أكثر من قومية وأكثر من ديانة وأكثر من مذهب وأكثر من قضية.

ورغم أن كفة النقاط ترجح لصالح الفلسطينيين في الوحدة الوطنية إلا إننا نرى إن هناك حكومتان قائمتان على الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحت الاحتلال وان المحتل هو صاحب القرار الأول والأخير في التحكم بمستقبل هاتين الحكومتين.

حكومة جاءت عبر صناديق الاقتراع التي كانت إحدى رغبات المحتل لتكون صناديق الاقتراع هي الفيصل الذي يتم على أساسه تشكيل السلطة الفلسطينية، وهذه الحكومة لم ترى النور بسبب النتائج التي جاءت بها صناديق الاقتراع والتي تتعارض مع رغبت المحتل والدول الغربية التي تسانده والتي تخشى من المفهوم المتشدد للإسلام بحسب زعمها، إضافة إلى مساعدة الدول العربية في إفشال هذه الحكومة والإطاحة بها عن طريق تشديد الحصار عليها تماشياً مع رغبات الدول المساندة لإسرائيل.

وأما الحكومة الأخرى هي التي تم الإعلان عنها في الضفة الغربية وهي ما تسمى بـ"حكومة الطوارئ" والتي تم تشكيلها من قبل الهيئة الرئاسية والتي جاءت ضمن صلاحيات تلك الهيئة، وبالتالي أصبحت هناك حكومة غير منتخبة من قبل الشعب، ولكنها حضيت بتأييد دولي وإقليمي منقطع النظير وتمت مباركتها من أغلب دول العالم المتقدمة وحصلت على اعتراف المحتل وتشجيعه لها والاعتراف بشرعيتها، بالرغم من كونها لم تأت عبر صناديق الاقتراع.

وبالتالي أصبح عندنا بلد واحد وشعب واحد تحكمه حكومتان متناقضتان ومتصارعتان وتحملان نفس الهدف وهو تحرير الأرض المحتلة من براثن المحتل، "وهذه تجربة فريدة من نوعها في النضال من أجل تحرير الوطن والمقدسات".

ورغم التشابه الذي جرى ذكره بين الواقع الفلسطيني والعراقي وما يجري على الساحة السياسية والاجتماعية والدينية في العراق من تعقيدات بسبب السياسات اللامسؤولة من قبل المحتل وبعض الأطراف السياسية والدينية، وما تقوم به الجماعات المسلحة من تأزم للأوضاع وبشكل يومي، أصبحنا نسمع أصوات من هنا وهناك تتحدث عن وجود انقلابين على السلطة الشرعية التي تم انتخابها، وبعض الأخبار التي تروجها وسائل الإعلام والتي تتحدث عن إن هناك جدول أو سقف زمني على الحكومة الحالية الالتزام به وإلا!!!.

بالإضافة إلى ما سمعناه من تصريحات لرئيس الحكومة عن وجود مؤامرة، ولكن ليس على طريقة حماس لأن حكومة حماس هي حكومة منتخبة وهي التي انقلبت على ذاتها، أما في بغداد فان الاتهام بالانقلاب موجه إلى جهات غير منتخبة، أو جهات تم انتخابها ولكن لا تحضى بأغلبية  نيابية، ومن المحتمل أن تسفر الأيام القادمة عن انقلاب أو تغيير في بغداد قد يكون من قبل الحكومة المنتخبة ولكن بظروف ووضع يختلف عن وضع حماس والسلطة الفلسطينية. 

والسؤال هو:

هل يمكن أن تتكرر التجربة الفلسطينية في العراق في حال إعلان حكومة طوارئ أو حكومة إنقاذ وطني أو سمها ما شئت؟ أم إن تغيراً أو انقلاباً من نوع آخر سوف يحدث في بغداد؟

باعتقادي فيما لو تمت هذه الخطوة أي الإعلان عن الحكومة البديلة في العراق تحت أي مسمى، وهذا الإعلان طبعاً لا يصدر من هيئة الرئاسة كما فعل "عباس" في الضفة الغربية، وإنما من المتوقع أن يقوم به المحتل بمباركة أطراف عربية لا تريد للعملية السياسية الحالية الخروج من النفق الذي تسير فيه،  ويتم الإعلان عنه لسبب أو لآخر بنظره هو أي"المحتل"، فان التجربة الفلسطينية سوف تتكرر في العراق، وذلك لأن الحكومة المنتخبة لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تتقبل أية حكومة أخرى تكون بديلة لها.

أما "الحكومة البديلة" فسوف تجري الأمور معها كما جرت مع حكومة عباس في الضفة الغربية ويتم ذلك عن طريق الدعم العربي للحكومة البديلة والعمل على ضبط الحدود من قبل الحكومات العربية وتقديم المساعدة لها للقيام بمهامها.

