مشاريع اعادة اعمار العراق رهن الفساد وعدم الكفاءة

شبكة النبأ: منذ عام 2003 وعملية الاعمار تكتنفها التعثرات الواضحة والتلكؤ في التنفيذ وخاصة تلك المشاريع الرئيسية التي لها ثقلها في تنمية الاقتصاد العراقي والازمات التي تقف على باب التنمية الاجتماعية مثل الاسكان والخدمات، وقد اقترح الاقتصاديون العراقيون والاجانب في المباشرة ضمن المناطق الآمنة وهي غالبا المناطق الوسطى والجنوبية.

الا ان توجها مثل هذا لم يتم بصورة فعالة وكبيرة اذا استثنينا تلك المشاريع الصغيرة في حجمها واهميتها.

وتعد هذه المشاريع بؤرا للفساد ونهب المال العام، وقد نشرت نيويورك تايمز تقريرا يتعلق بتعثر جهود البناء والاعمار في العراق، ففي إشارة مزعجة إلى برنامج إعادة الإعمار الذي ترعاه الولايات المتحدة في العراق، كشف مفتشون تابعون لوكالة فيدرالية تُعنى بالمراقبة أن من بين المشروعات الثمانية التي أعلنت الحكومة الأميركية أنها نجحت في إنجازها سبعة منها توقفت عن العمل بسبب مشاكل تتعلق بالسباكة، وأعطال في الشبكة الكهربائية، أو غياب أعمال الصيانة، فضلاً عن نهب المعدات، أو عدم استخدامها.

وقد سبق للولايات المتحدة أن اعترفت في السابق، تحت ضغط المفتشين الفيدراليين، بتخليها عن بعض مشاريع إعادة الإعمار، أو أنها تأخرت عن موعدها المحدد، لكنها المرة الأولى التي يكشف فيها المفتشون بأن المشاريع التي أُعلن رسمياً عن نجاحها توقفت عن العمل. وغطت عملية التفتيش التي قامت بها وكالة فيدرالية أميركية مناطق جغرافية مختلفة من شمال العراق وجنوبه مجموعة مشاريع متنوعة مثل مستشفى للولادة، وثكنة للقوات الخاصة العراقية، ثم محطة لتزويد مطار بغداد الدولي بالكهرباء. فقد كشف المفتشون أن المبالغ الطائلة التي أنفقت على اقتناء مولدات كهربائية جديدة لمطار بغداد الدولي والمقدرة بحوالى 11 مليون دولار جزء منها لا يعمل بالطريقة المناسبة.

أما في مستشفى الولادة الذي أقيم في مدينة أربيل بشمال العراق كجزء من الجهود المبذولة لإعادة الإعمار وتقريب الخدمات الصحية من المواطنين العراقيين، فقد اكتشف المفتشون أن جهاز حرق المُخلفات الطبية، الذي كلف أموالاً طائلة، لا يُستخدم.

والنتيجة أن البقايا الطبية مثل الحقن، والضمادات المستعملة ترمى مباشرة في مياه الصرف ما يتسبب في اختناقها، واحتمال تسربها إلى نظام توزيع المياه، خاصة وأن محطة معالجة المياه التي أقيمت حديثاً لا تعمل هي الأخرى.

وقد أكد مكتب المفتش العام المكلف بمراقبة عملية إعادة الإعمار في العراق، وهي الوكالة

الفيدرالية التي قامت بالتفتيش، أنه حاول انتقاء نماذج متنوعة من مشاريع إعادة الإعمار لمراقبة فعاليتها دون جدوى بسبب صعوبة الدخول إلى بعض المناطق الخطرة التي توجد بها تلك المشاريع.

ولهذا السبب يعتبر مكتب المفتش العام أن المشاريع الثمانية، التي وصلت كلفتها الإجمالية إلى 150 مليون دولار، لا يمكن الاعتماد عليها كمقياس للحكم على المشاريع الأخرى المندرجة في إطار جهود إعادة الإعمار، والتي تصل كلفتها الإجمالية إلى 30 مليار دولار.

ومع ذلك يقول المسؤولون إن النتائج الأولية التي كشف عنها المفتشون تثير مخاوف حقيقية حول مستقبل عملية إعادة الإعمار في العراق، فقد تم إقرار تلك العمليات كجزء أساسي من عملية فرض الاستقرار التي تقوم بها القوات العسكرية بغرض تمكين الحكومة من الإسهام في انتعاش الدورة الاقتصادية، فضلاً عن تحسين صورة أميركا في العراق.

