العهد الأمريكي قبل العهد الدولي

عبد الامير علي الهماشي

 عقد مؤتمر العهد الدولي في شرم الشيخ بمصر ليمثل إحساسا وشعورا بالمسؤولية الدولية تجاه العراق بعد اللامبالاة لمعاناته التي بدأت على شكل حصار اقتصادي وثقافي وعلمي منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي امتدادا الى أحداث التغيير في التاسع من نيسان عام 2003 وتحول العراق الى ساحة للصراع بين الولايات المتحدة والارهاب و كان المتضرر الاول في كل ذلك هو الشعب العراقي.

كما عُقد قبل يومين مؤتمر التحالف لدعم العراق في  ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة لتشكل دعما آخر للعراق وحكومته في مواجهة الارهاب نيابة عن العالم كله.

 واستطاعت الادارة الامريكية بفضل سفيرها السابق في العراق (زلماي زاد) من تحويل المشكلة من مشكلة أمريكية مع الارهاب الى مشكلة عراقية سبقه في الـتأسيس لذلك السفير(نغروبونتي) وقد تم ترقيتهما لنجاحهما في العراق الى مراتب أعلى في الادارة الامريكية.

 إن الغموض في إدارة السياسية الامريكية في العراق وعدم وضوح ستراتيجة معينة جعلت الفرقاء السياسين لايعتمدون منهجا واضحا معتمدين على نحو رد الفعل وكلما حاول فريق بناء خطابه السياسي بما يغازل الفريق الامريكي تفاجئه الادارة الامريكية بتصرف يقلب له موازينه.

ويبدو أن الادارة الامريكية تعيش الغموض في الكثير من سياساتها العالمية ،وينحصر القرار في دائرة ضيقة جدا مما يقلق الخصوم السياسين في الولايات المتحدة وهو ما يدعو الزعماء الديمقراطيين الى وضع قوانيين لربط تمويل القوات المسلحة الامريكية في أفغانستان والعراق بجدول زمني للانسحاب من هذين البلدين،وهو شعور ربما يكون مبررا لغموض مستقبل تحرك هذه القوات شرقا أو غربا في العراق مع إقتراب نهاية ولاية الرئيس الامريكي (جورج بوش) الذي  يعتمد في قرارته على إشارات روحية وحدسية ،ويتساءل الكاتب الامريكي  (دانييال ديفير)عن سياسة الرئيس الامريكي عما إذا كانت إدارة الرئيس( بوش) قد تبنت أي سياسة حيال أي أمر ولو كان ذا أهمية وسطى!!.

ربما يشعر بعض المراقبين بأن الادارة الأمريكية تخبطت وتتخبط في العراق مما دفع بالديمقراطيين  الى تشديد الحملة وإصدار قانون في الكونغرس كحماية للقوات الامريكية وإنهاء الحرب في العراق ،بعدما نجحوا في حملتهم الانتخابية لاختيار أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ ولكن الرئيس الامريكي يؤكد على أنه ماض حتى نهاية الشوط  من خلال نجاح استراتيجيته وقد استشهد في خطابه عند زيارته لمدرسة الشلالات الشرقية في ولاية ميشغان حيث قال نقلا عن أحد المختصين بشؤون الشرق الاوسط (د.فؤاد ديمبي) فقال: ان الذي يسافر بين واشنطن وبغداد يتفاجأ يالتشاؤم القائم في واشنطن والشعور بالتفاؤل المشوب بالحذر في بغداد...

ولكن الستراتيجية الامريكية في العراق لايعلمها إلا الرئيس الامريكي ونائبه وحلقة خاصة بخلاف الادارات السابقة وهو ما يقلق الزعماء الديمقراطيين لانهم لم يطلعوا على كل خطط الادارة الحاكمة التي تمثل بعدا أمنيا وستراتيجيا على مستقبل الولايات المتحدة.

 ومن هنا بدأت لعبة الشد والجذب التي نجح الديمقراطيون في استغلال الانباء التي تسوقها وسائل الاعلام قبل غيرها نتيجة تصارع أجنحة الادارة الامريكية في العراق ويحاول الديمقراطيون ذلك باصدار قانون يربط تمويل القوات المسلحة بجدولة الانسحاب من العراق وانهاء الحرب فيه وكذلك افغانستان وقد أفشل الرئيس الامريكي هذا المشروع بفعل الفيتو الذي يتمتع به دستوريا.

