بعيدا عن روعة الشعر

في رحيل أميرة الشعر نازك الملائكة

بقلم : د. وليد سعيد الياتي

مازلت ارحل في قافلة الليل، اتعثر في شرك الكلمات، ابحث عن لغة اخرى تستوطن ذاكرتي، يامرأة من لهيب الجرح مابال الشعراء لاينزفون إلا قصائد تحمل ايقاع الانين؟ هي امرأة تسكنها الغربة، اقامت على حافة الجرح مملكة عرشها الياسمين، آه.. من ايما طينة جبلت؟ ألست من هذا الطين؟ فمن أين لك كل هذه الروعة سيدة الحنين؟

 كنا نرحل في مملكة الشعر تلاميذا نبحث عن كلمة لها روعة الالق الآتي، نستجلي قمرا يرحل أو انجما تومض بعيدا في ذاك اللامتناهي روعة قدسية، مهلا..مهلا.. أليست هي الكتابة جرح ينزف؟! قلب ينزف؟! وطن ينزف؟! وحده الشاعر يدرك كيف يصبح الوطن حقيبة مسافر، وها نحن الراحلون في رمل الاوطان ألفا ندرك ان الوطن صار جرحا غائرا في تلك المساحة من الجسد، هنا كل الاجساد متعبة، اتعبها الترحال فتعالي ننصب على حافة الجرح خيمتنا، ونوقد نارا للراحلين، من يأتينا في المساءآت أميرة الشعر، من يوقض فينا ذاك الحنين؟ من يمسح عن اجفاننا رمل الغربة؟

 من يهز مهد رضيع لم يغسل عينية بمرأى نخلة؟ هكذا تمضين سيدة الشعر، فالراحلون كثر في هذا الزمان، وأنت امرأة من ألق الفجر، تختالين بقصيدة، وترسمين الوطن كلمات، تبحث ان فجر آت.

مازلت ارحل في قافلة الليل، استوطن وطنا غير الذي اعرف، ابحث عن زنبقة الفجر، اجعل من كلماتي ستائر لنافذتنا العتيقة.  وككل العراقيين احمل جرحي. وها انت قد رحلت سريعا، هل يدرك الاخرون كم انتظرت في المحطات بحثا عن قطار يغادر الجرح، او طائرة تحملك على جناحيها خارج دائرة اللهب، فق قيل لي يوما ان نازك كانت ( نازكة – رقيقة -)، وان صوتها لايخدش غلالة الصمت، وان شعرها يندك عميقا في الوجدان، ووجدت ما قالو حقا، لكنك وككل الرائعين رحلت، ومازلت اسال كيف يمكن لهذا الشعر ان يكون رائعا حد الموت؟ وإنسانيا حد الوجع؟ هل ان مصير الشعراء ان يهجروا؟ أن تستباح روعتهم؟ أن يصيروا حقائب مسافرة تتقاسمها مطارات الدنيا، ويعبث بألقها رجال الجمارك؟ لكنك أميرة الشعر تدركين وجع القصيدة، وكيف عندما تصبح القصيدة سيفا يرهب الاعداء مرة، او زهرة يتناقلها العشاق مرة اخرى، وانت ككل الرائعين يدركون ان الكلمات سفر أزلي، وان الشاعر كالشهيد كلاهما يحمل جرحا ينزف، وإنك حتى هناك كانت دجلة تلاحقك حلما وهمهمات على الضفاف، مازلت (عاشقة الليل) حيث أنت (اغنية حب للكلمات) ترحلين (في وادي الحياة) وترسمين (للغرباء) دروبا  كي يكتشفوا ألقا ربما لم يعرفوه.

أميرة الشعر، إن الشعر بعدك حزين، تتسائل القصائد عن اميرة من زمن الحنين، أبغير العراق كنت تحلمين؟ أم لغير دجلة تكتبين؟ وداعا أميرة الشعر الابية، أتركت لنخل العراق وصية؟ احلمت ان تعودي كما كنت يوما صبية؟ تلعب في باحة البيت، صغيرة، ملائكية؟ منذا يعيد الزمن للوراء؟ منذا يخيط من غبش الفجر غطاء؟ منذا يرسم بالكلمات نداء؟ ياسيدة الشعر، اني مازلت ارحل في قافلة الشعر وحيدا، اسمع في سكن الليل حداء. مهلا هذي كلماتي الاخيرة، فاسمعيها يا أميرة، واحفظيها في رحلة بعيدة عسيرة، هناك حيث الملائكة تحب الملائكة، فانظري إن كانت كل الدروب سالكة، قد فررت من هذه الدنيا فاحمدي الله انك تاركة. 

*المملكة المتحدة – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26 حزيران/2007 -10/جماد الاخرى/1428