الفصائل المسلحة العراقية وتنظيم القاعدة طلاق غير ذي رجعة

إعداد: قسم الرصد والتحليل

 شبكة النبأ: ما جرى في الأيام الأخيرة بمدينة العامرية في بغداد وفي مناطق أخرى لم يكن حدثا عاديا على الإطلاق ولم يكن تسابق لنيل المراكز او خلاف على قضية بسيطة تشابكت بطريقة ما.

ولكن يبدو إنها سياسة جديدة قد ظهرت للعيان اتبعتها الفصائل المسلحة في العراق وفي الطائفة السنية على وجه التحديد، هذه الطائفة التي طالما التصقت بها تهمة القاعدة في كل شيء حتى ظن أنها أصبحت قاعدية اللون في العراق، وظن الكثيرون بأنها صودرت إلى غير رجعة إلى قياديي الخارج من أفغان وغيرهم،  هذا بالطبع لم يكن وليد الصدفة  بل كان نتاج فترة الأربع سنوات التي تلت سقوط النظام السابق والتي ظهرت فيها القاعدة على إنها راعية للعمل الجهادي ضد الأمريكان في بادئ الأمر ليتحول فيما بعد إلى قتال ما يوصفون بالعملاء والمرتدين والروافض الذي طال القتل والتصفيات منهم أضعاف مضاعفة من الأمريكان، وحسب وجهة نظر القاعدة بان هؤلاء هم سبب دخول الأمريكان إلى العراق ولابد من تصفيتهم تمهيدا لطرد الامريكين.

 لعل سير العمل في الإطار العسكري ضد الأمريكان لم يكن واضحا في بادئ الأمر لكثير من الطوائف العراقية ومن جميع الفصائل  ولاسيما المشتركة فيه على حد سواء، ولكن الأمور بدت تتجلى يوم بعد أخر في نظرية تلك الفصائل، وكما اشرنا في البدء فإننا سنركز على الطائفة السنية لوجود أكثر من فصيل فيها يدعى المقاومة.

بدأت معاقل العمل المسلح في المناطق الغربية في محافظة الانبار معقل القادة العسكريين في النظام السابق والتي لم تظهر فيها أي مقاومة عسكرية أبان الاحتلال الأمريكي لها،  وتميزت تلك العمليات بالدقة العسكرية الواضحة نتيجة ما يمتلكه العاملون فيها من خبرة عسكرية سابقة، غير إن القضية سرت فيما بعد إلى مناطق أخرى من الأجزاء الوسطى من العراق حيث وصفت بالساخنة وشملت مناطق ديالى وكركوك والموصل والأجزاء الغربية من بغداد وبعض الأطراف الخارجية والتي يطلق عليها البعض تسمية المثلث السني نسبة إلى المذهب الذي يعتنقه سكان تلك المناطق. ومن أهم تلك الفصائل:

 أولا: فصائل رئيسية

1- (كتائب ثورة العشرين):  

ظهرت ابتداء من 16 يونيو 2003، هدفها المعلن هو "تحرير أرض العراق من الاحتلال العسكري والسياسي الأجنبي، وبناء دولة عراقية مستقلة متحررة على أساس إسلامي". تشن هجمات مسلحة ضد القوات الأمريكية تتركز بشكل أساسي غرب بغداد في مناطق أبو غريب وخان ضاري والفلوجة. كما أن لها أنشطة أخرى في محافظات نينوى وديالى والأنبار. وعادة ما تأخذ هذه الجماعة بعين الاعتبار آراء عدد من المرجعيات الدينية السنية في العراق.

2 – الجيش الإسلامي العراقي

    ظهر التنظيم بعد فترة من الاحتلال الأمريكي عام 2004 للعراق وهو تنظيم سني يعتقد ان القادة العسكريين السابقين  هم من يشكلون العصب الرئيس له وان كانوا يظهرون الطابع الإسلامي  له للتمويه عن هويتهم ولكسب اكبر عدد من المنتمين الى صفوفه ويتحدث التنظيم في بياناته عن مقاتلة المحتلين ويتجنب الحديث عن أعداء أخر  بالرغم من الاتهامات التي وجهت له بالعمل في بعض المناطق على الوتر الطائفي.

