القبول بالفساد.. ومهمة التصدي

 شبكة النبأ: المعلومات هي عامل رئيسي في التنمية او النكوص ولهذه الفكرة جانبها الوصفي فالدول التي يكون فيها مؤشر نوعية الحياة مترديا تكون هي الاسوأمن حيث المعلومات ومهارات تحليلها.

المعلومات الفقيرة تؤدي الى تفاقم مشكلة الرئيس ووكيله وتجنح الى مزيد من الفساد وتجعل المؤسسات الكبيرة والصغيرة بعيدا عن التنمية، وتؤدي ايضا الى خيارات مضادة في الاسواق مما يجعل البضائع والسلع رديئة تطرد ذات النوعية الافضل وتنحسر معايير الجودة وعجز الاسواق عن الاداء او العمل بالطريقة السوية.

والمعلومات الفقيرة تساهم ايضا بانحسار روح المغامرة والمحافظة على الوضع السائد وعدم الرغبة بالتغيير وهذه الامور تساهم في التخلف التنموي الى حد كبير.

فلا زال هناك تفسيرين للفساد التفسير الاول مفعم بالمعاني الاخلاقية والثاني ذو طبيعة علاجية اكثر وان دراسة الفساد نفسها قد تاثرت بهذا التعريف المزدوج وبسبب ذلك فقد احجم كثير من الباحثين عن دراسة المشاكل العلاجية والعملية من مثل كيف يمكن الحد من الاغراءات غير اللائقة التي تعرض على الموظفين خشية ان تتهم البلاد بكونها موبوءة بالفساد واللاخلاقية او الفسوق، كما ان الباحثين انفسهم يكونوا قد جلبوا على انفسهم تهم التعصب لعرقيتهم وهذا الامر تسلكه الدول المتسلطة والتي يهمها الاعلام الخارجي فيما تنطوي ذاتيا الى ما هو اشر من الرذيلة، وترك ذلك فراغا في ادبيات الفساد المركّزة والدراسات التي كانت تجري انما تتطرق الى العموميات في سياق اخلاقي.

الورطة التي تجد الدول والشعوب المحرومة فيها  ان لها البعد الاخلاقي الذي لا مفر منه، فهناك انتهاكات مذهلة لحقوق الانسان في الكثير من الدول النامية وهناك العنصرية والتفرقة بين الجنسين والقبلية الصارخة واستغلال واسع الانتشار والظلم المكشوف في توزيع السلطة والثروة، فكيف يكون رد فعلنا على مثل هذه الظواهر؟

والكثير من الاساتذة والطلاب يتجنبونها كليا بكل بساطة تحت طائلة الشعور المحبط(هذه المشاكل ميئوس منها فهؤلاء الفاسدون اقل شانا او انهم يلامون جزئيا لظروف تخلفهم).

وفي الوقت ذاته فان الكثيرين من الذين يدخلون في دراسات التنمية يميلون لاجراء ابحاثهم على مستوى نظري عال وقد يكونون راغبين بزيادة الوعي حول خطورة المشاكل والحاجة الى تغيير اساسي ونوعي، او حول ربط مختلف الابعاد التنموية بعضها ببعض، ولذا فان الابحاث وتدريس التنمية تكون مشوهة تميل الى الجدل والاسلوب الوصفي.

ومناقشة قضايا الدول الفقيرة تميل الى حذف بعض الجوانب مثل العرقية او حقوق الانسان ولذلك فان تحليل اسباب التخلف ينحرف نحو ماهو خارجي المنشا عوضا عما هو داخلي في دولة او اقليم ونحو سوء سلوك المحظوظين بدلا من اخطاء وعيوب المحرومين والعوامل الطبيعية اكثر مما يوجه التحليل الى العوامل الانسانية.

كما ان تحليل السياسات العملية يكون سريع التغّير فلا نجد إلا القليل حول تحسين الأوضاع بالنسبة لحقوق الانسان او التغلب على عدم المساواة العرقية او الحد من الاستغلال، وإذا ما ذكرت السياسات فإنها تكون عامة ومبهمة ومغلقة في معايير مثل التنمية ـ تنمية العدالة ـ

ـ اعطاء الاولوية للقضية.. ـ إثارة التغيير الثوري ـ.