وفي هذا السياق أشار "ستيوارت باوين"، الذي يترأس مكتب المفتش العام في حوار أجري معه يوم الجمعة الماضي إلى أن "التفتيش يؤكد المخاوف التي تراود البعض من فشل الحكومة العراقية في مواكبة الاستثمارات الكبيرة التي تُقام في العراق"، ويقول "باوين" إنه بسبب من هذه المخاوف التي تطال قدرة الحكومة العراقية على متابعة المشروعات التي تم تنفيذها وضمان سيرها، وجه للمفتشين بمراقبة تلك المشاريع التي انتهى من إنجازها قبل ستة أشهر للتأكد من طريقة سيرها، ورغم أن تقرير المفتشين لم يلقِ باللوم على جهة معينة، فإن البرنامج الأميركي لإعادة الإعمار في العراق، تعرض لانتقادات متكررة بسبب الغياب المسجل في موازنات المشاريع لتكاليف قطع الغيار والتدريب، وعناصر أخرى ضرورية لاستمرار سير المشروعات حتى بعد الانتهاء من إنجازها.

ويأتي التقرير الأخير الذي أشرف عليه مكتب المفتش العام ليعضد تلك الانتقادات، فقد أكد الموظفون الطبيون في مستشفى أربيل، على سبيل المثال، أنهم حصلوا على معدات جديدة لتوزيع الأكسجين في جميع غرف المستشفى، لكنهم تركوها لصالح النظام القديم في التوزيع. هذا ويتحمل العراقيون أنفسهم جزءاً غير يسير من المسؤولية عن تعثر مشاريع إعادة الإعمار التي تراكمت مشاكلها أكثر عندما سلمت الولايات المتحدة سلطة إدارة تلك المشاريع إلى الحكومة العراقية، وبالإضافة إلى المطار والمستشفى وثكنة القوات العراقية الخاصة التي عثر فيها المفتشون على مشاكل جمة هناك أيضاً مشروعان في قاعدة "الناصرية" بأحد مراكز التجنيد بالقرب من "الحلة"، فضلاً عن محطة للشرطة في الموصل، ورغم أن تلك المشروعات اعتبرت ناجحة وتراوح تاريخ الانتهاء من إنجازها بين الستة أشهر والسنة ونصف السنة، فإن التفتيش أظهر ثغرات كثيرة في سيرها العام، فقد توقفت مولدات الكهرباء عن العمل، كما أن نظام الصرف الصحي يعاني من الاختناق ما يؤدي إلى فيضانه، وتحطم بعض الأجزاء من المباني، فضلاً عن النظام الكهربائي الذي انتزعت منه عناصر أساسية، إلى جانب المعدات الغالية التي لم تستخدم قط.

واللافت أن معظم المشاكل التي تواجه مشاريع إعادة الإعمار في العراق غير مرتبطة بعمليات التخريب التي يقوم بها المتمردون، بل هي نتيجة الضعف الذي يعتري تلك المشاريع ذاتها، بالإضافة إلى عمليات النهب التي تطالها أحياناً، ولعل أبرز مثال على تعثر المشاريع التي أُعلن عن نجاحها في السابق هو المشروع الذي أنجزه فيلق المهندسين في الجيش الأميركي وقدرت تكلفته بحوالى خمس ملايين دولار لبناء ثكنة للقوات الخاصة العراقية في بغداد، فرغم أن الانتهاء من المشروع تم في 2005، فإن الزيارة الأخيرة التي قام بها المفتشون كشفت عن مجموعة من المشاكل تتعلق بالسباكة المهترئة، والأعطال التي طالت مولدات الكهرباء دون أن يهتم بإصلاحها أحد، وتُعزى هذه الحالة المتردية للثكنة، حسب المفتشين، إلى الإهمال أكثر منها إلى صعوبة حل المشاكل، حيث كان من السهل إصلاح المولدات والقيام بأعمال صيانة دورية تحافظ على الحالة الجدية للثكنة وتضمن استمرارها.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" ان هيئة اميركية للتدقيق في الحسابات وجدت ان سبعة من ثمانية مشاريع لاعادة اعمار العراق اعلنت الولايات المتحدة نجاحها توقفت عن العمل بسبب عدم الصيانة بشكل مناسب ومشاكل اخرى.

وقالت الصحيفة ان نتائج آخر تقرير فصلي لمكتب التفتيش الخاص باعادة اعمار العراق سيصدر قريبا.

واوضح التقرير ان الولايات المتحدة اعترفت من قبل بانها تخلت او ارجأت او لم تنجح في بعض مشاريعها لاعادة اعمار العراق، حسب ما نقلته فرانس برس.

ووجد المفتشون ان المشاريع وخصوصا تلك التي اعلنت واشنطن نجاحها في بعض الاحيان قبل اقل من تسعة اشهر على خضوعها للتفتيش للمرة الاخيرة، لم تعد تعمل كما يجب.

وان عمليات التفتيش شملت شمال العراق وجنوبه وغطت مشاريع متنوعة من بينها مستشفى للتوليد ومساكن لقوات الامن الخاصة ومحطة لتوليد الكهرباء في مطار بغداد الدولي.