3. تنظيم  التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين

وهو التنظيم الأكثر انتشارا وأوسع عملا في العراق والأكثر دموية حيث يعتبر إن جميع من لم يشاركه الرأي في مقاتلة المحتلين وعملاؤهم على حد تعبيره يندرجون ضمن المرتدين الذين يجوز قتلهم، ويخضع هذا التنظيم فيما يبدو الى أوامر تنظيم القاعدة بصورة عامة إضافة الى بعض الاجتهادات الخاصة في قياداته داخل العراق ويتبنى هذا التنظيم الكثير من العمليات التي أودت بحياة الآلاف من العراقيين المدنيين اغلبهم من الطائفة الشيعية بعد إعلانه الحرب عليهم ولكنه توجه في الأيام الأخيرة حتى ضد الطائفة السنية ممن لم يشاركوه الرأي في صيغ القتال وكان زعيمه السابق قد قتل في الصيف الماضي في منطقة هبهب في ديالى بعد غارة أمريكية على منزل في احد البساتين ليعقبة العمل في المنصب أبو أيوب المصري حسب ادعاء التنظيم .

ثانيا: فصائل اقل تنظيم

1. الجبهة الوطنية لتحرير العراق:

تجمع يضم 10 مجموعات مسلحة تحت جبهة واحدة تعرف باسم "الجبهة الوطنية لتحرير العراق"، تم تشكيلها في الأيام التالية لاحتلال العراق في إبريل 2004، وهي مؤلفة من

مستقلين وإسلاميين، ويتركز نشاطها في أربيل وكركوك شمال العراق الفلوجة وسامراء وتكريت في الوسط، وكذلك في محافظتي البصرة وبابل في الجنوب، بجانب محافظة ديالي في الشرق.

 2 - الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع):

أحدث جماعات بما يسمى المقاومة السنية ضد الاحتلال الأمريكي، وتُعَدّ بمثابة جبهةتضم عددًا من فصائل المقاومة الصغيرة التي شكلت ائتلافًا، وينطلق برنامجها السياسي والجهادي من رؤية شرعية تجيز قتال المحتلين.

يتركز نشاطها ضد قوات الاحتلال في محافظتي نينوى وديالى، وأعلنت عن نفسها لأول مرة في 30-5-2004.

ثالثا : فصائل أخرى صغيرة:

توجد فصائل أخرى تبنت بعض العمليات العسكرية المحدودة ضد القوات الأمريكية، إلا أن البعض منها انضوى تحت لواء فصائل أكبر وأكثر نشاطًا وخبرة في فنون القتال، في حين اختفت النشاطات العسكرية للبعض الآخر. ومن بين تلك الفصائل:

فصيل حمزة: جماعة سنية ظهرت لأول مرة في 10 أكتوبر 2003 في الفلوجة وطالبت بالإفراج عن شيخ محلي اسمه الشيخ جمال نضال والذي تم اعتقاله من قبل القوات الأمريكية. لا يتوفر عنهم أية معلومات أخرى.

جيش التحرير العراقي: أول ظهور لهذه المجموعة كان في 15 يونيو 2003، وقامت بتحذير الدول الأجنبية من إرسال قوات إلى العراق ووعدت بمهاجمة هذه القوات حال إرسالها.

الصحوة والحرب المقدسة: جماعة من السنة العرب وتنشط في الفلوجة. قامت بتصوير عملية على شريط فيديو وأرسلته إلى التلفزيون الإيراني في 7 يوليو 2003 وقالوا فيه إن "صدام والأمريكان وجهان لعملة واحدة"، وصرحوا أنهم قاموا بتنفيذ عدة عمليات ضد الاحتلال الأمريكي في الفلوجة ومدن أخرى.

الرايات البيضاء: هي جماعة من السنة العرب المحليين تنشط في المثلث السني ومحتمل أيضًا في مناطق أخرى. أصلاً من المناوئين لصدام حسين ومتحالفون مع الشباب المسلم وجيش محمد.

جيش الحق: لا يوجد الكثير من المعلومات عن هذه المجموعة سوى أنها من السنة العرب مع يدعون بعض الميول الوطنية وهم غير موالين لصدام.

رابعا: فصائل بعثية:

لا تشكل الفصائل الموالية لحزب البعث ونظام صدام حسين السابق نسبة كبيرة من عناصر المقاومة الفعلية في العراق، ويكاد ينحصر نشاطها في تمويل عمليات للمقاومة، ومن هذه الفصائل التي لا تزال موجودة بشكل سري على الساحة العراقية:

العودة: تتمركز شمال العراق (سامراء، تكريت، الدور، الموصل)، وتتكون من عناصر من جهاز الأمن السابق.