ويجري تجنب اصعب القضايا والاسئلة خوفا من محتواها الاخلاقي، وهذا قطعا يؤدي الى قبول الفساد، وعندما يكون الفساد مقبولا في المجتمع لايعود يشكل اية وصمة عار، ومن المؤكد ان الكلام كثير في اطراء فضائل المجتمع الذي يخلو من الرذائل ولكن اثر ذلك الاطراء لا يدوم اكثر من صوت الكلمات التي تقال فيه.

لقد ادى قبول الفساد الى خلق موقف مثير فكل انسان يجد نفسه غارقا في دائرة مفرغة مشحونة فقط بالفساد وكلمة السر المعلقة فيه هي النقود، النقود التي يمكن الحصول على عن طريق الاساليب غير الشريفة، المهم ان العامل امام الناس حصوله في نهاية المطاف على النقود ولا يشكل الاهمية الطريق او الاسلوب او الحيلة التي جلبت تلك النقود فربما اعتبر التحقق عن هذه الامور من قبيل الحسد او التدخل في الاشياء الشخصية.

وادت اشكال الفساد التي تغطي كل المجالات الى خلق خدمات قائمة على المحاباة والوظائف الحكومية التي تهيؤ فرصا مباشرة للحسومات والرشاوي هي اكثر الوظائف المفضلة لدى المعينين حديثا في الخدمة العامة، وقد قام احدهم بتوزيع دعوات عشاء مطبوعة للاحتفال بنجاحه في امتحان الخدمة المدنية، وبعد انتهاء العشاء قال متباهيا: سالحق بأخي في جماعة الكمارك!.

وقد فهم الحضور تماما لماذا يريد القيام بذلك، فأخوه الذي لا يزيد راتبه الشهري عن 125 دولار كان قادرا على الانفاق على سيارتين ومنزل كبير وكل ما يستتبع من أبّهة وبذخ.

لابد من ان هناك خطأ ما في المجتمعات التي يسيطر عليها الفساد، هناك خطأ عندما تتعايش الثروة الكبيرة مع القذارة والفساد السياسي، عندما تسحق حقوق الانسان وعندما تنكر العنصرية آدميتنا، لا ينبغي لنا ان نفقد الإحساس بهذا الانتهاك الخلقي، بل نبذل قصارى جهدنا في معرفة كيف تم ذلك؟، ولا ينبغي ان نستسلم لإغراءات الهروب من المشاكل التي تكون غاية في الصعوبة او التي تكون اخلاقية باكبر ما يكون، بحجة ان ليس في الامكان ابدع مما كان، او اننا لا نستطيع ان نفعل شيئأ.

ان صانعي السياسات والمواطنين ليسو عاجزين عن العمل، هناك دائما اشياء يمكننا ان نعملها وهي اصعب من هذه يمكننا بها ان ندرأ غائلة الفقر التي تعاني منها الشعوب الاكثر فقرا.

**المعلومات والحوافز

المعلومات هي اساس نظام الحوافز الجيد، وأحد الاسس التي تاتي بعد ذلك هو التحديد الواضح للاهداف، ومنطق الاصلاح يتحرك من الاهداف الى المعلومات الى الحوافز.

يقول ايرا جاكسون الذي قاد حملة ماساشوستس الناجحة ضد التهرب من الضرائب والفساد: الحوافز يمكن ان تكون اكبر بكثير من مجرد المكافئات النقدية، وعلى من هو مدير عام ان يعترف بذلك.

ويمكن تقديم حوافز للعاملين ضد الفساد كدعوتهم لتناول وجبة غداء في مطعم فاخر، وتقديم منح نقدية لهم تغنيهم وتبعدهم عن الاغراءات المادية وتبعث فيهم الهمم.

وزيادة على ذلك فان المعلومات ذاتها يمكن ان تكون حافزا للعملين، عندما تعطي معلومات للناس، فكأنك تقدم لهم الحلوى إذ عندما يعرفون شيئأ لم يتذوقوه من قبل، ذلك معرفتهم بمدى النجاح المتحقق من وراء السعي لتحطيم الفساد وكأن الخبر يحررهم من طائلة الأسر!.

.........................................................                             

المصادر

1- السيطرة على الفساد/ روبرت كلتجارو

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 30 آيار/2007 -12/جمادي الأول/1428