استهداف الاماكن المقدسة في العراق استراتيجية ارهاب قديمة

تحقيق:عصام حاكم

شبكة النبأ: ما يلفت النظر وربما يثير الشىء الكثير من علامات التعجب والاستغراب والاشمئزاز في ان واحد، ان يتحول جهاد المجاهدين الجدد صوب اماكن العبادة ومراقد الاولياء والصالحين، ولم يقتصر فعلهم الجهادي عند حد بل تعداه ليشمل كل ما من شانه نبض الحياة، مما يعطي انطباعا سيئا لدى المتلقي بان هذا الفعل لن يكون من وحي الصدفة او حالة طارئة، بل هو نتاج اكيد وانعطافة كبيرة تشير ضمنا الى دلالات زاخرة في عمق التاريخ المضطرب في عناوين ومتاهات القراءات الخاطئة، لتوقظ من خلال ذلك زوبعة التطرف الفكري والعقائدي، وهذا بطبيعة الحال يخلق ارهاصات ومخاضات صعبة في بناء  كينونة النسيج الاجتماعي العراقي.

ومن اجل ذلك كان لـ( شبكة النبأ المعلوماتية) هذه الوقفة للخوض في فهم تلك الاستراتيجية التي تستهدف اماكن العبادة وما هي الاهداف والدروس المستخلصة من هذا السلوك المشين فكانت الحصيلة ما يلي:

حيث كانت وقفتنا الاولى مع الدكتور(عباس الطائي) فحدثنا قائلا: اني اختلف مع الكثير في تقييم هذه التجربة او هذا السلوك غير الحضاري وغير الانساني بالمرة، بيد انني اقف امام حقيقة ناصعة البياض لا تحتمل اللبس مفادها ان هؤلاء الوحوش لا تحكمهم ضوابط او اعراف بل هم اقل شأنا من الوحوش والكواسر ذاتها والدليل واضح وبسيط جدا، فالحيوان بطبيعتة  التكوينية يكتفي بفريسة واحدة فقط اما هولاء القتلة فهم يقتلون الناس الابرياء بالجملة ولا يردعهم دين او ثقافة اومبدأ، لذا فاني لا استغرب منهم أي سلوك او اي تصرف خالي من المفاهيم الانسانية، فحتما يتسم  تجاوزهم على الاماكن المقدسة في كينونة سلوك  منحرف وينسجم  في اغلب الاحيان مع طبيعتهم العدوانية.

اما محطتنا التالية فكانت مع السيد(عقيل شريف) حيث قال لـ(شبكة النبأ): لا استطيع ان ابرر الاعتداء على حرمة الاماكن المقدسة في العراق تحت أي عنوان، وانا اجد العالم الاخر يعتز ويهتم كثيرا بالمعالم الاسلامية  والاثار العربية، ليس هذا فحسب بل يحفظوها بافضل المتاحف ويشددون عليها الحراسة، وهؤلاء القتلة يهدمون دور الاولياء والصالحين على رؤوس المصلين فاية امة هذه التي تحاول ان تقتل حاضرها وماضيها ومستقبلها، فضلا عن انني استغرب جدا هذا الصمت العربي والاسلامي ازاء استهداف  المراقد الدينية في العراق، فبئست هذه الامة التي لم تدخر شىء لدينها او دنياها.

اما وقفتنا الثالثة فهي مع القاص(عدنان عباس سلطان) حيث قال لـ(شبكة النبا): يكاد التاريخ ان يعيد نفسه من جديد، فـ(يوم الفيل) ابى الا ان يلقي بضلاله على هذا الشعب الصابر، وكأني بتلك الاهداف  السابقة هي التي تحرك اولئك القتلة وذلك ليتسنى للحجيج الذهاب الى شرم الشيخ او الى منتجعات دول الخليج المزدهرة بالزنى والرذيلة، وما يبعث على الاستغراب فعلا ان راية الجهاد ومحاربة الكفر والاحتلال لا تصدق الا في حدود العراق فقط،علما بانهم محتلون ومنذ اعوام، ولحد الان لم تصدر فتوى من هؤلاء المجرمين بقتل الامريكان او تهديم الكعبة او تهديم قصر معاوية، اذن نحن امام استراتيجية هي ابعد ما تكون عن الجهاد او التحرير، بل  هي ترمز الى نوازع فكرية وطائفية مقيتة تحاول من خلالها تمرير مخطط يرمي لقتل الحقيقة والدين والانسان العراقي على وجه الخصوص تحت راية الجهاد الجديد.