فدائيو صدام: التي شكلها نظام صدام قبيل الغزو الأمريكي. ويشاع الآن أن العديد منهم تبرءوا من ولائهم لصدام، وانصهروا في جماعات إسلامية ومذهبية، بجانب مجموعتي المجموعة الثورية لـ11 سبتمبر وحركة رأس الأفعى.

كان العمل يبدو للجميع في اتجاه الاتفاق الضمني غير المعلن من اجل طرد القوات الأمريكية ولهذا السبب الذي كان يرفع شعارا عريضا في جميع أهداف العمل المسلح كانت العمليات تسير بصيغ شبه منسق، حتى وصل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة  ( أبو مصعب الزرقاوي) الى قيادة التنظيم في العراق وإعلانه الحرب الشاملة على جميع الطوائف غير الملتحقة بما يسمى المقاومة، وهنا أخذت المعركة تأخذ ادوارا مختلفة ولاسيما بعد أن كانت حرب السيارات المفخخة تحصد أرواح الآف العراقيين بدون استثناء  والتي كانت الحصة الأعظم منها من الطائفة الشيعية والتي أظهرتها القاعدة لباقي العناصر المسلحة معها على أنها العدو الأول في معركتها.

ويبدو ان البعض منهم قد اقتنع بالفكرة فعلا والبعض الأخر وجد نفسه في وسط الطريق والجزء الأخير وجد حالة من الصعب ترك الخط السائر فيه بعد ان ابتعد عن شاطئ الهروب كثيرا، لذلك فكان الكثير من العناصر المسلحة يبدو وكأنها سارت مع تنظيم القاعدة لسببين الأول كونه الأقرب لها من حيث الأفكار المتبناة من قبل مقاتلة القوات الأجنبية والثاني عدم وجود تفاوت كبير في آراءهم المذهبية حسب ما يعبرون.

إلا إنهم وكما يبدو اخطئوا في مجال آخر خطا كبيرا واقصد هنا المتصدون للعمل المسلح فالمقاومة المسلحة حسب ما تسمى التي تنشأ في أي بلد يجب ان تتوفر فيها شروط ومن أهم شروطها هي وجود المشروع السياسي والوطني لها أضف الى ذلك الهدف الأهم وهو حماية أبناء البلد من القتل والتشريد.

وهذا الذي لم تنتبه له بما يسمى المقاومة العراقية إلا في الأيام القليلة الماضية ولكن بعد أن أحست بأنها أصبحت جزء من لعبة عالمية كبيرة خسرت فيها أهم شيء إلا وهو سمعتها بعد أن أصبحت القيادة الكلية والناطق الرسمي لجميع فعالياتها هي القاعدة.

والتي يتفق اغلب العراقيون على إنها ستخسر الحرب في العراق ليس مع الأمريكان فحسب بل مع الشعب العراقي أصلا الذي لايرغب بتشتيت طوائفه وتقطيع أوصاله بهكذا سياسات ان لم تكن قد خسرت الحرب فعلا.

وعلى هذا الأساس انتبهت بعض الفصائل المسلحة الى أهمية الفعل الذي قامت به القاعدة في مصادرة جهود الكثير منها  وألقت عليها بنفس الوقت تهم القتل الطائفي والتهجير ألقسري والى غير ذلك من الاحتراب بين الطوائف الإسلامية فضلا عن طوائف المذهب الواحد، وهي لعبة في غاية من الذكاء تعرف بـ(سياسة التوريط) أي إن أكثر من عمل مع تنظيم القاعدة سيجد نفسه في منتصف الطريق حيث لا يستطيع ترك العمل معهم لتهديده بالقتل والتصفية له ولعائلته ولا يستطيع الاستمرار بالعمل لكشف حقيقة مهمة وهي إن القاعدة هدفها الأساس هو إحالة البلد الى أفغانستان ثانية بدون أي منافس على الإطلاق بل إن العناصر المسلحة قد تكون أول المستهدفين بعد سيطرة القاعدة وذلك لخوفها من الانقلاب عليها.

وعودا على بدء فان ما جرى في الشهور الأخيرة من اقتتال وتصفيات بين تلك الفصائل يدل بوضوح على إن التغيير في القتال جار على قدم وساق ولاسيما بعد أن استهدفت القاعدة عدة مناطق كانت تعتبر ملاذا أمنا لها ومتعاطفة معها بشكل كبير مثل الفلوجة والانبار.

