عندما يصبح الصمت مرضا

بقلم: د. وليد سعيد البياتي

 فلسفة الصمت:

إذا كان للكلام فلسفة فللصمت هو الأخر فلسفته، وفلسفة الصمت فن من فنون الحكمة والسياسة، ومن هنا قيل: (قل خيرا او فالتصمت) لكنه اي الصمت حاله حال أي موقف آخر فتراه يصبح وبالا إذا لم يكن في حينه المناسب، فلا يمكن مثلا الاكتفاء بالصمت في احرج المواقف متعللين بعامل الزمن الذي قد يغير الحال، ولا يمكن الاتكال على الصمت تحت حجج واهية مثل ابداء حسن النية والمحاولة للتقرب من الاخر واكتساب رضاه او لترضيته وهذا الاخر يعمل في كل لحظة على غرس السكاكين في الصدور وتفجير الاجساد وقطع الرؤوس, لايمكن تبرير الجرائم بالصمت على فاعليها عسى ان يتوبوا، فلا حجة هنا فقهية أو قانونية.

فمنذ البداية أراد فقهاء السوء في مدرسة الخلافة دفع الناس الى الصمت عن الجرائم التي يمارسها الحكام بحجج واهية لم ينزل بها الشرع ولا يقبلها العقل السليم، حتى صار الصمت مرضا ووباءا يتفشى بين الافراد والجماعات، وبذلك حكمت الدولة الاموية والعباسية امر العامة، وإذا كان مرض الصمت قد اصاب الاخرين فما بالنا تصيبنا العدوى! فلماذا هذا الصمت المطبق على الجرائم اليومية التي يتعرض لها الانسان الشيعي في كربلاء الحسين عليه السلام؟ فليس من حكمة الصمت ان تبقى الطبقة السياسية لاهية عن ما يجري، فاذا كان الصمت جزءا من الخطة الامنية التي اعلنتها حكومة الاستاذ المالكي فيالها من حكمة بائسة، فما الفائدة ان اوقفنا القتل في بغداد إذا كان القتلة سينتقلون الى كربلاء او الى غيرها من المدن؟ فهل قتل الانسان الشيعي في الكاظمية يختلف عن قتل الانسان الشيعي في كربلاء او النجف او سامراء او حتى الموصل؟ واذا كان الساسة قد تبنوا موقف الصمت والتبرير، كالتبرير الاخير لاخينا الدكتور علي الدباغ في منع الحكومة الوهابية منح تأشيرة الدخول لرئيس الوزراء المنتخب فخامة الاستاذ نوري المالكي، فيا لها من مصيبة إذن.

 فالصمت الممدوح ليس ذلك الصمت الذي اصبح ثقيلا وملوثا بالدماء، ومن الغرابة ان اسمع تبريرا لاحد العلماء هنا في لندن يقول فيه: "ربما انهم يريدون ان يأتي يوم وتنهار الارادة الامريكية الضعيفة وبالتالي سيتم التخلص من الامريكان بعامل الزمن مما يؤدي الى التخلص من اتباعهم من التكفيريين والوهابيين وغيرهم". ولعمري انه لتبرير يجافي الواقع، فهل نبقى ننتظر مقدمين رقابنا كالنعاج للذبح؟ فهو يشبه قول احدهم: " انه اذا تجرأت امريكا على ضرب ايران فان ايران سترد وتضرب السعوديين والامريكان في ارض الجزيرة وبالتالي يمكن التخلص من الوهابيين والامريكان في نفس الوقت".

كل هذه التبريرات وكل هذا الصمت يعكس حالة من عدم التوازن، فهل تحتاج الحكومة الى المزيد من الدماء لتكتشف ان السعودية ومصر والاردن يمثلون مثلث الشر؟ الم نكتب وكتب غيرنا من الاخوة عن هذا الثلاثي المقيت؟  الم تكفي تصريحات عبدالله الوهابي وعبد الله قزم الاردن واللامبارك المصري في الكشف عن نواياهم الحقيقية تجاه الشيعة، ام سنجد هناك من ياتي ليقول لنا ان هؤلاء معذورون للقصور في الفهم التاريخي، وهم لا يعلمون انه ثمة شيعة في العراق؟

 الى متى هذا الصمت الذي اصبح ثقيلا كالرصاص الذي يندك يوميا في صدور شيعة أهل البيت عليهم السلام؟ الى متى هذا الصمت الذي اصبح باردا كرياح قطبية؟ أين المرجعية؟ فكل ما يصدر هو فتوى او تصريح عن مكتب آية الله العظمى السيد الحكيم وآخر عن مكتب آية الله العظمى السيد الشيرازي، أين المسؤولية التي حملها الامام الغائب عليه السلام للمراجع الاعلام في الدفاع عن العقيدة الالهية؟ ومتى كان الصمت احد اسلحة الدفاع؟ ومن يتحمل مسؤولية الدماء التي تسيل يوميا كنهر الفرات؟ هل كتب علينا ان نخوض كربلاء بعد كربلاء؟ ومرة ثانية هل ثار الامام الحسين عليه السلام ليعلمنا فلسفة الصمت.

