وسائل الإعلام والتحديات المعاصرة

تهاني خليل علي النيسر

نعيش في مطلع هذا القرن ومنذ بزوغ الألفية الثالثة مفارقات سريعة لايكاد يستوعبها العقل البشري في ثوان, بسبب العولمة التي جعلت العالم قرية كونية من خلال التقارب بين وسائل التكنولوجيا الحديثة من إنترنت وفضائيات وصحافة,,, وغيرها  من وسائل الاتصال الأخرى والتي فرضت نفسها على الساحتين المحلية والدولية, أخذتاً اجتياج العالم دون هوداة فيه, مما شكل هاجساً كبيراً, وهماً دفنياً بات يؤرق بال الإنسانية جمعاء بمن فيهم القطاع الإعلامي الذي يعتبر إحدى ركائز المجتمع الأساسية, وذلك لمقدرته على الاختراق العلمي الذي يتسم بفاعلية كبرى وانتشار سريع وخطير.

 منها على سبيل المثال لا الحصر: الانفتاح على العالم, وخلق أجواء الثقافة في المجتمع كنشرات الأخبار والبرامج الثقافية والإسلامية والرياضية بشتى صنوفها من البرامج الهادفة, والذي لاننكر – نحن أفراد المجتمع – أهميتها ودورها في تغيير أنماط حياة الناس على كافة المجالات ومختلف الأصعدة.

وفي مقابل هذا كله, يأتي النقيض على ماذكرناه من حيث الجوانب السلبية لتلك الوسائل الإعلامية المختلفة والتي شكلت الجزء الأكبر منه بحيث أصبحت عنصراً هاماً في اختفاء صورة القيم والأخلاق السامية الإسلامية التي لطالما سعى الآباء والأمهات والمربون التربويون بخطى حثيثة في شخصيات أبنائهم وبناتهم وفق تعاليم الدين الإسلامي ومناهجه السمحاء.

 كما أنها سبب لكثير من الأمراض النفسية كحالات الإكتئاب والقلق والخوف وغيرها, والاجتماعية كالعزلة والتقوقع وغيرها, والتي يعاني منها الفرد والمجتمع على حد سواء. وتتضح الصورة أكبر لتلك الوسائل الاعلامية اليوم بما تمثله في المفردات الإعلانية والتجاري والهابطة والمغرية والتي تعرض على مدار أربع وعشرين ساعة, الأمر الذي حدا بأفراد المجتمع إلى الانسياق وراءها, وتقليدها تقليد أعمى.

لهذا يكفيك – عزيزي القارىء- أن تجلس مشاهداً وليس ناقداً لتحكم على ما يجري من تلك الوسائل الاعلامية – وخاصة الفضائيات – لترى عن كثب تأثيرها الخطير والكبير على واقعنا المعاش سواء كان ذلك في البيت أو في المدرسة أو في العمل أو في الشارع أو غيرها.

وكلها سلوكيات مخططة ومبرمجة بدقة لامتناهية وبطرق جذابة ومختلفة وذلك لمسخ العقل العربي وطمس هويته الإسلامية من قبل أعداء الإسلام ومستهدفيه.

لهذا وفي خضم هذه التغييرات المتشعبة يواجه التربويون بوجه خاص والآباء والأمهات بوجه عام مشكلة خطيرة داخل أروقة المدارس وأسوار المنازل, وهي إن مايبنيه هؤلاء في سنوات يهدم في لحظات ! بل الأدهى يهدمه الإعلام في ثوان ؟ كما أشار الشاعر إلى ذلك بقوله:

متى يكتمل البنيان تمامه                    إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ

إن سؤالاً هنا يطرح نفسه: هل باستطاعتنا اليوم أن نواجه زحف وسائل الإعلام بسلاحي التربية والتعليم ؟؟

نقول نعم، إن استطاعت المدرسة أن تهييء البيئتين الفيزيقية ( الحسية) متمثلة في موقع المدرسة, والمباني المدرسية كالصالات الرياضية والنوادي الترفيهية والمكتبات والمعدات المدرسية وغيرها. وكذلك البيئة المعنوية متمثلة في جميع طاقم المدرسة من مدير ومشرفين ومدرسين وعاملين وتلاميذ, وذلك بتهيئة الظروف النفسية والصحية والتكنولوجية لجميع طلاب المدرسة, بالإضافة إلى تلبية احتياجاتهم وإشباع رغباتهم خاصةً في مراحل التعليم الأساسي (الإبتدائي ) لاعتبارها اللبنة الأولى التي تبنى عليها جميع مراحل التربية والتعليم العام.

وبعد... يبقى القول: إن تأثير وسائل الإعلام والتكنولوجيا اليوم أصبح ظاهرة خطيرة وبارزة, لاشك أنها طالت من خلال الهويات القومية والعربية ولعبت دورها الفّعال في تغيير المجتمعات على إختلافها كماً وكيفاً, مخترقةً كل الحواجز والأسوار, وكما قلنا سلفاً أن العالم بذلك أصبح (قرية كونية واحدة). بدليل إعصار جونو الأخير الذي وحّد شعوب العالم عبر وسائل الإعلام.

أن التحدي الأكبر الذي يواجه الإنسان اليوم يتمثل في تهيئة الظروف المناسبة وتوقيتها ضمن ميعاد يوافق عصرنا الحالي, ووفق منهج الإسلام القويم ضمن رسالة القرآن العظيم, ذلك لأن مشاكل العالم اليوم على حد تعبير جميس أو غليفي: ( لايمكن حلها بواسطة العلم والتكنولوجيا فهي مشكلات تحتاج لدرجة عالية من الابتكار الاجتماعي المنقطع النظير).

ويتمثل ذلك في مقدرة الإنسان على التغيير وإرادته في بلورة أمور الحياة الدينية منها أو الدنيوية. كما عبرّ بذلك الإمام علي (ع) حيث قال:

داؤك فيك وماتشعر            دواؤك فيك وما تبصر

وتزعمُ أنك جرمُ صغير         وفيك إنطوى العالم الأكبر

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس21 حزيران/2007 -5/جماد الاخرى/1428