وبدأ الصراع واضحا على من هو الزعيم في مقاومة المناطق الغربية والتي تريد القاعدة وصفها بأنها أجزاء من دولتها الإسلامية التي أعلنتها في الشهور السابقة من هذا العام، فيما تصر بعض الفصائل على إنها تحرم الدم العراقي وتتجه نحو مقاتلة المحتل فقط، إلا إن الشيء المثير والذي نبه الفصائل لما حولها هو توجه الأمريكان والحكومة  العراقية في الحوار لبعض العناصر المسلحة من غير تنظيم القاعدة، وهنا وجدت الكثير من ما يسمى بـ(كتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي وغيرها ) إنها همشت وان المفاوضات تسير باسمها من دون أحقية.

وبعد أن أحست إن الوقت بدا يمر سريعا فالقاعدة صادرت جهدها الأول وألصقت بها تهم القتل الطائفي والإرهاب العالمي بينما استغلت بعض الشخصيات الخارجية ثمرة جهودها في المفاوضات , أرادت تلك الفصائل أن تميز نفسها عن الكل  فبدأت بسياسة جديدة تعتقد إنها ستكون خطوة كبير نحو النجاح وهي الظهور العلني  الى الساحة في مقاتلة الأمريكان وتحريم دماء أي فئة أخرى وإعطاء نفسها صبغة مغايرة تماما لتنظيم القاعدة بل والاهم من ذلك هو مقاتلته، وهذا ما أثبتته الأيام الأخيرة السابقة ، حيث بدأت كتائب ثورة العشرين وحسب معلومات شبه مؤكدة مقاتلة تنظيم القاعدة في مناطق ديالى وأجزاء من كركوك ، فيما تبنى مايطلق على نفسه الجيش الإسلامي مقاتلة القاعدة في مناطق متعددة من بغداد كان أهمها مااعلن عنه في مناطق العامرية وأكدته مصادر أمريكية وأخرى حكومية.

 وهذا ينبأ بتغيير كبير في سياسة العناصر المسلحة في العراق تبدأ بعزل نفسها عن العناصر المنطوية تحت تنظيم القاعدة والتي يقول الخبراء إن أكثر قيادييها قادم من الخارج بعد تدريبات تلقتها في مناطق من أفغانستان وغيرها.

ولعل التنظيم المسلح لما يسمى( مجلس إنقاذ الانبار) كان أول خطوة تسير بهذا الاتجاه والذي أعطى نتائج متقدمة في سيطرة أهل النفوذ الحقيقي في تلك المناطق بعد أن كانت تعتبر المعقل الأول لتنظيم القاعدة ، في وقت تستعد الحكومة وحسب المعلومات الاستخباراتية لشن هجمة كبيرة ومنسقة يقودها قائد القوات البرية العراقية في مدن ديالى بعد أن أفادت أخر التقارير بان المحافظة أصبحت تجمع مقر تنظيم القاعدة.

وهنا يبدو إن الفصائل الأخرى ستترك القاعدة تواجه معركتها لوحدها  بل قد تستغلها في إعطاء صورة جديدة لنفسها وذلك عن طريق إعطاء معلومات استخباراتية للجيش الأمريكي او للقوات العراقية عن أهم مفاصل قيادات التنظيم نتيجة العمل معهم مسبقا إن لم تشترك فعلا مع القوات النظامية في القتال ضد التنظيم وهذا ما حصل في مناطق الخالص والعامرية في بغداد وما يهدد بالقيام به في مناطق كالغزالية وغيرها،  مما ينذر بطلاق غير ذي رجعة بين تلك الفصائل وتنظيم القاعدة الذي يبدو انه قد فقد سياسة المفاوضة مع تلك الفصائل التي كانت تجري في الأيام السابقة أضف الى ذلك فقد الكثير من المواقع في الخارج بعد عدة مفاوضات أجريت مع أطراف خارجية وبعد السياسات المتبناة من قبل التنظيم حتى مع الدول التي كانت تعتبر الراعية له سرا وهذا يعني انه خسر الكثير من أصدقاؤه ولكن حولهم أيضا الى صف العداء له وجعلهم في المواجهة المباشرة في ساحة المعركة.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7 حزيران/2007 -19/جمادي الأول/1428