 اما( علي شدهان) فقد حدث شبكة النبأ قائلا: ربما قد  تزدحم الافكار في اقتناص الحقيقة الشاردة عن ضوء الشمس، وهي كذلك عندما  تلج السماء غيوم كثيفة، هذا ما اراه في واقع اولئك الذين يدعون الدين جزاف فهم يستبيحون كل المحرمات من قتل النفس الى قتل الزرع والضرع فكيف بهم يتوقفون عند الاماكن المقدسة وهم لا ينتمون الى أي دين او طائفة وما ينسبونه لانفسهم من دين فهو بالتاكيد من باب الزيف والادعاء ليس الا، فلم نسمع او نرى أي دين من الاديان يجيز القتل  بل وحتى الاديان غير السماوية، فهي بالتاكيد تعنى بالكائنات الحية عموما، لذا لاينبغي لمن يمتلك عقل ان يستغرب اي سلوك مهما كان طبيعة هذا السلوك العدوانية من هولاء القتلة والذين هم يبيحون قتل الدنيا بكل صنوفها.

وقد كانت محطتنا الاخيرة مع السيد(علي ياسر) حيث قال لـ(شبكة النبأ): تتجلى صور كثيرة عبر نافذة التاريخ الزاخر بعلامات هي اشبه ما تكون بهذا السلوك وهي ليست ببعيدة عنا، فمنذ اربعة عشر قرنا ومراقد الاولياء والصالحين محطة مهمة يستكن اليها اولئك المجرمين من اجل العبث بها او النيل منها، تحت عناوين مختلفة كان يكون الشرك او الالحاد او اسباب اخرى، وهذا الامر بطبيعة الحال يملي علينا ان نستوضح بان تلك الثقافة هي ليست ثقافة دخيلة او جديدة فعلا  كما يدعي البعض على الواقع العربي، والذي هو بالتاكيد ينسجم معها او يستجيب لنداء ثقافة القطب الواحد من دون اعطاء الطرف الاخر فرصة الاسهام في اتخاذ فكر اخر مهما كان ذلك الاختلاف بسيط ولا يشكل عصب مهم في تغيير مسار الدين مثلا او جوانب انسانية اخرى، هذا مما يجعل الباب مشرعا على مصراعيه لكل من هب ودب ان يفتي ويقتل متى يشاء.

 اذن نحن امام ثقافة عربية بدوية اصيلة وهي تكاد ان تتطابق مع فكر منظمة القاعدة الارهابية اليوم، لذا فاني اصر على ان التشدد الاسلامي هو نسق او وجه من اوجه الحضارة العربية البدوية وليس فيه من الاسلام شيئا، وهو لا يذعن بالمرة للراي الاخر او اختلاف المفاهيم والافكار وهذا يخلق حالة لبس في قراءة الاخر.

ومن هنا نستخلص بان ثقافة استهداف الاماكن المقدسة في العراق هي ليست ثقافة جديدة فعلا كما يدعي البعض، وما تعرضت له الاماكن المقدسة في العهد القريب لهو دليل واضح يحاول ان يدحض كل التوجاهات التي تتهم جهات اخرى من باب اسقاط التهمة عن اولئك المجاهدين الجدد من الصداميين والتكفيرين. ولعل شواهد التاريخ في بدايات القرن الماضي شهدت استهداف المراقد المقدسة في كربلاء والنجف الاشرف حيث خاض المتطرفون واصحاب الفكر التكفيري في دماء المسلمين وعاثوا فسادا في ممتلكاتهم وعقائدهم ومقدساتهم.   

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25 حزيران/2007 -9/جماد الاخرى/1428