أين قيادات المسلمين من هذا؟

بقلم: د. وليد سعيد البياتي

 العالم وحركة التحول:

نشرت صحيفة البي بي سي موضوعا عن تحول الهندوس الى البوذية فقالت:

" من المقرر ان يبدأ حفل ديني ظخم في الهند يعتنق خلاله الآلاف من الهندوس الديانة البوذية في مدينة مومباي. وقد يقود الطقوس، التي تعتبر بين أضخم حفلات التحول الديني في تاريخ الهند الحديث، الزعيم التيبيتي المنفي دالاي لاما. ويأمل الهندوس "الداليت"، أن يتمكنوا من تجب نظام التمييز القائم في ديانتهم، والذي يعتبرون فيه الطبقة الأدنى. وغالبا ما يعارض الهندوس اليمينيون حفلات التحويل الديني، وقد حثوا عددا من الولايات في الهند على وضع قيود قانونية أمامها. أما منظمو الحفل فيقولون إن عدد الذين سيتحولون في حفل يوم الأحد قد يصل إلى مئة ألف، ما يجعله الحفل الأضخم من نوعه بأشواط في تاريخ الهند الحديث. ويأمل الهندوس "الداليت" بالحصول على كرامتهم والمساواة بعد التحول" .

ونحن نقرأ الخبر يطرح ثمة تساؤل جوهري حول مسألة في غاية الاهمية تتناول مدى فاعلية القيادات الاسلامية في التأثير في معتقدات وافكار اصحاب الديانات الوثنية من اجل تحويلهم الى الى الاسلام. ويحق لنا ان نتسائل: (هل كانت البوذية أقدر من الاسلام وأكثر فاعلية في اجتذاب الهندوس لها؟ وهل عجزت القيادات الاسلامية المتناحرة عن تقديم الفكر الاسلامي بالصورة الصحيحة والواقعية في تفاعلها مع الحدث؟) أنه لمن المؤسف حقا ان لايهتم من يدعون انفسهم دعاة ومرشدين بالجماعات غير الاسلامية، فقد وجدنا ولقرون عديدة كيف ان عمليا التبشير المسيحي قد آتت أكلها في تحويل جماعات من جنوب السودان ومجاعل افريقيا والهند في فترة الاستعمار البريطاني الى المسيحية عن طريق المساعدات ولو البسيطة للمحتاجين في الازمات السياسية والحروب والمجاعات.

وهاهو جنوب السودان يدين بالمسيحية نتيجة لهذا النشاط في مناطق المستعمرات القديمة، فالم يك من الاجدر ان تتحرك القيادات الاسلامية نحو هؤلاء في الهند لتحويلهم الى الاسلام بدلا من التحول الى البوذية؟ ثم اين هو الواجب الاسلامي؟ ام ان واجبهم فقط في التحريض والتكفير وقتل المسلمين في بقية بقاع الارض؟ والغريب ان حتى المسلمين الشيعة مقصرين في هذا الجانب ، ففي السبعينات من القرن الماضي سعى سماحة العلامة محمد صادق الكرباسي الى اجتذاب  طائفة الهندوس المنبوذين (الداليت) الى تحويلهم للدين الاسلامي الحنيف وقد اعربت قيادات هذه الطائفة في ذلك الوقت عن رغبتهم في التحول الى الاسلام بمساعدة المسلمين انفسهم، وقد سعى سماحة الكرباسي الى حض المرجعية الرشيدة في ذلك الوقت للتفاعل مع الموضوع وتقديم المساعدات اللازمة ماديا ومعنويا وارسال المرشدين للقيام بعملية التحول الى الاسلام، ولكن ما من مجيب ولا من يلبي هذه الدعوة الكريمة، ولماكان الكرباسي لايقدر ان ينهض بالجهد شخصيا فقد اهمل الامر وللاسف، ولكنه مع ذلك تمكن من اقناع العديد من الهندوس الداليت للتحول للاسم وقد حدث فعلا ولكن بشكل محدود ونتيجة للجهد الفردي.

 وفي اواسط التسعينات من القرن الماضي كنت قد قدمت تصوراحول امكانية تحويل العديد من اصحاب الديانات الوثنية الى الاسلام وشملت الدراسة (الهنود الداليت وقبائل الماساي في غينيا وبعض قبائل الانكا في امريكا الجنوبية) وذلك من خلال دراسة لبعض معتقداتهم الدينية والتي يمكن من خلالها اقترابهم من الافكار الاسلامية تدريجيا. ومرة ثانية لم نجد من يدعم تحركنا الفردي وعملنا الشخصي، وبقيت الدراسة طي الكتمان حتى ان البعض نصحنا بأن لاجدوى من نشرها.

   أن تحول عشرات الالاف من الهندوس التاليت الى البوذية يعتبر انتصارا من وجهة نظر اصحاب الديانة البوذية، فهذه الطبقة المبوذه في الهند (الداليت) والتي فقدت الكثير من حقوقه ومقومات حياتها كانت تتلهف على الدوام لتجد من يستنقذها ويخرج بها من قيعان الضحالة الاجتماعية والفكرية الى مستويات ارقى على كل الاصعدة، وللاسف لم ينتهز المسلمون هذه الفرصة السانحة، والتي كانت ستقدم الفكر الاسلامي باعتباره الاكثر حيوية والقدرة على الاستقطاب الفكري والانساني، بل انه جزء من الواجب الديني الذي تتشدق به القيادات الاسلامية التي تصرف المليارات من اجل ادامة الصراع الفكري وتكفير الاخر.