 ويعتمد الديمقراطيون في جُل معلوماتهم على التقارير الصحفية الواردة من العراق وقد أثبت الساسة الامريكيون أنهم الأكثر تأثيرا بهذه السلطة مع علمهم أنها من صناعة دوائر خاصة توظف المعلومة وتسوقها حسب الطلب ، كما إننا نعلم إن معظم هذه التقارير منتقاة وتعتمد في معلوماتها على عين واحدة ، وقد نوه الكاتب الامريكي (برافورد)استاذ العلوم الاقتصادية في جامعة كاليفورنيا الى أنه لايمكن الاعتماد على الصحافة الامريكية في استقاء المعلومات  لاسباب يعرفها وهو الذي كان نائبا سابقا لوزير العدل في ادارات سابقة للبيت الابيض فقال: إنني ادرك تمام الادراك بأن العالم لن يسمح لنفسه في استقاء المعلومات من الصحافة الامريكية.

وإذا كان هذا السياسي والاكاديمي قد أدرك هذه الحقيقة مؤخرا فمازال السياسيون الامريكيون يصدقونها ويستشهدون بها أمام اللجان التحقيقية الامريكية دون الاعتماد على مصادر اخرى خاصة تكون موضوعية ومهنية.

وبعد هذه المقدمة نعود لمؤتمر العهد الدولي الذي جاء بعد مؤتمر مدريد وغيره بحاجة الى أرضية لتثبيت قراراته وتوصياته التي لانريد أن تكون مجرد بروتوكولات معدة للضرورة الاعلامية ولتحشيد الدول خلف الولايات المتحدة في ما تمضي إليه ليس إلا أو تلزم الحكومة العراقية بقرارات والتزامات دون مساعدتها على تمكينها من الايفاء بهذه الالتزامات.

مؤتمر العهد الدولي بحاجة الى عهد أمريكي في تمكين الحكومة العراقية من بسط الامن أولا من خلال التعامل المرن والتفاهم حول القضايا ووقف التحركات الامريكية لقواتها التي تربك المواطن قبل المسؤول في إحداث الخلل الامني هنا وهناك.

إن على الادارة الامريكية أن تمنح ثقتها بحكومة المالكي لاتمام المهمة مع عدم التخلي عن دور الراعي المشرف دون أن تكون المعرقل لسير هذه الحكومة بطريقة واخرى ووقف التقارير الصادرة من دوائر صحفية قريبة لمركز القرار الامريكي ليست في صالح سير العملية السياسية في العراق.

على الادارة أن تتعامل مع الواقع العراقي بشفافية ومرونة لتخفيف الضغط من الديمقراطيين على الاقل في هذه المرحلة ويكون المالكي خيارها بعيدا عن تخوفات وتوجسات الجوار في تطبيق للبرغماتية الامريكية المعروفة.

ويجب أن يكون التعامل الامريكي مع الجماعات المسلحة (الارهابية سابقا) من خلال قنوات الحكومة العراقية في أي مفاوضات أو محادثات لدعم العملية السياسية في العراق.

وعندما تكون الادارة الامريكية مستعدة للتفاهم والعمل بصورة جدية مع الحكومة العراقية وتشعر أنها قادرة على أخذ زمام المبادرة في كافة المجالات عند ذلك يتحقق العهد الامريكي ممهدا لنجاح العهد الدولي ويترجم الى وافع عملي ينتقل من حبر الورق الى الارض العراقية ليجد طريقة الصحيح في المجتمع الدولي.

نعم إن الوقت يسير لصالح حكومة المالكي بعد هذا المشهد الدولي الذي يترجم اعترافا صريحا ورعاية لم تشهد التاريخ الحديث مثيلا لها تجاه العراق ، وبحاجة الى تحرك حكومي في كل المجالات لشرح الامر للجانب الامريكي لتحمل مسؤوليته.

واكرر ان العراق بحاجة الى عهد أمريكي قبل العهد  الدولي  لان مفتاح الحل لكل المشاكل بيد الادارة الامريكية وعدم وضعها الحكومة العراقية بموقف الضعيف وغير القادر على تنفيذ القرارات أحد مفاتيح الحل وأحد التزامات العهد الامريكي.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاثنين  7 آيار/2007 -18/ربيع الثاني/1428