صراع الارادات

عبد الامير علي الهماشي

 لم يعد خافيا على المواطن العراقي البسيط ناهيك عن المتتبع للاحداث السياسية في الساحة العراقية وجود إرادتين تتصارع فيما بينهما مع تداخل القوى وتقاطعها في هاتين الارادتين.

وأحد هاتين الارادتين تحاول إعادة الامور الى ماكانت عليه قبل التاسع من نيسان علم 2003 أو إعادة النظام السابق بمؤسساته وهيكليته ضمن تسميات جديدة تتناسب والوضع العراقي الحالي، وقد تكون أهدافها أوسع لاعادة الامور الى ماكنت عليه قبل التاسع من نيسان عام 2003 فيما أُصطلح عليه إعادة الاُمور الى المربع الاول كما تداولها بعض السياسين، وتستعين بعمليات عسكرية وارهابية لفرض كلمتها على الواقع.

والاُخرى تسعى الى بناء عراق جديد متعدد  متخذة من مسار العملية السياسية الطريق لترسيخ مبدأ التعددية والشراكة السياسية، ولايمكن اعتبار هذه الارادة مستفيدة من التغيير لوحدها عندما تسعى لتكملة مشوار العملية السياسية فإن الارادة الاخرى استفادت هي الاخرى من التغيير وباتت تتطلع لدور سياسي أكبر بعد زوال الديكتاتورية.

وساحاول استعراض بعض مصادر القوة و نقاط الضعف في الارادتين بصورة سريعة والملاحظ أن كلا الارادتين لاتحاول استعداء الجانب الامريكي بصورة مباشرة بالرغم من وجود قوى تحمل السلاح ضد القوات المتعددة الجنسية إلا أنها سرعان ماتخلت عن ذلك بعد لقاءات مع السفير الامريكي السابق في العراق ((زلماي خليل زاد)) الذي وعدها بحصة حقيقية في العملية السياسية، مما أعطى هذه القوى المسلحة دفعة معنوية بمواصلة العمل الارهابي المسلح ضد العراقيين هذه المرة تاركة القوات المتعددة الجنسية.

وتم تسمية هذه القوى بالمسلحة تارة والمتمردة تارة اُخرى ورفعت عنها تسمية الارهاب وأصبحت المجاميع التي تقتل العراقيين متمردة أو مجموعات مسلحة والتي تحمل السلاح ضد القوات المتعددة الجنسية إرهابية وهو ما ينطبق على تنظيم القاعدة فقط

ولنستعرض مصادر القوة ونقاط الضعف في الارادتين وسأبدأ بالارادة التي تسعى لاعادة الامور الى المربع الاول

ومما شجع هذه الارادة هو انتاج حكومة ((وحدة وطنية)) مثلها كمثل اخوة يوسف كانت أقل الخسائر بعد شبح اجهاض التجربة الانتخابية واطلاق مشروع المصالحة الوطنية الذي فُسر بتنازل الارادة الاخرى لسان حالها يقول اول الغيث قطرة.

ومصادر هذه الارادة تعتمد على:

أولا : الدعم العربي اللامحدود في كافة المجالات وتسويق شخصياتها عند الادارة الامريكية بشكل وبآخر وكذلك تسويقها عالميا أيضا، ضمن استراتيجتها الصامتة بإفشال الخيار الامريكي بالتغيير الشامل لحكام المنطقة وأنظمتها.

ثانيا: الهجمات الارهابية سواءا تلك التي تنفذها القاعدة أو اجهزة النظام السابق ومن التحق بها بعد احداث التاسع من نيسان عام 2003 التي تعطي هذه الارادة قوة تفاوضية.

وكلما إزدادت وتيرة الهجمات ازدادت فرص هذه الارادة بالنجاح وهي ما تعمل عليه وتحاول اجهاض مشروع المصالحة الوطنية والابقاء على التفاوض المنفرد مع الجانب الامريكي فقط بمباركة عربية من دول الجوار.

ثالثا: وجود تقاطع غريب  بين المؤسسات الامريكية في الشأن العراقي مما أدى الى استغلال الفرص  لعرقلة سير العملية السياسية وعدم وضوح رؤية الادارة الامريكية بشأن المستقبل العراقي خاصة بعد نجاح الاسلاميين بالانتخابات التشريعية في دورتين متتاليتن، فلا يمكن للولايات المتحدة أن تُسقط ((صدام)) لتسلم العراق الى الاحزاب الاسلامية .

رابعا: تململ الجماهير العراقية بعد المعانات اليومية والقتل الجماعي ومشاهد الدمار والهلع والفوضى التي يشهدها العراق على كافة الصُعد مما يدفعها الى قبول أي حل يجعلها تشعر بنوع من الاستقرار.

خامسا: الاعلام وإن كان هذا المصدر ضمن الفقرة الاولى إلا أني سأركز على الاعلام الامريكي المسير تحت حسابات المؤسسات الامريكية والحزبين المتصارعين الجمهوري والديمقراطي، اضافة الى مراكز الدراسات واستطلاع الراي التي تروج لفشل الرئيس بوش وضعف الحكومة العراقية دون بيان الاسباب الحقيقية لهذا الضعف.