وسوف يعمل المحتل من جانبه وبجدية على ضرب بؤر التوتر واعتقال قادة الجماعات المسلحة التي لا يؤمن بالعمل معها أو التي تطالب بخروجه من العراق، والعمل من أجل توفير الخدمات التي لم تستطع الحكومة المنتخبة توفيرها أثناء مدة وجودها في السلطة لتثبت إن الجماهير لم تكن موفقة في اختيارها لقادتها.

وفيما لو حصل ذلك فسوف يكون هناك خطأ استراتيجي لا يمكن إصلاحه في وضع معقد كالوضع العراقي الذي يشتمل على كثير من المتناقضات، وسوف تكون الساحة العراقية مسرحاً عسكرياً لكل القوى المسلحة والدول الإقليمية التي تريد تسوية حساباتها السياسية داخل العراق أو تلك التي تريد إحراج المحتل في المنطقة، إضافة إلى تدخل الدول التي تسيطر عليها أو تؤثر بها مؤسسات دينية تضمر في داخلها حقداً مذهبياً واختلافاً عقائدياً مع أبناء الشعب العراقي والتي لا تريد له الخير والاستقرار وقيامها بمد الجماعات المتطرفة بالمال والسلاح.

فما جرى في فلسطين كان سببه:

1-     التدخل الدولي والإقليمي في الشأن الداخلي الفلسطيني.

2-     تشتت القيادات الفلسطينية وعدم توحدها أو وضعها لبرنامج سياسي موحد.

3-     كثرة الفصائل المسلحة التي لم تصل إلى أي تنسيق فيما بينها اثنا ممارسة عملها العسكري وعدم وجود أي تخطيط مشترك بين تلك الفصائل.

4-     جعل الوصول إلى السلطة الهدف الأول من قبل القيادات الفلسطينية، وانصراف اهتمامها عن القضية الأساسية للشعب الفلسطيني.

5-     تنفيذ أجندة خارجية من قبل المتصارعين على السلطة داخل الأراضي الفلسطينية لمصلحة جهات دولية وإقليمية لا تعود بالفائدة على الشعب الفلسطيني.

6-     تبني الدول المتصارعة للقيادات المتنافسة داخل الساحة الفلسطينية والتي عكست معها مشاكل تلك الدول على الواقع الفلسطيني.

7-     النهج المتطرف الذي اتبعته الجماعات المسلحة المنفلتة والتي تحمل الفكر التكفيري ضد القوى الفلسطينية الأخرى.

8-     رغبة بعض الرموز الفلسطينية في الاستمرار على رأس السلطة والتمسك بها حتى لو كان ذلك على حساب إرادة الشعب.

9- تحول بعض الجماعات النضالية الى عصابات مسلحة تفتك بالشعب الفلسطيني من اجل مصالحها الفئوية والحزبية الضيقة.

10- استخدام الإلغاء والإقصاء كسلاح استراتيجي من اجل تهميش الآخر وسحقه، وبالتالي فلا وجود الى عملية شراكة حقيقية بل  هو استفراد بالقوة والقمع وتكريس للاستبداد والاستئثار.

وبرغم كل تلك الظروف والمتناقضات التي تحدث على الساحة الفلسطينية، فان الوضع في العراق أكثر تعقيدا وأكثر عرضة للتداخلات واللعب السياسي والعسكري والذي تكون نتائجه على حساب أرواح أبناء العراق واستقرارهم وتمزيق بلدهم.

وبذلك فان على المحتل والحكومة المنتخبة السباق مع الزمن وان تقوم الحكومة بإصلاح الأخطاء التي ارتكبتها في الفترة السابقة وعدم التستر على المجرمين وفضحهم وتسمية الأشياء بمسمياتها، وإظهار نتائج التحقيق التي تقوم بها أجهزتها الأمنية لكل الأعمال الإجرامية، وتقوية القضاء العراقي ليمارس دوره بصورة مستقلة بعيداً المحاباة والتأثيرات الحزبية، ليكون الجميع تحت طائلة القانون مهاما كانوا يحملون من صفة، من أجل عدم الانزلاق أكثر وضمان عدم ازدياد الأوضاع سوءً وذلك وفق مراجعة شاملة وجدية لجميع الخطوات السابقة التي تم على أساسها شغل المناصب الحكومية وإلغاء مبدأ المحاصصة، حتى لا تصل الحال إلى ما وصلت إليه في فلسطين إن لم تكن أكثر سوءً.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://wwwshrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 1 تموز/2007 -14/جماد الاخرى/1428