غضب الجراح:

مازلت انظر كل يوم الى ذلك الاثر الداكن في خاصرتي، ذلك الجرح الغائر اثر طعنة تلقيتها في معتقلات الطاغية المقبور، كنت اخشى ان يزول الاثر، ولكن هل يزول اثر الظلم؟ هو جرح من جراح كثيرة نالها جسدي المسكين والمتعب لكن، اليست الجراح  هي الاخرى تصرخ، تذكرنا بأننا لم نصمت، بأننا رغم القهر وقتها لم نصمت ولم نتخاذل أو تنهار عقيدتنا، فهل يعقل ان نقدم اجسادنا وارواحنا واهلونا ومالنا ليأتي بعد ذلك من يلجمنا ويمارس فلسفة الصمت البارد؟ اليست هذه الجراح ومنذ كربلاء الحسين مازالت تشخب دما عبيطا؟ من يرد غضب الجراح الثائرة؟ يالسوء كل هؤلاء المرضى بالصمت، امازلنا نحتاج الى بركان يزلزلنا كي نثور؟ هذا تاريخنا مليء بالثوار، فيالله ويا وجع الجراح, فما الحاجة الى عالم صامت؟ ما الحاجة الى عبقري صامت؟ فقد بنيت الحياة على الفعل, والانسان لايكون صانعا للتاريخ إلا بالفعل، فيا ايها الصامتون هذي جراحي منذ الف فاغرة وما من اذن تسمع او عين تبصر؟ وها نحن نجتاز حاجز الزمن على وجع الجراح، هذا الصمت المسكون بالوحشة يوجعني أكثر من طعنة خنجر، هذا الصمت يذبحني الفا، فهل امتلأت حناجركم حسكا وسكاكينا تمنع الكلمات؟ وهل نبتت الاشواك على السنتكم فهي لا تعرف غير التبريرات الواهية؟ فمن ايما طينة جبلتم؟ أمن غير طينة هذه الارض؟ ومن ايما؟ وهل الذي يجري في شرايينكم دما أم سائلا من كوكب آخر؟ عجبا للصامتين اللاهين في وحل القناعة السلبية! ابعد الدماء إلا الثأر؟ هذه الدولة الوهابية تمنع رأس القيادة السياسية في العراق من الدخول الى ارض الجزيرة لا لشيء إلا لأنه شيعي (وهذا التصريح صدر عن مسؤول وهابي) فهل من الحكمة ان أن تلتزم الحكومة العراقية موقف الصمت أزاء هذا التصريح المهين؟ إين الكرامة الانسانية والكرامة السياسية؟ أين موقف التعامل بالمثل؟ فهل بلغ العجز ان تلتزم الحكومة الصمت؟ بل لا تكتفي بذلك فيخرج الدباغ بذلك التبرير الهزيل؟! كيف يمكن لنا ان نلتزم احترام حكومة تهين شعبها بهذا الشكل؟ كيف يمكن ان نتمتع بالاحترام والحكومة تسمح للدولة الوهابية بأهانتنا؟

فمعذرة ان كنتم لاتستطيعون الدفاع عنا دعونا نحن ندافع عن انفسنا وعليكم ان تلتزموا الصمت هذه المرة. ففي كل مرة تتكلمون فيها تزيدوا جراحنا عمقا، فمن قال أن المؤتمرات تحل المشاكل؟ ومتى كانت الجراح تداوى في الغرف الخلفية؟ عجبا ان كنتم لاتزالون تستمعون وتثقون بعمرو موسى واللامبارك وعبدي الجزيرة والاردن، فهل عملت هذه العجوز الهرمة المسماة بالجامعة العربية ألا في خلق المزيد من الجراح؟

وماذا سيقول المالكي اذا عرض عليه في شرم الشيخ صلحا مع اسرائيل تحت حجة ايقاف الارهاب الوهابي المصري الاردني اليومي في الشارع العراقي؟ (لقد ذكرت تقارير عربية واسرائيلية تفاصيل عن خطة عربية اسرائيلية لتمرير ما يعرف بالمبادرة العربية بقيادة السعودية وتغطية مصرية اردنية وجر العراق اليها مقابل ايقاف العنف). فأية مهزلة ايها الغارقون في بركة الصمت.

*المملكة المتحدة – لندن

شبكة النبأ المعلوماتية- االجمعة 4 آيار/2007 -15/ربيع الثاني/1428