أما نقاط الضعف:

فهي عدم الانسجام التام بين هذه القوى هذه الارادة التي سرعان ماتحول الى نزاع مسلح في أكثر من موقع في العراق وسجال سسياسي واعلامي خارجه هذا أولا.

ثانيا: سرعان ما تتخلى بعض القوى عن اتفاقاتها المعقودة فيما بينها عند التلويح بدور جديد في الساحة السياسية.

ثالثا: بالرغم من التململ الجماهيري من الاوضاع إلا أن رصيد هذه القوى وهذه الارادة مازال محل نقاش وتأمل وبمجرد عودة الاستقرار أو عند التحدي الحقيقي تجابه هذه القوى بالرفض وعدم القبول.

رابعا: عامل الوقت الذي لن يكون في صالح هذه القوى بسبب الضغوط حول الادراة الامريكية قبل انتخابات الرئاسة الامريكية أو المهلة الجديدة التي حددها الرئيس الامريكي وهو الصيف القادم.

خامسا: عدم وجود تأييد أمريكي رسمي لهذه الارادة بأي شكل من الاشكال وخيار هذه الارادة يعني فشل المشروع الامريكي وفشل مشروع الشرق الاوسط الكبير وانهيار استراتيجية الولايات المتحدة التي تبنتها الادارة للقرن الحالي.

الارادة الثانية:

بالرغم من المشهد السوداوي الذي يغطي سماء الاوضاع إلا أن نقطة بيضاء واحدة قد تغير المعادلة ومهما اشتد الظلام فان بصيص شمعة واحدة يذهب به.

ولذلك تجهد هذه القوى للعمل على ترسيخ وجودها بمرور الزمن وتعمتد مصادر القوة لهذه الارادة على الاعتراف الرسمي الامريكي وأعقبه اعتراف دولي كما تم ذلك في مؤتمر العهد الدولي في شرم الشيخ بمصر.

إضافة الى النجاحات الامنية في تفكيك شبكات إرهابية متعددة سواءا تلك التي ترتبط بمنظمة القاعدة أو المنفصلة عنها وقتل أو أسر بعض قادتها.

كما تحدثنا عن التململ الجماهيري في المناطق التي تشهد عمليات ارهابية في بغداد فإن الامر ذاته ينطبق على المناطق التي كانت حاضنة للارهاب التي شهدت رفضا واسعا لها بعد تجارب السنين الاربعة وتردي مستوى المعيشة والخدمات فيها إضلفة الى فرض طقوس غريبة على المجتمع لم يألفها من قبل مما أدى الى تحالف  جديد لاحت بشائر عمله خلال الستة أشهر الماضية وازدات فاعليته خلال الشهرين الماضيين.

وكما حاولت الارادة الاولى تفسير المصالحة الوطنية على أنها ضعف استثمرت الارادة الثانية هذه المصالحة بايجاد ثغرات مهمة في تحالفات المعسكر المقابل وأصبحت المصالحة احدى مصادر القوة لها.

وكلما مر الوقت كلما زادت وترسخت قوة الارادة الثانية باعتراف المجتمع الدولي ولعبة مراكز القوى الاقليمية والدولية.

وربما تكون نقاط الضعف هو عدم توحد الجهود وتشتت الافكار والرؤى حول مستقبل العملية السياسية برمتها.

مما يؤدي الى تفكك تحالف بعض قوى هذه الارادة وميلها الى الارادة الاخرى.

مازالت المصارحة مع الجانب الامريكي لم تأخذ مداها الطبيعي مما يسبب تأخيرا أمريكيا في تنفيذ بنود الاتفاقات والوعود في الجانب الامني والسياسي،بالرغم من وجود تقدم لابأس به في هذا المجال.

عدم تسليح الجيش والشرطة وتمكينها من المعلومات الاستخبارية التي ترصد الحالات الارهابية، مع عدم مبالاة واضحة من الجانب الامريكي فيما يتعلق بأمن المواطن العراقي.

وكما هو معلوم فإن الحرب على الارهاب يعتمد بالدرجة الاولى على المعلومة الاستخبارية التي تسبق الارهابي قبل تنفيذ جريمته وتفجير نفسه، وهو مازال عنصر ضعف في هذه الارادة.

وجود بعض الخروقات الامنية الامريكية لم يجد لها الجانب العراقي أي تفسير اضافة لتسجيل الكثير من حالات عدم التعاون واللامبالاة التي ذكرتها قبل قليل.

تفشي الفساد الاداري والمالي في مؤسسات الدولة مما يكون صيدا سهلا للارهاب أو لابقاء الاوضاع على ماهي عليه.

ختاما: ربما تكون مصادر القوة لهذا الطرف نفسها للطرف الاخر وتكون نقاط الضعف متشابة للطرفين وقد تكون مصادر القوة لهذا الطرف هي نقاط الضعف للطرف الاخر والعكس كذلك.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28 آيار/2007 -10/جمادي الأول/1428