 ربما يدعي بعض قيادات الداليت الى ان التحول الى البوذية لايبعد الهندوس الداليت عن افكارهم التقليدية لوجود تقارب فكري بين الهندوسية والبوذية او باعتبار ان البوذية تمثل امتدادا للهندوسية ولانها شكل آخرمنها. ونحن لا يخفى علينا كيف ان عملية التحول الى الاسلام او المسيحية تواجه بالرفض المؤدي الى الصدام في الكثير من الاحايين، غير ان الظروف التاريخية للهندوس الداليت وتحولات التاريخ الحديث والصراعات الدولية كلها تفسح المجال للعمل الاسلامي، غير ان التكاسل والتراخي هو المؤدي الى اهمال الامر.

ما الذي نحتاجه وما العمل:

    هذا الموضوع يقودنا الى البحث من جديد حول فكرة انشاء مراكز بحوث متخصصة يعمل فيها باحثون من مختلف التخصصات ويتم تغطية كل مصاريفهم واحتياجاتهم الشخصية لينصرفوا للبحث ولكي لاينشغل احدهم بمتاعب الحياة اليومية، وبالتالي هم مطالبون بتقديم اقصى طاقاتهم الفكرية والعقلية والعلمية للوصول الى نتائج تضع الفكر الاسلامي في المقدمة على الدوام، ولنتجاوز حالة النكوص الحالية. على القيادات الاسلامية ان تكون اكثر موضوعية في التعامل مع متغيرات العصر فحركة التاريخ تسير نحو غاياتها النهائية، وقد كتبت في التسعينات سلسلة حول نهاية التاريخ الاسلامية نشرتها صحيفة الحياة، فالاسلام هو نهاية التاريخ، لكن الكثير من مفكري المسلمين حاليا يهملون هذا التصور العقلاني، ففي الوقت الذي يجبر فيه الهندوس الداليت على عدم اعتناق الديانات الاخرى وخاصة الاسلام والمسيحية وهم يعاقبون بشدة اي متحول الى هذين الديانتين عن طرق التهديد او الاغواء او بحجة تقديم العون والمساعدة، وقد صدر مرسوم بذلك:

(ويحدد المرسوم الإغواء بأنه تقديم أي هدية سواء مالية أو عينية أو منح أي فائدة مادية.

كما يعتبر أن التهديد بالغضب الإلهي سيعتبر أيضا وسيلة قسرية لإجبار الفرد على اتباع ديانة أخرى.

ويقول ناشطون هندوس إن اعتناق الفقراء لديانات أخرى يعود إلى استغلال الجماعات المسيحية والمسلمة للفقراء الهندوس. وكان سكان قرية بأكملها في ضاحية جنوبية بولاية تاميل نادو قد اعتنقوا الإسلام في بداية الثمانينيات عقب اعتداءات قام بها الهندوس من الطبقة العليا.

وكان هندوس من الطبقة الدنيا في قرية بالقرب من بلدة كانشيبورام قد هددوا قبل عدة أسابيع باعتناق الإسلام بعد منعهم من الصلاة في معبد هندوسي. يذكر أن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند يعارض التحول بين الديانات المختلفة، وتعتبر الخطوة التي اتخذتها جيالاليثا رئيسة وزراء تاميل نادو محاولة لإقامة علاقات وثيقة مع الحزب الحاكم).

    ان التحرك الاسلامي يمكن ان يصب في مجرى التحول اذا تم وفق منهجية يمكن من خلالها عدم اثارة الشعور بالرفض تتبناه قيادات الهندوس في تعاملهم مع عمليات تحويل الهندوس الى الاسلام، فالهندوس التاليت لازالوا يشعرون بالنقص بسبب الفوارق الطبيقة والاجتماعية المفروضة عليهم. وقد يسأل البعض ما جدوى الحديث عن تحول الهندوس الى الاسلام في خضم الصراعات الدولية الحالية، وفي أوج الاشكالات بين الاطراف الاسلامية في نزاعاتها المذهبية والطائفية؟

الجواب يخرج من صلب العقيدة الاسلامية فمع الان الاسلام ينادي بشعار (لا اكراه في الدين) إلا ان قيم هذا الشعار لاتمنع من التبشير بالاسلام ونشر الدعوة الاسلامية سلميا. واذا وجدت جماعة ما ان خلاصها يكون بالتحول الى الاسلام، فعلى المسلمين واجب ديني وعقائدي في مساعدتهم على التحول ودخول الدين الاسلامي طواعية. ومن هنا يجب ان توجد مراكز متخصصة تساعد في هذا العمل وفق المنهج الشرعي.  

المملكة المتحدة – لندن

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29 آيار/2007 -11/جمادي الأول/1428