واوضح التقرير ان المفتشين وجدوا في المطار ان 11,8 مليون دولار انفقت على محطة مولد للكهرباء لم يعد يعمل.

واضاف ان مركزا كبيرا لاحراق النفايات الطبية لمستشفى للتوليد في مدينة اربيل شمال العراق لا يعمل بينما تلقى النفايات في مجاري المياه ويمكن ان تسبب تلوثا لنظام المياه.

وتبلغ كلفة المشاريع الثمانية 150 مليون دولار.

وقال رئيس مكتب التفتيش ستيوارت بروان للصحيفة ان "عمليات التفتيش الاولى هذه تبرهن على ان مخاوفنا ومخاوف آخرين بشأن استثماراتنا في العراق في هذه المشاريع مبررة".

وقد تفقد المفتيش العام لاعادة إعمار العراق 8 منشآت في عموم البلاد بينها مراكز للشرطة ومستشفيات وقواعد عسكرية وقد احرج تقريره ادارة جورج بوش مرارا بتقريراته حسب تقرير للـبي بي سي.

وتشمل المشاكل التي تم رصدها خلال تلك الجولة إهدار ملايين الدولارات بسبب العجز عن صيانة عدد من المولدات الكهربائية بعد أشهر من استيرادها من خارج البلاد.

وفي أحد مراكز التوظيف في مدينة الحلة وجد أن مياه الصرف الصحي قد تسربت تحت أرضية المكان.

وكان قد تقرر أواخر العام الماضي اغلاق وكالة حكومية امريكية تحاسب الجيش على نفقاته، وسبق وكشفت حالات فساد اداري في مشاريع اعادة بناء العراق.

وقد عبر النواب الامريكيون عن صدمتهم لقرار الاغلاق في عام 2007 الذي تم التوصل اليه باستغلال بند في القانون المؤسس للوكالة.

لكن منتقدي سياسة الحكومة ركزوا على تقرير أشار إلى ان جهود اعادة البناء بتكلفة 20 مليار دولار تعرقلها عدم الكفاءة وهجمات المسلحين.

في حين نقلت CNN تاكيد لجنة أمريكية للتدقيق في حسابات المشاريع التي تمولها واشنطن لإعادة بناء العراق أن قسماً كبيراً من تلك المشاريع التي تفوق قيمتها 37 مليار دولار مهدد بالفشل بسبب انعدام الصيانة وضعف الإنشاءات واستخدام التصاميم ومواد البناء غير المناسبة.

وتوجهت اللجنة الأحد بنقد شديد إلى الحكومة العراقية التي قالت إنها "لم تقدم أي خطط صيانة لتلك المشاريع" بعدما تسلمتها من الأمريكيين.

وكانت اللجنة التي يرأسها ستيوارت بوين قد قدمت تقريراً خاصاً إلى الكونغرس الأمريكي وإدارة الرئيس جورج بوش، يشمل حصيلة معاينة ثمانية مشاريع أمريكية في العراق، حيث وجدت اللجنة أن سبعة منها توقفت عن العمل.

وقد علق بوين على النتائج الواردة في التقرير بالقول "إذا كانت تلك المشاريع تمثل نموذجاً لنوعية وفعالية إدارة وصيانة المشاريع التي يتم تسليمها، فإن الاستثمارات الأمريكية في مشاريع إعادة بناء العراق في خطر."

وذكّر التقرير الذي قدمته اللجنة بالتكلفة المادية والبشرية التي دفعتها الولايات المتحدة في مشاريع إعادة إعمار العراق، والتي فاقت 37 مليار دولار وذهب ضحيتها 914 شخصاً بينهم 224 مدنياً.

واستعرض التقرير أوجه الخلل في مجموعة من المشاريع التي تسلمته الحكومة العراقية، حيث أكد أن عشرة مولدات كهربائية فقط من أصل 17 ما زالت تعمل في مطار بغداد الدولي

وذلك دون وجود أي خطة لصيانة تلك المولدات بما في ذلك مراقبة مستوى الزيت.

ولفت التقرير أيضاً إلى اختفاء مولدات باهظة الثمن من إحدى المعسكرات التي تم فيها أيضاً إزالة ثلاثة أبنية بلغت كلفة إنشائها 1.8 مليون دولار دون أي مبرر.

وشملت جولة اللجنة بعض القواعد العسكرية التي تسلمها الجيش العراقي مؤخراً حيث تعرضت التمديدات الكهربائية وسائر أدوات التشغيل والخدمات إلى أضرار فادحة بما فيها الحمامات و التمديدات الصحية.

شبكة النبأ المعلوماتية- االاحد 6 آيار/2007 -17/ربيع الثاني/1428